13
النبي نوح
.. وصبر الله وغضبه
 

تكوين 6

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

لقد رأينا في تأملاتنا في الكتاب المقدس، كيف أن في البدء عندما خلق الله العالم، كان كل شئ صالحاً. ولكن بعد أن عصا آدم الله، دخلت الخطية عن طريقه إلى جميع الناس. حقاً، ‘‘إن الوبأ لاينحصر في مصدره’’.

وتعلمنا في برنامجنا السابق عن نسلين لآدم هما نسل قايين ونسل شيث. نسل قايين لم يؤمن بالله. أما نسل شيث، فهناك من آمنوا منه بكلمة الله؛ وكنتيجة لذلك، غفر الله خطاياهم. وكان أخنوخ من نسل شيث. ورغم أن معظم الذين عاشوا في زمن أخنوخ تبعوا الشيطان في النجاسة، إلا أن أخنوخ سار مع الله في القداسة.

وسنتعلم اليوم عن نبي آخر سار مع الله في زمن معوج وفاسد. إنه النبي نوح إبن حفيد أخنوخ (أي الجيل الرابع من أخنوخ). ولقد تعلمنا سابقاً، إن في تلك الأيام كان الناس يعيشون أكثر منا الآن. هل تعرف من عاش ليكون أكبر الناس عمراً؟ إنه متوشالح، الذي كان أبا لامك الذي كان أبا نوح. ويختلف لامك هذا، الذي هو والد نوح، عن لامك الذي من نسل قايين الذي تعلمنا عنه سابقاً. وينتمي نوح إلى الجيل العاشر لآدم. وعندما بلغ عمر نوح خمسمائة عامٍ، صار أباً لسام وحام ويافث.

وما نود أن ندرسه اليوم عن نوح، سيكون له قيمة عظيمة لنا؛ لأن أيام نوح كانت مثل الأيام التي نعيش فيها الآن. ففي أيام نوح كانت الأرض ممتلئة إلى حافتها بالخطية. إذ تقول كلمة الله:
‘‘ورأى الرب أن شرالإنسان قد كثر في الأرض. وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم.’’ (تك6:5). فكانت قلوب أبناء آدم ممتلئة أفكاراً شريرة، زنى، وفسق، وقتل، وسرقة، وطمع، وخبث، وعهارة، وعين شريرة، وتجديف، وكبرياء، وجهل. (مرقس21:7-22). وكان الناس يدمرون العالم الذي خلقه الله من أجلهم. كانت هناك ديانات للكثير منهم ولكنها كانت ديانات مزيفة، وغير حقيقية. كان ألههم هو متعتهم الجسدية. وهكذا، ظلت خطاياهم تتراكم.

دعونا نسمع لما تقوله كلمة الله في التوراه في سفر التكوين في الأصحاح السادس: ‘‘فقال الرب: لايدين روحي في الإنسان إلى الأبد. لزيغانه هو بشرٌ، وتكون أيامه مئة وعشرين سنة. ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه. فقال: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لأني حزنت أني عملتهم. وأما نوح، فوجد نعمة في عيني الرب.’’ (تك3:6-8).

وهكذا نرى أن الله أراد أن يمحو نسل آدم من على وجه الأرض. ونرى أيضاً أن الله في رحمته تمهل على الخطاة لمدة 120 عاماً ليعطيهم وقتاً للتوبة لكيلا يهلكوا. ولكن عندما ينفذ هذا الوقت، سيجازي الله كل من رفض أن يتوب ويقبل طريق الله للبر.

هناك شيءٌ نتعلمه عن شخصية الله من خلال مهلة المئة والعشرين عاماً التي أعطاها للخطاة. فنتعلم أن: الله صبور إلا أن هناك حدوداً لصبره. فالله سيتكلم مع الخاطئ، ويجاهد معه كيما يتوب، ولكن ليس إلى الأبد. ومن أجل هذا، قال الله في أيام نوح: ‘‘لايدين روحي في الإنسان إلى الأبد. لزيغانه هو بشرٌ، وتكون ايامه مئة وعشرين سنة.’’ وهكذا نرى كيف أن الله خطط أن يكون صبوراً مع الخطاة لفترة، وبعدها، يدينهم إذا ما رفضوا أن يتوبوا. وفي ذلك نلاحظ سمتان في شخصية الله. نلاحظ صبره وغضبه. إن الله صالح وصبور جداً. لكنه أيضاُ بار، ويمكن أن يغضب.

ويظن البعض أن الله يحوم حول الناس بعصا كبيرة، كما لو كان الله غضوباُ ويجد لذة في أن يضرب الناس ويؤدبهم. ولكن الله ليس هكذا. ويظن البعض الآخر أن الله لايمكن أن يغضب، وهو سيغفر للناس خطاياهم وينساها. ويقول البعض الآخر: ‘‘الله صالح، الله صالح’’. ولكن الله ليس هكذا أيضاً.

وتخبرنا كلمة الله عن شخصية الله الحقيقية. فالله صالح وبار؛ يمكنه أن يصبر أو أن يغضب. أن صلاحه ورحمته تجعله صبوراُ مع الخطاة، ولكن بره وقداسته تجعله يغضب على خطاياهم. فالله مخلِّص، وقاضي. وقد كتب الأنبياء الكثير عن صبر الله وغضبه. دعونا نسمع لما قالوه:
‘‘ولكن لايخْفَ عليكم هذا الشئ الواحد أيها الأحباء، أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنةٍ، وألف سنةٍ كيومٍ واحدٍ. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قومٌ التباطُؤَ، لكن يتأنى علينا، وهو لايشاء أن يهلك أناسٌ بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلصٍ في الليل.’’ (2بطرس 8:3-10)
ويقول الكتاب أيضاً: ‘‘الرب يدين شعبه. مخيفٌ هو الوقوع في يَدَي الله الحي. أنظروا أن لاتستعفوا من المتكلم .. إن إلهنا نارٌ آكلة.’’ (عبرانيين 30:10-31؛ 25:12،29).
ونقرأ في المزامير: ‘‘الله قاضىٍ عادلٍ وإلهُ يسخَط في كل يومٍ.’’ (مزمور11:7،
12).
‘‘لأن غضب الله مُعلنٌ من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم .. إن دينونة الله هي حسب الحق .. أفتظن أيها الإنسان أنك تنجو من دينونة الله. أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالمٍ أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضباُ في يومِ الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة، الذي سيجازي كل واحدٍ حسب أعماله.’’ (رومية 18:1؛ 2:2-6).

إن غضب الله ليس مثل غضب الإنسان. فمن الممكن أن يغضب الإنسان غضباً شديداً، لكن غضبه يقل تدريجياً حتى إنه ينسى ما أغضبه أولاً. لكن غضب الله ليس هكذا. إن غضب الله يكون أقل مع مرور الوقت. لكن الله قاضي بار، ولا ينسى شيئاً. إن غضبه لايقل تجاه الذين يرفضون التوبة، لكنه يزداد. وهذا ما قرأناه في الكتاب أنفاً: ‘‘ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة.’’

فكان الناس في وقت نوح يذخرون لأنفسهم غضب الله. ولكن تبقَّى شخص واحد أحب الله من كل قلبه، وآمن بكلمته. إنه النبي نوح. إذ تقول كلمة الله:
‘‘وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب. وكان نوح رجلاً باراً كاملاً في اجياله. وسار نوح مع الله.’’ (تك 8:6-9).

ولكن لماذا أظهر الله نعمته لنوح؟ هل استحق نوح نعمة الله؟ لا. فالنعمة التي تعطى عن استحقاق هي ليست بعد نعمة. أما النعمة، فهي التي تعطى بلا استحقاق.
لكن لماذا قدم الله نعمته إلى نوح، ولم يقدمها إلى الآخرين؟ ماذا تقول كلمة الله عن هذا الأمر؟ إن كلمة الله تقول أن نوح آمن بالله، أما الآخرون فلم يؤمنوا به. لقد آمن نوح بكلمة الله، وآمن بوعده بإرسال مخلص إلى العالم ليفدي الخطاة. فمثل جميع نسل آدم، كان نوح أيضاً به خطية. لكن الله حسبه باراً؛ لأنه آمن بالله، وقدم له دم حمل ككفارة عن خطاياه كما أوصى الله. ولذا، تقول كلمة الله: ‘‘كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله.’’

ثم قال الله لنوح يوماً:
‘‘.. نهاية كل شئ قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلماً منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكاً من خشب جُفْرٍ. تجعل الفُلكَ مَسكِناً، وتطليه من داخل ومن خارجٍ بالقار. وهكذا تصنعه: ثَلاثمئةِ ذراعٍ يكون طول الفلك، وخمسين ذراعاً عرضُه، وثلاثين ذراعاً ارتفاعه. وتصنع كَوَّاً للفلك، وتكمِّله إلى حد ذراعٍ من فوق. وتصنع باب الفلك من جانبه؛ مساكن سفليةً ومتوسطةً وعلويةً تجعلُه. فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض؛ لأهلك كل جسدٍ من روح حيوةٍ من تحت السماء. وكل ما في الأرض يموت. لكن أقيم عهدي مَعَك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك مَعَك. ومن كل حيٍ من كل ذي جسدٍ اثنين من كلٍ، تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكراً وأنثى، من الطيور كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كلٍ تُدخِل اليك لاستبقائها. وأما أنت فخذ لنفسك من كل طعامٍ يؤكل، واجمعه عندك، فيكون لك ولها طعاماً.’’ (تك 13:6-20).

وهكذا قال الله لنوح عن خطته في إرسال طوفان ليهلك الأرض وكل الذين رفضوا أن يتوبوا ويؤمنوا بالحق. وأمر الله نوح أن يبني فلكاً لينجو من الطوفان. وكان طول الفلك 150 متراً، وهو مرة وضعف طول ملعب كرة القدم. وكان هذا الفلك ملجأً لنوح وعائلته وكثير من الحيوانات، وكل من يؤمن بكلمة الله. وأمر الله نوح أن يصنع غرفاً كثيرة في الفلك، ولكن باباً واحداً للفلك من خارج.
وكانت رسالة الله إلى الناس في وقت نوح هي: ‘‘كل من يريد أن ينجو من دينونة الطوفان يجب أن يدخل من باب الفلك. وكل انسان يعبر من الباب سيخلص، وأما الذين لايعبرون من الباب فسيهلكون.’’

وبدأ نوح في بناء الفلك؛ وكان ذلك مجهوداً كبيراً. وكان على نوح واولاده الثلاثة أن يقطعوا مئات من الأشجار الكبيرة، ويحولونها إلى ألواح خشبية، ويشكلونها إلى فلك، ويدقُّوا فيها مسامير، ثم يطلونها بالزفت من الداخل ومن الخارج. وساعدت زوجة نوح وزوجات ابنائها نوحاً في هذا العمل الصعب. وأخذ نوح وعائلته يبنون الفلك يوماً بعد يوم لمدة مئة عام. ولكن نوح لم يحصر نشاطه في البناء فقط، ولكنه بشَّر أيضاً الناس الذين عاشوا في زمنه. وربما قال لهم شيئاً على مثال ذلك:
‘‘اصغوا، فالله قال لي أن احذركم من غضبه! إن الله يغلي غضباً بسبب خطاياكم. وقد قرر الله أن يرسل طوفاناً على الأرض؛ ليهلك كل من يرفض التوبة. لكني أعلن لكم اخباراً سارة أيضاً. إن الله في رحمته أمرني أن ابني فلكاً يكون ملجأً لكل من يتوب عن خطاياه ويؤمن بكلمة الله.’’
وهكذا، راح نوح يحذر الناس بكلمات مختلفة، ويحثهم على أن يرجعوا عن طرقهم الشريرة.

فماذا تظن أنت؟ هل آمن الناس بالكلمة التي أعلنها الله لهم عن طريق نبيه؟
لانستطيع أن نجيب على هذا السؤال الآن، لأن وقت البرنامج قد انتهى. ولكن في الحلقة المقبلة بمشيئة الله، سوف نكمل قصة النبي نوح، ونرى كيف أبقى الله كل من آمن بكلمته، وكيف أدان الذين لم يؤمنوا بكلمته، وأهلكهم بالطوفان.

أصدقاءنا المستمعين ..
فليبارككم الله وانتم تتأملون فيما قرأناه اليوم من كلمة الله:
‘‘لايتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قومٌ التباطؤَ؛ لكنه يتأنى علينا. وهو لايشاء أن يهلك أناساً، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة.’’ (2بطرس 9:3).
 

ــــــــــــ

 

الدرس الرابع عشر | فهرس دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية