14
النبي نـوح
.. والطوفان العظيم
 

تكوين 7

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

بدأنا النظر في حلقتنا السابقة في القصة المثيرة للنبي نوح، الذي وُلِد بعد آدم بعشرة أجيال، والذي سار مع الله. ثم رأينا كيف حزن قلب الله بسبب خطايا نسل آدم. إذ تقول كلمة الله:
‘‘ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور افكار قلبه إنما هو شرير كل يوم.’’ (تك5:6) ومن أجل هذا قرر الله في غضبه المقدس أن يمحو من على وجه الأرض كل الخطاة غير التائبين.

ولكن نعمة الله كانت مع نوح، لأن نوح أحب الله وآمن بكلمته. ولذا قال الله لنوح ذات يومٍ: ‘‘ لقد قررت أن أفني البشر لأن الأرض قد امتلأت بشرهم. سأرسل طوفان عظيم إلى الأرض ليدمر كل شئ يعيش تحت السماء. وأما أنت، فابني فلكاً كبيراً ليكون ملجأ لك ولعائلتك’’.

وعمل نوح وعائلته مئة سنة في بناء الفلك. لكن نوح لم يحدّْ عمله في بناء الفلك فقط، لكنه وعظ الناس من حوله قائلاً: ‘‘ توبوا عن خطاياكم، وارجعوا الى الله البار الذي سيدين العالم.’’

.. فهل تاب الناس الذين في أيام نوح عن خطاياهم؟
.. وهل آمنوا بما أعلنه الله عن طريق نبيه؟ .. ماذا تظن أنت؟
.. من ضمن الألوف والألوف من نسل آدم اللذين كانوا على الأرض، كم منهم تابوا وآمنوا بالله لحد يجعلهم يدخلون الفلك؟
تقول كلمة الله:
‘‘كان الفلك يُبنْىَ، الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفسٍ، بالماء.’’
(1بطرس 20:3)

كم من الناس آمنوا بالله؟ إنهم ثمانية فقط. هم نوح وزوجته وابناؤه الثلاثة وزوجاتهم. ولم يؤمن الآخرون بكلمة الله. والبعض أهمل تعاليم نوح والبعض الآخر استهزأ به. لقد ظنوا أته مختل العقل؛ لأنه كان يبني فلكاً في مكان ليس فيه ماء. وربما استهزأ الناس بنوح قائلين:
‘‘تعالوا انظروا هذا الشخص الذي يبني فلكاً هنا في البرية! إنه يجب أن يكون مختل العقل. طوفان هنا في الصحراء! إنه لشئ مستحيل الحدوث وإلى جانب هذا، فالله عادل، فهو لن يهلك أناس قد خلقهم! نوح، إنك مختل العقل.’’
وأهمل نوح إساءتهم وسخريتهم لأنه آمن بما قاله الله. واستمر في بناء الفلك، وفي الوعظ قائلاً: ‘‘توبوا! فسيحكم الله على العالم بالبر! لماذا ترفضون أن تؤمنوا بكلمة الله؟ ولماذا تريدون الهلاك؟!’’

وأخيراً، جاء اليوم الذي فيه أكمل نوح وعائلته بناء الفلك. ونقرأ في العدد الأخير من الأصحاح السادس لسفر التكوين: ‘‘ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله.’’ (تك22:6) كان الفلك مستعداً، وكان كل شئٍ جاهزاً وكاملاً. ولكن تبقى شئ واحد وهو أن يدخل نوح وعائلته الفلك. ومرة اخرى، نسمع نوح في محاولة لإقناع الناس يقول:
‘‘ اسمعوا لله! توبوا وآمنوا بكلمته. فالطوفان سيأتي سريعاً. ادخلوا الفلك بينما هناك وقت! فالباب مفتوح. فمن يدخل من الباب سيخلص، ولكن إن رفضتم الدخول، فكيف تنجون من دينونة الله؟’’
.. هكذا حذَّر نوح الناس تحذيراً مخلصاً، ولكنهم لم يسمعوا.

وبالتالي، تقول كلمة الله في الأصحاح السابع:
‘‘وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. لأني إياك رأيت باراً لَدَيَّ في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكراً وأنثى. .. ومن البهائم التي ليست بطاهرةٍ اثنين ذكراً وانثى، ومن طيور السماء أيضاً سبعةً سبعةً ذكراً وأنثى لاستبقائها نسلٍ على وجه كل الأرض. .. لأني بعد سبعة أيام أيضاً أمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائمٍ عملته. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب.’’ (تك 1:7-5)

ولكن، لماذا دخل نوح وعائلته الفلك؟ هل لأنهم رأوا السماء مليئة بالغيوم؟ أم لأنهم شمُّوا رائحة المطر؟ لا، فعندما دخلوا الفلك رأوا أن السماء صافية. فلماذا إذاً دخلوا الفلك؟ هناك سببٌ واحدٌ. لقد دخلوا الفلك؛ لأنهم آمنوا بما قاله الله.
ربما كان هناك من ظلوا خارجاً وظنوا قائلين كلٌ في نفسه: ‘‘ أنا أيضاً أؤمن بالله، ولكني لن أدخل الفلك. أنا أؤمن بالله، ولكن لن أقبل وعظ نوح.’’ فما نستطيع أن نقول عن هؤلاء الناس؟ نستطيع أن نقول أنهم لم يؤمنوا بالله؛ لأنهم لم يؤمنوا بما أعلنه الله من خلال نبيه. إنهم رفضوا أن يتوبوا عن خطاياهم، ورفضوا أن يقبلوا طريق الخلاص الذي رتبه الله لهم من خلال نوح. فربما أكرموا الله بشفتيهم، أما قلوبهم، فقد كانت مبتعدة بعيداً عنه.

وتقول كلمة الله:
‘‘فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بيته معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض، دخل اثنان اثنان إلى نوح في الفلك ذكراً وانثى، كما أمر الله نوحاً .. وأغلق الرب عليه.’’ (تك 7:7-9،16)

هل سمعت بما فعله الله بعد أن دخل نوح وعائلته الفلك؟ تقول كلمة الله: ‘‘وأغلق الرب عليه’’. وجاء يوم غضب الله. فالله كان صابراً على هؤلاء الناس لمدة طويلة، ولكن الآن نفذ صبره وتبقَّى غضبه. وأغلق الله الباب. وعندما يغلق الله الباب، لا يستطيع أحد أن يفتحه.

وهكذا، أرسل الله الطوفان على الأرض كما وعد. فبدأت السماء تظلم، وبدأت الرياح تهب. وأتت السحب، وأبرق البرق، وأرعد الرعد، وضربت الزلازل، وارتجف نسل آدم وخافوا خوفاً عظيماً. فقد كان من السهل عليهم أن يتحدَّوا الله بكلمات جارحة عندما كان كل شئ هادئاً. أما الآن، فصمتت أفواههم عن الكلام عندما بدأت تحل عليهم دينونة الله. وحانت الساعة التي فيها سيواجهون دينونة الله العادلة. ولم يعد هناك مكانٌ ليختبئوا فيه.

فانهالت الأمطار، وتدفقت المياه من ينابيع الأرض، وفاضت الأنهار والمحيطات، وحدث الطوفان. وارتفغت السيول في المدن والقرى، وفر الذين لم تكتسحهم المياه مباشرة، إلى أراضٍ مرتفعة. والآن، علم الذين استهزأوا بنوح ورفضوا كلمة الله، أن ما أعلنه الله عن طريق نبيه كان حقاً. ومع ذلك فهذه المعرفة لم يكن لها منفعة لهم، لأن فرصة التوبة والخلاص كانت قد انتهت.
وربما كان ينادي البعض نوحاً قائلين: ‘‘نوح نوح، افتح الباب وساعدنا. خلصنا فنحن نؤمن بما قلت. لقد كنت على حق، نحن نؤمن.’’ ولكن هذا كان متأخراً، فأغلق الله الباب. فولَّت فرصة التوبة، وجاء يوم الدينونة. فالصلاة، والبكاء، والقرع على الباب، ومعرفة الحق، لا شيء منها يستطيع أن يغير قرار الله. فعندما يغلق الله باب الخلاص، لايستطيع أحد أن يفتحه.

ويقول الكتاب المقدس أن الأمطار انهالت لمدة أربعين يوماً، وكان الطوفان يزداد حتى غمرت المياه الجبال. أما الفلك، فطاف فوق المياه.

‘‘فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض. من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. فمحا الله كل قائمٍ كان على وجه الأرض.’’ (تك 21:7،
23)

والآن، هل تمم الله وعده؟ نعم، بكل تأكيد.
وهل أدان الله الخطاة الذين رفضوا التوبة؟ أنه حقاً فعل ذلك. لقد أدان الله كل شخص لم يكن في الفلك، تماماً كما قال إنه سيفعل.

أصدقائي المستمعين..
سنتوقف اليوم عند هذا الحد من قصتنا عن نوح، وفي حلقتنا القادمة بإذن الله، سنكمل قصتنا لنرى ماذا حدث لنوح وعائلته في الفلك. ولكن قبل أن نودعكم اليوم، هناك درس مهم يريد الله أن يعلمه لنا عن دينونته من خلال الطوفان العظيم. والدرس هو: أن الله قد حدد يوماً آخر فيه سيدين كل المسكونة. ويوم الدينونة هذا، سيكون أصعب من الدينونة التي وقعت على جيل نوح.

دعونا نصغي لما قاله أنبياء الله بخصوص يوم الدينونة هذا. يقول الكتاب في سفر الرؤيا:
‘‘ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هَرَبَت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضعٌ. ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله، وانفتحت أسفارٌ، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة، طُرح في بحيرة النار.’’ (رؤ 11:20-12
،15)

.. هل تجد نفسك واثقاً من خلاصك عندما تتأمل في يوم الدينونة الرهيب؟
.. هل اسمك مكتوب في سفر الحياة؟
.. هل دخلتَ عن طريق باب الخلاص الذي فتحه الله؟
تقول كلمة الله: ‘‘هو ذا الآن وقتٌ مقبول. هو ذا الآن يوم خلاص.’’
(2كورنثوس 2:6)

لقد رأينا فيما سبق كيف دعا الله الناس في أيام نوح أن يتوبوا ويؤمنوا ويخلصوا. ولكن في النهاية، أغلق الله الباب. فكل من رفض أن يدخل من باب الفلك، واجه دينونة الله الرهيبة.

وتقول كلمة الله بخصوص يوم الدينونة، عندما يدين الله المسكونة بالعدل:
‘‘لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجئ. لأنه حينما يقولون سلام وأمان، حينئذٍ يفاجئهم هلاك بغتةً، كالمخاض للحبلى، فلا ينجون.’’
(1تسالونيكي 2:5
،3)

لن ينجو أحد في هذا اليوم عدا الذين دخلوا عن طريق باب الخلاص الذي فتحه الله لأبناء آدم.

.. فهل تعلم ما هو الباب الذي فتحه الله للخطاة؟
.. وهل تعرف طريق الخلاص الذي أعده الله لك؟
.. وهل تعلم من هم الذين خلصوا من دينونة الله بالطوفان في أيام نوح؟
.. إنهم هؤلاء الذين دخلوا من باب الفلك!
وبالمثل، فالكتاب المقدس يرينا أن الله أعد باباً واحداً للخلاص من يوم الدينونة المقبل على أبناء آدم الخطاة. هل تعلم ما هو باب الله للخلاص؟ فلنصغي إذاً لكلمات الشفيع البار الذي أرسله الله إلى العالم. فلقد قال:
‘‘أنا هو الباب. إن دخل بي أحد، فيخلص.’’(يوحنا 9:10)، ‘‘الحق الحق أقول لكم، إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني، فله حياة أبدية ولايأتي الى دينونة.’’
(يوحنا 24:5)

أصدقائي المستمعين..
إلى هنا ينبغي أن نتوقف اليوم، ولكن في حلقتنا المقبلة، سنتعلم أكثر عن هذا المخلص الذي أرسله الله إلى العالم، والذي قال: ‘‘ أنا هو الباب. إن دخل بي أحد، فَيَخلص.’’

نشكركم على حسن استماعكم. وفي الحلقة المقبلة بمشيئة الله سنكمل قصة النبي نوح. فليبارككم الله ويعلمكم وأنتم تتأملون في هذا السؤال الهام الذي تطرحه كلمة الله:
‘‘فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره.’’ (عبرانيين 3:2)

ـــــــــــــ
 

الدرس الخامس عشر | فهرس دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية