79
يسوع يدخل أورشليم

لوقا 18 – 20

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، رأينا كيف أقام الرب يسوع جسداً ميتاً، كان قد صار له أربعة أيام في القبر. فقوة الموت لم تشكِّل مشكلة بالنسبة ليسوع؛ لأنه هو نفسه القيامة والحياة. واليوم، نود أن نستمر في قراءة الإنجيل، لنرى كيف دخل يسوع أورشليم حيث كان سيموت. لقد كان يسوع يعرف كل ما كان سيحدث له. وعرف أن قادة الدين اليهود سيسلِّمونه إلى الرومان، الذين سيعذبونه ويسمِّرونه على صليب. وبالرغم من هذا، لم تمنعه معرفته بتلك الأمور من الذهاب إلى أورشليم. وعن هذا يقول الإنجيل:
‘‘وحين تَّمت الأيام لارتفاعه، ثبَّت وجهه (أي صمَّم بعزم) لينطلق إلى أورشليم.’’
(لو 51:9)
‘‘وبينما كان يسير متجهاً نحو أورشليم، قال يسوع لتلاميذه: ‘‘لي صبغة أصطبغها (أي صبغة الألم)، وكيف أنحصر حتى تُكمَل!’’ أو بمعنى آخر: ‘‘لي معمودية عليَّ أن أعتمد بها (أي معمودية الألم)، وكم أنا متضايق حتى تتم!’’ (لوقا 50:12)


ولكن، .. لماذا صمَّم يسوع على الذهاب إلى أورشليم؟
.. لقد فعل هذا؛ كي يسلِّم نفسه لهؤلاء الذين أرادوا قتله!
إن هذا حقاً لعجيب! فإن عرفت أنت مثلاً أنه في مدينة معينة، يريد الناس فيها أن يعذِّبوك ويقتلوك، فهل تصمِّم على الذهاب إلى تلك المدينة؟ هذا هو تماماً ما فعله يسوع المسيَّا. لقد كان يسوع يعرف أنه وُلِد ليموت كذبيحة عن خطايا العالم. فلم يأتي يسوع إلى العالم ليبحث عن متعته الخاصة. بل، ليتمِّم ما كتبه الأنبياء عنه منذ القديم: أي أن المسيَّا سيتألم، ويسفك دمه خارج أورشليم، علىالجبل الذي قدَّم عليه إبراهيم خروفاً كذبيحةٍ بدلاً من إبنه. لقد كان من الضروري أن يُتَمَّم رمز الخروف المذبوح، في يسوع. ولهذا، ذهب يسوع إلى أورشليم، المدينة التي كانت له بمثابة جب الأسود الجائعة التي تنتظر الفريسة.

والآن، دعونا نستمر في قراءة الإنجيل. يقول الكتاب:
‘‘وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم، ويتقدَّمهم يسوع. وكانوا يتحيَّرون، وفيما يتبعون، كانوا يخافون. فأخذ (يسوع) الاثني عشر أيضاً، وابتدأ يقول لهم عمَّا سيحدث له.’’
(مر 32:10)
‘‘فقال لهم: ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وسيتمُّ كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان.’’ (لو 31:18)
‘‘.. إذ يُسَلَّم ابن الإنسان إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلِّمونه إلى الأمم. فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، .. وفي اليوم الثالث يقوم.’’
(مر 33:10 ،34)
‘‘.. وأما هم، فلم يفهموا من ذلك شيئاً، وكان هذا الأمر مخفيَّاً عنهم، ولم يعلموا ما قيل.

‘‘ولما اقترب يسوع من أريحا، كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي. فلما سمع الجمع مجتازاً، سأل: ما عسى أن يكون هذا؟ فأخبروه أن يسوع الناصري مجتاز. فصرخ قائلاً: يا يسوع ابن داود، ارحمني! فانتهره المتقدِّمون ليسكت. أما هو، فصرخ أكثر كثيراً: يا ابن داود ارحمني! فوقف يسوع، وأمر أن يُقدَّم إليه. ولما اقترب، سأله قائلاً: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال: يا سيد، أن أبصر! فقال له يسوع: ابصر؛ إيمانك قد شفاك! وفي الحال أبصر، وتبعه وهو يمجِّد الله. وجميع الشعب إذ رأوا، سبحوا الله.’’ (لو 34:18-43)
‘‘ولما قربوا من أورشليم، وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: إذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها، فحلاهما وأتياني بهما. وإن قال لكما أحد شيئاً، فقولا: الرب محتاج إليهما؛ فللوقت يرسلهما. فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هوذا ملككِ يأتيكِ وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان.
‘‘فذهب التلميذان، وفعلا كما أمرهما يسوع. وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس عليهما. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق. وأخرون قطعوا أغصاناً من الشجر، وفرشوها في الطريق. والجموع الذين تقدَّموا والذين تبعوا، كانوا يصرخون قائلين: أوصنَّا لابن داود. مبارك الآتي باسم الرب. أوصنَّا في الأعالي.’’ (مت 1:21-9)

‘‘وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له: يا معلِّم، انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء، فالحجارة تتكلَّم.
‘‘وفيما هو يقترب إلى أورشليم، نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلاً: إنك لو علمتِ أنتِ أيضاً حتى في يومكِ هذا ما هو لسلامكِ. ولكن الآن قد أُخفيَ عن عينيكِ. فإنه ستأتي أيام، ويحيط بكِ أعداؤكِ بمِترَسة، ويحدقون بكِ، ويحاصرونِكِ من كل جهة. ويهدمونِكِ وبنيكِ فيكِ، ولا يتركون فيكِ حجراً على حجر، لأنكِ لم تعرفي زمان افتقادكِ.’’ (لو 39:19-44)

‘‘ولما دخل أرشليم، ارتجَّت المدينة كلها قائلة: من هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل! ودخل يسوع إلى هيكل الله، وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقَلَب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. وقال لهم: مكتوبٌ بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.

‘‘وتقدَّم إليه عميٌّ وعرجٌ في الهيكل، فشفاهم. فلما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي صنع، والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون: أوصنا لابن داود؛ غضبوا وقالوا له: أتسمع ما يقوله هؤلاء؟ (فقد كانوا غاضبين لأن كلمة ‘أوصنَّا’ تعني ‘الله يخلِّصنا’، وهي كلمة تستخدم لتمجيد الله وحده) فقال لهم يسوع: نعم. أما قرأتم قط: من أفواه الأطفال والرضَّع، هيَّأت تسبيحاً.’’ (مت 10:21-16)
‘‘وسمع الكتبة ورؤساء الكهنة، فطلبوا كيف يهلكونه؛ لأنهم خافوه، إذ بُهِت الجمع كله من تعليمه.’’ (مر 18:11)

‘‘وأما يسوع فأجاب تلاميذه قائلاً: قد أتت الساعة ليتمجَّد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبَّة الحنطة في الأرض وتمت، فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت، تأتي بثمر كثير. ..
‘‘.. الآن نفسي قد اضطربت، وماذا أقول؟ أيها الآب، نجني من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. أيها الآب، مجِّد اسمك. فجاء صوت من السماء: مجَّدت، وأمجِّد أيضاً! فالجمع الذي كان واقفاً وسمع، قال: قد حدث رعد! وآخرون قالوا: قد كلَّمه ملاك!
‘‘فأجاب يسوع وقال: ليس من أجلي صار هذا الصوت، بل من أجلكم. الآن دينونة هذا العالم. الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً. وأنا إن ارتفعت عن الأرض، أجذب إليَّ الجميع. قال هذا مشيراً إلى أيَةِ ميتة كان مزمعاً أن يموت.’’ (يو 23:12-33)

دعونا نتوقف هنا للحظة، لنتأمل فيما حدث!
فلقد رأينا كيف دخل يسوع أورشليم راكباً على جحش ابن أتان، وكيف هتفت له جموع اليهود بالتهليل والتصفيق، راغبين في أن يجعلوه ملكاً لهم. إلا أن الناس لم يفهموا لماذا دخل يسوع أورشليم. حتى تلاميذ يسوع، لم يدركوا ما كان سيحدث. إذ كانوا يأملون في أن يخلِّص يسوع الشعب اليهودي من سيطرة أعدائه، الرومان.
ولكن، لم يكُن هذا هو السبب الذي من أجله جاء يسوع إلى العالم. إذ لم يأتِ يسوع لكي يحطِّم إمبراطورية الرومان، بل ليحطِّم إمبراطورية الشيطان. فلم يأتِ كي يغيِّر هذا العالم الفاسد، بل ليغيِّر قلوب الناس. حقاً، ففي يوم ما، سيعود يسوع المسيح ليدين أناس العالم، ويستعيد العالم المخلوق ويجدِّده. إلا أنه عندما جاء إلى العالم في المرة الأولى، جاء ليموت كذبيحة. جاء ليخلِّص نسل آدم من عقوبة خطيتهم، كما وعد الله على لسان أنبيائه قديماً.

وإذ نتابع القصة، يقول الكتاب:
‘‘وكان يعلِّم كل يوم في الهيكل، وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب، يطلبون أن يهلكوه. ولم يجدوا ما يفعلون؛ لإن الشعب كله كان متعلِّقاً به ويسمع منه.’’ (لو 47:19 ،48)
‘‘وفي أحد تلك الأيام، إذ كان يعلِّم الشعب في الهيكل ويبشِّر، وقف رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ، وكلَّموه قائلين: قل لنا بأي سلطان تفعل هذا؟ أو من هو الذي أعطاك هذا السلطان؟ فأجاب وقال لهم: وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة، فقولوا لي. معمودية يوحنا، من السماء كانت، أم من الناس؟ فتآمروا فيما بينهم قائلين: إن قلنا من السماء، يقول فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا من الناس، فجميع الشعب يرجموننا؛ لأنهم واثقون بأن يوحنا نبي. فأجابوا أنهم لا يعلمون من أين. فقال لهم يسوع: ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا!

‘‘وابتدأ يقول للشعب هذا المثل. إنسانٌ غرس كرماً، وسلَّمه إلى كرَّامين، وسافر زماناً طويلاً. وفي الوقت، أرسل إلى الكرَّامين عبداً؛ لكي يعطوه من ثمر الكرم. فجلده الكرامون، وأرسلوه فارغاً. فعاد وأرسل عبداً آخر. فجلدوا ذلك أيضاً، وأهانوه وأرسلوه فارغاً. ثم عاد فأرسل ثالثاً، فجرحوا هذا أيضاً وأخرجوه. فقال صاحب الكرم: ماذا أفعل؟ أرسل ابني الحبيب. لعلَّهم إذا رأوه، يهابون. فلما رآه الكرامون، تآمروا فيما بينهم قائلين: هذا هو الوارث. هلمُّوا نقتله؛ لكي يصير لنا الميراث. فأخرجوه خارج الكرم، وقتلوه. فماذا يفعل بهم صاحب الكرم؟ يأتي ويُهلك هؤلاء الكرامين، ويعطي الكرم لآخرين. فلما سمعوا، قالوا: حاشا! فنظر إليهم، وقال: إذاً ما هو هذا المكتوب ‘الحجر الذي رفضه البناؤون، هو قد صار رأس الزاوية. كل من يسقط على ذلك الحجر، يترضَّض. ومن يسقط هو عليه، يسحقه’؟
فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة، ولكنهم خافوا الشعب؛ لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم.’’ (لوقا 1:20-19)

ومن خلال مَثَل الكرَّامين الأشرار، كان يسوع يحذِّر هؤلاء الذين كانوا يتآمرون لقتله. فهل تفهم عزيزي المستمع، ما هو معنى هذا المثل؟ .. إن تفسيره ليس بالأمر الصعب!
ففي هذا المثل، يشبِّه الرب يسوع ..
الله .. بصاحب الكرم. وحقل العنب (أي الكرم) .. هو شعب إسرائيل.
والكرامون الأشرار .. يرمزون إلى قادة الدين اليهود.
أما العبيد الذين أرسلهم صاحب الكرم ليجمعوا العنب، والذين أساء الكرامون معاملتهم، هم الأنبياء.
وابن صاحب الكرمة، الذي قتله الكرامون، .. يمثِّل المسيَّا يسوع.
ونستطيع أن نفهم لماذا غضب الكهنة والكتبة غضباً شديداً..
فلقد كانوا يعرفون تمام المعرفة أن يسوع يتكلَّم عنهم! وفهموا أن يسوع كان يشبِّههم بالكرَّامين الأشرار الذين اضطهدوا عبيد صاحب الكرمة، وفي النهاية، قتلوا ابنه. وهكذا، اتَّهمهم يسوع بأنهم هؤلاء الذين تجاهلوا كلام الأنبياء، والذين سيقتلون المسيَّا، ابن العليّ. فلم يخبرهم يسوع بالمثل وحسب، بل استشهد بما كُتِب عنه في المزامير، قائلاً:
‘‘الحجر الذي رفضه البناؤون، هو قد صار رأس الزاوية. كل من يسقط على ذلك الحجر، يترضَّض. ومن يسقط هو عليه، يسحقه.’’ (لو 17:20، 18؛ مز 22:118)
وهكذا حذَّر يسوع قادة الدين أن المخلِّص الذين رفضوه وتآمروا على قتله، سيصير في النهاية، ديَّانهم!

أصدقائي المستمعين ..
انتهى وقت حلقتنا اليوم. ونشكركم على كريم إصغائكم.
وفي الحلقة القادمة، إن شاء الله، سنكمل معاً قصة يسوع العجيبة مع قادة الدين ..

فليبارككم الله، وأنتم تتأملون فيما يعلنه لنا الكتاب المقدس عن يسوع المسيَّا؛ إذ يقول:
‘‘كان في العالم، وكُوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم.’’ (يو 10:1)
ــــــــــ
 

الدرس الثمانون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية