57
دانيــآل النبـي
سفر دانيآل 1،6
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
في حلقتنا السابقة، درسنا سفر إرميا. عاش النبي إرميا قبل مجيء المسيا بنحو ستمئة
عام. ورأينا كيف حذَّر إرميا أنسباءه اليهود، أنهم إن لم يتوبوا عن خطاياهم،
ويرجعوا إلى الله فإن جيش بابل سوف يدمِّر مدينة أورشليم، ويأخذهم أسرى. وللأسف،
سمع معظم اليهود للأنبياء الكذبة، ورفضوا أن ينتبهوا إلى رسالة إرميا. وهكذا، نقرأ
كيف جاء جيش بابل، ودمَّر أورشليم، وسبى اليهود إلى بابل. وحدث كل شيء، تماماً كما
أنبأ به الله على فم نبيه إرميا.
إلا أن تدمير أورشليم لم يعنِ أن الله قد ترك اليهود، وهو الشعب الذي اختاره منذ
زمن بعيد. فلم يستطع الله أن ينسى العهد الذي قطعه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، عندما
قال لهم: ‘‘ويتبارك فيك كل شعوب الأرض.’’ فلم يكن الله قد نسى خطته من نحو إرسال
مخلِّص إلى العالم، من خلال شعب اليهود الذي انحدر من إبراهيم. وهكذا، يحكي لنا
الكتاب المقدس كيف حافظ الله على اليهود في بابل لمدة سبعين سنة، إلى أن أعادهم إلى
أورشليم، تماماً كما وعد. ولكي تسمعوا هذه القصة، عليكم الانتظار حتى الحلقة
القادمة.
ونريد اليوم أن نقرأ عن شابٍّ يهوديٍّ، كان أحد الأسرى اليهود في بابل. وهذا الشاب
هو ‘‘دانيآل’’، أو بمعنى أصح، نبي الله دانيآل. ومعنى اسم دانيال هو ‘‘الله قاضيَّ’’.
وكانت هذه باختصار، هي شهادة دانيآل. فقد كان دانيال لا يهاب أحدًّ إلا الله العظيم،
الذي له سيعطي كل واحدٍ حساباً في يوم الدينونة. فلم يكن دانيآل يهتم بـ‘‘أفكار
الناس’’ عنه. بل كان ما يهمه هو ‘‘أفكار الله’’. فقد كان الله هو قاضي دانيآل. وكان
دانيآل يؤمن بما كتبه النبي سليمان منذ زمن بعيد، حين قال: ‘‘خشية الإنسان تضع شركاً
(أي تصير شركاً له)، والمتكل على الرب يُرفَع (أي يبقى في أمان).’’ (أم 25:29)
وأوحى الله إلى دانيآل أن يكتب سفراً عميقاً جداً. إذ يحتوي سفر دانيال على رؤى أو
نبوات عديدة، لا يستطيع العقل البشري أن يخترعها. فالله وحده وحسب، هو الذي يعرف ما
سيحدث في المستقبل. إلا أن النبي دانيآل كتب عن تاريخ الكثير من أمم العالم، حتى من
قبل أن توجد تلك الأمم! وعلى سبيل المثال، كتب دانيآل عن كيف ستوجد ممالك مثل
الفارسية واليونانية والرومانية، وماذا سيفعل ملوكها. وقد كتب هذا، حتى من قبل خروج
هذه الممالك إلى حيز الوجود بمئات السنين. وكتب دانيآل، مثله مثل العديد من أنبياء
الله، فيما يخص المجيء الأول والثاني للمسيا. وتنبأ دانيآل أن المسيا في مجيئه
الأول، سوف ‘‘يُقطَع’’، أي يُقتَل، كذبيحة للخطية. إلا أنه عندما يعود المسيا إلى
الأرض، سيدين العالم بالعدل.
دعونا نستمع إلى الرؤيا التي رآها دانيآل بخصوص مجيء المسيح الثاني. يقول الكتاب:
‘‘كنتُ أرى أنه وُضِعَت عروشُ، وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه
كالصوف النقي، وعرشه لهيبُ نارٍ، وبكراته نارٌ متقدةُ. نهرُ نارٍ جرى، وخرج من
قدَّامه. ألوفُ ألوفٍ تخدمه، وربواتُ ربواتٍ وقوفٌ قدَّامه. فجلس الديِّن، وفُتِحَت
الأسفار!
‘‘كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسانٍ، أتى وجاء إلى القديم
الأيام، فقرَّبوه قدَّامه. فأُعطِيَ سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبَّد له كل الشعوب
والأمم والألسنة. سلطانه سلطانٌ أبديًّ ما لم يزول، وملكوته ما لم ينقرض.’’ (دا
9:7 ،10 ،13 ،14)
وحيث أن وقتنا اليوم لن يسعنا للتوغل في أفكار الله العميقة التي يحتوي عليها سفر
دانيآل، فسوف نقضي بقية وقتنا اليوم في بحث قصة النبي دانيال نفسه.
في الأصحاح الأول من سفر دانيآل، نرى كيف اختار نبوخذ نصَّر ملك بابل، بعضاً من
الفتيان اليهود، لإعدادهم للخدمة في حكومته. اختار الملك هؤلاء الأكثر وسامة وذكاء،
والذين لهم قابلية لتلقِّي كل نوع من أنواع التعليم، وقدرة على تعلم الحروف
الهجائية الخاصة بلغة بابل. وكان دانيآل واحداً من هؤلاء الفتيان الذين اختارهم
الملك.
وهكذا، بدأ دانيآل يدرس في مدارس بابل. إلا أنه واجه مأزقاً كبيراً في أول يوم له.
فلقد كان الملك قد قرر أن كل من يتعلم في مدرسته، لابد وأن يشرب أطيب الخمور ويأكل
أطيب الطعام. إلا أن تلك الأطايب كانت تقدم للأوثان. فهل كان يستطيع دانيآل أن
يشترك في عبادة الأوثان؟ بالطبع لا! ولكن، لما لا؟ ذلك، لأن دانيآل كان يخاف الله.
فلقد كان يفضل الموت، عن أن يصنع ما لا يسر قلب الله. وهكذا، يقول الكتاب: ‘‘أما
دانيآل، فجعل في قلبه أن لا يتنجَّس بأطايب الملك، ولا بخمر مشروبه. فطلب من رئيس
الخصيان أن لا يتنجَّس.’’ (دا 8:1)
ويحكي الكتاب المقدس كيف أنقذ الله دانيآل من هذا المأزق، وباركه، وأعطاه معرفة
عظيمة وحكمة، حتى أن الكتاب يقول:
‘‘فوقفوا أمام الملك. وفي كل أمر حكمة فهمٍ، الذي سألهم عنه الملك، وجدهم عشرةَ
أضعافٍ وفق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته.’’ (دا 20:1)
وهكذا، وعلى مدى حوالي سبعين سنة، عمل دانيآل تحت حكم أربعة ملوك، وكان الله معه.
وفي الوقت المتبقي لدينا اليوم، نود ان ندرس قصة من حياة دانيآل، قصة ترينا كيف كان
دانيآل لا يخاف أحد غير الله وحده. وسنرى كيف كان دانيآل مختلفاً عن كل رجال الملك.
فلقد كانوا ذلك النوع من الرجال الذين تعودوا أن يلووا الحقيقة ويقبلوا الرشاوى؛
لأن خوف الله كان بعيداً عن قلوبهم. إلا أن دانيآل رفض كل هذه النجاسة والكذب، لأن
خوف الله كان يملأ قلبه. ففضَّل أن يُطرَح في جب للأسود، عن أن يُغضِب الله.
وتبدأ قصتنا عندما كان دانيآل رجلاً عجوزاً، يخدم بإخلاص في بلاط الملك الرابع.
وكانت مملكة بابل عندئذ لا تُدعَى بابل، بل ‘‘فارس’’. وذلك، لأن أمتين، وهما مادي و
فارس، كانا قد غزتا بابل وقسمتاها إلى مملكتين؛ تماماً كما سبق دانيآل وتنبأ عنها.
وفي الأصحاح السادس من السفر، يقول الكتاب:
‘‘وحَسُنَ عند داريوس (الملك) أن يولِّي على المملكة مئةً وعشرين مَرزُباناً يكونون
على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيآل، لتؤدي المرازبة إليهم
الحساب، فلا تصيب الملك خسارة. ففاق دانيآل هذا على الوزراء والمرازبة، لأن فيه
روحاً فاضلةً، وفكَّر الملك أن يولِّيه على المملكة كلها.
‘‘ثم أن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علةً يجدونها على دانيآل من جهة المملكة،
فلم يقدروا أن يجدوا علةً ولا ذنباً؛ لأنه كان أميناً، ولم يوجد فيه خطأٌ ولا ذنبٌ.
فقال هؤلاء الرجال: لا نجد على دانيآل هذا علةً إلا أن نجدها من جهة شريعة إلهه.
‘‘حينئذٍ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك، وقالوا له هكذا: أيها الملك
داريوس، عش إلى الأبد. إن جميع وزراء المملكة والشِحَن والمرازبة والمشيرين والولاة
قد تشاوروا على أن يضعوا أمراً ملكياً، ويشدِّدوا نهياً بأن كل من يطلب طلبةً حتى
ثلاثين يوماً من إله أو إنسانٍ إلا منك أيها الملك، يُطرح في جب الأسود. فثبِّت
الآن النهي أيها الملك، وأمضِ الكتابة، لكي لا تتغير كشريعة مادي وفارس التي لا
تُنسخ. لأجل ذلك، مضى الملك داريوس الكتابة والنهي.
‘‘فلما علم دانيآل بإمضاء الكتابة، ذهب إلى بيته، وكواه مفتوحةُ في علَيَّته نحو
أورشليم. فجثا على ركبتيه ثلاث مراتٍ في اليوم، وصلَّى وحمد قدَّام إلهه كما كان
يفعل من قبل ذلك. فاجتمع حينئذٍ هؤلاء الرجال، فوجدوا دانيآل يطلب ويتضرَّع قدَّام
إلهه. فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك. ألم تمضِ أيها الملك نهياً بأن كل
إنسانٍ يطلب من إله أو إنسانٍ حتى ثلاثين يوماً إلا منك أيها الملك، يُطرح في جب
الأسود؟ فأجاب الملك وقال: الأمر صحيحٌ كشريعة مادي وفارس التي لا تُنسَخ. حينئذٍ
أجابوا وقالوا قدَّام الملك: إن دانيآل الذي من بني سبي يهوذا، لم يجعل لك أيها
الملك اعتباراً، ولا للنهي الذي أمضيته، بل ثلاث مراتٍ في اليوم يطلب طلبةً.
‘‘فلما سمع الملك هذا الكلام، اغتاظ على نفسه جداً، وجعل قلبه على دانيآل لينجيه،
واجتهد إلى غروب الشمس لينقذه. فاجتمع أولئك الرجال إلى الملك، وقالوا للملك: اعلم
أيها الملك أن شريعة مادي وفارس هي أن كل نهيٍ أو أمرٍ يضعه الملك، لا يتغير. حينئذٍ
أمر الملك، فأحضروا دانيآل، وطرحوه في جب الأسود. فأجاب الملك وقال لدانيآل: إن
إلهك الذي تعبده دائماً، هو ينجِّيك. وأتى بحجرٍ فوضعه على فم الجب، وختمه الملك
بخاتمه، وخاتم عظمائه، لئلا يتغير القصد في دانيآل. حينئذٍ مضى الملك إلى قصره،
وبات صائماً، ولم يؤتَ قدامه بسراريه، وطار عنه نومه.
‘‘ثم قام الملك باكراً عند الفجر، وذهب مسرعاً إلى جب الأسود. فلما اقترب إلى الجب،
نادى دانيآل بصوتٍ أسيفٍ. أجاب الملك وقال لدانيآل: يا دانيآل، عبد الله الحي، هل
إلهك الذي تعبده دائماً قَدِر على أن ينجيك من الأسود؟ فتكلم دانيآل مع الملك: يا
أيها الملك، عش إلى الأبد. إلهي أرسل ملاكه، وسدَّ أفواه الأسود، فلم تضربْني، لأني
وُجِدتُ بريئاً قدَّامه، وقدَّامك أيضاً أيها الملك لم أفعل ذنباً. حينئذٍ فرح
الملك به، وأمر أن يُصعَد دانياآل من الجب، فأُصعِد دانيآل من الجب، ولم يُوجَد فيه
ضررٌ، لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك، فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيآل،
وطرحوهم في جب الأسود، هم وأولادهم ونساءهم. ولم يصلوا إلى أسفل الجب، حتى بطشت بهم
الأسود، وسحقت كل عظامهم.
‘‘ثم كتب الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها.
ليكثر سلامكم. من قلبي صدر أمر بأنه في سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله
دانيآل، لأنه هو الإله الحي القيٌّوم إلى الأبد، وملكوته لن يزول وسلطانه إلى
المنتهى. هو ينجِّي وينقذ ويعمل الآيات والعجائب في السموات وفي الأرض. هو الذي
نجَّى دانيآل من يد الأسود!’’ (دا 1:6-27) .. آمين.
هل سمعتم ما قاله الملك الوثني، بعد ما رأى كيف أنقذ الله دانيآل من الأسود؟ لقد
قال:‘‘من قلبي صدر أمر بأنه في سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله دانيآل، لأنه
هو الإله الحي القيٌّوم إلى الأبد!’’
وأنتم، يا من تسمعون اليوم، .. هل تخافون إله دانيآل؟
ولكن ربما تتساءلون: ‘‘من هو إله دانيال؟’’
.. إن إله دانيآل هو نفسه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب.
.. إن إله دانيآل هو نفسه إله الأنبياء موسى وداود.
.. إن إله دانيآل هو الإله الذي أعطانا الكتب المقدسة.
.. إن إله دانيآل هو الإله الذي وعد أن يرسل إلينا المخلِّص الفادي الذي يخلِّص
الخطاة من قوة تفوق قوة الأسود، ألا وهي قوة الشيطان والخطية والجحيم.
.. إن إله دانيآل هو الله .. الله الحي الحقيقي!
هل تخافون إله دانيال؟
نحن لا نسأل إن كنتم تخافون أصدقاءكم وأفكارهم، أو تخافون أرواح أجدادكم وعاداتهم،
أو تخافون شيوخكم ونسَّاككم ومتطلباتهم!
ما نسألكم إياه هو:
.. هل تخافون الله؟
.. هل تريدون أن ترضوا الرب الإله، وتطيعوا كلمته المقدسة؟
لقد كان دانيآل يخاف الله، ولذلك لم يخف البشر. لقد فضَّل دانيآل أن يقضي ليلة في
جب الأسود، عن أن يُغضِب الرب إلهه!
ولكن ماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
.. هل تخاف الله؟
.. هل تخافه، كما خافه دانيآل؟
.. هل تكره النجاسة، كما كرهها دانيآل؟
.. هل تعتز بكلمة الله، كما كان يعتز بها دانيآل؟
.. أم أنك مثل معظم بني آدم، الذين يلوون الحقيقة، ويحبُّون المال، ويهملون الكتب
المقدسة؟
.. هل تخاف الله؟
أعزائي المستمعين..
نشكركم على حسن استماعكم.
في حلقتنا القادمة بإذن الله، نود أن ندرس معكم بعضاً من النبوات العجيبة التي
كتبها زكريا، وهو النبي الذي جاء بعد دانيآل ..
وأما الآن، فليبارككم الله، وأنتم تتأملون في هذه الحقيقة الهامة التي تقول:
‘‘خشية الإنسان تضع شركاً، والمتكل على الرب يُرفَع.’’ (أم 25:29)
ــــــــــــــ
الدرس الثامن والخمسون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية