فيما كان أحد الخطباء ينهي حديثه في احدى
الساحات العامة استوقفه شخص مربثا على ذراعه ، وحين استدار رأى رجلا يدل مظهره وزي
لباسه على أنه من ابناء الريف ، وقد طلب من الخطيب بلجاجة لكي يسمع له بمخاطبة
الحاضرين بكلمة ، يروي فيها قصة هدايته التي حدثت قبل أسابيع ، تردد الخطيب في بادئ
الأمر، وهو يعلم كثرة عدد المنتقدين، ومن جهة أخرى خشي ان يفسد هذا الرجل الريفي
ذلك التأثير الذي اجتهد الخطيب غرسه في سامعيه، على أي حال ولكثرة الحاح الرجل ،
ولأنه لم يطلب سوى دقائق قليلة ، قال له الخطيب أن بإمكانه ان يقف على المنصة ويقول
ما في باله ، فوقف الرجل وتكلم بصوت جهوري وبلكنة ريفية بوجهه الصبوح واسلوبه
المخلص في التعبير، أمَّنا له عدد كبير من المستمعين مسترعياً انتباههم .
واليك قارئي العزيز قصته كما رواها هو – مع محاولتنا لوضع بعض العبارات في صيغة
مقروءة .
ان الرجل الذي كان يتكلم اليكم قبل لحظات سمح لي ان أخبركم بما يجيش في قلبي ،
مخبّرا بما حل به خلال هذه الأسابيع القليلة الماضية : أنا شغيل فقير الحال ، لم
أذهب الى المدرسة طوال حياتي ، فأرجو ان لا تنتقدوا غلطاتي النحوية ، وان تقبلوا
بصدر رحب اسلوبي البسيط في التعبير، وتسمحوا لي أن أخبركم كيف خلَّص الرب نفسي ،
كنت احرث ارض سيدي وهي تقع خلف الطريق العام . وفيما كنت اجلس لآكل خبزتي مع قطعة
الجبن مقابل السياج ، والحصانان يقفان على آخر الثلم ، رأيت رجلاً ينحني فوق
البوابة ويتفرس في داخل البستان ، وفي تلك اللحظة رآني فدخل في تلك البوابة وجاء
الى حيث كنت اجلس . وبدون اي مقدمات بادرني بقوله: انه يوم جميل ، فقلت: بنعمة الله
انه كذلك. وهكذا نقول دائما بالريف دون أن نفكر بالله بتاتاً ، على اي حال فاجئني
بسؤال عنيف رغم انه وجهه بصوت لطيف قائلاً لي : هل اختبرت نعمة الله في خلاص نفسك ؟
وهذا السؤال هزَّني فعدلت جلستي وقلت: طبعاً نحن جميعاً نريد أن نخلص ونرجو ان نحصل
على ذلك قبل أن نموت.
بعد ذلك تكلم معي مطولاً ، لم اسمع مثل ذلك الكلام من قبل ، وهو عن الولادة الجديدة
وكل ما يتعلّق بها . وقبل ان يتركني ويذهب تناول كتاباً من حقيبته وقال لي: أريد أن
اعطيك هذا / وأريدك ان تقرأ هذا الموضوع الذي ثنيت الورقة عنده ، شكرته من كل قلبي
، ولكني قلت له انني لم اذهب الى المدرسة ولا مرة طوال حياتي ولم أتعلّم القراءة
بالمرة. فقال لي لا بأس ، هذا لا يهم كثيراً أطلب من أي شخص تقابله ممن يجيدون
القراءة أن يقرأ لك هذا الموضوع ، وهكذا ترك الكتاب معي ، ولم أعد اراه منذ ذلك
الحين .
مضت فترة فصيرة وأنا جالس على المقعد بجانب الطريق ، في دوامة من كثرة التفكير بما
سمعته وفكري مشوش للغاية ، واذ بي اسمع خطوات صبي عائد من المدرسة الى البيت ، وهو
يصفّر بعض الألحان لوحده . فكرت في نفسي ، هذا الصبي قد ينفع ! وهكذا ناديته: أيها
الصبي تعال الى هنا ! فجأء ، وطلبت منه ان يجلس بجانبي ويقرأ لي من الكتاب الذي
أعطاني اياه أحد المارّة من هناك قبل قليل .
سألته أتعرف القراءة ؟ نعم أعرف ، وأعرف ان اكتب اسمي ايضاً . فجلس يقرأ وأنا أصغي
اليه بكل جوارحي . قرأ عن رجل جاء الى يسوع ليلاً ، ولا اذكر ان أي شيء استحوذ على
تفكيري من قبل مثل هذه الكلمات . لقد اعتدت ان اسمع مواعظ تضم جملاً طويلة حلوة ،
لكن هذه الكلمات وصلت الى اعماق كياني . ولقد تلعثمت بل خانني النطق حين قرأ عن
الولادة الجديدة، لأن هذا ما كان ذلك الرجل يقوله لي قبل حين . بعدها لم أعد أنتبه
الى ما كان يقرأ لفترة وجيزة ، اذ شرد ذهني وانا اقول لنفسي : ما لم يولد الإنسان
من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله ، فانا الآن اريد أن اذهب الى السماء ، وكنت
دائما أفكر أنه ان فعل الإنسان أقصى جهده ، ولم يأكل حراماً وأحب جاره، فلن يبقى
عليه شيء ! انه بكل تأكيد سيذهب الى السماء في النهاية ، لكن هذه حيّرتني وبددت
أفكاري - الولادة من فوق- كنت متأكد من أنني لم أكن كذلك ، مع انني لم أفهم معناها
تماماً . كنت أعرف انني يجب ان أكون بخلاف ما أنا فيه ، لكن هذه ظهرت وكانها شيء
أعلى مني ، ولا تعني ان اكون مختلفا في ذاني ، بل بخلاف ارادتي كلية ، شيء من
السماء . وبقيت افكر بهذه الأفكار دون أن أدرك معناها ، بعدها انتبهت الى الولد
الذي ما زال يقرأ ، والكلمات التي قرأها جعلت قلبي يقفز من مكانه بشعور غريب وكأني
وجدت ظالتي أخيراً ، ومع ذلك لم أجدها ، وكنت أخاف من فقدانها . فطلبت منه ان يتوقف
عن متابعة القراءة ، ويعيد قراءة تلك الفقرة الأخيرة مرة أخرى.
حين عاود القراءة كان ما قرأه هو العدد 16 – ابتدأ النور يشع في قلبي ، وفكرت ان
هذا هو معنى الولادة من فوق ، هذا يفسرها . أنا أعلم الان ان روح الله القدوس في
تلك الكلمات . "لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من
يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.” (يوحنا 3: 16).
ومع ذلك لم استطع الإعتقاد ولو جزئياً أن تلك الآيه لي . كما انه توجد كلمة كانت
تظهر لي وكأنها مفتاح الآية ولم استطع ان أفهمها ، وهكذا سألت الصبي ، أتقدر ان
تقول لي ما معنى هاتين الكلمتين : كل من ، الموجودة هنا ؟ لكنه ظهر ان معرفته
محدودة كمعرفتي ، فتطلع هنا وهناك ، كما يفعل أولاد المدارس ، لكنه لم يستطع رؤية
المعنى في أي مكان ، بعدها قال : لا أقدر أن اخبرك معناها ، لأني لا اعرفه . لكني
لم أيأس كنت مهتماً بالأمر جداً ، وهكذا شجعته على التفكير من جديد . أنت تلميذ
نابغة ، وبإمكانك كتابة اسمك لوحدك ، أنك بكل تأكيد تعرف معنى هذه الكلمة . قال: لا
أعلم ، إلا إذا كانت تعني أنت ، أنا أو أي شخص آخر
حسناً ، قلت له , لماذا لم تقل لي ذلك من الأول . بإمكاني ان افهم هذه بسهولة .
الآن اقرأ الفقرة مرة أخرى ، من فضلك ، وضع هذه الكلمات بدل هاتين الكلمتين . وهكذا
بكل تأن أعاد قراءة الفقرة ،"لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا
يهلك
أنت ، أنا أو أي شخص آخر يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.” (يوحنا 3:
16)
رفعت قلبي وشكر الله في تلك اللحظة بالذات على رحمة عظيمة كهذه نحو خاطئ مثلي .
محبته كانت عظيمة جداً وتلك الكلمات وضحت لدرجة انها أصبحت لي أنا . جعلت الصبي
يكرر الآية مرة تلو الأخرى ، وهو يسير بجانبي فيما كنت أتابع الحراثة الى ان حفظت
كلمات الآية بكاملها . بقية بعد ظهر ذلك اليوم كان قلبي يطفر فرحاً فيما كنت ارافق
المحراث جيئة وذهاباً بالثلم ، بقيت اكرر الكلمات لوحدي ، في كل مرة كنت أحصل على
المزيد من فهم المعنى أكثر من الأول .
الآن ان اردتم ان تذهبوا الى الريف وتسألوا عني ، فكل ما ينبغي ان تسألوا عنه أين
يسكن كل من لأن ذلك هو اللقب الذي لقبوني به منذ ذلك اليوم ، وحتى الأطفال الصغار
يصرخون حين أمر بهم هذا كل من : ان كل من العجوز هناك .
لكني لا ابالي ولا أغضب من ذلك بل بالحري أنا افرح لأنني في الجانب الرابح ، وأرجو
انكم أنتم كلكم من تسمعوني الآن تأخذون أماكنكم كواحد من كل من هذه ، وإلا فستكونون
حتماً في عداد كل من الأخرى المذكورة في سفر الرؤيا 20: 15 (و كل من أنت ، أنا أو
أي شخص آخر ، لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار ! ) آه ، يا صديقي
اسأل نفسك بين من من الاثنتين أنا الآن ؟
والآن أسألك أيها القارئ العزيز ، وأنت من أي كل من أو الى أي كل من تنتسب ، كل من
يؤمن ، أم كل من لم يوجد ؟ قرر ذلك الآن ولا تؤجل الى ما بعد .