84
يسوع يُسَمَّر على الصليب

 

متى 27؛ مرقس 15؛ لوقا 23؛ يوحنا 19

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ..‘‘طريق البر’’!

في حلقتنا السابقة، رأينا كيف ألقى قادة اليهود الدينيين القبض على يسوع، ومضوا به إلى بيت رئيس الكهنة ليلاً، وحاكموه بشهود زور، وأدانوه، وأخذوه إلى بيلاطس الوالي ليصلبوه. وجلد الجند يسوع بوحشية، ثم ضفَّروا معاً إكليلاً من شوك، ووضعوه على رأسه، واستهزأوا به، ولطموه على وجهه، وتفلوا عليه، وأخذوا قصبة وضربوه بها على رأسه. وهكذا، أهان نسل آدم رب المجد القدوس الذي جاء من السماء. إن هؤلاء الذين عذَّبوا يسوع، لم يعرفوا ما قاله الأنبياء قديماً. ومع ذلك، كانوا حينئذ يتمِّمون، دون أن يدروا، كلمات الأنبياء التي أعلنت أن المسيَّا لا بد وأن يتألم بهذه الصورة على أيدي الخطاة.

واليوم، سنستمر في دراستنا في كتاب الإنجيل، لنرى كيف تألم يسوع المسيَّا، ومات على الصليب، متمِّماً بهذا خطَّة الله العظيمة للخلاص، التي أعلنها الأنبياء قديماً. وقبل أن نبدأ دراستنا اليوم، لا بد وأن نعرف أولاً أنه عندما كان يسوع يعيش على الأرض، كانت عادة الحكومة الرومانية أن تنفِّذ عقوبة الإعدام في بعض المجرمين بتسميرهم على عمود أو شجرة، أو صلبان مصنوعة خصِّيصاً لهذا الغرض. وطريقة الموت هذه تُعرف بـ‘‘الصلب’’. وتلك الطريقة المشينة والشديدة التعذيب هذه، كانت تخصَّص لأسوأ المجرمين.

وربما يتعجَّب البعض ويتساءل: ‘‘لماذا رتب الله أن يموت المسيَّا البار مثل هذه الميتة المؤلمة والمخزية؟’’
إن السبب في أنه تعيَّن على يسوع أن يموت هذه الميتة الفظيعة، هو أن الخطية هي جريمة فظيعة أيضاً. إن الخطية هي مشكلة العالم. ونحن جميعاً خطاة، وخطايانا هي إهانة لله القدوس البار. فإن كان الله سيغفر لنا خطايانا دون المساس ببره وعدله، فعندئذ لا بد له أن يدين خطايانا بدينونة عادلة وكاملة. فهو لا يستطيع أن يغفر خطايانا بأي طريقة وحسب. إن الله هو قاضٍ عادل وبار، وينبغي أن يعاقب كل خطية بالعقاب التي تستحقه. إن عقوبة الخطية هي الموت ونار جهنم الأبدية. وهذه العقوبة لا بد وأن تُوفَّى كاملةً.
ولكن الخبر السار هو أن الله قد أرسل لنا فادياً باراً ليوفِّي هو العقوبة الكاملة لخطايانا. يسوع هو هذا الفادي البار القدير. فهو قد أتى لكي يخلِّصنا من غضب الله الذي ينبغي أن يُصبَّ علينا؛ بسبب خطايانا.

والآن، أعزائي المستمعين، ندعوكم أن تسمعوا معنا بأذهانكم وقلوبكم، ونحن نقرأ من الإنجيل القصة المقدسة عن يسوع، وعن موته على الصليب.
يقول الكتاب:
‘‘وفي النهاية، أسلم بيلاطس يسوع إليهم؛ ليُصلَب. فأخذوا يسوع، ومضوا به. فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يُقال له "موضع الجمجمة"، ويقال له بالعبرانية "جلجثة".’’
(يوحنا 16:19-17)
‘‘ولما مضوا به، أمسكوا سمعان، رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع. وتبعه جمهورٌ كثيرٌ من الشعب، والنساء اللواتي كن يلطمن أيضاً وينحن عليه. .. وجاءوا أيضاً باثنين آخرين مذنبين؛، ليُقتَلا معه. ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة، صلبوه هناك مع المذنبَين، واحداً عن يمينه، والآخر عن يساره. فقال يسوع: "يا ابتاه، اغفر لهم؛ لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون!" .. وكان الشعب واقفين ينظرون. والرؤساء أيضاً معهم يسخرون به قائلين: خلَّص آخرين، فليخلِّص نفسه إن كان هو المسيح. والجند أيضاً استهزأوا به، وهم يأتون ويقدِّمون له خلاً، قائلين: إن كنت أنت ملك الهيود، فخلِّص نفسك.’’
(لوقا 26:23-27؛ 32-37)

‘‘وكتب بيلاطس عنواناً، ووضعه على الصليب. وكان مكتوباً "يسوع الناصري ملك اليهود". فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود؛ لأن المكان الذي صُلِب فيه يسوع كان قريباً من المدينة. وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية. فقال رؤساء كهنة اليهود لبيلاطس: لا تكتب "ملك اليهود"، بل "إن ذاك قال أنا ملك اليهود". أجاب بيلاطس: ما كتبت قد كتبت!
‘‘ثم أن العسكر، لما كانوا قد صلبوا يسوع، أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام، لكل عسكري قسماً. وأخذوا القميص أيضاً. وكان القميص بغير خياطة، منسوجاً كله من فوق. فقال بعضهم لبعض: لا نشقُّه، بل نقترع عليه لمن يكون. ليتم الكتاب القائل: اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة. هذا فعله العسكر.’’ (يوحنا 19:19-24)
‘‘وكان واحد من المذنبَين المعلَّقيَن يجدف عليه قائلاً: إن كنت أنت المسيح، فخلِّص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر، وانتهره قائلاً: أوَلا أنت تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحكم عينه. أما نحن فبعدلٍ؛ لأننا ننال استحقاق ما فعلنا. وأما هذا، فلم يفعل شيئاً ليس في محله. ثم قال ليسوع: أذكرني يا رب، متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع: "الحق أقول لك، إنك اليوم تكون معي في الفردوس!"’’ (لوقا 39:23-43)
‘‘ولما كانت الساعة السادسة، كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة. وفي الساعة التاسعة، صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: "ألوي ألوي، لما شبقتني؟"، الذي تفسيره: "إلهي إلهي، لماذا تركتني؟" فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا، هوذا ينادي إيليا .. فقال آخر: اتركوه، لنرى هل يأتي إيليا لينزله!’’ (مرقس 33:15-36)
(قال الناس هذا لأنهم لم يفهموا ما قاله يسوع، ولم يفهموا أيضاً ما كان يحدث. وصارت الأرض كلها ظلام من منتصف النهار حتى بعد الظهر. وخلال تلك الساعات المظلمة، سكب الله عقاب خطايا كل نسل آدم على الفادي القدوس؛ كي لا يهلك كل من يؤمن به! إننا لا نستطيع حتى أن نبدأ في تخيُّل هول آلام يسوع من أجلنا.)

‘‘بعد هذا، رأى يسوع أن كل شيء قد كمل. فلكي يتم الكتاب قال: "أنا عطشان!" وكان إناءٌ موضوعاً مملوءً خلاً. فملأوا اسفنجة من الخل، ووضعوها على زوفا، وقدَّموها إلى فمه. فلما أخذ يسوع الخل، قال: "قد أُكمِل!"’’ (يوحنا 28:19-30)
‘‘ثم نادى يسوع بصوت عظيم، وقال: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي!" ولما قال هذا، أسلم الروح.’’ (لوقا 46:23)
‘‘وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل. ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا، وأسلم الروح، قال: "حقاً، كان هذا الإنسان ابن الله!" وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد، بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي، وسالومة. اللواتي أيضاً تبعانه وخدمنه حين كان في الجليل. وأُخَر كثيرات اللواتي صعدن معه إلى أورشليم.’’
(مرقس 38:15-41)
‘‘ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً، سأل اليهود بيلاطس أن تُكسَّر سيقانهم، ويُرفعوا. فأتى العسكر، وكسروا ساقي الأول والآخر المصلوب معه. وأما يسوع، فلما جاءوا إليه، لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات. لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دمٌ وماء. والذي عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم. لأن هذا كان؛ ليتم الكتاب القائل: عظمٌ لا يُكسَر منه. وأيضاً يقول كتاب آخر: سينظرون إلى الذي طعنوه.
‘‘ثم أن يوسف الذي من الرامة، وهو تلميذ يسوع، ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود، سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع. فأذن بيلاطس، فجاء يوسف وأخذ جسد يسوع. وجاء أيضاً نيقوديموس، الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً، وهو حامل مزيج مر وعود نحو مئة مناً. فأخذا جسد يسوع، ولفَّاه بأكفان مع الأطياب، كما لليهود عادة أن يكفِّنوا. وكان في الموضع الذي صُلِب فيه بستان، وفي البستان قبرٌ جديد لم يُوضع فيه أحدٌ قط. فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود؛ لأن القبر كان قريباً.’’ (يوحنا 31:19-42)

أصدقائي المستمعين ..
هنا تنتهي قراءتنا اليوم. إلا أن قصة المسيَّا لا تنتهي بالقبر. وإننا لمسرورون أن ندعوكم لتكونوا معنا في الحلقة القادمة التي عنوانها: ‘‘قيامة يسوع’’.

إن ما سمعناه اليوم هو بحق أمرٌ مذهل! فلقد رأينا كيف احتقر نسل آدم المسيَّا، رب الحياة، وقتلوه بتسميره على الصليب. إلا أن ما ينبغي أن نتذكَّره هو أن موت المسيَّا كان تتميماً لخطة الخلاص التي رسمها الله من قبل تأسيس العالم.

عزيزي المستمع ..
هل سمعت ما أعلنه الرب يسوع من على الصليب قبل أن يموت مباشرة؟
.. لقد قال: ‘‘قد أُكمِل!’’
ولكن، لماذا قال: ‘‘قد أُكمِل!’’؟
.. لقد قال يسوع ذلك، لأنه كان قد أكمل عمل الخلاص. وبكل تأكيد، فإن ديانات العالم لا تقول قط: ‘‘قد أكمل!’’. ما يقولونه هو: ‘‘لا شيء قد أُكمِل، ولا بد أن تخلِّص نفسك بأعمالك الصالحة! لا بد وأن تعمل؛ حتى تمحو خطاياك! فهيَّا، استمر في أعمالك! فلم يكمل شيء بعد! فإن كنت تريد أن تدخل الفردوس، قدِّم ذبائح، واكمل واجباتك الدينية، وصلِّ، وصوم، وعامل جسدك بخشونة، .. الخ الخ!’’ .. هذه هي رسالة الدين!

ولكن خبر الله السار للإنسان هو أنه ..‘‘قد أُكمِل!’’ آمن واخلص! لقد وفّى المسيَّا دين خطيتك بدمه هو! فإن دم يسوع يستطيع أن يطهِّر ويغيِّر أسوأ الخطاة! ولهذا السبب، استطاع يسوع أن يقول للِّص التائب الذي كان على وشك الموت: ‘‘الحق أقول لك، إنك اليوم تكون معي في الفردوس.’’ (لوقا 43:23)

أصدقائي الإعزاء ..
إن العمل الذي يستطيع أن يخلِّصك من عقوبة الخطية قد اُكمِل بالتمام. فالله راضٍ تماماً بذبيحة يسوع. ولم نَعُد في حاجة إلى تقديم ذبائح حيوانية، كما كان يفعل أجدادنا الذين عاشوا قبل زمن المسيَّا. إن يسوع المسيح هو ذبيحة الله الكاملة والنهائية. ولم يتبقَّ شيئاً علينا سوى أن نؤمن بما شهد به الله عن المسيَّا وذبيحته .. ‘‘قد أُكمِل!’’ لقد تمَّم يسوع ما سبق وتنبأ به الأنبياء عن آلام الفادي البار وموته! فقبل أن يأتي يسوع إلى عالمنا بسبعمئة عام، كتب النبي إشعياء يقول:
‘‘جُعِل مع الأشرار قبره، ومع غنيٍّ عند موته. على أنه لم يعمل ظلماً، ولم يكن في فمه غشٌ. .. وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا، تاديبُ سلامنا عليه، وبحبره شُفينا. كلُّنا كغنمٍ ضللنا، ملنا كلُّ واحدٍ إلى طريقه، والربُ وضعَ عليه إثمَ جميعنا.’’
(إشعياء 5:53،6،9)

وأنت يا من تسمعنا اليوم، هل حقاً تصدِّق الأنبياء؟
هل تصدِّق أن يسوع هو الذي أكمل عمل الخلاص الذي كتب عنه أنبياء الله؟
هل تفهم الآن لماذا مات الفادي البار على الصليب؟
إن السبب هو أنت وأنا! لقد مات بسبب خطايانا مثل حمل ذبيحة بلا عيب. فنحن نستحق العقاب الأبدي في جهنم. ولكن الله، بسبب حبه العظيم لنا، أرسل يسوع (الذي يدعوه ابنه الحبيب)؛ كي ما يتحمل هو عقابنا، ويدفع ثمن خطيتنا. ولهذا يقول الكتاب المقدس قائلاً:
‘‘فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح، يجسر أحد أيضاً أن يموت. ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا.’’ (رومية 7:5،8)
ويقول أيضاً: ‘‘لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطيةً لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه.’’
(2كورنثوس 21:5)

المجد لله الرحمن الرحيم .. ‘‘قد أُكمِل!’’ لقد أكمل الله المرموز إليه بذبيحة إبراهيم (عيد الأضحى)! لأنه في نفس الموضع الذي ذبح فيه إبراهيم خروفه البريء بدلاً من ابنه، سمح يسوع الفادي، الذي بلا خطية، أن يُذبَح بدلاً منا؛ .. ‘‘لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.’’ (يوحنا 16:3)

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وإن كان لديكم أي سؤال يتعلَّق بتلك الذبيحة الكاملة التي صنعها الرب يسوع، لا تتردَّدوا أن تكتبوا لنا ..
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في الكلمات القوية والعميقة التي أعلنها الرب يسوع من على صليبه قبل أن يموت، إذ قال:‘‘قد أُكمِل’’ (يوحنا 30:19)
ــــــــــــ
 

 الدرس الخامس والثمانون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية