58
زكريـَّا النبـي
سفر زكريا
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
تعلمنا في الحلقة قبل السابقة، كيف حذَّر النبي إرميا أنسباءه اليهود، أنه إن لم
ينتبهوا إلى كلمة الله ويتوبوا، فإن الله سيسمح لجنود بابل أن يغزوهم ويدمروا بلدهم،
ويسبوهم بعيداً عنها. إلا أن معظم اليهود لم يعطوا أي انتباهاً لتحذيرات إرميا. مما
ترتب عليه أن جاء جيش بابل من الشرق، ودمَّر أورشليم، وهدم الهيكل، واخذ اليهود
أسرى، ونقلهم إلى بابل، تماماً كما تنبأ النبي إرميا من قبل. وهكذا، تشتت الشعب
اليهودي؛ لأنهم رفضوا أن يطيعوا كلمة أنبياء الله.
ولكن، هل يمكن لعدم أمانة اليهود أن تمنع أمانة الله؟ كلا البتة! استمعوا معي لما
قاله النبي إرميا لليهود، الذين كانوا حينئذِ أسرى في بابل؛ بسبب خطاياهم. قال
إرميا لهم:
‘‘هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل لكل السبي الذي سبيته من أورشليم إلى بابل: ..
إني عند تمام سبعين سنة لبابل، أتعهدكم وأقيم كلامي الصالح بردِّكم إلى هذا الموضع
(أي أورشليم). لأني عرفت الأفكار التي مفتكر بها عنكم .. أفكارَ سلامٍ، لا شرٍ،
لأعطيكم آخرةً (أي مستقبلاً) ورجاءً.’’ (أر 4:29، 10-11)
وبهذا الإعلان، كان النبي إرميا يخبر اليهود أنه حتى وإن كانوا قد نسوا الله، إلا
أن الله لم ينساهم! فقد كان الله يخطط أن يعيدهم إلى أرض آبائهم بعد سبعين سنة. هذا
هو ما أخبر به النبي إرميا اليهود، وهم في السبي في بابل. فقد قصد أن يقول: ‘‘حقاً،
إن الله أمين’’، أو حرفياً: ‘‘إن الله يحفظ وعوده.’’ فالله لم ينسَ وعده بأن يبارك
كل أمم العالم من خلال نسل إبراهيم وإسحق وإسرائيل. وهو لم ينسَ أنه قصد أن يعهد
بكلمته لشعب إسرائيل؛ كيما يحملوها إلى كل نسل آدم. وقد رأينا في دراستنا، كيف
اختار الله أنبياءه من بين اليهود، وأوحى إليهم أن يبشِّروا بكلمته المقدسة،
ويدونوها لمنفعة الأجيال القادمة. وعرفنا كيف وضع الله كتاب التوراة في ذهن موسى،
وكتاب المزامير في ذهن داود. ورأينا ايضاً، كيف أوحى الله ليهودٍ آخرين أمثال: يشوع
وصموئيل وسليمان وإشعياء وإرميا ودانيال ـ أن يدونوا كلمة الله. وشاهدنا كيف أعلنت
كل كتب الأنبياء الخطة المدهشة التي وضعها الله ليرسل مخلِّص العالم من خلال شعب
إسرائيل.
وسنرى اليوم، كيف أعاد الله اليهود إلى أرض يهوذا حيث كان سيولد المسيا، متقدماً
بذلك في خطته ليأتي بالمسيا إلى العالم. وسنتعلم كيف عاد اليهود إلى أورشليم بعد
سبعين سنة من السبي، تماماً كما تنبأ النبي إرميا.
وإذ نبدأ في قراءتنا اليوم، دعونا نتذكر أن أرض بابل كانت تُدعَى في هذا الوقت بأرض
فارس، لأن فارس كانت قد غزت بابل واستولت عليها. وإذ نقرأ في الأصحاح الأول من سفر
عزرا، يقول الكتاب:
‘‘وفي السنة الأولى لكورَش ملك فارس، عند تمام كلام الرب بفم إرميا، نبَّه الرب روح
كورَش ملك فارس، فأطلق نداءً في كل مملكته، وبالكتابة أيضاً، قائلاً: هكذا قال
كورَش ملك فارس: ‘جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني
له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا. من منكم من كل شعبه، ليكن إلهه معه، ويصعد إلى
أورشليم التي في يهوذا، فيبني بيت الرب إله إسرائيل.’
‘‘فقام رؤوس آباء يهوذا وبنيامين والكهنة واللاويون مع كل من نبَّه الله روحه؛
ليصعدوا ليبنوا بيت الرب الذي في أورشليم. وكل الذين حولهم، أعانوهم بآنية فضةٍ
وبذهبٍ وبأمتعةٍ وببهائم وبتحفٍ، فضلاً عن كل ما تُبُرِّع به. والملك كورَش أخرج
آنية بيت الرب، التي كان نبوخذناصَّر قد أخرجها من أورشليم وجعلها في بيت آلهته.’’
(عز 1:1-3، 5-7)
والآن، هل تمَّم الله كل ما وعد به قبل ذلك بزمن بعيد على فم إرميا النبي؟ بالطبع
فعل! فلقد رأينا للتو كيف سمح الله لملك بابل أن يدمِّر أورشليم، ويهدم هيكل الله ـ
تماماً كما سبق إرميا وتنبأ. والآن، نرى كيف أمر كورَش ملك بابل، كل من يرغب من
اليهود، أن يرجع إلى أرضه ويعيد بناء الهيكل ومدينة أورشليم ـ أيضاً تماماً كما سبق
إرميا وتنبأ. حقاً، إن الرب هو ملك الملوك. وهو الذي يتحكم في الأزمنة والأوقات.
وكل ما يعلنه، يحدث ويتم! فلقد كتب النبي سليمان يقول: ‘‘قلب الملك في يد الرب
كجداول مياه حيثما شاء يميله.’’ (أم 1:21)
ثم يصف الكتاب بعد ذلك، كيف تركت مجموعة من اليهود أرض فارس، ورجعت إلى أرض يهوذا
ومدينة أورشليم. وكان آنذاك، يهوديٌّ يُدعى ‘‘زربَّابل’’ قائداً لهم. وعندما أتوا
إلى أورشليم، اضطربوا اضطراباً عظيماً؛ لأن المدينة كلها كانت محطَّمة، وهيكل الرب
الذي كان سليمان قد بناه، كان مهدَّماً تماماً. ولم يتبقَّ هناك إلا الرماد وأجزاء
متناثرة من الحجارة.
وهكذا يروي لنا الكتاب، كيف عقد اليهود أولاً اجتماعاً في المكان الذي كان قائماً
فيه هيكل الرب من قبل. وهناك، أعادوا بناء مذبح الذبائح، وذبحوا للرب بعض الحيوانات.
وأخذوا يشكرون الرب معاً ويسبحونه؛ لأنه حماهم في أرض بابل وفارس لمدة سبعين سنة،
ثم أعادهم إلى أرضهم. لقد كان الله مع أولئك اليهود، ليساعدهم ويقوِّيهم، حتى أنهم
بعد تجاربَ عديدةٍ وسنينٍ كثيرةٍ من العمل الشاق، صاروا قادرين على إعادة بناء هيكل
الرب ومدينة أورشليم وأسوارها.
وربما يتساءل بعضٌ منكم: ‘‘ما هي أهمية قصة رجوع اليهود إلى أورشليم بالنسبة لنا؟’’
أصدقائي .. إن رجوع اليهود إلى أرضهم في منتهي الأهمية؛ لأن في أرض يهوذا هذه، التي
هي الجزء الجنوبي من فلسطين، كان المسيا سيُولد. لقد كان من الضروري أن يرجع اليهود
إلى أرض يهوذا؛ كيما يولد مخلَّص العالم، ومخلِّصكم!
وفي الوقت الذي عاد فيه اليهود إلى أورشليم، أرسل الله نبياً اسمه ‘‘زكريا’’.
وزكريا هذا، يختلف عن زكريا أبي يوحنا النبي (أو ‘‘يحيى’’ كما جاء في القرآن). لقد
أرسل الله زكريا، كيما يقوِّي إيمان اليهود في الله وفي وعوده. إذ كان لدى زكريا
رسالة هامة لينقلها إليهم. فقد كان الزمن الذي حدده الله لإرسال المسيا، يقترب! إذ
لم يكن متبقياً قبل مجيء المسيا إلى العالم، سوى خمسمئة عامٍ.
دعونا نتفحَّص بعض الكلمات التي وضعها الله على فم زكريا. وإذ نقرأ في سفر زكريا،
الأصحاح الأول، يقول الكتاب:
‘‘في الشهر الثامن، في السنة الثانية لداريوس، كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيَّا
بن عدُّو النبي قائلاً: قد غضب الرب غضباً على آبائكم. فلا تكونوا كآبائكم الذين
ناداهم الأنبياء الأولون قائلين: هكذا قال رب الجنود: إرجعوا عن طرقكم الشريرة، وعن
أعمالكم الشريرة. فلم يسمعوا، ولم يصغوا إليَّ، يقول رب الجنود. ولكن كلامي وفرائضي
التي أوصيت بها عبيدي الأنبياء، أفلم تدرك آباءكم؟’’ (زك 1:1-2، 4-6)
هل سمعتم التحذير الذي أعطاه النبي زكريا لليهود؟ لقد قال لهم: ‘‘قد غضب الرب غضباً
على آبائكم! فلا تكونوا مثل آبائكم!’’ ولكن، لماذا غضب الرب على آباء اليهود؟ لقد
غضب الرب عليهم؛ لأنهم لم يصغوا لكلام الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم من قبل.
ولذلك، انتهى بهم الأمر مسبيين في أرض بابل. فقد كان آباؤهم متدينين، ولكن الله لم
يكن راضياً عليهم؛ لأنهم أهملوا كلام الأنبياء. فلقد كان يهود ذلك الوقت مثل أناس
اليوم الذين يقولون: ‘‘طبعاً، إننا نصدق جميع الأنبياء!’’ ومع ذلك، فمن الواضح أنهم
لا يصدقون أنبياء الله؛ لأنهم لا يطيعون ما كتبه الأنبياء في الكتب المقدسة. فلقد
كانوا متدينين، ولكن لم يكن لديهم علاقة مع الله نفسه. وهذا هو ما كان عليه معظم
آباء اليهود. فهم لم يقدِّروا كلام الأنبياء. إذ كانوا يكرمون الله بشفاهم وحسب،
دون أن يقبلوا كلمته في قلوبهم. ولهذا، أرسل الله خادمه زكريا إلى اليهود؛ كيما
يحذِّرهم أن لا يتبعوا مثال آبائهم الذين كانوا دائماً يقولون: ‘‘يا رب، يا رب، يا
رب!’’، ثم يهملون الكلمة التي يرسلها الله على فم أنبيائه.
وبعد أن حذَّر زكريا اليهود، بدأ يخبرهم عن المخلِّص الذي سيأتي. ولا يسعنا الوقت
اليوم لقراءة كل ما كتبه زكريا عن المسيا. ولكن يمكننا أن نقرأ بعض المقتطفات.
ففي سفر زكريا، والأصحاح التاسع، يتنبأ زكريا أن المسيا سيدخل أورشليم راكباً على
حمار. ويقول: ‘‘ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي
إليك، وهو عادلٌ ومنصورٌ، وديعٌ وراكبٌ على حمارٍ وعلى جحش ابن أتان.’’ (زك 9:9)
وفي الأصحاح الحادي عشر، يدوِّن زكريا نبوَّةً مدهشة، ولكن ليس لدينا الوقت اليوم
لشرحها بالتفصيل. فإن واحداً من الأحداث التي تنبأ بها زكريا هو أن المسيا سيباع
بثلاثين من الفضة. فلقد كتب النبي زكريا يقول:
‘‘فقلت لهم إن حسن في أعينكم، فاعطوني أجرتي، وإلا فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين
من الفضة .. فأخذت الثلاثين من الفضة، وألقيتها إلى الفخَّاري في بيت الرب.’’ (زك
12:11-13)
وفي الأصحاح الثاني عشر، يتنبأ زكريا أن اليهود لن يبيعوا المسيا وحسب، بل
وسيقتلونه! إذ يقول:
‘‘قال الرب: .. وأفيض على بيت داود، وكل سكان أورشليم، روح النعمة والتضرُّعات،
فينظرون إلي الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائحٍ على وحيدٍ له، ويكونون في مرارةٍ عليه،
كمن هو في مرارةٍ على بكره .. فإن سأله أحد: ما هذه الجروح في يديك؟ فيقول: هي التي
جُرِحْتُ بها في بيت أحبائي.’’ (زك 10:12 ؛ 6:13)
وبهذه الكلمات تنبَّأ زكريا أن المسيا ستكون جروحٌ في يديه. ولكن من أين ستكون له
تلك الجروح؟ إنها ستأتي من أنسباءه اليهود الذين سيقنعون الرومان أن يصلبوه. ثم
فيما بعد سيسمِّر الرومان يديه ورجليه في الصليب، ثم يطعنونه في جنبه بالحربة. وكل
شيء حدث تماماً كما تنبَّأ به زكريا. وما كتبه النبي زكريا، يتماشى في انسجامٍ تام
مع ما سبق وتنبأ به النبي داود قبل ذلك بمئات السنين في المزامير، عندما كتب عن
المسيا يقول: ‘‘ثقبوا يديَّ ورجليَّ.’’ (مز16:22)
أصدقائي المستمعين ..
إن الله يريدنا أن نعرف إن موت المسيا على الصليب، هو أهم جزء في الخطة التي قد سبق
الله ووضعها منذ زمن طويل؛ لينقذ أبناء آدم من عقاب خطيتهم. فقد كان على المسيا
البار أن يموت من أجل الأثمة! وهذه هي رسالة جميع أنبياء الله. فهل هذا كله واضحٌ
لنا! وهل نفهم أن زكريا تنبأ عن المسيا قبل مجيئه بنحو خمسمئة عام؟ وهل نفهم فعلاً
رسالة الأنبياء، ألا وهي: أن المسيا سيتألم ويموت وأنه، بصفته أول من يقوم من
الأموات، سيعلن غفران الخطايا ومكاناً في الفردوس لكل من يؤمن باسمه؟ هل نصدق
الأنبياء؟ (أنظر أعمال 18:26-27) أم أننا مثل اليهود، الذين كانوا يكرمون الله
بشفاهم فقط، دون أن يؤمنوا برسالته؟
فعن رسالة الأنبياء، يعلن الكتاب قائلاً:
‘‘لا تحتقروا النبوات.’’ (1تس 20:5)؛
‘‘وعندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت، التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها، كما إلى
سراجٍ منير في موضعٍ مظلمٍ، إلى أن ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم.’’
(2بط 19:1)
أعزائي المستمعين ..
نشكركم على حسن استماعكم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سنسمع كلمة من النبي الذي
كتب آخر سفر في الكتاب المقدس، قبل أن يأتي المسيا إلى العالم.
فليبارككم الله وأنتم تحاولون أن تعطوا إجابة مخلصة عن هذا السؤال الهام الذي توجهه
لنا كلمة الله، إذ تقول:
‘‘أتؤمنون بالأنبياء؟’’ (أع 27:26)
ـــــــــــــ
الدرس التاسع والخمسون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية