77
قلـب الله
لوقا 18،15
أصدقائي المستمعين ..
نحيِّيكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي
أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا
أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق
البر’’!
من خلال دراستنا في كتب الأنبياء، رأينا أن الله قدوس وبار، ولا يطيق الخطية. إلا
أننا رأينا في نفس الوقت، أنه أيضاً رحيم ورؤوف. إن ذلك لخبرٌ عظيم بالنسبة لنا؛
لأننا في شديد الحاجة لرحمته ورأفته؛ حيث أننا جميعاً قد أهنَّا الله إهانة عظيمة.
إن تعدِّياتنا وخطايانا هي شيءٌ بغيضٌ ومقززٌ بالنسبة لله، وستظل تديننا إلى الأبد،
إلا إذا رحمنا الله برحمته!
واليوم، نود أن نقرأ مثلين قالهما الرب يسوع للجموع. ومن خلال هاتين القصتين
الممتعتين، سنتعلَّم عن الرحمة العظيمة التي تملأ قلب الله، وكيف يمكن للخطاة أن
ينالوا تلك الرحمة.
في المثل الأول، سنرى رجلين: رجل لم ينَل رحمة الله، والآخر نالها. أحدهما كان
فرِّيسياً غيوراً في الصلاة والصوم ودفع العشور. وكان رجلاً متديناً جداً في نظر
الناس. أما الرجل الأخر، فكان عشَّاراً. ومن ثمَّ كان رجلاً خاطئاً جداً في نظر
الناس؛ لأن معظم العشارين كانوا غير شرفاء.
تعالوا نستمع معاً إلى قصة الفرِّيسي والعشَّار. ونقرأ الآن من إنجيل لوقا، الأصحاح
الثامن عشر. يقول الكتاب:
‘‘وقال لقومٍ واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين، هذا المثل. إنسانان صعدا
إلى الهيكل ليصلِّيا، واحد فرِّيسي، والآخر عشار. أما الفرِّيسي فوقف يصلي في نفسه
هكذا: اللهم أنا أشكرك إني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل
هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه. وأما العشار، فوقف من
بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء. بل قرع على صدره قائلاً: اللهم ارحمني،
أنا الخاطئ. أقول لكم: أنا هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك. لأن كل من يرفع نفسه
يتَّضع، ومن يضع نفسه يرتفع.’’ (لو 9:18-14)
والآن، .. ما الذي أراد يسوع أن يعلِّمه من خلال هذا المثل القصير؟
باختصار، علَّم يسوع أن الله يظهر رحمته لهؤلاء الذين يعترفون بعدم برِّهم أمامه،
وأنه يدين هؤلاء الذين يتخيَّلون أنفسهم أبراراً أمامه. وذلك هو ما يؤكده الكتاب
عندما يقول:
‘‘إن الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة.’’ (1بط 5:5)
فما يفتخر به الإنسان، يحتقره الله. فهل يمكن أن يقبل الله هؤلاء الذين يمدحون
أنفسهم، ويظنُّون في أنفسهم قائلين: ‘‘أنا شخص بار! أنا أصلِّي! أنا أصوم! أنا إعطي
الزكاة! أنا أذهب إلى الجامع! أنا أذهب إلى الكنيسة! أنا أفعل هذا وذاك!’’؟ فهل كل
تلك الـ ‘‘أنا’’ تسر الله؟ طبعاً لا، لا مطلقاً! فإن قلب الله لا يمكن أن يكون
سعيداً بالأعمال التي مصدرها العجب والكبرياء.
إن الله يمقت القلب المتكبِّر ويكرهه..!
هل تتذكرون قايين، ابن آدم البكر، الذي حاول أن يتقرَّب إلى الله بمجهوداته
الذاتية؟ هل قَبِل الله ذبيحته؟ لا، إن الله لم يقبلها. أصدقائي، إن الله لم
يتغيَّر. فحتى اليوم، قلب الله لا يُسَر بمجهودات الإنسان الذاتية؛ لأن مجهوداتنا
ليست كاملة أمامه.
فما يريده الله هو أن ندرك حالتنا الخاطئة، مثل العشار الذي قرع صدره قائلاً:
‘‘اللهم ارحمني، أنا الخاطئ!’’ إن مثل هذا القلب المنكسر، هو ما يجعل الله يُسَر
ويفرح. ولكنه يمقت هؤلاء الذين يقارنون أنفسهم بغيرهم، مثل هذا الفرِّيسي الذي قال
لنفسه: ‘‘اللهم أنا أشكرك إني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا
مثل هذا العشار..’’
إن ما فشل الفرِّيسي أن يدركه هو أنه في يوم الدينونة، لن يقارننا الله بغيرنا من
الخطاة. بل سيقارننا بناموسه المقدس الكامل الذي ينص على أن ‘‘من حفظ كل الناموس
وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرماً في الكل.’’ (يع 10:2)
فالله الذي قال: ‘‘لا تزنِ’’، قال أيضاً: ‘‘لا تكذب.’’ فإن لم تزنِ، ولكن كذبت،
فهنا تكون قد كسرت الناموس. وعندئذ، لا تستطيع أن تدخل الفردوس، في حضرة الله؛ لأن
الكتاب يقول: ‘‘ولن يدخلها شيئ دنس، ولا ما يصنع رِجساً وكذباً ..’’ (رؤ 27:21)
ولهذا، .. يحتاج نسل آدم إلى رحمة الله!
صديقي العزيز، هل نلت رحمة الله، مثل العشَّار الذي في المثل؟ أم أنت مازلت تحاول
أن تتبرَّر بمجهوداتك الذاتية، مثل الفرِّيسي؟
والآن دعونا نقرأ المثل الثاني، الذي يرينا أن قلب الله مليءٌ بالمحبة والرحمة، مثل
أبٍ يحب أبناءه. وفي إنجيل لوقا، الاصحاح الخامس عشر، يقول الكتاب:
‘‘وكان جميع العشَّارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمَّر الفرِّيسيين والكتبة
قائلين: هذا يقبل خطاة ويأكل معهم! فكلَّمهم بهذا المثل. إنسان كان له ابنان. فقال
أصغرهما لأبيه: يا أبي، اعطني القِسم الذي يصيبني من المال. فقسم لهما معيشته. وبعد
أيام ليست بكثيرة، جمع الابن الأصغر كل شيء، وسافر إلى كورة بعيدة. وهناك بذَّر
ماله بعيشٍ مسرف. فلما أنفق كل شيء، حدث جوع شديد في تلك الكورة، فابتدأ يحتاج.
فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة، فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير. وكان يشتهي
أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يعطِه أحد.
‘‘فرجع إلى نفسه، وقال: كم من أجير لأبي يَفْضُل عنه الخبز، وأنا أهلك جوعاً. أقوم
وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدَّامك، ولست مستحقاً بعد أن
أدعى لك ابناً. اجعلني كأحد أجراك. فقام وجاء إلى أبيه. وإذ كان لم يزل بعيداً، رآه
أبوه، فتحنَّن وركض، ووقع على عنقه، وقبَّله. فقال له الابن: يا أبي، أخطأت إلى
السماء وقدَّامك، ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً. فقال الأب لعبيده: أخرجوا
الحلَّة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتماً في يده، وحذاءً في رجليه، وقدِّموا العجل
المسمن واذبحوه، فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوُجِد.
فابتدأوا يفرحون.
‘‘وكان ابنه الأكبر في الحقل. فلما جاء وقرب من البيت، سمع صوت آلات طرب ورقصاً.
فدعا واحداً من الغلمان، وسأله: ما عسى أن يكون هذا؟ فقال له: أخوك جاء، فذبح أبوك
العجل المسمَّن، لأنه قبله سالماً. فغضب، ولم يرد أن يدخل. فخرج أبوه يطلب إليه.
فأجاب وقال لأبيه: ها أنا أخدمك (مثل عبد) سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيَّتك،
وجدياً لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي. ولكن، لما جاء ابنك هذا، الذي أكل معيشتك مع
الزواني، ذبحت له العجل المسمَّن. فقال له: يا بني، أنت معي في كل حين، وكل ما لي
فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر؛ لان أخاك هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً
فوُجِد.’’ (لو 1:15-32)
والآن، ما الذي يريد الله أن يعلِّمه لنا في هذا المثل الجميل؟
في هذا المثل نرى ثلاثة رجال: الأب، والابن الأصغر، والابن الأكبر.
.. والأب في القصة يمثِّل الله.
.. والابن الأصغر يرمز للخطاة الذين يتوبون عن خطيتهم، ويتَّجهون لله طلباً للرحمة.
.. والابن الأكبر يرمز لهؤلاء المتديِّنين الذين يخدعون أنفسهم، إذ يظنُّون أنهم
أبرار في
نظر الله.
أولاً، دعونا نتأمل قليلاً في الابن الأصغر، الذي اتَّبع طبيعته الخاطئة، وراح يعيش
حياة جامحة في أرض بعيدة. فكيف صار حاله في النهاية؟ رأينا كيف أنه في نهاية الأمر،
أدرك أنه قد أخطأ في حق الله وأبيه. فحزن بسبب خطاياه، وتاب قائلاً:
‘‘أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدَّامك. ولست مستحقاً
بعد أن أدعى لك ابناً. اجعلني كأحد أجراك.’’
وهكذا، رأينا كيف أدار الابن الأصغر ظهره إلى حظيرة الخنازير، واتجه إلى بيت أبيه.
والآن ماذا عن الأب .. ماذا فعل؟ هل كان غاضباً على ابنه الذي بدَّد ثروته؟ هل
اتخذه كمجرَّد عبد؟ لا، إذ يقول يسوع:
‘‘وإذ كان الابن لم يزل بعيداً، رآه أبوه، فتحنَّن وركض، ووقع على عنقه، وقبَّله.
فقال الأب لعبيده: أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتماً في يده، وحذاءً في
رجليه، وقدِّموا العجل المسمَّن واذبحوه، فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتاً
فعاش، وكان ضالاً فوُجِد.’’
ما الذي نتعلَّمه من هذا إذَن؟
نتعلَّم أن الله هو تماماً مثل هذا الأب الذي كان قلبه مليئاً بالرحمة! فهو يحب
الخطاة، ويريد أن يرحمهم، ولكنه ينتظر كل خاطئ أن يتوب عن خطاياه، ويتبع طريق
البرِّ الذي أسَّسه الله.
أما بالنسبة للابن الأكبر، فنرى شيئاً عجيباً! فلم يكن للابن الأكبر القلب الشفوق
الرحيم الذي كان لأبيه. بل ثار غاضباً، ورفض أن يدخل البيت، وقال لأبيه:
‘‘انظر! ها أنا أخدمك (مثل عبد) سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيَّتك، وجدياً لم
تعطني قط لأفرح مع أصدقائي.’’
هل سمعتم ما قاله الابن الأكبر؟
لقد قال: ‘‘انظر! كل هذه السنين كنت أخدمك مثل عبد!’’
إلا أن ما لم يفهمه الابن الأكبر هو أن أباه لم يرِد أن يخدمه ابنه كعبد. ولكن ما
أراده الأب هو ابنٌ يحب أباه من قلبه، ويجد كل المسرة في أن يفعل مشيئة أبيه.
وحتى هذا اليوم، كثيرون من نسل آدم يتصرَّفون مثل الابن الأكبر. إذ لا يعتبرون
أنفسهم أكثرمن مجرد ‘‘عبيد لله.’’ إلا أن الله لا يريدنا أن نكون مثل ‘‘مجرد
العبيد.’’ فهو يريدنا أن نكون له مثل ‘‘أبناء’’. وهذا ما يعلنه الكتاب المقدس
بالنسبة لهؤلاء الذين يقبلون يسوع كرَبٍّ ومخلِّصٍ لهم، إذ يقول:
‘‘إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل أخذتم روح التبنِّي الذي به نصرخ ‘يا
أبا (بابا) الآب!’ ’’ (رو 15:8)
صديقي العزيز ..
هل ترى نفسك كـ ‘‘عبدٍ لله’’ أم ‘‘ابنٍ لله’’؟ ما الذي تراه بنفسك في هذا المثل
الذي قرأناه الآن؟
.. هل أنت مثل الابن الأصغر، الذي أدرك خطيته، ونال رحمة أبيه؟
.. أم أنك مثل الابن الأكبر، الذي كان يعمل عند أبيه كالعبد؟
إن الله لا يريدك أن تكون مثل العبد الذي يخاف من سيده. بل ما يريده الله منك، هو
أن تكون مثل ابنٍ يحب أباه، ويجد كل السعادة في أن يفعل مشيئته. إن الله يحبُّك،
ويشتاق أن يرحمك، ولكنه ينتظرك أن تتوب وترجع إليه. ولهذا، كتب إشعياء النبي يقول:
‘‘ولذلك ينتظر الرب ليتراءف عليكم، ولذلك يقوم ليرحمكم؛ لأن الرب إله حق. طوبى
لجميع منتظريه.’’ (أش 18:30)
إن الله الرحمن الرحيم، ينتظرك أن تأتي إليه، تماماً كما انتظر الأب ابنه الأصغر في
المثل، كي يرجع إلى البيت. إن الله يريدك أن تتوب إليه بقلبٍ منكسرٍ ومتَّضع. فإن
أتيت إليه هكذا، وطلبته من كل قلبك، فعندئذ يمكنك أن تثق أنك سترى الله الذي له قلب
الأب، المليء بالرأفة والرحمة. أما المتكبِّر الذي يحتقر رحمة الله العظيمة، فلا
يستطيع أن يأمل إلا في دينونة الله، التي ستكون بلا رحمة!
أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم! وفي الحلقة القادمة، إن شاء الله، سنستمر في قراءة
الإنجيل؛ لنرى يسوع وهو يقيم ميتاً بعد أن صار له أربعة أيام في القبر!
فليعطكم الله البصيرة فيما درسناه اليوم. وتذكَّروا أن:
‘‘الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة.’’ (1بط 5:5)
ـــــــــــ
الدرس الثامن والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية