11

قايين غير التائب

تكوين 4

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

تعلمنا في حلقتنا السابقة عن قايين وهابيل أول ابنين لآدم وحواء. ورأينا كيف أن كل منهما أراد أن يعبد الله، ويقدم له قرباناً. فاخذ قايين بعضاً من أثمار الأرض التي جمعها، وقدمها قرباناً لله. أما هابيل، فقدم لله خروفاً بلا عيب، وقدمه كذبيحةٍ كفارةً للخطايا. ويقول الكتاب: "فنظر الرب إلى هابيل وقربانه؛ ولكن إلى قايين وقربانه، لم ينظر."

لماذا قبِل الله قربان هابيل، ولم يقبل قربان قايين؟ ذلك، لأن طريق الله للبر يتطلب "ذبيحة دم". فحسب الله هابيل أنه بار لأنه آمن بكلمة الله، وقدم الذبيحة التي طلبها الله. أما قايين، فحاول أن يقترب لله عن طريق مجهوده، وهو الشئ الذي لا يقبله الله.

واليوم، نود أن نختم دراستنا عن قايين وهابيل. فهل تعلم ماذا حدث عندما رفض الله قربان قايين؟ يقول سفر التكوين في العدد الخامس من الأصحاح الرابع: ‘‘فأغتاظ قايين جداً وسقط وجهه.’’ (تك5:4) .. ولكن، لماذا اغتاظ قايين؟
هذا ليس من الصعب فهمه. وللتوضيح، إذا ما قمت مثلاً بفعل شيء خاطئ، وجاء إليَّ احدهم، ووبخني قائلاً: ‘‘إنك فعلت شيئاً خاطئاً! غيِّر طريقك وافعل الصواب.’’، ما هو رد فعلي تجاه هذا الشخص الذي وبخني؟ هناك احتمالان. إما أن أتقبل توبيخه بإتضاع وأغير طريقي، أو أن أغضب منه، وأستمر في خطأي.

لقد وبَّخ الله قايين؛ كي ما يدرك أن الأشياء التي قدَّمها كذبيحة من عمل يديه، لم تكن لها قيمة عنده. كان الله يريد أن يتوب قايين، ويحضر له ذبيحةَ حملٍ بلا عيب كما فعل هابيل. كان الله يريد أن يقود قايين إلى الطريق الصحيح، طريق الغفران. أما قايين، فرفض في كبريائه أن يعترف بتعديه أمام الله، وأغتاظ وعبس وجهه.

"فقال الرب لقايين: لماذا اغتظت، ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفعٌ؟ وإن لم تحسن، فعند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها." (تك 6:4،7)
ولكن، لماذا سأل الله قايين بهذه الطريقة؟
لقد سأله كذلك؛ لأن الله لم يُرِد أن يهلك قايين. كان الله يريد قايين أن يتوب عن خطاياه، ويتبع الطريق الصحيح. كان الله يحذر قايين من عدو يهدد بتدميره وتدمير نسله. هذا العدو هو الخطية.

ما هي الخطية؟ الخطية هي مشكلة العالم. هي ألد عدو لنا. فهي مثل الحية، ممتلئة بسم مميت. إنها مثل شعلة النار التي تستطيع أن تحرق غابة شاسعة. الخطية هي شعلة النار التي يحرق بها الشيطان العالم.

تقول كلمة الله: ‘‘فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل، فذلك خطية له.’’ (يعقوب17:4) وتقول كلمة الله أيضاً: ‘‘الخطية هي التعدي. من يفعل الخطية فهو من إبليس؛ لأن إبليس من البدء يخطيء.’’ (1يوحنا4:3-8) فالخطية هي القوة التي تسير في أجسامنا، وتحارب كل ما هو حق وصالح. والخطية هي رفض الإيمان بالله، ورفض طاعته. الخطية هي أن نسلك الطريق الذي نختاره. (أشعياء 60:53)

ماذا ستكون نهاية الذين يسلكون في طريقهم الخاصة، ويرفضون الإيمان بالله وطاعته؟ تقول كلمة الله أنهم ‘‘.. سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته.’’ (2تسالونيكي 9:1)
فهؤلاء الذين يأتون من خلال الطريق الذي وضعه الله للخلاص، سيحصلون على حياة أبدية. أما الذين يقسُّون قلوبهم تجاه الحق، فسيواجهون غضب الله ودينونته. إذ تقول كلمة الله: ‘‘وهو لايشاء أن يهلك أناس، بل أن يقبل الجميع الى التوبة.’’ (2بطرس 9:3). إن الله لم يُرِد أن يهلك قايين في الخطية، ولكن أراد الله له أن يتوب، ويختار طريق البر.

وكما رأينا في حلقتنا السابقة، أن الله قد أظهر للخطاة الخطة التي يتبرروا بها أمامه. لقد آمن هابيل أن الله قال: ‘‘أجرة الخطية موت’’ و‘‘بدون سفك دم لاتحصل مغفرة’’ (رومية 23:6، عبرانيين 22:9). ولقد كان لهابيل ضمير صالح أمام الله بسبب سفك دم حمل الذبيحة. لقد عرف هابيل أنه خاطيء مذنب يستحق عقاب الله. ولكنه عرف أيضاً أنه قدم حملاً بريئاً كما أراد الله. والحمل الذي قدمه هابيل، كان رمزاً للمخلِّص الذي سيأتي إلى العالم ليقدم حياته كذبيحة تفدي دين الإنسان للخطية إلى الأبد.
أما قايين، فتظاهر أنه يؤمن بالله، ولكن أعماله نفت ذلك. لقد أكرم قايين الله بشفتيه، أما قلبه فكان مبتعداُ عنه بعيداً. إن دم الحمل هو ما يطلبه الله، أما قايين فقدم لله عمل يديه. وهكذا، لم تكن عبادة قايين ذات قيمة لله؛ لأن قايين لم يقبل طريق الله.

دعونا الآن نقرأ العدد التالي لنرى ماذا فعل قايين بعد أن وبَّخه الله على تقدمته. تقول كلمة الله: ‘‘وكلم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل، أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله.’’ (تك 8:4) ولكن ماذا فعل قايين؟ هل تاب؟ هل آمن بالله وأحضر له دم حمل كذبيحة للخطية؟ لا، بل أضاف قايين خطية فوق خطيته بقتله لأخيه.
إن هذا لعجيب! فقايين الذي رفض أن يسفك دم الخروف لكي ما يغفر له الله خطاياه، نراه الآن يسفك دم أخيه البار. ما رأيك أنت في ذلك؟ من وضع في ذهن قايين فكرة قتل أخيه؟ لمن كان يسمع قايين؟ كان قايين يسمع للشيطان. تقول كلمة الله ان قايين قتل أخيه لأن ‘‘.. قايين من الشرير، وذبح أخاه.’’ (1يوحنا12:3) ولقد رأينا سابقاً كيف أعلن الله أنه سيكون على الأرض نوعان من الناس. هؤلاء الذين يتبعون الله، وأولئك الذين يتبعون الشيطان. كان هابيل يتبع الله، لأنه آمن بكلمة الله وأطاعها. أما قايين، فقد كان يتبع الشيطان؛ لأنه لم يؤمن بكلمة الله.

دعونا الآن نسمع لما قاله الله لقايين بعدما قتل أخاه الأصغر. يقول الكتاب:
‘‘فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك؟ فقال لاأعلم؛ أحارس أنا لأخي. فقال: ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ من الأرض. فالآن، ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملْت الأرض لاتعود تعطيك قوتها. تائهاً وهارباً تكون في الأرض.’’ (تك9:4-12).

وهكذا، عاقب الله قايين قائلاً: ‘‘متى عملت الأرض لاتعود تعطيك قوتها.’’ إن الله لم يعاقب قايين كيما يدينه، ولكن ليجعله يتوب عن خطاياه، ويؤمن بالحق ويخلص. ولكن ماذا فعل قايين؟ هل تاب؟ لا، لم يتب قايين. تقول كلمة الله: ‘‘إن قايين الذي أهمل كلمة الله، أدار ظهره لله وأبعده عن حياته. لم يكن الله هو الذي ابتعد عن قايين، ولكن قايين هو الذي أبعد نفسه عن الله.

واليوم، يشبه معظم نسل آدم قايين. فهم يسلكون في طريقهم، ويغلقون قلوبهم أمام صوت الله. فيقولون بشفتيهم: ‘‘ان الله عظيم’’، ولكن في قلوبهم يظنون أن ‘‘الله بعيد جداً، ولاأحد يستطيع أن يعرفه’’. لكن كلمة الله ترينا أن الله ليس بعيداً عن أي منا؛ لأنه يعطي كل منا حياة بل وكل شيء آخر. فهو أقرب إلينا من دقات قلوبنا. فالله يعرفك شخصياً، ويريدك أن تعرفه معرفه شخصية أيضاً. (أنظر أعمال 24:17-31، رومية 1:10-13).

فلماذا إذاً لا يعرف معظم الناس الله معرفة شخصية؟! تجيب كلمة الله على هذا السؤال فتقول: ‘‘وهذه هي الدينونة، أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور؛ لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيآت، يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا تُوَبَّخَ أعماله’’ (يوحنا19:3-20).

فالناس لاتعرف الله؛ لأنهم مثل قايين، أداروا ظهورهم لله. يقول نبي الله داود: ‘‘سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي.’’ (مز 105:119) فإذا حوَّلت ظهرك عن نور كلمة الله، ستظل في ظلمة الخطية، ولن تعرف الله. قد يبدو أن الله بعيدٌ عنك. لكن الله يريدك أن تعرف أنه ليس بعيداً عنك. فهو خلفك وجانبك وأمامك. فالله يحبك، ويريد أن يدخل معك فى علاقة حميمة. لكن يجب ألا تكون مثل قايين الذي قسى قلبه، ورفض أن يقبل طريق البر. فالله أراد لقايين أن يتوب. وحتى اليوم، والله يريد الجميع أن يتوبوا ويقبلوا إليه ويؤمنوا به.

هل تعرف ماذا تعني التوبة؟! إنها تعني أن نغيِّر أفكارنا وتصرفاتنا. التوبة هي أن نعترف أمام الله أننا مخطئون في تفكيرنا في طريقة الخلاص الذي أسسه الله. التوبة هي أن نتفق مع الله أنه ليس هناك طريق آخر ممكن أن نخلص به من دينونته العادلة، وبعد ذلك نلتفت إليه، ونخضع لطريق الخلاص.

التوبة تشمل خطوتان. فالخطوة الأولى، هي أن نترك خطايانا والآشياء التي نعبدها في حياتنا؛ لنرضي الله. والخطوة الثانية، هي أن نلتفت إلى الله وإلى كلمته التي ترشدنا للخلاص.

أما قايين فلم يتب. لقد اختار قايين أن يستمر في طريقه، ورفض أن يخضع لطريق الخلاص الذي أسسه الله. ومن أجل هذا تقول كلمة الله:
‘‘لقد هلك قايين في طريق عدم بره. الشيء الذي جعل الله يحفظ له قتام الظلام للأبد’’ (يهوذا 11، 13).

أعزاءنا المستمعين ..
دعونا لانكون مثل قايين. دعونا ننتبه لتحذير الله في قوله: ‘‘بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.’’ (لوقا3:13). فدينونة الله أكيدة، وستقع على كل من هم في الخطية.

فليكن معلوم لنا، أننا لايمكن أن نتبرر أمام الله بأعمالنا الصالحة فقط. فهناك الكثير مثل قايين ممن يؤمنون أنهم سيتجنبون دينونة الله عن طريق إتباع قواعد ديانتهم. ولكن التدين لا يجعل الإنسان باراً. فكلمة الله تقول: ‘‘لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لايتبرر أمامه .. لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد.’’ (رومية 20:3، أشعياء6:64، أفسس8:2
،9).

أعزاءنا المستمعين ..
نشكركم على حسن استماعكم. وفي الحلقة القادمة سندرس عن بعضٍ من نسل آدم وعن نبي الله أخنوخ.

فليبارككم الله، وأنتم تتأملون ما سمعتوه من كلام الله، إذ يقول:
‘‘إن الله يتأنى عليكم، ولا يريد أن يهلك أحد، بل أن يأتي الجميع إلى التوبة .. ولكن، إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.’’ (1بطرس 9:3؛ لوقا 3:13)
ــــــــــ

 

الدرس الثاني عشر | فهرس دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية