51
المزيـد من المزاميـر
مزمور 22
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
في الحلقة السابقة، درسنا معاً أول مزمورين في سفر المزامير (أي الزابور). وإنه لمن
العظيم أن يكون لدينا الوقت في برنامجنا لقراءة ودراسة كل مزمور من المزامير، ولكن
حيث أن سفر المزامير يحتوي على مئة وخمسين مزموراً، فلن يكون هذا الأمر ممكناً.
إلا أن، قبل أن نترك سفر المزامير، نود أن ندرس معاً مزموراً آخر من المزامير التي
وضعها الله في ذهن داود، ألا وهو المزمور الثاني والعشرين. إن هذا المزمور لجد
مزمور هام جداً. وذلك، لأنه يتنبأ عن كيف سيموت المسيا متألماً ألماً بالغاً، ليدفع
أجرة الخطية بالنيابة عن كل أبناء آدم. وفي هذا المزمور، نرى داود، الذي سبق مجيء
المسيا بألف عام، يتنبأ بنحو ثلاثين حدثاً، سيحدث في اليوم الذي سيموت فيه المسيَّا.
وعندما نقرأ الإنجيل، الذي يروي لنا قصة المسيَّا، سنرى معاً أن كل الأحداث تمت
تماماً، كما تنبأ عنها نبي الله، داود. وهكذا، نتأكد أن هذا المزمور لم يأتِ من فكر
بشر، بل من فكر الله. فالله وحده وحسب، هو الذي يستطيع أن يخبر عن المستقبل بهذه
الدرجة من الدقة البالغة.
والآن، دعونا نستمع إلى ما كتبه النبي داود في المزمور الثاني والعشرين. في هذا
المزمور، كتب داود الأفكار التي قد تدور في ذهن المسيَّا في ذلك اليوم، الذي سيسفك
فيه دمه أجرة لخطايانا. فيقول داود:
‘‘إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي، عن كلام زفيري؟ وبعد، أنت القدوس الجالس
بين تسبيحات إسرائيل. أما أنا، فدودةٌ لا إنسان. عار عند البشر، ومحتقر الشعوب.
كالماء انسكبت. إنفصَلَت كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي. يَبِسَت
مثل شقفة قوتي، ولصق لساني بحنكي، وإلى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلابٌ.
جماعةٌ من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديَّ ورجليَّ!’’ (مز 1:22 ،3 ،6 ،14 ،15 ،16)
دعونا نتوقف هنا لبرهة. هل فهمت ما كتبه النبي داود عن المسيا؟ فقبل أن يأتي المسيا
بنحو الف عام، كتب داود قائلاً: ‘‘جماعةٌ من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديَّ ورجليَّ!’’
وبهذه الكلمات، تنبأ داود عن كيف سيثقب أبناء آدم أيدي المسيا ورجليه، بأن يسمروه
منها على صليب. ولكن، ..
.. لماذا كتب داود في المزامير أن جماعة من الأشرار ستثقب يديّ المسيا ورجليه؟
.. ولماذا يموت المسيا مثل هذا الموت المؤلم؟
.. ولماذا يسمح الله للبشر بقتل الفادي القدوس، الذي أرسله؟
إن كلمة الله تعطينا الإجابة. لقد كان من الضروري للمسِيَّا أن يعاني هذا الألم
المبرح، ويموت مثل هذا الموت الرهيب، كي ما يأخذ مكاننا، ويتحمل عنا عقاب الله
لخطايانا. وحيث أن أجرة الخطية هي موت ودينونة أبدية في جهنم، كان من الضروري على
المسِيا أن يذوق عذاب الجحيم الذي نستحقه نحن بسبب خطايانا. لقد خطط الله في نعمته،
أن يرسل الفادي الذي لم يتدنس بالخطية، كي ما ‘‘يذوق الموت من أجل كل واحد’’ (عب
9:2) بمحض إرادته الحرة. وكانت هذه هي الطريقة التي يمكن لله أن يفتح بها لأبناء
آدم طريقاً لغفران خطاياهم، وباباً للحياة الأبدية، دون المساس ببره وعدله! فلقد
كان على المسيا أن يدفع أجرة خطايانا. وكان موت المسيا البار، هو السبب في أن الله
البار، استطاع أن يحكم بالبر لكل من يؤمن بالمسيا.
وما كتبه النبي داود فيما يخص موت المسيا، إنما هو حقاً عجيبٌ ومدهش. تأمل في ذلك!
قبل ميلاد المسيا بألف سنة، يكتب داود بالتفصيل عن كيف سيتألم المسيا على الصليب،
الذي سيسمِّروه عليه. وربما ما نحتاج أن نفهمه ونتذكره، هو أن الرومان كانوا أول من
اخترعوا طريقة الإعدام بتسمير الشخص على صليب. وكانت هذه الطريقة للموت المؤلم،
تسمى بـ‘‘الصلب’’. ومع ذلك، فعندما كتب داود عن هذا في المزامير، لم تكن الدولة
الرومانية قد جاءت بعد، ولم يكن أحد يعرف طريقة ‘‘الصلب’’ هذه لقتل إنسان، أي تسمير
الشخص على صليب. إلا أن الله وضع فكرة موت المسيا على صليب، في ذهن داود، وألهمه أن
يكتبها في المزامير، كي ما نعرف بالتأكيد، أن موت المسيا على الصليب كان خطة الله
نفسه ليخلصنا من أجرة الخطية.
والحق الذي يحتوي عليه هذا المزمور، هو حقٌّ واضحٌ جليٌّ، وينبغي أن نلتفت إليه.
إلا أن الجميع لا يقبلون هذه الرسالة من الله. فإلى هذا اليوم، ينكر البعض صحة ما
كتبه نبي الله داود في المزامير، فيما يتعلق بموت المسيا على الصليب. فهم يقولون:
‘‘إن الله لا يمكن أن يسمح بموت المسيا هذا الموت المؤلم والمخزي!’’ إلا أن أولئك
الذين يقولون هكذا، هم يجهلون كتابات الأنبياء، ويجهلون أيضاً خطة الله لخلاص
الخطاة.
أعزائي المستمعين ..
فلنكن حريصين ألا نهمل خطة الله للخلاص! ‘‘فالجهل يقتل’’. وتقول كلمة الله: ‘‘فكيف
ننجو نحن إن أهلمنا خلاصاً هذا مقداره’’ (عب 3:2) وتقول أيضاً: ‘‘إن كلمة الصليب
عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين، فهي قوة الله!’’ (1كو 18:1)
والآن دعونا ننظر نظرة أكثر بعداً في ما كتبه داود فيما يختص بالظروف المحيطة بموت
المسيا على الصليب. إذ نسمع المسيا يقول في نفس المزمور:
‘‘إلهي إلهي لماذا تركتني؟ كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه، وينغضون
الرأس قائلين: ‘اتكَلَ على الرب، فلينجه. لينقذه، لأنه سُرَ به.’ كالماء انسكبت.
انفَصَلَت كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي. يَبِسَت مثل شقفة قوتي،
ولصق لساني بحنكي، وإلى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلابٌ. جماعةٌ من
الاشرار اكتنفتني. ثقبوا يديَّ ورجليَّ. أُحصِيَ كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ.
يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون.’’ (مز 1:22 ،7 ، 8، 14-18)
وبهذه الكلمات، كان داود يتنبأ أنه بعد أن يصلب الناس المسيا على الصليب، سيهينونه،
ويستهزئون به، ويتفرسون فيه، ويقسمون ثيابه بينهم. وهذا هو تماماً ما حدث بعد أن
كتبه داود بألف عام. فلنستمع لما كُتِب في الإنجيل بخصوص موت المسيا. يقول الكتاب:
‘‘ولما صلبوه، اقتسموا ثيابه مقترعين عليها. ثم جلسوا يحرسونه هناك .. وكان
المجتازون يجدِّفون عليه، وهم يهزُّون رؤوسهم قائلين: إن كنت ابن الله، فانزل عن
الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً، وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ، قالوا: خلَّص
آخرين، وأما نفسه، فما يقدر أن يخلِّصها. إن كان هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن
الصليب، فنؤمن به. قد اتكل على الله، فلينقذه الآن، إن أراده. لأنه قال: أنا ابن
الله!’’ (مت 35:27 ،36 ،39 ،40-43)
وهكذا، تسجل الأناجيل كيف تمت كلمات نبي الله داود، وتحققت.
ونقرأ اليوم أيضاً، أن داود تنبأ أن المسيا سيعطش، ويتألم ألماً عظيماً في الجسد،
وفي أعماق نفسه وروحه. ولهذا، نجد المسيا يبكي في الآية الأولى قائلاً: ‘‘إلهي إلهي
لماذا تركتني؟’’ وعندما ندرس معاً الإنجيل، سنرى كيف تمت الأحداث تماماً كما تنبأ
بها داود في هذا المزمور. ولكن، لماذا بكى المسيا على الصليب قائلاً: ‘‘إلهي إلهي،
لماذا تركتني؟’’ ذلك، لأن الله هو ‘‘القدوس’’ (مز 3:22)، وهو لا يستطيع أن يحتمل
الخطية. لقد كان على الله نفسه أن يدير ظهره للمسيا وهو مسمرٌ على الصليب، ويفصل
نفسه عنه، لأن الله وضع عليه عقاب كل خطايانا. ولهذا، يقول الكتاب:
‘‘لأنه جعل الذي لم يعرف خطيةً، خطيةً لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه.’’ (2كو 21:5)
المجد لله! فهناك شيء آخر تنبأ به النبي داود في المزامير، وهي أخبار سارة جداً! إذ
يكتب داود في الآية السادسة عشر قائلاً:
‘‘لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تَدَع تقيك يرى فساداً. تُعَرِّفُني سبيل
الحياة.’’ (مز 10:16-11)
وبهذه الطريقة، تنبأ داود عن كيف خطط الله أن يقيم المسيا من الموت، حتى كل من يؤمن
به، يحيا معه في محضر الله إلى الأبد. وهكذا، يعلن الإنجيل أن ‘‘المسيح مات من أجل
خطايانا، حسب الكتب. وإنه دُفِن، وإنه قام في اليوم الثالث، حسب الكتب.’’ (1كو
3:15-4)
وتنبأ داود أيضاً، أن بعد قيامة المسيا من الموت، سيأخذه الله إلى السماء، ويجلسه
عن يمينه، إلى أن يعود ليدين أناس العالم. وهذا، هو ما كتبه داود في المزامير، في
المزمور العاشر بعد المئة، إذ قال:
‘‘قال الرب لربِّي: اجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك.’’ (مز 1:110)
وفي نهاية المزمور الثاني والعشرين، يكتب داود قائلاً:
‘‘تَذْكُرُ وترجِع إلى الرب كل أقاصي الأرض. وتسجد قدَّامك كل الأمم .. الذريَّة
تتعبد له. يخبِّر عن الرب الجيلُ الآتي. يأتون ويخبِّرون ببرِّه شعباً سيُولَد،
بأنه قد فعل.’’ (مز 27:22 ،30 ،31)
وينتهي هذا المزمور بهذه الكلمات: ‘‘أنه قد فعل!’’ فماذا يمكن أن يكون المسيا قد
فعله؟ لقد مات بدلاً من كل الخطاة! وأتمَّ كل ما وعد الله به آدم وحواء فيما يتعلق
بالفادي المخلِّص، الذي سيخلصهم ويخلص نسلهم من عقوبة خطاياهم. لقد مات المسيا
كالذبيحة النهائية. ومن خلال موت المسيا على الصليب، أتمَّ الذبائح الحيوانية
الرمزية وأبطلها، تلك التي كان الله يطلبها من الخطاة في الأزمنة السابقة. ومثل
الجدي الذي مات عوضاً عن ابن إبراهيم، هكذا مات الفادي كالذبيحة النهائية الكاملة
عوضاً عن جميع الخطاة، للأبد! هذا هو الخبر السار للعالم: لقد مات المسيا بدلاً منك!
آمن به، وستخلص من دينونة الله! فطريق الخلاص مفتوحٌ لكل من يؤمن به.
ولهذا، وقبل أن يموت المسيا مباشرة، صرخ قائلاً: ‘‘قد أُكْمِل!’’ (يو 30:19) ‘‘قد
فعل.’’ (مز 31:22) وأكَّد الله كمال ذبيحة المسيا بأن أقامه من الأموات في اليوم
الثالث! وسنرى كل هذا بالتفصيل عندما نأتي لدراسة كتاب الإنجيل.
ولكن، في نفس الوقت، دعونا نتذكر هذا: أن قبل ميلاد يسوع المسيح بألف عام، تنبأ
داود النبي أن الخطاة سيثقبون يدي المسيا ورجليه! ودعونا لا ننسى سبب موت المسيا
الأليم. فلقد مات من أجلك ومن أجلي، ومن أجل كل الخطاة، كي لا يهلك كل من يؤمن به،
بل تكون له الحياة الأبدية! لقد سمح المسيا للأشرار أن يثقبوا رجليه ويديه، وذلك
بسبب رغبته في إتمام إرادة الله، ومحبته العظيمة لك ولي! دعونا نستمع إلى ما قاله
يسوع المسيا في الإنجيل. إذ قال:
‘‘إني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحدٌ يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطانٌ
أن أضعها، ولي سلطانٌ أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي.’’ (يو 17:10 ،18)
أصدقائي المستمعين ..
هل تشكرون الله وتسبحونه، لأنه أرسل المسيا ليخلصكم من خطاياكم؟ يقول الكتاب المقدس:
‘‘فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا! الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي
نموت عن الخطايا، فنحيا للبر. الذي بجلدته شُفيتُم .. الذي أُسلِمَ من أجل خطايانا،
وأُقيم لأجل تبريرنا .. لكي لا يَهْلِكَ كلُّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة
الأبدية.’’ (1بط 21:2 ،24؛ رو 25:4؛ يو 16:3)
أصدقائي المستمعين ..
ندعو الله أن يجعل ما قرأناه اليوم واضحاً جلياً أمامكم.
وفي نهاية حلقتنا اليوم، نشكركم على كريم إصغائكم. وفي الحلقة القادمة، بإذن الله،
سنستمر في دراسة كتب الأنبياء، وسننتقل إلى دراسة قصة النبي سليمان ابن داود.
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون، لماذا ألهم الله النبي داود أن يكتب قائلاً:
‘‘ثقبوا يديَّ ورجليَّ.’’ (مز 16:22)
ـــــــــــ
الدرس الثاني والخمسون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية