الوعد العجيب
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم برنامج ‘طريق البر’.
في الحلقة السابقة من برنامجنا، رأينا كيف أن آدم وحواء ضلَّا بعيداً عن طريق الله،
عندما أكلا من ثمر الشجرة التي كان قد حرَّمها. وهكذا، اختار الإنسان ـ الذي خلقه
الله على صورته ـ أن يتبع الشيطان، عدو الله. فقبل أن يخطئ آدم وحواء، كانا يفرحان
عندما كان يأتي الله إلى الجنة، ليتحدث معهما. وأما الآن، فعندما سمعا صوت الله،
شعرا بالخوف والخجل، وحاولا أن يختبئا منه بين أشجار الجنة! ومع ذلك، بحث الله عن
آدم وحواء، وتكلَّم إليهما، وأعلن لهما عما ستأتي به الخطية إلى العالم: الضيق
والمعاناة، والشوك والحسك، والمرض والموت.
وبالتالي، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، يمسك ظل الموت بنسل آدم. إذ أن كل نسل آدم قد
حُبِل به بالخطية، ووُلِد بطبيعة شريرة. وسواء قبلنا هذا أم لم نقبله، فكلنا نشترك
في طبيعة جدنا آدم. ‘‘فمن شابه أباه فما ظلم.’’ فبسبب خطية آدم، وُلِدنا كلنا خطاة.
حقاً، ‘‘إن الوباء لا ينحصر في مصدره’’، كما يقول المثل. وكما أن خطية آدم قد فصلته
عن الله، فخطيتنا أيضاً قد فصلتنا عن الله. وهذا ما يقوله الكتاب:
‘‘من أجل ذلك كأنما بإنسان واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت. وهكذا
اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع’’ (رومية 12:5)، وأيضاً : ‘‘إذ الجميع
أخطأوا وأعوزهم مجد الله’’ (رومية 23:3)، وأيضاً: ‘‘بل آثامكم صارت فاصلةً بينكم
وبين إلهِكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم.’’ (إشعياء 2:59)
إن هذه قطعاً ليست برسالة سارة للآذان، ولكن هذه هي الحقيقة. فالحقيقة مرَّة، وكما
يقول المثل: ‘‘إن الحقيقة تلسع كالشطة.’’ وهكذا، نرى كيف أن خطية آدم الوحيدة فصلت
البشرية كلها عن الله. ففي اليوم الذي عصى فيه آدم الله، آدم، ومعه جميع الجنس
البشري الذي كان عتيداً أن يُولَد منه ـ هؤلاء كلهم ومعهم آدم، خرجوا من مملكة
النور، ودخلوا مملكة الظلمة. لم يعد لهم نصيب في مملكة الله. فبسبب خطيتهم، صار
نصيبهم مع الشيطان، الذي أخذهم كأسرى وعبيد. والآن، ليس لهم أن يأملوا في أي شيء في
هذه الحياة سوى العبودية للخطية، والخوف من الموت؛ وفيما بعد، عقاب لا ينتهي في
النار الأبدية.
ولو كان الكتاب قد توقف عند هذه النقطة، لما كان في وسعنا غير أن نغلقه، ونبكي
بكاءً مرَّاً مثل شخصٍ فٌقِد في البحر بلا أملٍ في النجاة. ولو لم يكن قد فتح الله
طريقاً للخلاص ليخلِّص نسل آدم، لكنا قد هلكنا للأبد.
ولكن مبارك الرب إلهنا، إذ لا تنتهي كتب الأنبياء بقصة خطية آدم. فالله، الذي هو
عظيمٌ في رحمته، قد فتح لنسل آدم باباً للخلاص! هكذا تقول كلمة الله:
‘‘ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً.’’ (رومية20:5)، وأيضاً: ‘‘لا تخافوا،
فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب.’’ (لوقا 10:2)، وأيضاً: ‘‘لأنه قد
ظهرت نعمة الله المخلِّصة لجميع الناس.’’ (تيطس 11:2)
وكما تعلَّمنا سابقاً، فإن الله قدُّوس. ولذا، فلابد أن يدين الخطاة. فالله بار،
ولا يستطيع أن ينسى الخطية وحسب. فهو لابد أن يعاقب الخطية. فأجرة الخطية هي موت،
وانفصالٌ أبديٌّ عن الله. إن الله لا يتغيَّر أبداً، وأجرة الخطية أيضاً لا تتغيَّر
أبداً.
ومع ذلك، فسنبدأ اليوم في قراءة الكتاب المقدس، لنعرف كيف أن الله، الإله القدوس،
نسج خطة ليحرر الخطاة من عقوبة الخطية. وهكذا، سنتعلم أن الله ليس هو فقط ..
‘‘القدوس’’، بل هو أيضاً .. ‘‘الرحيم’’! فالله ‘‘دياننا’’، يريد أيضاً أن يصبح
‘‘فادينا’’ و‘‘مخلِّصنا’’!
اليوم، سنرى كيف أنه في اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء، بدأ الله يعلن خطته العجيبة
لخلاص الخطاة. دعونا نستمر في التوراة، وفي سفر التكوين؛ لكي ما نتعلم عن هذه
الأخبار السارة. نقرأ في الفصل الثالث، والآية الخامسة عشر، أن الله قال للشيطان
الذي في الحية:
‘‘وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت
تسحقين عقبه.’’
تحتوي هذه الآية الصعبة على حقائق عميقة وهامة، والتي يشرحها أنبياء الله بالتفصيل
فيما بعد. ويمكننا إيجاز هذه الآية كما يلي: إن الله قد بدأ في إعلان خطته في إدخال
مخلِّص أو فادٍ إلى العالم ليفدي نسل آدم ويحرره من سلطان الشيطان. فهذه هي أول آية
تَذكُر مجيء الفادي القدوس. وفي هذه الآية، دعونا نتأمل أربع حقائق تخصُّ المخلِّص
أو الفادي الذي وعد الله أن يرسله.
الحقيقة الأولى هي هذه:
إن الله كان يعلن في هذه الآية كيف أن هذا المخلِّص كان سيولد من امرأة فقط، أي من
عذراء.
فكلٌّ منا لديه أبٌ وأم. إلا أن المخلِّص الموعود به كان سيأتي من امرأةٍ فقط بقوة
الله، ولا سيكون له أبٌ أرضي. فلن يأتي مخلِّص العالم من آدم، لأن كل نسل آدم
مصبوغين بالخطية. كان على مخلص الخطاة أن يكون بلا خطية. كان عليه أن يأتي مباشرة
من الله، من السماء. ولذا، فأول شيء نتعلمه في هذه الآية هو: أن الله وعد بفادٍ
قدوس، يكون من نسل امرأة، ولكن ليس من نسل رجل.
أما الحقيقة الثانية التي أعلنها الله في اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء، هو ما
قاله الله للشيطان (أي الحية) بخصوص المخلص الموعود: ‘‘تسحقين عَقِبَه..’’
وهكذا، بدأ الله يعلن كيف أن الشيطان سيعذب هذا المخلِّص الذي سيرسله من السماء.
وفي الدرس القادم، سنرى كيف تنبأ الأنبياء عن أن الشيطان سيحرِّض الناس ليضطهدوا
هذا المخلص ويعذبوه ويقتلوه. وهكذا، كانت خطة الله تتضمن مخلِّصاً مسحوقاً
ومضروباً. فمن أجل غرض إرجاعنا إلى الله كان على مخلِّص العالم أن يموت كذبيحة
للخطية. ‘‘البار’’ يموت من أجلنا، نحن الخطاة، واضعاً بإرادته حياته ليدفع عقوبة
الخطية، التي هي الموت.
أما الحقيقة الثالثة بخصوص هذا المخلص هي أن الله قد أخبر الشيطان الذي في الحية إن
هذا المخلص سوف يسحق رأسه (أي رأس الشيطان).
وكان هذا خبراً سيئاً للشيطان. ولكنه كان خبراً مفرحاً لكل من يريد أن يُعتَق من
قوة الشيطان والخطية والجحيم! وهكذا، بدأ الله يعلن أن هذا المخلِّص، في النهاية،
سوف يَغلِب الشيطان ويحرر نسل آدم الذين قد أصبحوا عبيداً للخطية.
أما الحقيقة الرابعة والأخيرة، فهي أن الله قد بدأ يعلن أنه سيكون هناك مجموعتان من
الناس في العالم. مجموعة أتباع الشيطان، ومجموعة أتباع الله.
.. أتباع الشيطان هم الذين يرفضون تصديق كلمة الله.
.. أما أتباع الله، فهم هؤلاء الذين يصدقون كلمة الله، ويضعون كل ثقتهم في المخلِّص
الموعود.
وهكذا، ففي اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء، بدأ الله يعلن خطته العجيبة لتخليص
الخطاة. وفي الحلقات القادمة، سنرى شيئاً فشيئاً كيف تكلَّم كل أنبياء الله معلنين
مجيء مخلِّصٍ قدوس، ليحرر الخطاة من يد الشيطان.
لا تنزعج عزيزي المستمع، إذا كان ما درسناه غير واضحٍ بالنسبة لك، لأنه عندما نتقدم
تدريجياً في دراستنا المرتبة ترتيباً زمنياً، ستتضح لك الأمور شيئاً فشيئاً. إذ
يقول الله في كلمته:
‘‘إن دعوت المعرفة ، ورفعت صوتك إلى الفهم. إن طلبتها كالفضة، وبحثت عنها
كالكنوز. فحينئذٍ .. تجد معرفة الله.’’ (أمثال 4:2
والآن إذاً، دعونا نختم قراءة الفصل الثالث من الكتاب الأول في التوراة. يقول
الكتاب:
‘‘وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصةٍ من جلد، وألبسهما. وقال الرب الإله: هو ذا
الإنسان قد صار كواحدٍ منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده، ويأخذ من شجرة
الحياة، ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن، ليعمل الأرض التي
أُخذ منها. فطُرِد الإنسان، وأقام شرقيَّ جنة عدنٍ الكروبيم ولهيب سيفٍ متقلبٍ
لحراسة طريق شجرة الحياة.’’ (تك 21:3ـ24)
وهذا هو ما ينتهي به الفصل الثالث ..
وقبل أن نختم حلقتنا اليوم، دعونا نتأمل بعض الحقاق الهامة التي احتوتها هذه
الآيات.
يقول الكتاب: ‘‘وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد، وألبسهما.’’
هل تذكر ما فعله آدم وحواء بعد أن أكلا من شجرة معرفة الخير والشر؟ لقد خاطا أوراق
تين، وأحاطا بها خصريهما كمحاولة لإخفاء عارهما أمام الله. ولكن، هل قبل الله
الملابس التي خاطاها لأنفسهما، تلك التي خاطاها من أوراق التين؟ لا، لم يقبلها.
ولماذا لم يقبل الله الملابس التي صنعاها لأنفسهما؟ أتعرف لماذا؟ لأن الله أراد أن
يعلِّم آدم وحواء أنه ‘‘كاملٌ’’، ولا يقبل أعمال الإنسان ‘‘غير الكاملة’’. وفي هذا
الشأن، يقول الكتاب:
‘‘وقد صرنا كلنا كنَجَسٍ، وكثوب عُدَّةٍ كل أعمال برنا.’’ (أشعياء 6:64)
فليس هناك ما يستطيع الإنسان عمله ليغطِّي خطاياه أمام الله.
ومع ذلك، فقد فعل الله شيئاً للإنسان ..
فقد ذبح الله بعض الحيوانات، ونزع جلدها. وصنع ملابس من الجلد لآدم وحواء. لقد أتى
الله بأول ذبيحة حيوانية. يا له من منظرٍ مصدم لآدم وحواء، وهم يشاهدان الدم وهو
يسيل من الحيوانات التي ذبحها الله. من خلال سفك دم الحيوانات، أراد الله أن يعلِّم
آدم وحواء أن ‘‘أجرة الخطية موت’’ (رومية 23:6) ، ويعلمهما أيضاً أنه ‘‘بدون سفك دم
لا تحصل مغفرة.’’ (عب 22:9)
ولن نستطيع اليوم أن نشرح ذلك بالتفصيل، فيما عدا أن نقول أن قانون الله الأساسي
للغفران ينص على أنه: ‘‘بدون سفك دم، لا تحصل مغفرة للخطية’’.
فأجرة الخطية لابد وأن تُدفَع. وأجرة الخطية هي الموت. فالله لا يستطيع أن يغفر
خطية ما لم يُدفَع ثمنها. ولابد من موت ضحية طاهرة بريئة بدلاً من الخاطئ المذنب.
وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الله أن يغفر الخطية دون المساس ببره.
وهكذا، أسس الله نظام الذبائح الحيوانية؛ ليذكِّر الخطاة أن أجرة الخطية هي موت.
وترمز الذبيحة الحيوانية إلى المخلِّص القدوس، الفادي الذي سيأتي إلى العالم
ليُسفَك دمه ثمناً للخطية. وسنتعلم المزيد عن هذا فيما بعد. ولكن دعونا اليوم،
نتذكر أن الله سفك دماء حيوانات ليغطِّي عار آدم وحواء.
وبعد هذا، طرد الله آدم وحواء من جنة الفردوس في عدن. وأقام ملاكاً ماسكاً لهيب
سيفٍ متقلبٍ لحراسة شجرة الحياة. لقد اختار آدم وحواء طريق الموت، عندما أكلا من
الثمرة التي حرمها الله. وهكذا، لم يَعُدا يستطيعان أن يتمتعا ببركات جنة الفردوس
الرائعة. لقد رأينا من قبل كيف أن الله طرد من محضره لوسيفر، الذي هو الشيطان، وذلك
بسبب خطيته. والآن، نرى كيف طرد آدم وحواء أيضاً بسبب خطاياهما. فالله هو القدوس،
ولابد له أن يعاقب كل من هو غير قدوس.
وهكذا، أصدقاءنا المستمعين، دعونا نحتفظ بفكرتين في ذهننا.
الفكرة الأولى هي أن الله هو ‘‘البار’’.
فالله لا يستطيع أن يحتمل الخطية، ولذلك أدان آدم وحواء، وطردهما من الجنة.
والفكرة الثانية هي: أن الله هو ‘‘الرحيم’’.
إن آدم وحواء لم يستحقا رحمة الله، ولم يستحقا إلا دينونته. إلا أن الله لا يريد أن
يهلك الناس. ولهذا وعد الله بمخلِّص ينقذ الخطاة من ظلمة مملكة الشيطان، وينقلهم
إلى نور ومجد مملكة الله.
لا تنخدع عزيزي المستمع! فإن رحمة الله لا تتعارض أبدا مع برِّه.
فهاتان الصفتان في الله لابد وأن يعملا معاً. وفي الدروس المقبلة سنرى بأكثر وضوح
كيف أن الله يستطيع أن يظهر الرحمة للخطاة، دون أن يتعارض ذلك مع بره.
أعزاءنا المستمعين ..
كانت هذه هي حلقتنا اليوم من برنامجكم ‘‘طريق البر’’. تحدثنا اليوم عن الوعد العجيب
الذي صنعه الله في اليوم الذي ضلَّ فيه آدم وحواء عن طريقه.
نأمل أن تستمروا في الاستماع إلى هذه الحلقات، إلى أن تفهموا فهماً كاملاً وعد الله
العجيب بخصوص المخلِّص الذي أرسله ليخلِّصنا من خطايانا.
نشكركم لحسن استماعكم. وندعوكم أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة لتتعلموا بعض
الدروس المهمة عن قايين وهابيل، أول أبناء لآدم وحواء.
وليبارككم الله، وأنم تتأملون فيما يعلنه الكتاب عندما يقول :
‘‘ولكن حيث كثرت الخطية، ازدادت النعمة جداً.’’ (رومية 20:5)
ــــــــ
الدرس العاشر | فهرس دراسات
طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية |