16
بـرج بـابـل

تكوين 10،11

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، انتهينا من قصة النبي نوح. ورأينا كيف أن الله وعد أن يمحو أبناء آدم بطوفان عظيم بسبب شرورهم. وأعطى الله فرصة للخطاة أن يتوبوا، ومدتها مئة عام، في خلالها أسس نوح الفلك الذي سيكون ملجاً للذين سيؤمنون بكلمة الله. ولكن، لم يرجع أحد عن خطاياه، ولم يؤمن أحد برسالة الله، عدا نوح وعائلته. ولذا، ففي النهاية، فعل الله العادل والأمين كما وعد. لقد أباد كل من لم يدخل من باب الفلك، وخلَّص القليلين فقط.

وسنواصل اليوم دراستنا في سفر التكوين، ونتعلَّم عما حدث في الفترة التي كانت بعد نوح. عرفنا من خلال كلامنا عن نوح، أنه كان لديه ثلاثة أبناء هم حام وسام ويافث. ويرينا الكتاب أن جميع شعوب العالم جاءوا من أبناء نوح الثلاثة.
سام، هو أبو العرب واليهود،
أما معظم أهل أفريقيا والصين، فغالباً هم من نسل حام.
أما الأوروبيين، فهم من نسل يافث.

ويمكنك أن تدرس الأصحاح العاشر والحادي عشر من سفر التكوين، إذا كنت تريد أن توسِّع معلوماتك عن منشأ جميع الأمم. إلا أننا لدينا وقت في حلقتنا اليوم، لنوضح شيئاً واحداً فقط عن تاريخ حام وسام ويافث، أبناء نوح الثلاثة. وهذا الشيء هو أن الله اختار سام ليكون جداً للمخلِّص الذي سيأتي إلى العالم. ولذا، يركز الكتاب المقدس على قصة نسل سام، لأن أنبياء الله ومخلِّص العالم جاءوا من نسله.

وهكذا، فكل شعوب العالم جاءوا من أبناء نوح الثلاثة. ولهذا يمكننا أن نقول أننا نوجد اليوم لأن نوح آمن بالله، وبنى فلكاً لينجِّي عائلته؛ لأنه عندما أنقذ عائلته من الطوفان، فهو أنقذك وأنقذني معهم من الإبادة.

وبارك الله نوحاً وبنيه، وقال لهم ‘‘اثمروا واكثروا واملأوا الأرض’’ (تك 1:9). ولذلك، نرى مرة أخرى، بعد الطوفان بمئات السنين، أن هناك حشداً من الناس يسكن وجه الأرض. وبدأت الأرض مرة ثانية تفسد بالخطية. وعرفنا سابقاً كيف أن نوح وبنيه وُلِدوا بالخطية لأنهم من نسل آدم. فعندما دخلوا الفلك، دخلت معهم طبيعتهم الخاطئة التي ورثوها من آدم. وعندما خرجوا من الفلك، كانت لا تزال جذور الخطية في داخل قلوبهم. فلم يغيِّر الطوفان طبيعة الإنسان الخاطئة. ولذا، استمر جميع الناس يولدون في الخطية، لأن جميعم من نسل آدم.

إنها حقيقة ـ وإن كانت محزنة ـ إن بعد مئات من السنين بعد الطوفان العظيم، لم يهتم معظم نسل نوح بالله، ولا بإرادته. فهم لم يؤمنوا بكلمة الله التي آمن بها أجدادهم شيث، وأخنوخ، ونوح. لقد نسوا الله، ولم يعودوا يشكرونه على ما أعطاهم من نسمة حياة، وشمس ساطعة، ومطر، وطعام. ولم يعرف معظمهم حتى معنى قوس قزح الذي وضعه الله في السماء ليذكرهم بأمانته. فلنسمع ما تعلنه كلمة الله عن هذا الأمر، إذ تقول:
‘‘لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء، صاروا جهلاء. الذين استبدلوا حق الله بالكذب، وعبدوا المخلوق دون الخالق، الذي هو مبارك إلى الأبد. آمين.’’ (رو 21:1
،22 ،25).

وكان معظم نسل نوح مثل قايين ونسله. فلقد اختاروا أن يدفنوا الحق، ويتبعوا الضلال. كان لديهم دين، ولكنه كان ديناً كاذباً، لأنه لم يُبنَ على طريق البر الذي أسسه الله. ولم يسمعوا لكلمة الله الحقيقية، بل سمعوا لكلام الشيطان.

وكان هناك شخص يدعى ‘‘نِمرود’’، وكان من نسل حام، ابن نوح الثاني. وكان نمرود صياداً، وعاش بعد الطوفان لمدة خمسمئة عام، واسمه يعني ‘‘المتمرد’’. وكان نمرود ذكياً جداً، ولكنه لم يعرف الله. وأهمل نمرود كلمة الله، واتبع طريق الشيطان، وطريق قايين، وطريق الذين كانوا في زمن نوح. وبنى نمرود عدة مدن كبيرة، وخطط أن يبني مدينة كبيرة، يعيش فيها جميع الناس، ويصيروا واحداً معاً.

دعونا نقرأ معاً في الأصحاح الحادي عشر من سفر التكوين، ونرى ما تقوله كلمة الله عن تلك المدينة العظيمة التي خطط بناءها نمرود وأتباعه. يقول الكتاب:
‘‘وكانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغةً واحدة. وحدث في ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا بقعة في أرض شنعار، وسكنوا هناك . وقال بعضهم لبعض: هلم نصنع لبناً ونشويه شياً. فكان لهم اللبن مكان الحجر، وكان لهم الحُمَر مكان الطين. وقالوا هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء. ونصنع لأنفسنا اسماً؛ لئلا نتبدد على وجه كل الأرض.’’ (تك 1:11-4).

وهكذا، نرى كيف خطط أبناء آدم لبناء مدينة عظيمة وبرج عالٍ يصل إلى السماء.
فلماذا إذن كانوا يريدون بناء ذلك البرج العالي؟
كان نمرود وأتباعه يسعون لبناء صيتٍ لهم في العالم. لقد خططوا أن يجمعوا كل أناس العالم في مكان واحد؛ حتى يصيروا أقوياء، ولا يتشتتوا في العالم. إلا أن ما خططوا أن يفعلوه لم يكن مرضياً أمام الله. إذ أن الله كان قد أمر أبناء نوح أن ينتشروا في العالم. فالله هو الذي خلق الإنسان، وهو الذي يعلم ما هو أفضل لشعوب الأرض. ولكن، لم يهتم معظم نسل نوح بفكر الله، وظنوا أنهم أكثر ذكاءاً منه. فكانت قلوبهم مثل الشيطان، مليئة بالكبرياء والتمرد على الله. إذ يقول الكتاب:
‘‘فمن يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع’’ (مت 12:23)،
ويقول أيضاً: ‘‘إن المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله’’ (لو 15:16).

إنها لخطية أمام الله أن تمجد الإنسان، أو أن تسعى لاسم عظيم لنفسك، لأنه يوجد اسم واحد فقط جدير بالتمجيد والتسبيح، وهو اسم الله خالق السموات والأرض. إذ يقول الكتاب:
‘‘وأما من افتخر فليفتخر بالرب. لأنه ليس من مدح نفسه هو المزكى، بل من يمدحه الرب.’’ (2كو 17:10
،18)
ولكن معظم أبناء آدم لم يحترموا الله في زمن نمرود، وظنوا أنهم لا يحتاجون إلى الله وكلمته. وأنهم لا يحتاجون لأحد ليقول لهم أي شيء. لقد كانوا يتميزون بروح الاستقلال والتمرد. وإلى هذا اليوم، ما تزال تلك الروح وذلك الاتجاه موجودين في قلوب أبناء آدم. فنراها أيضاَ في الأطفال عندما يهزون كتفيهم، وهم يقولون: ‘‘لا، لن أفعل’’. فكم بالحري تكون هذه الروح عند الكبار. وما هو سبب روح التمرد الموجودة في البيوت، في كل بلاد العالم. أليست هي روح الاستقلالية التي تقول في نفسها:
‘‘إنني أستطيع أن أرعى ذاتي، وتقاليدي هي الأفضل، وديانتي هي الأصلح لي، والطائفة التي أنتمي إليها هي الأصح، وأهلي هم الأرفع مقاماً، وقبيلتي هي أبرع الجميع، واسمي هو أهم اسم. فأشيائي وإرادتي وعملي ومالي وكل ما ينتمي إليَّ هو الأفضل على كل حال!’’
آه، فكم هو الإنسان منغلقٌ على ذاته! فكل واحد يسعى إلى مصالحه الذاتية. وروح الذاتية المستقلة هي السبب في أن العالم مليء بالمشاحنات والنزاعات والحروب. لكن الله يكره تلك الروح، لأن اسمه فقط هو الجدير بالتمجيد. إذ يقول الكتاب:
‘‘أنا الرب. هذا اسمي. ومجدي لا أعطيه لآخر!’’ (أش 8:42).

ولم يهتم الذين بدأوا في بناء البرج بمجد الله. فلقد سعوا لمجدهم الشخصي فقط. فلم يكن لاسم الخالق أي قيمة عندهم. وبالتأكيد، كان الكثيرون منهم متدينين، ولكنهم تجاهلوا كلمة الله. وظنوا أن باستطاعتهم أن يصلوا إلى السماء بطريقتهم. فتأملوا معي هذا، أن بعد خمسمئة عام من الطوفان، كان الناس مازالوا يتجاهلون طريق الله الذي أعطاهم نسمة الحياة، ويسلكون في طريقهم. فكانوا مثل حصان، بعدما اغتسل بالماء، ذهب وتمرغ في الطين! (انظر 2بط 22:2). إنه من الحماقة والشر، أن يريد الإنسان أن يحيا حياته بعيداً عن الله وكلمته.

ولكن، ماذا فعل الله؟ هل تجاهل خطة الناس في أن يعيشوا مستقلين عن خالقهم؟ هل قَبِل من تمردوا ضده؟ لا، فلم يفعل الله ذلك. دعونا نسمع ما فعله الله.
يقول الكتاب:
‘‘فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل. والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه. هلم ننزل نبلبل هناك لسانهم؛ حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض. فكفُّوا عن بنيان المدينة. لذلك دُعِيَ اسمها ‘‘بابل’’. لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض. ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض.’’ (تك 5:11-9).

وهكذا، نرى كيف أن الله أفسد خطة نمرود وأتباعه الذين بدأوا في بناء مدينة عظيمة لمجدهم. فحتى ذلك الحين، كان جميع الناس يتكلمون لغة واحدة. ولكن في ذلك اليوم، بلبل الله السنتهم حتى أنهم لم يستطيعوا أن يفهموا بعضهم البعض.
ونتذكر أن الله أمر نسل نوح أن يملأوا الأرض وينتشروا في العالم. إلا أن نمرود وأتباعه أرادوا أن يتبعوا طريقهم، ويجمعوا الناس في مكان واحد. لكن الله هزم نواياهم، وخيب آمالهم، عندما أعطاهم لغات مختلفة. وهكذا، بددهم الله على وجه الأرض. وهذا هو سبب وجود مئات من الشعوب، وألوف من اللغات اليوم.

حقاً، إن الله صنع عملاً محسوباً بكل معنى الكلمة عندما بلبل ألسنة ولغات العالم. فتأمل كم لغة موجودة بين أبناء الشعب الواحد في الكثير من بلاد العالم. حقاً، لا يستطيع أحد أن يعصى الله ويزدهر. وينبغي على الضعيف أن لا يصارع القوي. فلقد حاول الإنسان أن يصارع الله، وخسر.
هل تعلم ماهو اسم المدينة التي حاول أن يبنيها الإنسان في تمرده على الله؟ نعم، إن المدينة اسمها ‘‘بابل’’. وكلمة ‘‘بابل’’ تعني التشويش والارتباك والحيرة. فالحياة بعيداً عن الله وكلمته، هي حياة مشوشة ومرتبكة ومتحيرة.

هذه هي قصة بابل، والناس الذين حاولوا أن يمجِّدوا أسماءهم. فهل نحن مثل شعب بابل؟ وهل نمجد أسمائنا؟ إن الله يعلمنا إن هذا خطية.
صديقي المستمع ..
اسم من تسعى أن تمجد؟ هل هو اسمك؟ أم اسم شخصٍ آخر؟ هل تسعى أن تمجد اسم الله وإياه وحده؟ هل تطلب التمجيد الذي يأتي من الناس، أم تسعى إلى التمجيد الذي يأتي من الله؟ هناك شيءٌ أكيدٌ، وهو أن التمجيد الذي يأتي من الناس لا يدوم، لكن التمجيد الذي يأتي من الله يدوم إلى الأبد. إذ تقول كلمة الله:
‘‘لأن كل ذي جسد كعشب، وكل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط، أما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد’’ (1بط 24:1).

دعونا نستمع إلى هذه الكلمة من الرب نفسه. يقول الرب:
‘‘لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه. بل بهذا ليفتخرن المفتخر : بأنه يفهم ويعرفني، أني أنا الرب الصانع رحمةً وقضاءً وعدلاً في الأرض، لأني بهذه أُسر يقول الرب’’ (إر 23:9
،24).

أصدقائي المستمعين ..
في حلقتنا القادمة إن شاء الله، سنراجع معاً كل ما درسناه من البداية وحتى الآن. فليبارككم الله وأنتم تتأملون في كلمته:
‘‘لأنه ليس من مدح نفسه هو المزكَّى، بل من يمدحه الرب’’ (1كو 18:10).

ــــــــــــــــ
 

الدرس السابع عشر | فهرس دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية