67
لا بد من أن تُولَد ثانيةً!!
يوحنا 3
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
في دراستنا في الإنجيل المقدس، رأينا أن يسوع المسيَّا كان فريداً في مولده، وفي
شخصه، وفي أعماله.
وفي حلقتنا السابقة، أدركنا أنه كان فريداً في تعليمه أيضاً. فلم يكن هناك مطلقاً
من تكلَّم بكلمات واضحة وعميقة مثله. وهؤلاء الذين سمعوه، بُهِتوا؛ لأنه كان
يعلِّمهم بسلطان لم يكن لدى الكهنة ومعلمي الناموس. إذ أن بضع كلمات من فم يسوع،
كانت أعظم قيمةً من آلاف الكلمات التي تخرج من أفواه معلِّميهم الدينيين. ولهذا، لم
يُسَر معظم قادة اليهود بيسوع. إذ لم يعلِّم ما يناقض تقاليدهم وحسب، بل وأيضاً فضح
رياءهم أمام الجميع!!
وفي حلقتنا السابقة، سمعنا عظة يسوع التي علَّمها بينما كان واقفاً مع تلاميذه على
الجبل. ويمكننا تلخيص هذه العظة في ثلاث كلمات. هذه الكلمات الثلاث هي:
.. ‘‘لا تكونوا كالمرائين ..!’’
فالرياء يثير إشمئزاز الله، ويدمِّر الإنسان. ولهذا قال يسوع للجموع: ‘‘لا تكونوا
كالمرائين!’’ ولابد وأننا نعرف ما الذي يعنيه أن يكون المرء مرائياً. فلو ادَّعى
أحدنا أن له سمةَ شخصيةٍ لا تتفق مع ما في قلبه، فهو مرائي. وقد قال يسوع أن
المرائي هو مثل قبر مِبيِض؛ يظهر جميلاً من الخارج، ولكنه من الداخل مملوءً
بالنجاسة (مت 27:23).
لا يستطيع أحد أن يخدع الله. إذ تقول كلمة الله:
‘‘كل شيءٍ عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا.’’ (عب 13:4)
فيسوع، الذي عرف ما بقلب الإنسان، رأى الرياء الذي كان في القادة الدينيين، أي
الفريسيين والكتبة (أي معلمي الناموس). فمن الخارج، كانوا غيورين في الصلاة والصوم
ومنح الصدقات؛ ولكن في قلوبهم، لم يحبُّوا الله ولا كلمته حقيقةً. ومن ثمَّ، كان كل
برِّهم من أعمال وطقوس، بلا قيمة. وهكذا، علَّم يسوع تلاميذه قائلاً:
‘‘ومتى صلَّيت، فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبُّون أن يصلُّوا قائمين في المجامع وفي
زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم، إنهم قد استوفوا أجرهم.’’ (مت
5:6)
‘‘ومتى صنعت صدقة، فلا تصوِّت قدَّامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي
الأزقة، لكي يُمَجَّدوا من الناس. الحق أقول لكم، إنهم قد استوفوا أجرهم.’’ (مت
2:6)
‘‘ومتى صمتم، فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيِّرون وجوههم لكي يظهروا للناس
صائمين. الحق أقول لكم، إنهم قد استوفوا أجرهم.’’ (مت 16:6)
‘‘فلا تكونوا كالمرائين، فإني أقول لكم، إن لم يزِد برُّكم عن الكتبة والفريسيين،
لن تدخلوا ملكوت السموات.’’ (مت 5:6 ؛ 20:5)
‘‘طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات.
.. طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يُشبَعون.
.. طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله.
.. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل.’’
(مت3:5،6،8،48)
‘‘ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسعٌ الباب ورحبٌ الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك.
وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة.
وقليلون هم الذين يجدونه.’’ (مت 13:7-14)
وهكذا، حثَّ الرب يسوع الناس أن يختاروا الطريق الضيق الذي يقود إلى الحياة
الأبدية. فهل فهمنا ما قاله يسوع فيما يخص طريق الخلاص؟ إن ذلك لفي غاية الأهمية!
فما الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان؛ لكي يرى الله ويعيش في حضرته للأبد؟ وما الذي
قاله يسوع فيما يخص هذا الأمر؟ لقد قال باختصار: ‘‘لابد وأن يكون لك قلبٌ نقيٌّ
وكامل!’’
ولكن، كيف يتأتَّى لابن آدم، الذي حُبِل به بالخطية، أن يكون له مثل هذا القلب
النقي الكامل؟ هل هناك ما يمكنه أن يعمله؛ ليجعل قلبه الشرير يتغيَّر إلى القلب
النقي الذي يطلبه الله؟
لا! فالإنسان بنفسه لا يستطيع أن ينقِّي قلبه. وهكذا، فنحن الخطاة لا نستطيع أن
نفعل شيئاً لجعل أنفسنا أنقياء أمام الله. إلا أننا سنرى، في الوقت المتبقِّي من
حلقتنا اليوم، كيف أن المستحيل لدى الإنسان، ممكنٌ لدى الله ..!
والآن، دعونا نستمر في قراءة الإنجيل، لنرى كيف جاء من أورشليم واحدٌ من الفريسيين
المتدينين اسمه ‘‘نيقوديموس’’، وجاء إلى يسوع ليلاً ليتكلَّم معه. وبيَّن له يسوع
كيف يستطيع الخاطئ أن يحصل على قلبٍ نقيٍّ، وعلى هبة الله التي هي حياة أبدية.
.. دعونا نقرا من إنجيل يوحنا، والأصحاح الثالث.
يقول الكتاب:
‘‘كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلاً
وقال له: يا معلِّم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلِّماً، لأن ليس أحدٌ يقدر أن يعمل
هذه الآيات التي أنت تعمل، إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع وقال له: الحق الحق أقول
لك، إن كان أحدٌ لا يُولَد من فوق، لا يقدر ان يرى ملكوت الله!
‘‘قال له نيقوديموس: كيف يمكن الإنسان أن يُولَد، وهو شيخٌ، ألعلَّه يقدر أن يدخل
بطن أمه ثانيةً ويُولَد! أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يُولَد من
الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسدٌ هو، والمولود من
الروح هو روح. لا تتعجَّب إني قلت لك ينبغي أن تُولَد من فوق! الريح تهب حيث تشاء،
وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي، ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من وُلِد من
الروح.
‘‘أجاب نيقوديموس وقال له: كيف يمكن أن يكون هذا؟
‘‘أجاب يسوع وقال له: أنت معلم إسرائيل، ولست تعلم هذا؟ الحق الحق أقول لك، إننا
إنما نتكلم ونعلِّم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم
الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحدٌ صعد إلى
السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء. وكما رفع موسى
الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل
تكون له الحياة الأبدية.’’
.. آمين. (يو 1:3-16)
دعونا نتوقف ونفكر لبرهة فيما قاله الرب يسوع لهذا الفريسي المتديِّن، نيقوديموس.
ماذا قاله يسوع لنيقوديموس أنه لابد أن يحدث قبل أن يكون لنيقوديموس الحياة الأبدية
والحق في أن يحيا إلى الأبد؟
.. لقد قال له: ‘‘الحق الحق أقول لك، إن كان أحدٌ لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى
ملكوت الله. ينبغي أن تولد من فوق!’’
ولكن، هل كان نيقوديموس يعرف ما هو المقصود بالولادة من فوق أو الولادة الثانية؟
.. لا! ولهذا، قال له يسوع: ‘‘أنت معلم إسرائيل، ولست تعلم هذا؟ المولود من الجسد
جسدٌ هو، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب إني قلت لك ينبغي أن تولد من فوق.’’
(يو 10:3 ،6 ،7)
وباختصار، كان يسوع يحاول أن يخبر نيقوديموس أن كل من يريد أن يرى الله ويعيش في
حضرته للأبد، ينبغي أن يُولَد مرتين!! وهذا لا يعني أننا لابد أن ندخل مرة ثانية في
رحم أمِّنا، ونُولد ثانية بالجسد!
فالولادة الثانية تعني ..
.. أننا لابد وأن يصنعنا روح الله من جديد، ويغسل قلوبنا، ويجدِّدنا بقوته (تي
5:3).
.. ولابد وأن نُولد بواسطة القوة التي تأتي من السماء، والتي تختلف اختلافاً كاملاً
عن المظاهر الخارجية للدين والتديُّن.
.. ولابد وأن نتغيَّر من الداخل، في قلوبنا!
فكل من وُلِد من آدم هو ملوَّث بالخطية، ولا يستطيع أن يكون جزءً من ملكوت الله. إن
نسل آدم ليس لديهم أي قوة أن يستأصلوا جذور الخطية التي تنمو في قلوبهم. فكما أن
بقاءنا في الماء لوقت طويل لا يجعل منَّا تماسيح، كذلك أيضاً الانغماس في أداء
الطقوس الدينية والأعمال الحسنة لوقت طويل، لا يجعل من القلب النجس قلباً نقياً.
فالله ذاته، لابد وأن يصنع معجزة في قلوبنا ويجدِّدنا؛ وذلك لأن الفساد لا يستطيع
أن يرث عدم الفساد. (أنظر 1كو 50:15)
باختصار، .. ‘‘لابد وأن نُولد من فوق ..!’’
هذا، هو ما علَّمه يسوع لهذا الفرِّيسي، نيقوديموس. ولكن نيقوديموس وجد صعوبة في
فهم هذا الكلام. ومن ثمَّ، سأل يسوع قائلاً: ‘‘كيف يمكن أن يكون هذا؟ كيف يمكنني أن
أولد ثانيةً، وأنال قلباً جديداً وطاهراً؟’’
فأجابه يسوع قائلاً:
‘‘كما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل
من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحبَّ الله العالم، حتى بذل ابنه
الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.’’ (يو14:3-16)
ولكي يوضِّح يسوع لنيقوديموس كيف يمكن له أن يهرب من دينونة جهنَّم، وينال الحياة
الأبدية، ذكَّره يسوع بما حدث لآبائه في البرية، في زمن النبي موسى. وكما رأينا في
التوراة، عندما تذمَّر شعب إسرائيل على الله وموسى، أرسل الله الحيَّات السامة
بينهم لتلدغهم، فمات منهم الكثيرون. إلا أنهم بعدما تابوا، أمر الله موسى أن يصنع
حيَّة برونزية، ويرفعها على عصا، حتى كل من ينظر إليها، يشفى ولا يموت.
وهكذا، كان يسوع يحاول أن يخبر نيقوديموس أنه كما أن كل ما كان على شعب إسرائيل أن
يفعلوه هو أن ينظروا وحسب إلى الحية النحاسية المرفوعة على العصا فينجوا من الموت،
كذلك فإن كل ما على نسل آدم أن يفعلوه هو أن يصدِّقوا ويؤمنوا بالعلاج الذي دبَّره
الله ليخلِّصهم من الدينونة الأبدية.
.. إننا جميعاً مثل شعب إسرائيل الذين لدغتهم الحيات.
.. والشيطان هو الحية السامة،
.. والخطية هي السُم الذي يجعل الإنسان يهلك!
لقد لدغ الشيطان كل نسل آدم، وسيتسبَّب سم الخطية في هلاكنا في جهنم، إن لم يتدخَّل
الله ويعطينا علاجاً ناجعاً! إذ ليس لنا أي وسيلة ممكنة لنخلِّص بها أنفسنا من
دينونة الله؛ لأن أجرة الخطية هي الموت وجهنم. ولكن المجد لله، لأنه كما دبَّر لشعب
إسرائيل علاجاً يخلِّصهم من سم الحيات، هكذا أيضاً دبَّر لنا علاجاً ليخلِّصنا نحن،
نسل آدم، من سم الخطية.
هل تعلمون ما هي خطة الله لرد وتجديد قلوب نسل آدم المملوءة بالخطية؟ هل تعلم ما
قاله الرب يسوع عن هذه الخطة؟
.. لقد قال يسوع أن المخلِّص لابد وأن يُرفَع على الخشبة، أي الصليب، لكي يتحمَّل
هو عقوبة الخطية نيابة عن الخطاة .. حتى ‘‘كل من يؤمن به .. تكون له الحياة الأبدية
.. ولا يهلك!’’
من إذن يمكنه أن يخلص؟ وماذا يقول الكتاب عن هذا؟
.. يقول الكتاب: ‘‘كل من يؤمن به .. لا يهلك!’’
ومن هو الذي ينبغي أن نؤمن به؟
.. إنه الفادي المخلِّص الذي أرسله الله!
صديقي المستمع ..
هل تؤمن به؟ هل تؤمن في قلبك أن الله، الذي لا يريد أن يهلك أحد، قد أرسل يسوع
المخلِّص إلى الأرض لأجلك، لكي يتحمَّل عنك دين الخطية؟ إن علاج الله الصالح لمشكلة
خطيتنا، هو موت يسوع على الصليب. يقول الكتاب:
‘‘لأن الله جعل (يسوع المسيَّا) الذي لم يعرف خطيةً، خطيةً لأجلنا، لنصيرنحن بر
الله فيه.’’ (2كو 21:5)
صديقي المستمع ..
إن الله لم يتغيَّر! وما قاله الرب يسوع لنيقوديموس منذ ألفي عام مضت، لا يزال
يقوله لك اليوم: ‘‘لابد وأن تولد ثانيةً!’’
إن الله يريد أن يطهِّر قلبك، ويخلقه من جديد، ويجدِّدك بقوته. إلا أنك لابد وأن
تصدِّق خبره السار. لابد وأن تؤمن بالمسيَّا الذي أرسله. لابد وأن تصدِّق أن يسوع
الذي لم يخطئ أبداً، دفع دين خطيتك، لكي تحيا في حضرة الله إلى الأبد. ‘‘ينبغي أن
تولد ثانية! .. إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت السموات.’’ آمين.
أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. في الحلقة القادمة بإذن الله، سنستمر في قراءة الإنجيل،
وسنسمع حديثاً دار بين يسوع وبين إمرأة كان لها خمسة أزواج ..!
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون فيما أعلنه يسوع المسيَّا، عندما قال:
.. ‘‘لا تتعجب أني قلت لك، ينبغي أن تُولد من فوق!’’ (يو 7:3)
.. ‘‘طوبى للأنقياء القلب، .. لأنهم يعاينون الله!’’ (مت 8:5)
ــــــــــ
الدرس الثامن والستون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية