18
لماذا دعا الله ابراهيم
تكوين
11،12
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
تعلمنا في الحلقات السابقة، عن الله وعن طريقه للبر. ورأينا آدم وحواء، وقايين
وهابيل، وشيث وأخنوخ، ونوح وشعبه، ونمرود وبرج بابل. فالأغلبية تبعوا الشيطان
وطريقه الشرير، وقليلون من أجدادنا تبعوا الله، وطريقه للبر.
ونصل في حلقتنا اليوم، إلى قصة رجل معروف جداً في كلمة الله، وكان له مكانة خاصة في
خطة الله لخلاص نسل آدم. ويشير له الكتاب بـاسم ‘‘خليل الله’’ أو ‘‘أبو كل
المؤمنين’’. هل تعرف من هو؟ إنه النبي إبراهيم. وتتحدث كلمة الله كثيراً عن
إبراهيم. فاسمه يظهر أكثر من ثلاثمئة مرة في كتابات الأنبياء. وسنبحث بإذن الله في
كلمة الله اليوم، وفي الحلقات المقبلة أيضاً، لنكتشف ماذا تخبرنا به الكلمة عن هذا
النبي الذي دُعِي بخليل الله. ونريد في حلقتنا اليوم، أن ننظر في بداية قصة
إبراهيم، لنرى كيف دعاه الله، ولماذا دعاه.
وقبل أن نبدأ، يجب أن نعرف أولاً، أن اسم إبراهيم الأصلي كان ‘‘أبرام’’، وليس
‘‘إبراهيم’’. وبعد حلقتين، سنعرف لماذا غير الله أبرام إلى إبراهيم. فدعونا اليوم،
نتذكر فقط أن إبراهيم كان يُدعى أبرام. وفي الأصحاح الحادي عشر من سفر التكوين، نرى
أن أبرام كان ينتمي إلى نسل سام. هل تتذكر حام وسام ويافث، أبناء نوح الثلاثة؟ لقد
كان هناك عشرة أجيال بين حام وأبرام، تماماً كما كان هناك أيضاً عشرة أجيال بين آدم
ونوح. وكان أبو نوح يدعى ‘‘تارَح’’. إذ يقول الكتاب:
‘‘ولد تارح أبرام وناحور وهاران، وولد هاران لوطاً’’ (تك 27:11)
وكان لوط ابناً لأخو أبرام الأكبر. ومات أبو لوط، وأصبح أبرام أبو لوط عرفاً، بحسب
تقاليدهم. وكان اسم زوجة أبرام ساراى. ‘‘وكانت ساراي عاقراً ليس لها ولد’’ (تك
30:11) وكان لأبرام وساراي أبٌ وأحدٌ، ولكن أم مختلفة لكل منهما.
وعاش أبرام في أور الكلدانيين، التي تعرف اليوم بـ‘‘العراق’’. وهذه المدينة لم تكن
بعيدة عن بابل ـ تلك المدينة التي حاول نمرود أن يبنيها، ويبني فيها برجاً شامخاً.
وكان الناس في هذه الأرض يعبدون الأوثان. ومن ثمَّ، وُلِد إبرام في ظلمة الخطية مثل
جميع نسل أدم. ولم يعرف أبو أبرام الإله الحقيقي، وهكذا أبرام ايضاً.
ولكن كلمة الله تخبرنا، أن الله أظهر نفسه لأبرام، وتكلم معه. ويجب أن تعرف أن في
الأزمنة الأولى، كان الله يتكلم أحياناً مع الناس مباشرة، لأن لم يكن لديهم كتابات
الأنبياء، كما نحن اليوم. فاليوم، يتكلم الله مع الناس من خلال كلمته في الكتب
المقدسة. ولهذا، فنحن لم نعد نحتاج إلى كلمات تسمع من السماء، ولا رؤى، ولا ملائكة،
كي ما نعرف طريق الله للبر. فنحن نسمع صوت الله عندما نتأمل في كلمته.
دعونا نستمع الآن لما قاله الله لأبرام. يقول الكتاب في الأصحاح الثاني عشر والعدد
الأول من سفر التكوين:
‘‘وقال الرب لأبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك’ (تك
1:12).
هل تعرف ما أمر به الله أبرام؟ قال الله لأبرام أن يترك بيت أبيه، ويودِّع أقاربه،
ويترك أرضه، ويرحل إلى أرض أخرى، سيريها له الله. فما طلبه الله من أبرام كان شيئاً
صعباً جداً بحسب فكر الإنسان، ولكن الله كان لديه خطة ليبارك بها أبرام بركة عظيمة.
دعونا نقرأ هذا العدد مرة ثانية، ثم نقرأ أيضاً العددين التاليين له، لنعرف لماذا
دعى الله أبرام أن يترك أرضه، ويذهب إلى أرض أخرى. يقول الكتاب:
‘‘ وقال الرب لأبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك.
فأجعلك أمةً عظيمةً، وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركةً. وأبارك مباركيك، ولاعنك
ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.’’ (تك 1:12-3).
ولكن، لماذا دعى الله أبرام للرحيل إلى أرض أخرى؟ إن السبب هو أن الله أراد أن يجعل
من أبرام أمة، يأتي منها الأنبياء، ثم يأتي منها مخلص العالم. ولهذا، وعد الله
أبرام قائلاً: ‘‘سأجعلك أمة عظيمة .. وتكون بركة .. وتتبارك فيك جميع قبائل
الأرض’’.
وهنا نتعلم حقيقة هامة، فهل تفهمها؟ لقد اختار الله إبراهيم ليكون أبا الأجداد،
الذين سيأتي من نسلهم الفادي الموعود به إلى العالم. وهذا الفادي سيكون مخلصاً لكل
شعوب العالم، لكي يخلص كل من يؤمن به من سلطان الخطية والشيطان، ومن النار الأبدية.
وهكذا نرى، أنه عندما دعا الله أبرام، كان الله يسير قُدُماً في خطته المختصة
بإرسال مخلِّص الخطاة للعالم. فأبرام نفسه لن يكون مخلص العالم؛ لكنه سيكون أباً
لأمة، يأتي منها المخلص الموعود به.
هذا هو العهد الذي صنعه الله مع أبرام، والمشروط بأنه يترك أرضه، ويذهب إلى أرض
أخرى، يريها له الله. ولكن، هل أطاع أبرام الله؟ ماذا تظن أنت؟ دعونا نسمع لما
تقوله كلمة الله. يقول الكتاب:
‘‘فذهب أبرام كما قال له الرب، وذهب معه لوط. وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة لما
خرج من حاران. فأخذ أبرام ساراي امرأته، ولوطاً ابن أخيه، وكل مقتنياتهما التي
اقتنيا، والنفوس التي امتلكا في حاران. وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى
أرض كنعان.’’
(تك 4:12-5)
فلماذا أطاع أبرام الله، وأدار ظهره إلى بيت أبيه وديانته؟ هناك سبب واحد؛ ألا وهو
أن أبرام كان له ثقة بالله. فلم يكن أبرام يعرف أين سيذهب، ولكنه آمن بكلمة الله
التي قالت: ‘‘اخرج من بيت أبيك. وإن خرجت، سأباركك بركة عظيمة’’. وكان لأبرام ثقة
بالله، وترك أرضه، كما طلب منه الله. وقاد الله أبرام في أمانته إلى أرض كنعان،
التي تدعى اليوم فلسطين، أو إسرائيل.
ثم يقول الكتاب بعد ذلك:
‘‘واجتاز أبرام في الأرض .. وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض. وقال الله: لنسلك أعطي
هذه الأرض.’’ (تك 6:12-7)
وهكذا نتعلم أن الله الذي وعد أبرام بأن يجعله أباً لـ‘‘أمة جديدة’’، وعده أيضاً
بـ‘‘أرض جديدة’’. وهذا، هو الذي كان يعنيه الله عندما ظهر لأبرام، ووعده قائلاً:
‘‘لـ‘نسلك’ أعطي هذه ‘الأرض’ ’’.
ومرة ثانية، نرى شيئاً يفوق الحكمة البشرية. فكان هناك أناس يعيشون في أرض كنعان.
فكيف يمكن لآدم ونسله أن يمتلكوها؟ فلقد كان أبرام يبلغ من العمر خمسة وسبعين
عاماً، وكانت زوجته ساراي عاقراً، وتبلغ من العمر خمسة وستين عاماً. فهل من الممكن
أن يكون هناك نسلاُ يملأ الأرض لاثنين قد شاخا. كيف يحدث هذا؟
دعونا نوضح ما وعد الله به أبرام. إنه مثل رجل عجوز، ليس له أولاد، جاء من بلدة
بعيدة. وجاء مع زوجته المتقدمة في العمر، والتي لا تستطيع الإنجاب. ثم يقول لهما
شخص ما عندما يصلا: ‘‘في يوم ما، سيملك نسلك هذه الأرض التي أنت واقف عليها.’’
فيضحك الرجل ويقول: ‘‘إن هذا حقاً لشيء مضحك. كيف يملك نسلي هذه الأرض، وأنا ليس
بعد عندي أي نسل، فضلاً عن أن زوجتي لا تنجب، وأنت تقول لي أن نسلي سيكثر ويكثر حتى
يملك هذه الأرض. هل أنت مختل؟’’
وربما يكون هذا التوضيح توضيحاً مضحكاً. ولكن هذا هو نوع الوعد الذي أعطاه الله
لأبرام ـ ذلك الرجل الذي لم يكن عنده أولاد، وزوجته كانت لا تنجب أولاداً.
اسمع لما قاله الله في الأصحاح الثالث عشر. يقول الكتاب:
‘‘لأن جميع الأرض التي أنت ترى، لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد. وأجعل نسلك كتراب
الأرض، حتى إذا استطاع أحدٌ أن يعد تراب الأرض، فنسلك أيضاً يُعَد. قم امش في
الأرض، طولها وعرضها، لأني لك أعطيها.’’ (تك 15:13-17)
فهل نفذ الله وعده؟ وهل صنع من أبرام أمة عظيمة؟ وهل أعطى أرض كنعان إلى نسل أبرام؟
إنه بالحقيقة فعل كل ذلك. وفي حلقتنا المقبلة، سنرى أن أبرام أصبح أباً لأمة
العبرانيين التي أعطاها الله الأرض التي تدعى اليوم ‘‘إسرائيل’’.
ثم يقول الكتاب بعد ذلك:
‘‘فبنى أبرام هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له. ثم نقل من هناك إلى الجبل شرقي بيت
إيل، ونصب خيمته .. فبنى هناك مذبحاً للرب، ودعا باسم الرب.’’ (تك 7:12
،8)
فما هو أول شيء صنعه أبرام عندما وصل إلى الأرض التي وعده بها الله؟ لقد ذبح
حيواناً، وأحرقه على المذبح الذي كان قد بناه. لقد فعل أبرام تماماً كما فعل هابيل
وشيث واخنوخ ونوح. فلماذا فعل أبرام هكذا؟ لقد فعل هكذا، لأن الله لم يلغِ ناموسه
الذي ينص على أنه ‘‘بدون سفك دم لا تحصل مغفرة.’’ (عب 22:9) فكان أبرام خاطئاً مثل
جميع نسل آدم. وكان السبب الوحيد الذي من أجله لم يلتفت الله إلى خطايا أبرام، هو
أن أبرام كان قد ‘‘آمن’’ به، وقدم له دم ذبيحة كرمز للفادي القدوس الذي سيأتي إلى
العالم، ويموت بدلاً عن الخطاة.
لقد إنتهى وقتنا اليوم. ولكن ما درسناه اليوم، هو في غاية الأهمية، ولا يجب علينا
أن ننساه. فهل تفهم الآن لماذا دعى الله أبرام، وطلب منه أن يترك بيت أبيه، ويرحل
إلى أرض أخرى؟ نعم، إن الله أراد أن يصنع من أبرام أمة عظيمة، لتكون باباً للبركة
لكل شعوب الأرض. فما خطَّطه الله مع أبرام، إنما هو جزء من خطته العجيبة التي
أعلنها في جنة عدن، في اليوم الذي فيه أخطأ آدم وحواء. هل تتذكر كيف وعد الله أنه
سيرسل فادياً إلى العالم، ليخلص نسل آدم من سلطان الشيطان؟ فحتى زمن أبرام، أي بعد
مرور ألفي عام على وعد الله هذا، لم ينس الله وعده.
ورأينا اليوم كيف أن الله في أمانته دعا أبرام، كيما يجعل منه أمةً، يأتي منها
المخلِّص الموعود إلى العالم. ولهذا وعد الله أبرام قائلاً:
‘‘سأجعلك أمةً عظيمةً، وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركةً. وأبارك مباركيك، ولاعنك
ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.’’ (تك 1:12-3)
أعزائي المستمعين..
هل فهمنا درس اليوم؟ اسمحوا لنا ان نسألكم سؤالين يلخصان ما درسناه اليوم.
السؤال الأول هو: لماذا دعا الله إبرام أن يترك أرضه ويذهب إلى أرض أخرى؟
والأجابة هي: لأن الله خطط أن يجعل من أبرام أمة جديدة.
والسؤال الثاني هو: لماذا أراد الله أن يجعل من أبرام أمة جديدة؟
والأجابة هي: لأن الله خطط أن يعطينا من خلال هذه الأمة، الأنبياء، وكلمته المقدسة،
وأخيراً، الفادى القدوس نفسه.
وهكذا، وبإيجاز، نرى أنه عندما دعا الله أبرام، كان الله يسير قدماً في تنفيذ خططه،
لكيما يُحضِر إلى العالم مخلِّص الخطاة.
أعزائي المستمعين ..
لابد لنا أن نتوقف هنا اليوم. وفي حلقتنا القادمة بإذن الله، سنعرف لماذا دُعِى
أبرام ‘‘خليل الله’’ ..
فليباركم الله وأنتم تتأملون في وعده لأبرام:
‘‘سأجعلك أمةً عظيمةً، وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركةً. وأبارك مباركيك، ولاعنك
ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.’’(تك1:12-3).
ـــــــــــــــــ
الدرس التاسع عشر | فهرس
دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية