68
مخلِّـص العالـم

يوحنا 4 ؛ لوقا 4

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا حتى الآن، في دراستنا للإنجيل، كيف كان يسوع المسيَّا فريداً في ميلاده، وطبيعته، وأعماله، وأيضاً في تعاليمه.
.. فبالنسية لميلاده، رأينا أنه لم يكن هناك من وُلِد مثل ولادة يسوع؛ إذ وُلِد من عذراء،
بقوة روح قدس الله!
.. ورأينا أيضاً، أن يسوع كان فريداً في طبيعته؛ إذ لم يكن هناك من وُلِد بطبيعة قدوسة
كطبيعته!
.. وكان يسوع أيضاً فريداً في أعماله، لأن أحداً لم يصنع معجزات مثل معجزاته. إذ
كان ينطق بكلمة، فيبرأ المريض، وتفرُّ الشياطين، وتُغفَر الخطايا ..!
.. واكتشفنا أيضاً أن يسوع كان فريداً في تعاليمه. وقد لاحظنا ذلك في الحلقة السابقة في
الحديث الذي دار بينه وبين نيقوديموس الفرِّيسي. إذ أوضح يسوع لنيقوديموس أنه إذا
لم يجدِّدْ روح الله قلبه، فلن يقدر أن يدخل إلى محضر الله. ولهذا، قال له الرب
يسوع: ‘‘ينبغي أن تولد من فوق (أو تولد ثانيةً)..!’’
وسنسمع اليوم، كيف تكلَّم يسوع المسيَّا مع شخصية تختلف تمام الاختلاف عن نيقوديموس.
.. فقد كان نيقوديموس يهوديَّاُ؛ أما الشخصيَّة التي سنتعرض لها في درس اليوم، فلم تكن
شخصيَّة يهوديَّة.
.. كان نيقوديموس رجلاً؛ أما شخصيتنا اليوم، فهي امرأة.
.. كان نيقوديموس شخصاً متديناً جداً؛ أما هي فكانت تتردَّى في الخطية، إذ كان لها
خمسة أزواج.
.. وفي نظر الناس، كان نيقوديموس الفريسي أفضل من تلك المرأة الفاسقة.
ولكن لم تكن هذه هي نظرة الله؛ لأن كل نسل آدم ـ سواء متدينين أوخطاة ـ هم تحت سلطان الخطية. وهكذا، ينبغي لكل نسل آدم أن يُولد ثانيةً بقوة الروح التي تأتي من فوق!

والآن، دعونا نرجع إلى الإنجيل، ونسمع الحديث الذي دار بين يسوع والمرأة الخاطئة التي من السامرة. وكانت السامرة منطقة تقع بين اليهودية والجليل، في أرض اليهود. وكان الكثير من السامريين غرباء، وكان اليهود يعتبرونهم وثنيين؛ ولهذا لم يكونوا على وفاق معهم.
وبالرغم من ذلك، لم يُظهر يسوع المسيَّا أي محاباة؛ لأن الله ليس عنده محاباة. فلقد جاء يسوع إلى العالم كي يطلب ويخلِّص كل الخطاة الذين يريدون أن ينالوا قلباً جديداً نقياً. ولهذا، لم يخجل يسوع أن يتحدَّث مع المرأة السامرية التي كان لها خمسة أزواج.

والآن، دعونا نسمع المكتوب في إنجيل يوحنا، والأصحاح الرابع. يقول الكتاب:
‘‘وكان لابد ليسوع أن يجتاز السامرة. فأتى إلى مدينة في السامرة، يقال لها سوخار، بقرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه. وكانت هناك بئر يعقوب. وإذ كان يسوع قد تعب من السفر، جلس هكذا على البئر. وكان نحو الساعة السادسة. فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماءً.
فقال لها يسوع: اعطيني لأشرب. لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً.
فقالت له المرأة السامرية: كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي، وأنا امرأة سامرية؟
(لأن اليهود لا يعاملون السامريين)
أجاب يسوع وقال لها: لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لك اعطيني
لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاكِ ماءً حيَّاً.
فقالت له المرأة: يا سيِّد، لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي؟ ألعلَّك أعظم
من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر، وشرب منها هو وبنوه ومواشيه؟
أجاب يسوع وقال لها: كل من يشرب من هذا الماء، يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من
الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه،
يصير فيه ينبوع ماءٍ ينبع إلى حياة أبدية.
قالت له المرأة: يا سيد، أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش، ولا آتي إلى هنا لأستقي.
قال لها يسوع: اذهبي، وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا.
أجابت المرأة وقالت: ليس لي زوج.
قال لها يسوع: حسناً قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواجٍ، والذي لك الآن ليس
هو زوجك. هذا قلتِ بالصدق.
فقالت له المرأة: يا سيد، أرى أنك نبي. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في
أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجَد فيه.
قال لها يسوع: يا امرأة صدِّقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم
تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون؛ أما نحن فنسجد لما نعلم.
لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن، حين الساجدون
الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالبٌ مثل هؤلاء
الساجدين له. الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن
يسجدوا.
قالت له المرأة: أنا أعلم أن مسيَّا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك، يخبرنا
بكل شيء.
قال لها يسوع: أنا الذي أكلِّمك، هو!

‘‘وعند ذلك، جاء تلاميذه، وكانوا يتعجبُّون أنه يتكلَّم مع امرأة. ولكن لم يقل أحدٌ ماذا تطلب، ولماذا تتكلَّم معها. فتركت المرأة جرَّتها، ومضت إلى المدينة، وقالت للناس: هلمُّوا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟ فخرجوا من المدينة، وأتوا إليه.
‘‘فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه ‘قال لي كل ما فعلت’. فلما جاء إليه السامريون، سألوه أن يمكث عندهم. فمكث هناك يومين. فآمن به أكثر جداً، بسبب كلامه. وقالوا للمرأة: إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. لأننا نحن قد سمعنا، ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلِّص العالم.’’
(يو 4:4-27، 39-42)

وهنا، تنتهي قصة المرأة السامرية..!
حقاً، إنها لقصة هامة؛ لأنها تبيِّن كيف اكتشفت امرأة خاطئة أن يسوع هو مخلِّص العالم الذي أرسله الله إلى العالم. ولقد بدَّل هذا الاكتشاف حياتها. ففي بداية الحديث، لم تعرف المرأة السامرية من هو الذي كان يتكلَّم معها. لقد رأت يسوع كمجرد يهوديٍّ آخر كباقي اليهود. ومع ذلك، فأثناء الحديث، قال لها يسوع أموراً لا يستطيع مجرد رجل يهودي أن يعرفها، مما جعلها تستنتج أن يسوع نبي. إلا أنها في نهاية الأمر، تبينت أن يسوع هذا الذي يتكلَّم معها، هو أكثر من نبي. إنه المسيَّا، الذي تنبأ عنه كل الأنبياء .. المسيَّا مخلِّص العالم!

وبمجرَّد أن أدركت المرأة أن ذاك الرجل الجالس على حافة البئر يكلِّمها، هو المسيَّا، أنزلت جرتها على الأرض، وجرت إلى القرية تخبر كل أهلها، قائلة: ‘‘هلمُّوا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟’’

وبعد ذلك، خرج أهل القرية وطلبوا من يسوع أن يمكث معهم. ومكث يسوع هناك فترة يومين. وأخذ يعلِّمهم كيف يمكنهم أن ينالوا قلباً جديداً نقياً، ويصبحوا متعبِّدين حقيقيين لله. وهكذا، يقول الكتاب:
‘‘فآمن به أكثر جداً، بسبب كلامه. وقالوا للمرأة: إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. لأننا نحن قد سمعنا، ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم.’’ (يو 41:4)

والآن، دعونا نستمر في قراءة الإنجيل؛ لنرى ما الذي حدث بعد بضعة أيام من زيارة يسوع إلى السامرة. وسنرى أن ليس الكل قَبِل يسوع كمخلِّص العالم.
.. وفي إنجيل لوقا، الأصحاح الرابع، يقول الكتاب:
‘‘فرجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل، وخرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة. وكان يعلِّم في مجامعهم ممجَّداً من الجميع. وجاء (يسوع) إلى الناصرة، حيث كان قد تربَّى. ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت، وقام ليقرأ. فدُفِع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر، وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه:
.. ‘روح الرب عليَّ، لأنه مسحني لأبشِّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة!’ ..
ثم طوى السفر، وسلَّمه إلى الخادم، وجلس. وجميع الذين في المجمع، كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم: إنه اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم..!’’
(لو 14:4-20)

وبهذه الكلمات، أعلن يسوع أنه المسيَّا والمخلِّص الذي كتب عنه النبي إشعياء قبل هذا الوقت بسبعمئة عام. غير أن اليهود الذين كانوا يعيشون في الناصرة لم يستطيعوا أن يتقبَّلوا أن يسوع هذا، الذي نما وترعرع في وسطهم، هو هو مخلِّص العالم، المرسَل من السماء! ولهذا، كانوا يزدرون به قائلين: ‘‘أليس هذا ابن يوسف؟’’

ثم يروي لنا الكتاب كيف حذَّر يسوع أهل الناصرة ألا يحتقروا المسيَّا الذي أرسله الله إليهم. ولكن هذا لم يزدهم إلا غضباً. وهكذا، يقول الكتاب:
‘‘فامتلأ غضباً جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا. فقاموا وأخرجوه خارج المدينة، وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنيَّةً عليه، حتى يطرحوه إلى أسفل. أما هو، فجاز في وسطهم، ومضى.’’ (لو 28:4-30)

وهكذا، .. حاول أهل الناصرة أن يقتلوا يسوع!
ولماذا حاولوا أن يقتلوه؟
.. ذلك، لأنه كان يقول عن نفسه أنه المسيَّا، الذي كتب عنه جميع الأنبياء. حقاً، إن الحقيقة تلسع، كما يقول المثل. لقد جعلت كلمات يسوع أهل الناصرة في منتهى الغضب، حتى أنهم حاولوا أن يطرحوه إلى أسفل، من على حافة الجبل. ولكنهم لم يقدروا أن يفعلوا ذلك بيسوع؛ لأن ساعته لم تكن قد حانت بعد ليموت. إن قاطع الأشجار ليس بالحماقة التي تجعله يقطع الشجرة الرئيسية التي يجتمع تحت ظلها أهل القرية. ويسوع المسيَّا، كان هو ‘‘الشجرة الرئيسية’’ التي يحتاجها الناس! فكم كانت حماقة وشر الناس الذين أرادوا أن ‘‘يقطعوا’’ ذاك الذي عيَّنه الله مخلِّصاً وديَّاناً للعالم! وسنرى بعد ذلك، كيف أنهم سيقتلوه فعلاً، ولكن الله سيقيمه من الأموات بعد ثلاثة أيام. وسنتعلَّم عن ذلك ما هو أكثر، في الدرس القادم.

والآن، كيف يمكننا أن نلخِّص درس اليوم؟
لقد سمعنا قصتين عن مجموعتين من الناس. كلاً منهما سمع يسوع وهو يعلن عن نفسه أنه المسيَّا، مخلِّص العالم. إلا أن استجابة كل منهما لهذا الإعلان كانت تختلف تمام الاختلاف.
المجموعة الأولى، تتألَّف من المرأة السامرية التي قابلها يسوع عند البئر، وأهل
السامرة. وهي مجموعة قبلت كلام يسوع بفرح عظيم، وأمنت أن
يسوع هو المسيَّا، مخلِّص العالم.
أما المجموعة الثانية، والتي سمعنا عنها في القصة الثانية، فهي تتألَّف من أهل الناصرة
المتديِّنين. فقد احتقروا كلام يسوع، ولم يصدِّقوا أن يسوع هذا، الذي
نما وعاش بينهم في بلدتهم الصغيرة، هو هو المسيَّا!

وباختصار، رأينا أن الخطاة الذين عاشوا في السامرة، قبلوا يسوع كالمخلِّص المرسَل من السماء. أما أهل الناصرة المتديِّنين، .. فلم يقبلوه!

ولكن .. ماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
.. أي المجموعتين تشبه؟
.. هل أنت مثل أهل السامرة، الذين قبلوا يسوع كربهم ومخلِّصهم؟
.. أم أنت مثل أهل الناصرة، الذين رفضوا أن يصدِّقوا أن يسوع هو المسيَّا المرسَل من
السماء ليخلِّصَهم من خطاياهم؟
.. هل تدرك أن يسوع هو الفادي الذي كتب عنه كل الأنبياء؟
.. هل قبلته كمخلِّصٍ لك؟

اسمع لما يقوله الكتاب المقدس عن يسوع المسيَّا. يقول الكتاب:
‘‘النور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه .. كان في العالم، وكُوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله. وأما الذين قبلوه، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين وُلِدوا، ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله.’’ (يو 5:1 ،10-13)

صديقي المستمع ..
هل وُلِدت من الله؟
.. أتؤمن حقاً بيسوع؟
.. هل قبلته كَرَبٍّ ومخلِّصٍ لك؟

أصدقائي المستمعين ..
إلى هنا تنتهي حلقتنا اليوم!
نشكركم على كريم إصغائكم! وندعوكم أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة، لنرى الآيات التي صنعها يسوع، كيما يعرف الجميع أنه هو المخلِّص الحقيقي للعالم.

وليبارككم الله، وأنتم تتذكَّرون ما شهد به أهل السامرة عن يسوع، عندما قالوا:
‘‘إن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلِّص العالم.’’ (يو 42:4)

ـــــــــــــ

 

 الدرس التاسع والستون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية