15
نوح وأمانة الله
تكوين 8،9
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
نود اليوم أن نكمل قصة النبي نوح. ولكن دعونا أولاً نبدأ في مراجعة ما تعلمناه في
الحلقتين السابقتين عن نوح والطوفان العظيم.
رأينا في الأصحاح السادس من سفر التكوين كيف أن شر الإنسان قد كثر على الأرض، وأن
كل أفكار قلبه كانت شريرة. ومن أجل هذا، عزم الله أن يرسل طوفاناً ليمحو عن وجه
الأرض كل الخطاة الذين رفضوا أن يبتعدوا عن الخطية، ويرجعوا إلى الإله الحي الحقيقي.
وكان هناك إنسان واحد أرضى الله في هذا الجيل المعوج الساقط. إنه النبي نوح الذي
آمن بالله وأحبه. ولذلك، كلم الله نوح، وأمره أن يبني فلكاً عظيماً؛ ليكون ملجاً له
ولعائلته، وحيوانات كثيرة، للنجاة من الطوفان. وظل نوح وعائلته لمدة مئة عامٍ يبنون
الفلك، ويحثون الناس أن يتوبوا ويؤمنوا بكلمة الله. ولكن، لم ينتبه أحد لوعظ نوح.
ولم يؤمن أحد حقاً أن نوح كان يقول لهم عن الطوفان العتيد أن يأتي.
ورغم ذلك، جاء اليوم الذي أصبح فيه الفلك جاهزاً. وأتت الساعة التي سيدين فيها الله
العالم الشرير. كان الله صبوراً مع المستهزئين لمدة طويلة، ولكن صبره نفذ. وقال
الله لنوح أن يدخل الفلك مع عائلته، ويأخذ معه من جميع البهائم الطاهرة سبعة سبعة،
ذكراً وأنثى لتكون للذبيحة، ويأخذ معه أيضاً من البهائم التي ليست بطاهرة اثنين
اثنين، ذكراً وأنثى. ودخل نوح وعائلته وجميع الحيوانات الفلك كما أمر الله. ويقول
الكتاب: ‘‘وأغلق الرب عليه’’. فالله الذي فتح باب التوبة لأبناء آدم، هو نفسه الذي
أغلق الباب. فقد ذهب يوم رحمة الله، وجاء يوم غضبه العظيم.
ثم جاء البرق والرعد، واهتزت الأرض بشدة، وانهالت الأمطار، وتسبب ذلك في طوفان عظيم.
وهرب الجميع وهم يحاولون الصعود إلى الجبال، ولكن لم ينجو أحد من غضب الله المقدس!
وكل من استهزأ بنوح وكلمة الله، عرف الحق حينئذ. ولكن الوقت كان متأخراً! لقد مر
زمن الخلاص، وأغلق الله الباب.
ولفترة أربعين يوماً، هطلت الأمطار من السماء، وأنفجرت كل ينابيع الغمر العظيم من
باطن الأرض حتى غطت المياه كل الجبال الشامخة. أما الفلك، فطاف فوق وجه المياه. إذ
يقول الكتاب: ‘‘فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض. .. ومحا الله كل قائم كان على
وجه الأرض. الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء. انمحت من الأرض. وتبقى نوح
والذين معه في الفلك فقط.’’ (تك 21:7، 23).
وهكذا، تدوِّن كلمة الله أن الله نفَّذ العقاب كما وعد، فهلك كل من كان في خارج
الفلك. فالله أمين ويحفظ كلمته.
ولكن، ماذا حدث للذين في داخل الفلك؟ هل نسى الله نوح وعائلته؟ إن الله الذي يطعم
طيور السماء، ولا يسقط منها أحد على الأرض إلا بإذنه، لم ينسَ من بداخل الفلك.
دعونا نقرأ ما هو مكتوب في سفر التكوين في الأصحاح الثامن.
يقول الكتاب: ‘‘ثم ذكر الله نوحاً وكل الوحوش وكل البهائم التي معه في الفلك. وأجاز
الله ريحاً على الأرض فهدأت المياه وانحسرت. .. واستقر الفلك في الشهر السابع في
اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط.’’ (تك 1:8 ،4).
وهكذا، نرى أن الله تذكر نوحاً وكل من معه في داخل الفلك. فأرسل الله ريحاً شرقية
على المياه فهدأت وانحسرت. وقاد الله الفلك إلى أن وقف على جبل عالٍ يسمى جبل
أراراط. وبعد أن ظل نوح وعائلته في الفلك لمدة عام وأسبوع، جفت معظم المياه التي
كانت قد غطت الأرض. وهكذا قال الله لنوح: ‘‘أخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء
بنيك معك’’. ومن ثم، ترك نوح وعائلته وكل الحيوانات الفلك. وعندما خرج نوح من الفلك،
بنى مذبحاً، وقدم عليه تقدمة ذبائح محرقة من الحيوانات والطيور الطاهرة.
هل سمعت ما هو أول شيء فعله نوح عندما خرج من الفلك؟ لقد قدَّم لله حيوانات بريئة
كذبيحة، وحرقها على المذبح الذي بناه. فالله لم يلغِ ناموسه القائل أنه ‘‘بدون سفك
دم لا تحصل مغفرة’’ (عب 22:9). فبينما أباد الطوفان العظيم الخطاة من على وجه الأرض،
فإنه لم يُبِد جذور الخطية التي استمرت في قلوب أبناء آدم. ولهذا السبب، استمر نوح
ونسله في تقديم الذبائح عن خطاياهم.
وكما رأينا، فهذه الذبائح كانت أساس طريق الخلاص الذي وضعه الله. فالذبائح التي
قدمها أجدادنا في تلك الأيام كانت ترمز إلى المخلِّص الذي سيأتي، ويُسفك دمه، ويدفع
دين خطية آدم ونسله. ولهذا، كان أول شيء فعله نوح عندما خرج من الفلك أنه سفك دم
حيوان، موضحاً بهذا أن قوانين الله لم تتغير. وهي التي تقول: ‘‘أجرة الخطية موت’’ (رو
23:6) و ‘‘بدون سفك دم لا تحصل مغفرة’’ (عب22:9).
وهكذا، يقول الكتاب:
‘‘فتنسم الله رائحة الرضا (أي رائحة الذبيحة) .. وبارك الله نوحاً وبنيه، وقال لهم
أثمروا واكثروا واملأوا الأرض. .. وها أنا أقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم ..
فلا يعود ينقرض كل ذي جسد أيضاً بمياه الطوفان، ولا يكون أيضاً طوفان ليخرب الأرض
.. وهذه هي علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية
التي معكم إلى أجيال الدهر. وضعت قوسي في السحاب (أي قوس قزح) فتكون علامة ميثاق
بيني وبين الأرض. فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس في السحاب، إني أذكر
ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد، فلا تكون أيضاً المياه طوفاناً
لتهلك كل ذي جسد.’’
(تك 21:8 ؛ 1:9، 9، 11-15).
ومن خلال الأعداد التي قرأناها، نجد أن هناك كلمة كررها الله لنوح خمس مرات. هل
لاحظت هذه الكلمة. إنها كلمة ‘‘الميثاق’’ أي ‘‘العهد’’. وفي كلمة الله نرى ان العهد
هو وعد خاص صنعه الله مع الإنسان. فالله هو حافظ العهد، وهو أمين، ويريد أن يظهر
أمانته لأبناء آدم. ولهذا، ففي صلاحه أسس عهداً مع نوح ونسله قائلاً: ‘‘لا يعود
ينقرض كل ذي جسد أيضاً بمياه الطوفان’’. هذا ما وعد به الله. ولكن الله لم يحدّْ
وعده بمجرد كلمات، ولكنه أكدها بوضعه علامة قوس قزح في السماء.
هل تعلم أن قوس قزح الذي نراه أحياناً في السماء بعدما تمطر، هو رمز لأمانة الله؟
ففي كل مرة نرى قوس قزح في السحاب، يريد الله أن يذكرنا بأمانته التي تصمد من جيل
إلى جيل. لقد وضع الله قوس قزح بين السحاب، ليؤكد عهده الذي وعد فيه أن المياه لن
تصير طوفاناً مرة ثانية لتدمر الحياة. والحقيقة هي أن الله هو ضامن العهد، وهو أمين.
وأما عن نوح، فهناك أشياء أخرى نريد أن نتحدث فيها، لكن ليس لدينا وقت اليوم.
وتستطيع عزيزي المستمع، أن تقرأها بنفسك في الأصحاح التاسع من سفر التكوين، فترى أن
نوحاً عاش ثلاثمئة وخمسين عاماً بعد الطوفان، وبعدما شاخ ذهب ليكون مع الله في
العلاء.
بإيجاز، دعونا نختم حديثنا عن النبي نوح بسؤال أو سؤالين.
ما هو الفرق بين نوح والناس الذين كانوا في زمنه؟
وماذا فعل نوح كيما يرضي الله؟
لقد فعل نوح شيئاً واحداً ببساطة. لقد آمن بكلمة الله، ومن أجل هذا، لم يهلك نوح مع
بقية الناس. دعونا نسمع ما أعلنه الله عن نوح. يقول الكتاب:
‘‘بالإيمان نوح لما أوحي إليه عن أمور لم تُرى بعد، خاف فبنى فلكاً لخلاص بيته. فبه
دان العالم، وصار وارثاً للبر الذي حسب الإيمان’’ . ويقول الكتاب أيضاً: ‘‘بدون
إيمان لا يمكن إرضاؤه’’ (عب 7:11 ،6).
والآن، دعونا نترك معكم فكرتين قبل أن نودعكم اليوم؛ وقد لمسنا للتو واحدةً منهما
الآن.
والأولى هي: ما هو الشيء الذي جعل الله يُسَر بنوح؟
والإجابة هي إيمانه. إذ آمن نوح بالله، وآمن أيضاً بما قاله. فكان عند نوح ثقة
بالله وإيمان بكلمته بالرغم من عدم إيمان جميع من حوله. إن إيمان نوح هو الشيء الذي
جعل الله ينقذه من الجيل الشرير الذي كان يعيش فيه.
وأنت يا من تستمع إلينا الآن، هل حقاً تؤمن بما قاله الله؟ فإرادة الله لكل واحد
منا هي أن نؤمن بكلمته كما فعل نوح.
والفكرة الثانية التي يجب أن نتذكرها من قصة نوح، والتي يمكن أن تكون أكثر أهمية من
إيمانه، هل تعرف ما هي؟ إنها أمانة الله.
فلماذا إمانة الله إذن هي أكثر أهمية من الإيمان؟ ذلك، لأنه إن لم يكن الله أميناً
في إقامة عهده ووعده، فسيكون إيمان نوح بلا قيمة. فجميعنا نعلم ماذا يحدث عندما نضع
ثقتنا في شخص لا يثبت في وعده. فمثلاً، إذا كان لك صديق قد وعدك بأنه سيحضر لك كيساً
من الأرز غداً، وأنت تصدقه وتثق فيه. ماذا يحدث إن لم يحضر لك الأرز؟ إنك ستغضب،
وربما تجوع أيضاً. فالثقة التي كانت لك في صديقك، لا يكون لها قيمة. ولماذا ذلك؟
لأن صديقك لم ينفِّذ ما وعد به. فلقد وثقت في شخص غير أمين.
ليس هكذا الحال مع الله. إذ يقول الكتاب:
‘‘إن كنا غير أمناء، فهو يبقى أميناً لن يقدر أن ينكر نفسه’’ (2تي 13:2).
ويقول أيضاً: ‘‘ لأن كل جسد كعشب، وكل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط.
وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد. .. والذي يؤمن به لن يخزى.’’ (1بط 24:1 ،25 ؛ 6:2). نعم، ‘‘فأمينٌ هو ألله!’’ (1كو 9:1).
فالله سيفعل ما قد وعد به.
ونرى في قصة نوح، كيف أن الله فعل كل شيء كما وعد. ونقرأ أن الله خلص كل من كان
بداخل الفلك، وأدان كل من كان خارجه، تماماً كما وعد. ورأينا كيف أن الله غفر خطايا
نوح، لأنه قدم دم ذبيحة، كما طلب منه الله أن يفعل. وتعلمنا كيف وضع الله قوس قزح
في السحاب في السماء؛ كي لا ينسى نوح وكل الناس أن الله أمين.
أصدقائي المستمعين ..
إن كنا سننسى كل ما تعلمناه اليوم، فلنتذكر هذا الشيء: إن الله أمين! ولا يرجع عن
كلمته. إنه يفعل ما وعد به حتى إن بدا إنه بطيءٌ في ذلك. ‘‘فأمينٌ هو الله .. والذي
يؤمن به لن يخزى!’’ (1كو 9:1؛ 1بط 6:2).
دعونا إذن نؤمن به، ونقبل كلمته باتضاع. ندعوا الله أن نستفيد من قصة نوح والطوفان
العظيم، وذلك بأن نفعل مثل نوح الذي آمن بكلمة الله، حين رفض الكل تصديقها ودمَّرهم
الطوفان.
أصدقائي المستمعين ..
فلنتوقف اليوم عند هذه النقطة. نشكركم على كريم إصغائكم. وفي حلقتنا القادمة، بإذن
الله، سنعرف ما حدث لنسل نوح، ومن أين أتت كل لغات العالم المختلفة اليوم.
فليبارككم الله، وأنتم تتأملون في حقه المقدس المتضمن في كلمته القائلة:
‘‘فأمينٌ هو ألله .. والذي يؤمن به لن يخزى!’’ (1كو 9:1؛ 1بط 6:2)
ــــــــــــــــ
الدرس السادس عشر | فهرس
دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية