17
مراجـعة البـداية
تكوين
10،11
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
نود في حلقتنا اليوم، أن نراجع ونلخص ما تعلمناه حتى الآن من التوراة والأسفار التي
كتبها موسى النبي. والتوراة هو الجزء الأول من الكتب المقدسة للأنبياء. وهذا الجزء
هو في غاية الأهمية، لأنه الأساس الذي وضعه الله نفسه، والذي من خلاله نستطيع أن
نختبر كل ما نسمعه، ونعرف إذا كان يأتي من عند الله أو لا. وهناك خمسة أسفار في
التوراة. والسفر الأول يدعى ‘‘سفر التكوين’’. وهو يتكون من خمسين أصحاحاً. وفي
حلقاتنا السابقة، درسنا منه حتى الأصحاح الحادي عشر.
هل يمكنك أن تتذكر المكتوب في أول آية في كلمة الله؟ دعونا نقرأها. تقول الآية:
‘‘في البدء خلق الله السموات والأرض’’.
فالله هو رب الأزل. ففي البداية، عندما لم يوجد هناك أي شيء من هذا العالم، كان
الله موجوداً. فالله هو الروح الأزلي الذي ليس له بداية. ولذلك، يقول العدد الأول
في كلمة الله: ‘‘في البدء .. الله’’.
ثم رأينا كيف أن الله، قبل أن يخلق العالم، خلق ألوفاً وألوفاً من الأرواح التي
تدعى ‘‘الملائكة’’. وكان واحد من الملائكة أكثر حكمة وجمالاً من الآخرين، ويدعى
‘‘لوسيفر’’، وهو الذي عيَّنه الله رئيساً للملائكة. ويخبرنا الكتاب المقدس أن
لوسيفر تعالى في يومٍ على الله، واحتقره في قلبه، وأراد أن يأخذ مكانه. وكان هناك
ملائكة أخرى قد اختاروا أن يتبعوا لوسيفر في خطيته. ولهذا، قام الله، الذي لا يحتمل
الخطية، بطرد لوسيفر والملائكة الاشرار، وغير اسم لوسيفر إلى ‘‘الشيطان’’، الذي
يعني ‘‘عدو’’. وبعد أن طرد الله الشيطان والملائكة، خلق لهم نار الجحيم التي لا
تطفأ. وتقول كلمة الله، أن في يوم الدينونة الأخير، سيطرح الله البار الشيطان
وأتباعه في هذه النار.
وقرأنا بعد ذلك، كيف خلق الرب السموات والأرض وكل ما فيها في ستة أيام، ولم يستخدم
أي شيء في ذلك عدا كلمته! لقد خلق الله كل شيء للإنسان؛ الإنسان الذي خطط الله أن
يخلقه لمسرته ومجده. والإنسان هو أهم مخلوق خلقه الله، لأن الإنسان خُلق على صورة
الله. لقد أراد الله أن يكون له علاقة عميقة وذات معنى مع الإنسان. ولهذا، وضع الله
في نفس الإنسان روحاً مفكرة (أي عقلاً) كيما يستطيع الإنسان أن يعرف الله. وأعطاه
الله أيضاً قلباً، كيما يستطيع أن يحب الله. وعهد الله له بإرادة حرة، كيما يستطيع
أن يختار بنفسه أن يطيع الله أو أن يعصاه.
وقرأنا في الأصحاح الثاني من التوراه أن الله زرع جنة الفردوس (عدن) على الأرض،
ووضع فيها الإنسان الذي خلقه، أي آدم. فالله، في صلاحه، أعطى آدم كل شيء؛ كيما
يستطيع أن يعيش في سلام ورفاهية.
وأيضاً في اليوم الذي خلق فيه الله آدم، قال الله له: ‘‘من جميع شجر الجنة تأكل
أكلاً؛ أما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها؛ لأنك يوم تأكل منها موتاً
تموت.’’ (تك 16:2
،17). وهكذا، رأينا كيف وضع الله اختباراً بسيطاً أمام آدم. فقد
أراد الله أن يكون له علاقة لها معنى مع الإنسان الذي خلقه. ومن ثمَّ، إختبر الله
الإنسان، وأعطاه السلطان أن يختار بنفسه، إما أن يحبه بما فيه الكفاية لأن يطيعه،
أو أن لا يطيعه على الإطلاق.
وقرأنا أيضاً، أنه في اليوم الذي خلق فيه الله آدم، أعطاه الله هدية جميلة، ألا وهي
.. زوجتة! وخلق الله المرأة من واحد من ضلوع آدم. إذ أخذ الله الضلع من آدم، ثم
أعاده له زوجة. وأسماها ‘‘حواء’’. وهكذا رأينا أنه في ستة ايام أكمل الله كل عمله.
ويقول الكتاب: ‘‘ورأي الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جداً.’’ (تك 31:1) وفي اليوم
السابع، استراح الرب من كل عمله (أي أنهى كل عمل الخليقة)، وفرح وابتهج بكل ما
عملته يداه.
وفي الأصحاح الثالث، رأينا كيف دخلت الخطية العالم.
فرأينا كيف أنه حدث في يوم كان فيه آدم وحواء بالقرب من شجرة الخير والشر، فجاء
الشيطان في هيئة حية ماكرة خادعة، وقال:
‘‘أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟’’
فقالت المرأة للحية: ‘‘من ثمر شجرة الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة،
فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا.’’
فقالت الحية للمرأة: ‘‘لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما
وتكونان كالله عارفين الخير والشر.’’ (تك 1:3-5)
وهكذا، رأينا كيف كذّب الشيطان كلمة الله! فماذا قال الله لآدم وحواء أنه سيحدث
لهما إن أكلا من الشجرة المحرمة؟ لقد قال: ‘‘ستموتا’’. ولكن، ماذا قال الشيطان؟ لقد
قال: ‘‘لن تموتا’’. ولكن، كلمة من التي اختارها آدم وحواء لكي يتبعاها ويؤمنا بها؟
هل هي كلمة الله؟ أم هي كلمة الشيطان؟ إن الكتاب المقدس يقول أن آدم وحواء اختارا
أن يؤمنا بكلمة الشيطان، ويأكلا من الشجرة التي حرمها الله. وخدع الشيطان حواء حتى
تعدت الله وعصته. واختار آدم بإرادته أن يعصى الله، ويتبع الشيطان. وهكذا، تقول
كلمة الله:
‘‘من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا
اجتاز الموت إلى جميع الناس.’’ (رو 12:5)
وكنتيجة لذلك، طرد الله آدم وحواء من جنة عدن تماماً كما قال أنه سيفعل. ولكنه وعد
قبل أن يطردهما أنه سيرسل مخلِّصاً إلى العالم، ليخلِّص أبناء آدم من قوة الشيطان
والخطية والموت. وليؤكِّد الله هذا الوعد، ذبح حيواناً، وصنع لآدم وحواء ملابس من
جلده. وبواسطة تلك الذبائح الحيوانية، كان الله يعلِّم آدم وحواء أن ‘‘أجرة الخطية
موت’’ (رو 23:6)، وأن ‘‘بدون سفك دم لا تحصل مغفرة.’’ (عب 22:9).
ونقرأ في الأصحاح الرابع، قصة قايين وهابيل أول ابنين لآدم.
ورأينا كيف أن هابيل قدم حملاً بريئاً كذبيحة عن الخطية، تماماً كما فعل الله مع
والديه. ولكن قايين حاول أن يتقدم إلى الله بطريقته الخاصة، مُحضِراً ما كان قد حصد
من الأرض التي لعنها الله. إذ يقول الكتاب:
‘‘فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر.’’ (تك 4:4
،5)
ودعا الله قايين ليقدم حساباً ليتوب ويقبل طريق الله للبر. ولكن قايين اغتاظ وقتل
هابيل أخاه الأصغر.
وبعد ذلك، أعطى الله لآدم وحواء ابناً سمياه ‘‘شيث’’.
أما شيث، ففعل مثل هابيل، وآمن بالله، وتقدم إليه بدم ذبيحة. وهكذا، رأينا نسلي
آدم، وهم نسل قايين، ونسل شيث. فنسل قايين، لم يؤمن بالله، وأما نسل شيث، فقد كان
فيه من آمن بالله مثل أخنوخ النبي. فسار أخنوخ مع الله وسط جيل معوج وساقط.
وكان لحفيد أخنوخ ابنٌ يدعى ‘‘نوح’’.
وعزم الله في زمن نوح أن يمحو أبناء آدم من على وجه الأرض بطوفان عظيم بسبب شرورهم.
ونوح، هو الوحيد الذي آمن بالله في ذلك الزمن الملتوي. ولهذا، قال له الله أن يبني
فلكاً عظيماً يكون ملجأً له، ولعائلته، وللحيوانات، ولكل من يرجع عن الخطية ويؤمن
بالله. وتحمَّل الله بصبر جميع الخطاة لمدة مائة عام، كان نوح خلالها يبني فلكاً.
ورغم ذلك، فلم يتب أحدٌ عن خطاياه لحدٍ يجعله يؤمن برسالة الله، عدا نوح وعائلته.
ولذا، ففي النهاية، فعل الله كل شيء كما وعد. فأدان الله كل من لم يؤمن بالحق. فهلك
الجميع في الطوفان العظيم، عدا نوح وعائلته.
وكان لنوح ثلاثة أبناء هم ‘‘سام’’ و‘‘حام’’ و‘‘يافث’’.
وجاء كل شعوب العالم من هؤلاء الرجال الثلاثة. ورأينا كيف أن سرعان ما نسى جميع
نسلهم، الله وكلمته.
وتعلمنا في حلقتنا السابقة، عن ‘‘نمرود’’ وأتباعه..
.. الذين حاولوا أن يجمعوا شعوب العالم في مكان واحد، ويبنوا في تمردهم على الله،
مدينة عظيمة ذات برج عالٍ. لكن الله بلبل ألسنتهم بلغات مختلفة، وبدَّدهم على
الأرض. وعُرِفت تلك المدينة باسم ‘‘بابل’’ أي ‘‘بلبلة’’. وهذا هو بإيجاز، ما قد
تعلمناه حتى هذه النقطة من الأصحاح الحادي عشر من سفر التكوين.
كيف إذن يمكننا أن نلخِّص ما رأيناه في تلك القصص؟ وما الذي يريد الله أن يعلمنا
إياه من خلال ما حدث في البدء؟
هناك دروس كثيرة مستفادة. ولكن لا يسعنا الوقت في حلقتنا اليوم، إلا لتوضيح اثنين
منها:
فالحقيقة الأولى هي: أن الإنسان ليس باراً.
والحقيقة الثانية هي: أن الله بار.
وفي دراستنا، كثيراً ما رأينا شر الإنسان وعدم بره. رأينا عدم البر يبدأ في جنة
عدن، عندما أكل آدم من ثمر الشجرة التي حرَّمها الله. ثم رأينا عدم البر ثانية في
قايين، الابن البكر لآدم، هذا الذي رفض أن يتبع طريق الذبيحة الذي أسسه الله.
ورأينا نفس عدم البر في نسل قايين، في الناس الذين عاشوا في زمن نوح، وفي هؤلاء
الذين حاولوا بناء برج بابل. وباختصار، تقول قصة أبناء آدم: أن الإنسان غير بار! إذ
يقول الكتاب:
‘‘الكل تحت سلطان الخطية ... ليس بارٌ ولا واحد ... الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس
من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد!’’ (رو 9:3
،10، 12)
وكما رأينا عدم بر الإنسان، يمكننا أيضاَ أن نرى بر الله. إذ تقول لنا كلمة الله:
‘‘الله نور، وليس فيه ظلمة البتة!’’ (1يو 5:1)
ورأينا بر الله، عندما طُرِد لوسيفر بسبب كبريائه وتمرده. ورأينا بره أيضاً، عندما
طرد آدم وحواء من الجنة بسبب عصيانهما. وبعد ذلك، أظهر الله بره عندما وعد بإرسال
مخلِّصٍ بار، يدفع دين خطية آدم ونسله. ورأينا أيضاً طبيعة الله البارة في ناموسه
الذي ينص على أنه: ‘‘بدون سفك دم لا تحصل مغفرة للخطية.’’ (عب 22:9)
وأظهر الله أيضاً بره، عندما قبل ذبيحة هابيل لأنها دم حمل بريء، ورفض تقدمة قايين
التي أهانت طريق الله للبر. ورأينا طبيعة الله البارة في زمن نوح، عندما أعطى الله
الإنسان فرصة مائة عام للتوبة، ثم أرسل بعدها طوفاناً عظيماً، وأهلك كل الذين رفضوا
طريقه. ورأينا في حلقتنا السابقة، بر الله، عندما بلبل ألسنة المتمردين عليه في
بابل، فصاروا يتكلمون بلغات مختلفة.
نعم؛ إن الله حقاً بار، ولابد أنه سيدين الناس حسب معاييره للبر. فلا يستطيع الخطاة
غير الأبرار أن يتقربوا إلى الله على أساس أعمالهم الصالحة غير الكاملة. فالله يجب
أن يدين كل شيء مصبوغ بالخطية. إذ يقول الكتاب:
‘‘إن إلهنا نار آكلة! … الرب سيدين شعبه، مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي.’’
(عب 29:12؛ 30:10
،31)
وهكذا، أظهر الله لنا، في الأحد عشر أصحاحاُ الأولى من سفر التكوين، حقيقة هامة عن
بره المطلق.
ولكن، هل هذا يعني أن الإنسان غير البار ليس لديه رجاء في أن يقبله الله؟ لا؛
فمجداً لله؛ فهناك رجاء للخطاة. والله في نعمته، قد أظهر طريقاً لأبناء آدم الأشرار
ليتصالحوا معه.
فهل تعلم طريق الله للخلاص الذي أسسه للخطاة؟ فإن كنت لازلت لا تفهم طريق الله
للبر، فنحن ندعوك لتشاركنا في حلقاتنا المقبلة، ونحن ندرس عن النبي إبراهيم، الذي
دُعِي ‘‘خليل الله’’. فسنرى في قصة إبراهيم العجيبة، كيف يصير الأشرار أبراراً أمام
الله.
أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على حسن إصغائكم. وليبارككم الله وأنم تتأملون في كل ما درسناه اليوم.
فلنتذكر كلمة الله القائلة:
‘‘لأن كل ما سبق فكتب، كتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب، يكون
لنا رجاء.’’ (رو 4:15)
ــــــــــــ
الدرس الثامن عشر | فهرس
دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية