10
قايين وهابيل ..
وطريقة الذبيحة
تكوين
4
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
في المرة السابقة، في دراستنا في التوراة، رأينا كيف أن الله، بعد أن أخطأ آدم
وحواء، بدأ يعلن خطته بشأن إرسال مخلِّصٍ إلى العالم، ليخلِّص نسل آدم من قوة
الشيطان والخطية والجحيم.
ورأينا أيضاً، كيف أن الله رفض أن يقبل الملابس التي صنعها آدم وحواء لأنفسهما من
أوراق التين. إذ أراد الله أن يعلِّمهما أن الخطاة ليس لديهم أي طريقة لتغطية عارهم
أمام القدوس، الذي لا يستطيع إلا أن يدينهم. إن الله وحده هو الذي يستطيع أن يخلِّص
الخطاة من دَيْنهم. ومن هنا، رأينا كيف أن الله نفسه ذبح بعض الحيوانات، وصنع ملابس
من الجلد، ووضعها على آدم وحواء. وهكذا، عمل الله أول ذبيحة دموية.
ونقرأ أيضاً، كيف أن الله أعلن أنه سيكون هناك مجموعتين من البشر على الأرض: هؤلاء
الذين يرفضون تصديق كلمة الله، وأولئك الذين يصدقونها.
و اليوم، سنقرأ عن أول ابنين لآدم وحواء. قايين، الذي رفض أن يصدِّق الله، وهابيل،
الذي صدَّق الله. وهكذا رأينا، أن آدم وحواء صارا يعيشان الآن خارج فردوس جنة عدن.
إذ طردهما الله بسبب معصيتهما. وبسبب خطيتهما، لم يعدا يستطيعان العيش في بركات جنة
الفردوس. لقد أفسدت خطيتهما علاقتهما مع الله. ومع ذلك، كان الله لا يزال يحبهما
ويهتم بهما.
والآن، دعونا نقرأ التوراة، في الفصل الرابع من سفر التكوين.
يقول الكتاب:
‘‘وعرف آدم حواءَ امرأته فحبلت وولدت قايين. وقالت اقتنيت رجلاً من عند الرب.
ثم عادت فولدت أخاه هابيل. وكان هابيل راعياً للغنم، وكان قايين عاملاً في الأرض’’
(تك 22:4)
لقد انجب آدم وحواء ابنين. وكانا من الخطاة مثل أبويهما. إذ امتدت خطية آدم إلى
أبنائه مثل مرض معدي. فحبلا بقايين وهابيل بالخطية. هكذا يقول الكتاب:
‘‘وولد (آدم) ولداً على شبهه كصورته.’’ (تك 3:5).
.. حقاً: ‘‘من شابه أباه فما ظلم.’’
لقد وُلِد قايين وهابيل بطبيعة تميل إلى الخطية. ونما الولدان في الجسد، وازدادا في
المعرفة. وأصبح قايين عاملاً في الأرض. وكان عاملاً جاداً، ولم يكن يخشى الأعمال
الصعبة. أما هابيل فكان راعياً للغنم. وعرفا كلاهما عن الله. لقد علما أن الله
موجود، وأنه قدوس، ويكره الخطية. ولكن، كان ينبغي أن يعرف كل منهما انه لكي يقتربا
من الله، فإنهما يحتاجان أن يأتيا إليه عن طريق الذبيحة الدموية التي رسمها الله.
وجاء يوم في حياة قايين وهابيل عندما قررا أن يعبدا الله، ويقدما له قرباناً.
وهكذا، يقول الكتاب:
‘‘وحدث من بعد أيام، أن قايين قدم من ثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل أيضاً
من أبكار غنمه ومن سمانِها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين
وقربانه لم ينظر. فأغتاظ قايين جداً، وسقط وجهه.’’ (تك 3:4ـ5)
دعونا نتأمل فيما حدث ..
اثنان أرادا أن يعبدا الله. وكلاهما قدم قرباناً لله. لكن الكتاب يقول: ‘‘فنظر الرب
إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر.’’ فلماذا إذاً قبل الله قربان
هابيل، ورفض قربان قايين؟ وماذا كان الفرق بين هذين القربانين؟
حقاً، إن قربان قايين وقربان هابيل مختلفان. لقد أحضر هابيل إلى الله دم خروف بلا
عيب. فغفر الله خطايا هابيل، ولكنه لم يغفر خطايا قايين.
لماذا غفر الله خطايا هابيل، الذي أحضر دم الخروف، ولم يغفر خطايا قايين الذى أحضر
الخضروات والفاكهة؟ هل لأن الله لا يحب الخضروات والفاكهة؟ لا، لم يكن هذا هو
السبب!
لماذا إذاً حكم الله على هابيل انه بار وترك قايين في خطيته؟ نعم، هذا هو السبب:
لقد أحضر هابيل القربان الذي كان يتطلبه الله، ولكن قايين أحضر شيئاً آخر.
ما هو الشيء الذي كان يتطلبه الله لكي يستطيع ان يغفر ذنوبهم دون المساس بكمال بره؟
لقد كان الله يتطلب الدم ـ أي الحياة ـ حياة بلا عيب. لقد آمن هابيل بالله، وأحضر
ذبيحة دموية، تماماً كما طلب الله. وهكذا يقول الكتاب: ‘
‘بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين. فبه شُهِد له انه بارٌ إذ شهِد الله
لقرابينه.’’ (عبرانين4:11) لقد آمن هابيل بالله، أما قايين فلم يؤمن به.
ماذا يعنى الإيمان بالله؟
الإيمان بالله هو الثقة فيه إلى حد إطاعة كلمته. إن الإيمان بالله هو أن نقبل كل ما
يقوله الله كحقيقةٍ لا تقبل الشك.
فإذا قلت: ‘‘أني أؤمن بالله’’، وأنت لا تؤمن بما يقوله الله في الكتاب المقدس،
إذاً، فأنت لا تؤمن حقاً بالله. فالله وكلمته شيءٌ واحدٌ. فإذا كنت تؤمن بالله،
فستؤمن بكلمته وتطيعها. وإذا كنت لا تؤمن بما يقوله الله، فإنك ترفض الله نفسه.
لقد قبل الله هابيل؛ لأنه آمن بكلمته، وجاء بدم حمل كما أوصى الله. ولكن الله لم
يقبل قايين؛ لأنه لم يؤمن بكلمة الله بإخلاص. لقد ادَّعى قايين انه يؤمن بالله،
ولكن أفعاله كانت تنكر هذا؛ لأنه لم يقدم ذبيحة دموية كما أوصى الله.
وربما يسأل سائل: ‘‘لماذا أمر الله بذبائح دموية؟ لماذا قال الله: بدون سفك دم لا
تحصل مغفرة ؟’’
هذا هو السبب. تعلن شريعة الله المقدسة أن أجرة أو عقوبة الخطية هي الموت، ولذا وجب
سفك الدم. فلم يقل الله: ‘‘أجرة الخطية تُدفَع بفواكه وخضروات’’، ولا قال أيضاً:
‘‘إن أجرة الخطية هي الصلاة والصوم وعمل الأعمال الحسنة.’’ لا، بل ما قاله الله في
قداسته هو أن الثمن المطلوب للخطية هو .. الموت.
يوضِّح لنا الله، في كتب الأنبياء أن كل شخص من نسل آدم قد أخطأ، وأن كل خاطئ عليه
دينٌ عظيم لله القدوس. ولابد للخاطئ أن يموت، وأن يدفع دين الخطية هذا في الجحيم
إلى الأبد. ودين الخطية هائل، ولا تستطيع أنت أن تأتي بما يكفي من الأعمال الحسنة
لترد هذا الدين لله. فعقوبة الخطية هي الموت والجحيم. وهذا هو السبب في أن الأعمال
الحسنة لا تستطيع أبداً أن تسدد هذا الدين!
دعونا نحاول توضيح هذا ..
تخيلوا معي أني مديونٌ لشخص ما بمبلغ ضخم من المال، وإني ذهبت إليه قائلاً:
‘‘أنا أعلم أني مديون لك بمبلغ ضخم. ولكني مفلس تماماً، ولا أستطيع دفع
ديني بالمال، ولكني لديَّ خطة أخرى للدفع. وهذه هي خطتي: كل يوم،
سأقوم بكنس فناء منزلك. وهكذا، سأعمل لك حتى أسدد ديني.’’
والآن، ماذا تظن سيكون رد فعل الدائن لهذا الاقتراح؟ ربما يغضب، وربما يضحك عليَّ،
ولكن الشيء المؤكد هو أنه لن يتقبل هذه الفكرة! ولماذا لن يتقبلها؟ لأنه من
المستحيل دفع ديني الهائل هذا بأعمالي الحسنة الزهيدة هذه.
وبالمثل، لا يستطيع أحد أن يسدد دين الخطية بأعمال حسنة. فلا يُوجد إلا شيء واحد
يمكن أن يسد ثمن الخطية. ليس المال .. ولا الأعمال الحسنة .. ولكنه الموت. فأجرة
الخطية هي الموت والدينونة. وبالتالي، فلم يستطع الله أن يلغي دين خطية قايين
وهابيل بناءً على أعمال أيديهما. لقد كانت خطة الله لإلغاء دينهما، هي عن طريق دم
الذبيحة. فلابد أن يموت البريء بدلاً من المذنب.
وهكذا، فإن غفران الخطايا لا يتأسس على خطة الإنسان، بل على خطة الله. فعلى أساس
الذبيحة البدلية، فتح الله باباً للغفران والخلاص لأبناء آدم. ففي الأجيال الأولى،
حكم الله أن كل خاطئ يجب أن يقدم حيوان بلا عيب ويذبحه. فالحيوان البرئ يموت كبديل
عن الخاطئ. فبسبب دم مثل هذه الذبيحة، كان يمكن على الله أن يتأنى على نسل آدم،
ويستر خطاياهم مؤقتاً.
إلا أن دم الحيوان لم يستطع إلغاء دين خطية الإنسان؛ لأن قيمة الحيوان لا تساوي
قيمة الإنسان. فلهذا يقول الكتاب أن الذبائح الحيوانية كانت هي مجرد ‘‘ظل الخيرات
العتيدة لا نفس صورة الأشياء .. لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا.’’ (عب
1:10ـ4)
وهكذا، فأهم ما ينبغي أن نتذكره عن الذبائح الحيوانية هو أنها كانت مجرد رمزاً أو
مثلاً توضيحياً يشير إلى عمل المخلِّص الذي سيأتي إلى العالم ليدفع دين خطية نسل
آدم. إن هذا المخلص الذي وعد به الله، سيموت ‘‘مرةً واحدةً من أجل الخطايا، البار
من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله.’’ (1بط 18:3) وكما هو مكتوب في الإنجيل: ‘‘له
(أي لهذا المخلص) يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا’’
(أع 43:10)
ولكن إرادة الله في الأجيال الماضية تطلبت ذبائح حيوانية. إلا أن قايين تجاهل خطة
الله. إذ تقدم قايين بنهجٍ آخر، بديانة من صنعه هو. لقد خلق قايين أول ديانة كاذبة.
إذ أحضر إلى الله أعمال يديه هو. لقد قدَّم قرباناً مما زرعه، أي من نتاج الأرض
التي لعنها الله، النتاج الذي ليس فيه دم. فهل قبل الله تلك الذبيحة غير الدموية؟
لا، إن الله لم يقبلها!
أما بالنسبة لهابيل، فقد أحضر خروفاً بلا عيبٍ، وذبحه كي ما يسفك دمه. وبعد ذلك،
حرقه. وبسبب تلك الذبيحة، كان لهابيل ضميرٌ خالصٌ أمام الله. فلقد كان هابيل يعرف
في نفسه أنه مستحقٌ الموت، ولكن الحيوان البريء قد مات بدلاً عنه. وهكذا، عبَّر
هابيل عن إيمانه بالمخلِّص العتيد أن يأتي إلى العالم؛ ليموت بدلاً من الخطاة،
متحملاً عقاب خطاياهم.
ونَوَد هنا أن نلخص قصة اليوم بأن نوجه إلى أنفسنا سؤالاً هاماً جداً:
‘‘لماذا لم يقبل الله قربان قايين؟ هل كان قايين أكثر خطية من هابيل؟’’
إن هذا ليس هو السبب. فكلٌ منهما كان خاطئاً في نظر الله، وكلٌ منهما قدم قرباناً
لله. كان قايين شخصا متديناً. وهنا، ربما يمكننا أن نقول أن قربان قايين كان في
ظاهره أكثر احتراماً من قربان هابيل. فلا شك أن الفاكهة والخضروات جميلة جداً في
منظرها، أما الحمل المذبوح ودمه المسفوك ليس بمنظرٍ جميل.
إلا أن الخطية هي شيءٌ كريهٌ جداً لله، وطريق الغفران الذي أسسه الله قد أعلن أن:
‘‘بدون سفك دم لا تحصل مغفرة.’’ ومن ثمَّ، رفض الله قايين وقربانه؛ لأن قايين لم
يحترم طريق التبرير الذي صنعه الله للخلاص. لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الله إلا إذا
أتى بطريق البر الذي رسمه الله. فطريق الله طريقٌ كاملٌ ومحدد. فهو واضحٌ ومباشرٌ
مثل المسألة الحسابية.
فإن سأل معلم تلميذه في المدرسة: ‘‘ما هو حاصل جمع اثنين واثنين؟’’ فليس هناك إلا
إجابةٌ واحدةٌ صحيحة لهذا السؤال. إن حاصل جمع اثنين واثنين هو أربعة.
.. فإن أجاب التلميذ وقال ‘‘ثلاثة’’، فإن إجابته خاطئة.
.. وإن قال ‘‘خمسة’’، فمازالت الإجابة خاطئة.
.. وإن قال ‘‘أربعة ونصف’’، فهو أيضاً على خطأ. لماذا؟ لأن حاصل جمع اثنين واثنين
لا يمكن أن يكون إلا أربعة.
وهذا هو الواقع مع الطريق البار الذي أسسه الله للخلاص. فليس هناك إلا إله واحد،
وليس هناك أيضاً إلا طريقاً واحداً للخطاة يمكنهم به أن يتصالحوا مع الله القدوس!
إنه طريق الذبيحة الكاملة كمالاً مطلقاً.
وأنت يا من تستمع إلينا اليوم، هل تعرف ما تقوله كلمة الله فيما يخص الذبيحة
المقدسة التي قدمها الله ليلغي دين خطيتك إلى الأبد؟ هل تعرف أن الله نفسه قد أرسل
إلى العالم مخلِّصاً عظيماً، لكي ما تٌغفر لك خطاياك، ويكون لك قلباً طاهراً أمام
الله؟
في الدروس المقبلة، سنتعلم الكثير عن هذا المخلص العجيب. أما بخصوص هذا المخلص
فيقول الكتاب: ‘‘ليس بأحدٍ غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين
الناس به ينبغي أن نخلص.’’ (أع 12:4)
أصدقائي المستمعين ..
.. إلى هنا نأتي إلى ختام حلقة اليوم من برنامجكم ‘‘طريق البر’’. وفي حلقتنا
القادمة بمشيئة الله، سنستكمل دراستنا عن قايين وهابيل.
فليبارككم الله، وأنتم تتأملون في شريعته الأساسية:
‘‘بدون سفك دم، لا تحصل مغفرة.’’ (عب 22:9)
ــــــــــــ
الدرس الحادي عشر | فهرس
دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية |