78
القيامة والحيـاة

يوحنا 11، 12

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

مع وصولنا لهذه المرحلة من دراستنا في الإنجيل المقدس، نكون قد رأينا أن المسيَّا يسوع له أسماء عديدة. وهذه الأسماء تساعدنا أن نعرف من هو يسوع. فلقد رأينا سابقاً، كيف دُعِيَ يسوع بأسماء مثل:
.. ‘الكلمة الذي كان مع الله من البدء’ .. ‘ابن العليّ’ .. ‘ابن الإنسان’
.. ‘حمل الله’ .. ‘المخلِّص’ .. ‘الخبز المعطي الحياة’ .. ‘نور العالم’
.. ‘رب المجد’ .. ‘باب الخراف’ .. ‘الراعي الصالح’!
واليوم سنرى اسمين آخرين ليسوع، وهما: ‘القيامة’ .. و‘الحياة’!

وقد رأينا كيف جال يسوع في أرض اليهود يعلِّم ويصنع خيراً، ويشفي المرضى والعرج والعميّ، والذين بهم شياطين. وتبعه جمع غفير. إلا أن خبراء الدين، المعروفين بالفريسيين، كانوا في غيرة شديدة جداً منه. فلم يستطيعوا أن ينكروا الحكمة التي كان يتكلَّم بها، ولا المعجزات التي كان يصنعها.

واليوم، نود أن نستمر في دراسة الإنجيل. وسنرى كيف صنع يسوع أعجوبة أخرى خارقة للطبيعة، أظهرت مجد الله الذي فيه؛ كي ما يؤمن الناس به.

وإذ نقرأ في إنجيل يوحنا، الأصحاح الحادي عشر، يقول الكتاب:
‘‘وكان إنسان مريضاً، وهو لعازر من بيت عنيا، من قرية مريم ومرثا أختها. وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضاً، هي التي دهنت الرب بطيب، ومسحت رجليه بشعرها. فأرسلت الأختان إليه قائلتين: هوذا الذي تحبُّه مريض. فلما سمع يسوع، قال: هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به. وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر. فلما سمع أنه مريض، مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين.
(لقد كان يسوع يعرف أن لعازر سيموت. ولكن يسوع خطَّط أن يستخدم موت لعازر، ليظهر قوة الله التي كانت فيه، فيعرف الناس أنه جاء من السماء.)

‘‘ثم بعد ذلك، قال لتلاميذه: لنذهب إلى اليهودية أيضاً. قال له التلاميذ: يا معلِّم، الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك، وتذهب أيضاً إلى هناك؟ أجاب يسوع: أليس ساعات النهار اثنتي عشرة؟ .. لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه! فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام، فهو يُشفَى. وكان يسوع يقول عن موته. وهم ظنُّوا أنه يقول عن رقاد النوم. فقال لهم يسوع حينئذ علانية: لعازر مات! وأنا أفرح لأجلكم، إني لم أكن هناك، حتى تؤمنوا. ولكن لنذهب إليه.

‘‘فلما أتى يسوع، وجد أنه قد صار له أربعة أيام في القبر. وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة. وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا إلى مرثا ومريم، ليعزُّوهما عن أخيهما. فلما سمعت مرثا أن يسوع آتٍ، لاقته. وأما مريم، فاستمرَّت جالسة في البيت. فقالت مرثا ليسوع: لو كنت ههنا، لم يمت أخي. لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله، يعطيك الله إياه. فقال لها يسوع: سيقوم أخوكِ. قالت له مرثا: أنا أعلم إنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير.

‘‘قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي، ولو مات، فسيحيا. وكل من كان حياً، وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟ قالت له: نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم. ولما قالت هذا، مضت ودعت مريم أختها سراً قائلة: المعلِّم قد حضر، وهو يدعوكِ. أما تلك، فلما سمعت، قامت سريعاً وجاءت إليه. .. فمريم لما أتت إلى حيث كان يسوع ورأته، خرَّت عند رجليه قائلة له: يا سيد، لو كنت ههنا، لم يمت أخي.

‘‘فلما رآها يسوع تبكي، واليهود الذين جاءوا معها يبكون، انزعج بالروح واضطرب. وقال: أين وضعتموه؟ قالوا له: يا سيد، تعال وانظر. وبكى يسوع. فقال اليهود: انظروا كيف كان يحبه. وقال بعض منهم: ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى، أن يجعل هذا أيضاً لا يموت؟ فانزعج يسوع أيضاً في نفسه، وجاء إلى القبر. وكان مغارة، وقد وُضِع عليه حجر. قال يسوع: ارفعوا الحجر! قالت له مرثا أخت الميت: يا سيد، قد أنتن؛ لأن له أربعة أيام. قال لها يسوع: ألم أقل لك إن آمنت، ترين مجد الله؟ فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعاً. ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت؛ ليؤمنوا أنك أرسلتني. ولما قال هذا، صرخ بصوت عظيم: لعازر، هلم خارجاً! فخرج الميت، ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: حلُّوه ودعوه يذهب.’’
(يوحنا 1:11-44)

وقبل أن ننهي هذه القصَّة العجيبة، يجدر بنا أن نتأمَّل قليلاً في هذه المعجزة الجبَّارة التي صنعها يسوع. فمنذ خلق العالم وحتى يومنا هذا، لم يسمع أحد عن أي إنسان استطاع أن يهب الحياة لجسد ميت، صار له أربعة أيام في القبر .. جثة قد أنتنت، وبدأت الروائح الكريهة تفوح منها. إلا أن هذا هو تماماً ما فعله يسوع، عندما أقام لعازر من الموت ..!

إن قوة الموت لم تكن مشكلة بالنسبة للرب يسوع؛ لأنه هو كلمة الله، حياة الله ذاتها، الذي أتى من السماء. وكما أن الله له حياة في ذاته، كذلك المسيَّا له حياة في ذاته. وكما أن الله يستطيع أن يقيم الأجساد الميتة ويعطيها حياة، كذلك أيضاً المسيِّا، يستطيع أن يعطي حياة لمن يشاء؛ لأنه هو نفسه مصدر الحياة. ولذلك، عندما دعا يسوع لعازر أن يخرج خارجاً، عاد الجسد الميت للحياة، وقام وخرج من القبر. ولذلك أيضاً، استطاع يسوع أن يقول لأخت لعازر:
‘‘أنا هو القيامة والحياة. .. من آمن بي، ولو مات، فسيحيا!’’
والآن، دعونا نكمل القصَّة، لنرى ما الذي فعله اليهود، عندما رأوا يسوع يقيم لعازر من القبر. يقول الكتاب:
‘‘فكثيرون من اليهود الذين جاءوا إلى مريم، ونظروا ما فعل يسوع، آمنوا به. وأما قوم منهم، فمضوا إلى الفريسيِّين، وقالوا لهم عمَّا فعل يسوع. فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا: ماذا نصنع؟ فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة؟ إن تركناه هكذا، يؤمن الجميع به، فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا.

‘‘فقال له واحد منهم، وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكِّرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها؟ ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة، تنبَّأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمَّة. وليس عن الأمَّة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرِّقين إلى واحد.
فمن ذاك اليوم، تشاوروا ليقتلوه. فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانيةً، بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البريَّة، إلى مدينة يُقال لها "إفرايم"، ومكث هناك مع تلاميذه.

‘‘وكان فصح اليهود قريباً. فصعد كثيرون من الكُوَر إلى أورشليم قبل الفصح، ليطهِّروا أنفسهم. فكانوا يطلبون يسوع، ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل: ماذا تظنًّون؟ هل هو لا يأتي إلى العيد؟ وكان أيضاً رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمراً أنه إن عرف أحد أين هو، فليدلّْ عليه لكي يمسكوه.

‘‘ثم قبل الفصح بستة أيام، أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات. فصنعوا له هناك عشاء. وكانت مرثا تخدم، وأما لعازر، فكان أحد المتَّكئين معه. فأخذت مريم مناً من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع، ومسحت قدميه بشعرها. فامتلأ البيت من رائحة الطيب. فقال واحدٌ من تلاميذه، وهو يهوذا سمعان الإسخريوطي المزمع أن يسلِّمه: لماذا لم يُبَع هذا الطيب بثلثمئة دينار ويُعطَ للفقراء؟ قال هذا؛ ليس لأنه كان يبالي بالفقراء، بل لأنه كان سارقاً، وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يُلقَى فيه. فقال يسوع: اتركوها؛ إنها ليوم تكفيني قد حفظته. لأن الفقراء معكم في كل حين، أما أنا فلست معكم في كل حين.’’ (يوحنا 45:11-57)

‘‘فعلِم جمعٌ كثيرٌ من اليهود أنه هناك، فجاءوا، ليس لأجل يسوع فقط، بل لينظروا أيضاً لعازر الذي أقامه من الأموات. فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضاً؛ لأن كثيرين من اليهود كانوا يذهبون ويؤمنون بيسوع.’’ (يوحنا 1:12-11)

أعزائي المستمعين ..
إن وقتنا يوشك على الإنتهاء. ولكن قبل أن نودِّعكم اليوم، هناك أمر يجب أن نتأمل فيه. هل رأيتم ردَّ فعل الحكام الدينيِّين تجاه الآية المعجزية، أو بالأحرى الدليل المعجزي، الذي أظهره لهم يسوع. فإنه لم يجرؤ أحدٌ منهم أن ينكر المعجزة التي صنعها يسوع؛ لأن كل إنسان كان يستطيع أن يرى بنفسه الرجل الذي أُقيم من الموت.
ولكن، ما الذي فعله رئيس الكهنة والكهنة الآخرون؟ هل تابوا عن خطاياهم، وآمنوا أن يسوع هوالمسيَّا الذي أتى من السماء؟
.. لا، لم يتوبوا! فجميع المعجزات والعجائب التي صنعها يسوع، لم تجعل الكهنة وتلاميذهم يتوبون ويقبلون يسوع كربِّهم ومخلِّصهم.

فما الذي فعله رؤساء الكهنة إذاً؟
.. لقد كرهوا يسوع أكثر وأكثر، وتآمروا معاً ليضعوا خطة لقتله. بل وأيضاً خطَّطوا أن يقتلوا لعازر الذي كان يسوع قد أقامه من الأموات؛ لأنه كان السبب في أن كثيرين من اليهود تركوا الكهنة، وتبعوا يسوع.
نعم، كم كانت قلوب هؤلاء الحكَّام الدينيين غير مخلصة، وبعيدة عن الله. فلم يحبُّوا الله ولا الحق. وغضُّوا النظر عن الأدلَّة الواضحة والمعجزات الكثيرة التي صنعها يسوع أمامهم. إذ كان كل ما يشغل بالهم هو لذَّاتهم ومناصبهم ومصلحتهم وجمع المال. وهكذا، تآمروا معاً على قتل يسوع؛ إذ كانوا يخشون أن يتركهم كل اليهود، ويتبعوا يسوع، إذا ما تركوه يستمر.


والآن، .. ما رأيكم في هؤلاء الحكَّام الدينيين؟
ومن وضع الفكرة في أذهانهم أن يقتلوا يسوع؟
.. إن الشيطان هو الذي كان يقودهم؛ لأنه يكره الله ومسيحه. فقد كان الشيطان يظن أنه لو قتل القادة اليهود يسوع، ستفشل خطَّة الله في تخليص نسل آدم من قوته. إلا أن ما لم يدركه الشيطان هو أن الله خطَّط أن يستخدم موت المسيِّا في تخليص نسل آدم من قوة الشيطان! وأيضاً، لم يدرك الشيطان وأتباعه أن قوة الموت لن تقوى على الرب يسوع. فالأرض لم تستطع أن تحلِّل جسده؛ لأن يسوع هو القيامة والحياة. ولهذا، استطاع يسوع أن يقول لأخت لعازر:
‘‘أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا. .. أتؤمنين بهذا؟’’
(يو 25:11-26)

أصدقائي المستمعين ..
وهنا حان الوقت لنودِّعكم اليوم.
نشكركم على كريم إصغائكم! وندعوكم أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة، لنستمر في قراءة الإنجيل، ونرى كيف ركب يسوع جحشاً، ودخل به أورشليم، متمِّماً ما كتبه أنبياء الله عنه منذ زمن طويل ..

وليبارككم الله ويعلِّمكم، وأنتم تتأملون في المعنى المبارك لكلمات يسوع المسيح، عندما قال:
‘‘أنا هو القيامة والحياة. .. من آمن بي ولو مات فسيحيا!
.. أتؤمنين بهذا؟’’
(يو 25:11-26)
ـــــــــــــ

الدرس التاسع والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية