أين المشتكون عليكِ
أنني اذكر المرة الاولى التي التقيت فيها بيسوع ، في وسط عاري وخزيي . حينما أمسكت
بالزنى "بذات الفعل" لقد دفعني الجمهور اليه بالأيادي والأرجل، وكانوا يصرخون بما
يوقعه ناموس موسى من عقاب على من يقترفون جريمة الزنى: ألا وهو الرجم بالحجارة حتى
الموت . لم يكن يهمني كثيراً لو قتلوني . كانوا أشبه بمجموعة من الذئاب الجائعة وهي
تنقض على فرسيتها .
وهكذا ، ساقوني الى هذا النبي القدوس ليحاكمني . أن مجرد التفكير بذلك يقلب معدتي
... ها رجل متكبّر ، متغطرس ببره الذاتي ، يشير إليَّ باصبع الإدانة . كل هذه
التصورات جعلتني أكره هذا الذي يدعونه يسوع حتى قبل أن أراه.
كنت قد سمعت الكثير عن هذا الرجل ، يسوع ، لقد اتهمه الكثيرون من الناس بانه ليس
اكثر من مختل يحسب نفسه مساوياً لله . حتى اني سمعت أحدهم يصفه بأنه مُضِلْ ولكن
...
رأيت أتباعه . شاهدتهم عن بعد . لم يكونوا مثل الفريسيين بالمرة ، ولا كغيرهم من
الزعماء الدينيين ، لقد كان ثمة شيء ما يُميّزهم عن سواهم في تصرفاتهم ومعاملاتهم
بعضهم لبعض . كان الإرتياح والقناعة باديين على ملامحهم . لم أراقبهم كفاية على أي
حال ، ربما لأني كنت خائفة ، ولم أكن راغبة في ان ينتبهوا الى وجودي ، وشعرت
بالإرتباك حينما كانوا على مقربة مني . هذا بالإضافة على تضارب الأراء التي سمعتها
عن يسوع . في الحقيقية لم يكن يهمني أمره ومن هو . فماذا كان يعني مثل هذا بالنسبة
لي ؟
وها انا حيث انا ، لقد حسبت انه ما من جواب لأي من تساؤلاتي التي تملأ قلبي . لقد
كنت مستعبدة مكبلة بالأغلال لسنوات عديدة . وشعور الفراغ والوحدة تكاثر وتراكم علي
مر السنين . لقد أدانني الناس بسبب أعمالي إلا أنني أدنت نفسي أكثر منهم .
صرخوا عليَّ وركلوني ودفعوني ، وأصواتهم القوية المتعالية صمّت أذناي ، وانتابني
شعور بأني واقع في شرك الغم والحزن العميق .
ها هو الحاكم ، يسوع الذي سيصدر حكم ادانتي . لقد هدأ ضجيج الشعب بعض الشيء ، ثم
تكلم أحدهم واصفاً ليسوع ما اقترفت . وبلهجة النصر والإستعلاء سأل يسوع عمّا يجب ان
يُفعل بي . ويظهر انه كان متأكدا من الجواب الذي توقع سماعه . وكانت نظراتي الى هذه
اللحظة منكسة نحو الأرض . وانا مرتعبة ومتعبة منهكة القوى ، وسيطر الهدوء بصمت رهيب
متوتر على المشتكين من صدوقيين وفريسيين وعامة الذين ساقوني بعجرفة واحتقار الى هذا
المأزق وهذه المحكمة . وهنا تجرأت على رفع وجهي قليلاً لأنظر الى يسوع .
يسوع هذا ، لم يكن فيه شيء من الذي توقعته ، وما الذي رأيته في وجه أتباعه إلا
انعكاساً طفيفياً لشخصية هذا الرجل ! وبينما المشتكون عليَّ ينتظرون جواباً ، انحنى
يسوع وكأنه يفكر بشيء ما لا يمت الى مسألتي بصلة ، وأخذ يكتب على الأرض .
استمر جو الهدوء ، بعد لحظات من الصمت ، توقف السيد عن الكتابة على الأرض وانتصب
موجها بصره نحونا جميعاً . متكلماً بتواضع وهدوء عجيبين ، حتى تردد صدى كلماته في
ذهني وجلجل في كياني : من منكم بلا خطية ، فليرمها أولاً بحجر.
وبعد ان نطق بهذا انحنى ثانية وتابع الكتابة ، وكان يعلم ماذا سيحدث بعدئذٍ .
تجمّدت وتهت في زحمة الأفكار التي هاجمتني فجأة ، كنت غير مصدّقة لما أرى ولما يحدث
أمامي وحولي عندما رأيت المشتكين ينسحبون الواحد تلو الاخر ، من الكبار الى الصغار
... ولما ذهبوا بدأت ادرك ما جرى ، لقد فهمت .
ولما لم يبقَ احد منهم ، توقف يسوع عن الكتابة وانتصب قائماً . ونظر اليَّ ، انطبعت
تلك النظرة في أعماقي وفي قلبي ، حتى انني لن انسى التعابير الواضحة في ملامح وجهه
الحنون عندما سألني : "أين هم المشتكون عليك ؟ ألم يدينك أحد ؟ "
كلا يا رب ! لم يبقّ أحد منهم ليدينني .
"ولا انا أدينك قال يسوع ، اذهبي ولا تخطئي فيما بعد !"
يسوع ابن الله الحي نظر الى أفق أبعد من آفاق الظلمة والخطية التي كبلت روحي
واستعبدتني ، لقد أحبني وأكثر من هذا أحب الذين اشتكوا عليَّ ايضاً .
يسوع ، بغنى نعمته ، وصل اليَّ انا ، ولمسني برأفته. ومن تلك اللحظة علمت بانني قد
تغيّرت ولم أعد كما كنت ، بغفرانه هذا حصلت على حياة جديدة .