اهمية توزيع النبذ
كان من عادة احد المؤمنين الأفاضل ان يغلق دكانه في اليوم الأول من كل اسبوع . وكان في الصباح يذهب ليعبد الله ولكنه بعد الظهر كان يخرج الى الشوارع ليوزع نبذاً. واذ شعر في احد أيام الرب بعد الظهر بتعب دخل الى مكتبته وكان امامه فوقها مقدار من النبذ . وبينما كان المطر ينهمر سمع خطوات خفيفة ، وبعدها فُتح باب المكتبة ودخل ابنه البالغ من العمر احدى عشرة سنة . واذ رأى والده في المكتبة سأله باستغراب "لماذا يا أبي لم تذهب لتوزع نبذاً اليوم كعادتك ؟"
اجاب الأب "لان المطر شديد"
سأل الولد "ألا يخلّص الله يا أبي الناس اذا كان المطر نازلاً ؟"
فأجاب الوالد بتأثر "عندما يكون المطر شديداً يقل سير الناس في الشوارع . فضلاً عن ذلك فاني متعب لا استطيع الخروج".
"
هل تسمح لي يا أبي ان اذهب بدلاً عنك ؟""
الرب يبارك اغراضك السامية يا ابني. عندما تكبر يمكن ان تواصل عمل أبيك" ولكن الابن لم يكتف بذلك بل قال "أريد أن اذهب الآن" . ان قلبه كان مملوءاً بالنشاط والرغبة في العمل ."
ليس من المناسب يا ابني ان تخرج والمطر يتساقط بهذا المقدار""
ماذا يهم ان كنت البس رداء المطر وآخذ معي المظلة ؟" قال هذا وانتظر في صمت جواب ابيه ، فلما رأى موافقته جرى واستحضر معطف المطر والمظلة ورجع، ثم طلب من ابيه ان يعطيه كمية من النبذ .واذ رأى الوالد شوق الابن ونشاطه ناوله قليلاً من النبذ ونصحه بان يتصرف فيها بحكمة ، وان يرجع على الفور عند ما ينتهي من التوزيع . خرج الولد والسرور يملأ قبه الى احد الشوارع وكانت الأمطار تتساقط والشارع خالي من المارة . انتظر طويلاً قبل ان يوزع أية نبذة . كان الليل قد اقترب ولا يزال المطر يتساقط ولا يوجد في الشارع اشخاص بالمرة.
كان امر الوالد ان يرجع بعد ان ينتهي من توزيع النبذ ، وقد شعر الولد انه لو كان ابوه محله لاستمر مهما كانت الحالة ولم يرجع حتى ينتهي من توزيع كل النبذ . ذهب الولد الى شارع آخر ولكنه ايضاً كان الشخص الوحيد في الشارع . فكّر فيما يصنع بالنبذ واخيراً خطر بباله فكر جميل وقال في نفسه "ان كان الناس لم يأتوا اليَّ فاني اذهب اليهم" وبخطوات واسعة أخذ ينتقل من بيت الى بيت ويطرق الابواب وكل من فتح له كان يسلمه احدى النبذ.
ولما بقيت نبذة واحدة قرع على احدى الابواب لإعطاء النبذة لمن يجده في المنزل ، فسمع صوتاً من الداخل يقول : "من يقرع على الباب ؟" فانتظر قليلاً ولكن اذ لم يفتح الباب تشجع وقرع مرة أخرى .
لم يحصل في هذه المرة ايضاً غير ما حدث في المرتين السابقتين اذ سمع نفس العبارة "من يقرع على الباب؟" دون ان يتقدم احد ليفتح له الباب . واذ اعتراه القلق بدأ يقرع قرعاً مستمراً وبصوت يتزايد علواً حتى فتح الباب ، واذ بسيدة عجوز تعلوها الكآبة والحزن تقف امامه . وبابتسامة لطيفة وبكل احترام قال لها الولد "يا سيدتي سامحيني لاني قرعت بشدة باب بيتكِ. ولكني فعلت ذلك لاني اتيت برسالة خاصة لك من الله" ثم ناولها النبذة، فاجابته "شكراً لك" ثم تركها الولد ومضى ، محيياً إياها.
وفي مساء يوم الاحد التالي ، كان والده يعض بعض الاشخاص في احدى الشوارع عند توزيعه النبذ كعادته ، واتى ابنه معه لكي يعرف كيف يعمل والده العمل حتى يتمثل به ، وبعد ان انتهى والده من الكلام قامت سيدة عجوز ونور السماء ينعكس على وجهها وشكرت الله بصوت عال ثم قالت "اشكر الله ، لقد ارسل ملاكاً صغيراً يرشدني الى طريق الخلاص ولو لم يفعل ذلك لكنت يوم الاحد الماضي ، في وحدتي وفقري وبأسي العظيم ، قد انهيت حياتي. انه كان يوماً ممطراً وقد بلغ الحزن مني منتهاه اذ فقدت زوجي وابني ، وبعد صراع عنيف تملكني اليأس والشعور بعدم امكاني ان اعيش بعد ذلك ، فعزمت على ان اشنق نفسي، واذ كنت على وشك القيام بهذا الامر سمعت فجأة قرعاً على الباب، ولكني لم اتحرك اذ عزمت على الانتظار لحظة حتى يترك هذا الشخص باب منزلي ثم اشنق نفسي ، ولكن القرع استمر واخذ يتزايد حتى اضطرني الى فتح الباب ، ففتحته ورأيت امامي ملاكاً باسم الوجه قد سلمني نبذة، واذ نظر الى هذه النبذة علمت ان الله لم يتركني ؛ فلم استطع تحت تأثير شعوري بمحبته الإلهية ان امنع عيني من الدموع ، واعترفت بخطيتي وسألته الصفح والغفران . وشكراً لله لأنه بنعمته قد خلَّصني !! واذ سمع الولد هذا الكلام همس في اذن ابيه قائلاً "هذه المرأة هي التي سلمتها آخر نبذة كانت معي" وقد علم الوالد بهذا ان الله هو الذي جعل ابنه يلح في اخذ النبذ وتوزيعها نيابة عنه.
كم من نتائج مباركة تنتج عن هذا العمل البسيط الجليل توزيع النبذ.
ليت كل قارئ يعير بنعمة الله هذا العمل ما يستحقه من تقدير ، فيقوم بهذه الخدمة في كل فرصة ممكنة بالطريقة التي يرشده اليها الله.