ردٌ على بعض الادعاءات
تحت عنوان"تناقضات وأغلاط في التوراة والانجيل"
بقلم د.جورج رشيد خوري
لقد جاءتني رسالة من صديقٍ يطلب مني ان اجيب على انتقاداتٍ وافتراءاتٍ على كتاب الله. تحت عنوان "تناقضات واغلاط في التوراة والانجيل" يقرب عددها من 400 انتقادا وافتراء. مكتوبة علىما يقرب من 45 صفحة من صفحات الكومبيتر. وقد رأيت ان لا بد لي من ان اجاوب على ما قد أراه مناسبا منها, لعلَّ هناك افادة لصاحب الرسالة والقاري الكريم ايضا.
الانتقاد الاول- يكتب صديقنا : سفر التكوين 1: 3-5خلق الله النور والليل والنهار في اليوم الاول. تناقض سفر التكوين 1 :14خلق النور في اليوم الرابع.
ولقد اجبت على هذا الانتقاد في مقالة على ال
web . تحت عنوان "النور والاشعة الكونية".اعتراض آخر-سفر التكوين الاصحاح1:14-19القمر يضيء.تناقض سفر ايوب الاصحاح 25 :5 القمر لا يضيء.
ان المسلم الغيور لإسلامه يا صديقي ويريد ان يجابه المسيحية وكتبها, عليه بقراءة كتابه القرآن اولا عندها,كما أظن, سوف لا يعود هذا الانسان لمجابهة كتب الله مرة أخرى. او حتى لمجادلة اهلها الا بالتي هي احسن. إذ يجد في القرآن قوله: ولا تجادلوا اهل الكتاب إلا بالتي هي احسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد وإنا له مسلمون (راجع سورة العنكبوت46). فان الله سبحانه, قد اقام اهل الكتاب وكتابهم المنير, انوارا للناس في ظلمات هذا العالم, ومرجعا للمؤمنين به وما يكتبونه. فقد جاء في القرآن نصيحة الى رسول العرب ومن خلاله لكل مسلم غيور على اسلامه قوله: "ان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك. لقد جاءك الحق من ربك فلا تكوننَّ من الممترين. ولا تكوننَّ من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين", سورة يونس (94و95). وقوله ايضا: "وما ارسلنا قبلك الا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". سورة الانبياء (6).
هذا والظاهر من رسالتك يا اخي انك لم تقرأ كتابك من قبل. فانك لو فعلت لكنت اكثر احتراما لكتب الله التي يقدسها القرآن والعالم بأجمعه. فعوضا عن مهاجمتك لها على هذا الشكل الغير لائق, كنت على الاقل, طلبت جوابا لسؤالٍ تستفيد منه انت والقاريء معا. فان رسالتك هذه قد جاءت تهجم سافر على كتب الله دون سبب. وأبَنت فيها عدم احترامك للقيم الدينية التي تدافع عنها سامحك الله. فإن المسلم الصحيح هو من سلم قلبه لله وسلم الناس من شره ولسانه. وقد رأيت بنعمة الله ان ارد على ما أراه مناسبا من رسالتك الطويلة التي ارسلتها. وارجو المعذرة ان كان جوابي هذا ايضا سيطول قليلا لافادتك والذين يقرؤن هذه الصفحات ايضا.
الرجاء ان تقرأ كتاب شخصية المسيح في التوراة والانجيل والقرآن على الweb.واقرأ ايضا النور والاشعة الكونية,ربما ترىجوابا على لماذا خلق الله النور في اليوم الاول , وفي اليوم الرابع عمل الله الشمس والقمر والنجوم كما جاء في بداية رسالتك.وان الآية في (تك16:1) التي اعلنت عليها حربا شعواء يا صديقي, لم يكتب فيها رجل الله موسى ان القمر يضيء كما كتبت في رسالتك. فاننا نقرأ لموسى ما يلي: "فعمل الله النورين العظيمين. النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغرلحكم الليل".
فان ماكتبه رجل الله موسى يا صديقي هو عين الصواب. فان القمركان ولم يزل لحكم الليل . فهوكوكب صغير ليس فيه ضوء البتة, بل يستمد ضوءه الضعيف من النور الاكبر ليحكم به على ظلام الليل,كما كتب موسى. لذا كتب موسى ان الله قد عملهما سوية. لان أحدهم لا يستغني عن الاخر لإضاءة النهار والليل معا, حسب قصد الله الخالق سبحانه.
ونقرأ ايضا ما كتبه ايوب العربي, والكلام هو لبلدد الشوحي صديق ايوب العربي, ردا على ايوب بجعله نفسه بارا امام بر الله وطهارته وقد اتهمه بعدم الشفقة ( راجع ص23و24) . فيقول: "هوصانع السلام في اعاليه.هل من عدد لجنوده"-اي لانواره-"وعلى من لا يشرق نوره فكيف يتبرر الانسان عند الله وكيف يزكو مولود المرأة هوذا نفس القمر لا يضيء. والكواكب غير نقية في عينيه. فكم بالحري الانسان الرمة وابن آدم الدود".ففي هذه العبارات يا اخي, لم نقرأ عن أية مناقضة واغلاط, لما كتبه رجل الله موسى,تثير غضبكم على كتب الله وأنبياءه كما جاء في رسالتكم.
كل ما في الأمر يا صديقي أو يا اصدقائي هو ان صديق ايوب, حاول الدفاع عن طهارة الله ونقاوته,وإنها لا تقابل بالمدعوة اقمارا وانوارا وكواكب. وليس لأيوب او لغيره من البشر, ان يضع بره الذاتي امام بر الله ونقاوته. ومن الوجهة الثانية فان موسىكتب عن الخليقة قبل معصيةآدم في جنة عدن, فإذا بها حسنة. وأيوب كتب بدوره عن الخليقة بعد ان لعنها الله بسبب معصيته واختفاء نورها وجمالها من امام عيني الله. على هذا النحو يرى الانبياء ويتكلموا.
هذا ولا تنسى يا أخي ان للأنبياء طرقهم الخاصة, لإيصال اعلانات الله للبشر. فكثيرا ما يستعيرون من الطبيعة رموزهم. فيأخذون مثلاً من الشموس والكواكب انوارها, ومن الصخور قساوتها, ومن الحيوانات المفترسة شراستها والاليفة طاعتها, ذلك لنقل الحقائق الالهية الى لغة البشر. وهذا من حقوقهم.فان اللغات القديمة التي كُتِبت فيها الكتب المقدسة, من سريانية وعبرانية وأرامية وغيرها, هي لغة الاشعار والمزامير والالحان والسجع .كما القرآن في اللغة العربية ايضا. فان هؤلاء الانبياء الذين اختارهم الله من شعوب معينة, وبلاد وثقافات مختلفة طيلت اجيال هذا عددها,كان لا بد من وقوع بعض الفورارق في الاصطلاح والتعبير والترجمة, خصوصا في التوراة البعيدة المدى, وهي أول كتاب اوحي من الله للبشر. لهذا دعيت في القرآن بأم الكتاب.
وان رسول العرب يا صديقي قد شهد لهذين المرجعين التوراة والانجيل, وما يحتويان من كتب منزلة عددها (66) كتابا, دون الالتفات الى ما تدعوه مع جماعتك تناقضات وأغلاط قصصية نحوية إملائية وغيرها.كان لا بد ان تحدث على مدى السنين, من جيل الى آخر. في ترجمات عدة من لغة الى اخرى .كما نرىكثيرا منها في القرآن ايضا. تختلف من آية الى آية, ومن سورة الى سورة. بين مكية ومدنية. ونقرأ ان هناك في القرآن نسخا ومنسوخا.فيقولون مثلا ان الآية القائلة : "ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين.من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرٌ عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (سورة البقرة161), هي منسوخة بأية: "ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (ال عمران85). وإن الآية "لا اكراه في الدين" (سورة البقرة 256), هي منسوخة بالآية :"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"(التوبة29). وآية: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" (البقرة 219), منسوخة بقوله: "إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" (المائدة90). ومن ذلك ايضا قوله في صورة الرعد: "يمحو الله ما يشاء ويشبت". وقوله في صورة البقرة: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها". وقد صرح المفسرون ان هذه الآيات جميعها قد نزلت ردا على طعن اليهود والمشركين في الاسلام بقولهم :"الا ترون محمدا يأمر اصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه".وقوله ايضا في سورة النحل 101) "واذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون". وفد قال كفار قريش بعد قسم بالله : "ما محمد الَّا يسخر باصحابه. اليوم يأمر وغدا ينهي وانه لا يقول هذه الاشياء الا من عند نفسه". والى ما هنالك من اقوال متقدمة واقوال متأخرة لا يجوز تقويلها على هذا النحو, في الكتب الداعية الى الله. فانه كتاب واحد لرسول واحد.فكم بالحري يكون مصير 66كتابا لمدة خمسة الاف سنة.
ونقرأ ايضا عن اختلافات كبيرة بين القرآن والتوراة والانجيل, في ما ورد فيهما من قصصٍ واخبار واسماءٍ وحقائق. فاننا لم نتعرض للقرآن عندما دعى مريم العذراء مريم بنت عمران واخت هارون, بينما هي ابنة هالي من نسل يهوذا. ولا تمت بأية صلة الى موسى وهرون واخت هارون منذ اجيال. ولم نتعرض للقرآن ايضا فيما كتب من قصص واخبارتختلف كليا عن مصدرها الحقيقي في التوراة والانجيل.
فان الله يا صديقي سوف لا يديننا على ما كتبه انبياءه بارشاده. بل انه سيديننا حتمَا على ما أمرنا به في كتب انبياءه, فنستخف به ولا نطيعه ونحيا بموجبه.
فقد أمر محمد بالرجوع الى هذين المرجعين, التوراة والانجيل, في كل أمر يتعلق بالحياة الروحية والادبية المقدسة أمام الله. اما المتعصبين من مفسري الشريعة يا صديقي, وانتم على ما أرى اناسا منهم, فقد تغافلوا عن أوامر رسولهم والقيام بها. فاننا نقرأ في القرآن قوله:"ان تقولوا انما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين"سورة الانعام (156) .فقد غفلتم يا صديقي عن دراسة هذه الكتب المنزلة الجامعة للأنبياء وكتبهم وعددها66كتابا. فقد عصيتم أمر الله ورسوله يا صديقي وكفرتم بها. فقد جاء في القرآن قوله : "ومن يكفر بالله وملائكته وكُتُبِهِ ورسلهِ واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً "(سورة النساء 136). وقوله ايضا: "آمَنَ الرسول بما أُنزل اليه من ربه, والمؤمنون من آمَنَ بالله وملائكته وكتبه". فعوضا من ان تقوموا بها اتهمتوها بالتحريف والتحويل والتبديل. مع انه مكتوب في سورة الاسراء (77) :"سنَّة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا". وفي سورة الفتح(22) مكتوب ايضا: "سنة الله التي قد خلت ولن تجد لسنة الله تبديلا". وسورة فاطر (43) بدورها تشهد أكثر لهذا الامر فتقول: "فهل ينظرون الى سنَّةِ الاولين ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً". وفي سورة يونس64 "لا تبديل لكلمات الله". وفي سورة الانبياء 6: "وما ارسلنا قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". هذا ما كتبه لكم الرسول الكريم في القرآن وانتم بدوركم تصرون على القول. ان كتب الله محرفة وسوف لا نؤمن بها ونقوم بموجبها. ولا يوجد لله كثرة من الكتب بل كتابا واحدا اسمه القرآن.
فان التوراة والانجيل, وما يحتويان من كتب عددها 66,كتابا هي كتب الله يا اصدفائي, ولم تتغير. ولم ولن تتبدَّل. ولم ولن تتحوَّل او تتحرَّف البتة. السبب الوحيد أنها كتب الله سبحانه. "وهو ساهر على كلمته ليجريها. ولا يمكن لله ان يسمح لأيٍ من البشر اطلاقاً يهوديٍّ كان او مسيحي او جنيّ التلاعبَ في كتبهِ. حاشا لله. ذلك لانه الاله القادر على كل شيء. وعيناه تجولان في كل الارض لتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه. راجع كتاب الانبياء ("( ارميا12:1)2أخ9:16وزك10:4)الخ.
لكن بما ان قرَّاء الكتب قد بعدوا بعيداً عن القرآن, وعن كتب الله التي سبقت القرآن, فقد نسوا او تناسوا اذا صح التعبير,"كيف يتدبرون القرآن" لكي يكون متفقا مع نفسه وبين سوره وآياته, من ثم مع الكتب التي شهد لها انها كتب الله. لذا نسمع القرآن يصرخ من قرَّاءه وعلمائه. ولسان حاله يردد ويقول: "افلا يتدبرون القرآن ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا .سورة النساء (82).هذا. لانه عندما يُفصَلُ القرآن عن جزوره في التوراة والانجيل التي شهد لها انها كتب الله, فان ذلك يودي بالضرورة الى سوء فهمه. وتفسيره.خصوصاً وانه لم يترك ظرفاً مناسباً الا وشهد لهذين المرجعين القديمين التوراة والانجيل.
واننا كثيراً ما نسمع القرآن يردد قوله:"ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون" .سورة المائدة (44 و47) الخ. وقد جاء في التوراة والانجيل تحذيرات مماثلة لرجال الدين وغيرهم من المسؤلين ايضا حتى لا يُضاف او يُحذف شيء من كتب الله, كقول موسىكليم الله:"كل الكلام الذي اوصيكم به احرصوا لتعملوه.لا تزد عليه ولا تنقص منه"(تث 32:12). اوكقول سليمان:"كل كلمة من الله نقية. ترس هو للمحتمين به.لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذَّب" (ام6:30).او كقول رسول المسيح يوحنا في نهاية الانجيل: "ان كان احد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وان كان احد يحذف من اقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب".إذا من يجرء على تحريف كتب الله او تبديلها.أو نسخها.
ولا يغرب عن البال ان الكتاب المقدس المشهود له من الله وانبيائه, والقرآن ذاته والتاريخ, قد ظهر قبل القرآن بمئات السنين, بل الوفها.ومن كتبةٍ عديدين في لغات عديدة. وعصورٍ مديدة. وقد ترجم الى جميع لغات العالم قبل المسيح وبعده. منها الآرامية والبابلية والاشورية واليونانية والفارسية والعربية. هذا عدا اللهجات التي خرجت بعدئذ منها. وقد نشر في المسكونة كلها, بحسب أوامر الرب الذي أمر تلاميذه قائلا: "امضوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها من آمن واعتمد خلص ومن لا يؤمن يدان" (راجع الانجيل مرقس فصل (16). ومتى فصل (28). وقد انتشرت المسيحية وكتبها في الامبراطورية الرومانية من اقصاها الى اقصاها, وقدكانت تلقب في ذلك الحين بالدولة المسكونية (راجع الانجيل لو1:2). وكنت ترى المؤتمرات والمجامع المسيحية تعقد لأدنى الاسباب وتترأسها الملوك والاباطرة . ربما من اجل كلمة قيلت من اسقف او مسؤول. يُظن انها تخالف المكتوب ولا تتلائم مع الايمان المسلم مرة الى القديسين. فكانت تعقد المجامع, وتبحث الكلمة على نوركلمة الله المكتوبة بارشاد الروح القدس. والامر للمسيحيين في الانجيل هو: "ان لا يفتكروا فوق ما هو مكتوب" (راجع الانجيل1كو6:4).وقد انذر رسول المسيح بقوله: ان كان احد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن اناثيما.أفأستعطف الآن الناس أم الله.أم أطلب ان ارضي الناس.فلو كنت بعد ارضي الناس لم اكن عبدا للمسيح(راجع غلا6:1-10). وكان البحث في المجامع يستمر اياما وشهورا, الى ان يصلوا الى النتيجة المتوخاة. وهكذا نرى اليوم مع كل اختلاف النظريات وتعدد الطوائف من يهودية ومسيحية وبدعها, فانك ترى الكتاب المقدس على مر السنين هو هو. لا يتبدل ولا يتغير او يتحرف في كلا العهدين اليهودي والمسيحي. فانه من المستبعد جدا وغير المعقول ان يتم جمعه وتحريفه,كما يفترى عليه. ولايعقل قطعا ان الرسول العربي يشهد لكتاب انه من عند الله, وانه الكتاب المنير. ويدعوه القرآن, والفرقان,والكتاب المنير وهومحرفٌ لا سمح الله. يقول في سورة البقرة (53) "واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون".لاحظوا معي ال التعريف.فلم يقل هنا واذ آتينا موسى كتابا وفرقانا بل: "واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون".
وفي سورة الاحقاف (28-30) يقول "واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قُضِيَ ولّوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً أُنزِلَ من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم , يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به, يغفر لكم من ذنوبكم ويَجِرْكُم من عذابٍ اليم".
ان نفراً من الجن , وهذا الصنف من الناس لم يُذكر الا في القرآن فقط. فان الجن كما جاء في كتاب موسى والانبياء هي الأبالسة ذاتها وليسوا بشراً. وقد نهى الرب شعبه من التعامل مع الجن تحت طائلة العقاب بالقتل احيانا(راجع لاويين31:19و6:20). فهذا الصنف من الاحياء قد أرسل الله نفرا منه الى الرسول لكي يستمع الى القرآن الذي أُنزل بعد كتاب موسى كما قرأنا اعلاه, وهو يهدي الى الحق والى طريق مستقيم. ففرحوا به وولوا الى قومهم منذرين. وقالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً أُنزِلَ من بعد موسى يهدي الى الحق والى طريق مستقيم. ياقومنا آمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويَجِرْكُم من عذابٍ اليم".
ان الرسول محمد وصحابته كانوا في كل مناسبة يقرؤن التوراة والانجيل, وقد دعوهما فرقاناً وقرآناً كما مر بنا. كما ان الكتاب المعروف اليوم بهذا الاسم, القرآن,لم يكن بعد قد ظهر بين كتب الله في زمان الرسول. فقد جُمِعَ مؤخراً واصبح كتاباً يعرف بالمصحف , ومن ثم بالقرآن. وحدث هذا بعد ذهاب الرسول الى الرفيق الاعلى بزمنٍ ملحوظ.( وقد جاء في كتاب الاستاذ الحداد الجزء الثاني وجه231قوله : "روى البخاري عن زيد ابن تابت في جمع القرآن بعد وفاة النبي حديثا قال فيه : " أرسَلَ اليَّ ابو بكر بعد مقتل اهل اليمامة, فإذا عمر بن الخطاب عنده. فقال ابو بكر: ان عمر أتاني وقال ان القتل استحَرَّ يوم اليمامة بقراء القرآن. واني اخشى ان يستحرَّ بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن. وارى ان تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ فاقسم عمر بالله العظيم وقال: هوخير!. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري بذلك
…" وعندما كُلِّفَ زيد ابن تابت رسميًّا في جمع القرآن, من قبل ابو بكر وعمر, قال لهما ثانية بعد قَسَمٍ بالله : "كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله" قالوا بعد قَسَمٍ بالعظيم ايضًا: هو خير.وكما يُلاحظ من قراءتنا للقرآن , ان رسول العرب لم يكلف احدا من الصحابة او من أنصاره كتابة قرآناً جديداَ, او يجمعوا له آياتٍ, من التي كان يرددها من كتاب الله بلسانٍ عربيٍ فصيح (راجع سورة الشعراء 189-196).وقد بقيت هذه آيات بينات في صدور الرجال الذين كانوا يحاربون مع الرسول , وقد جُمِعَ بعضها بعد وفاته بوقت ملحوظ. والمعلوم ان زيدًا بن تابت عندما سأله الخلفاء عن حَفَظَة القرآن واين هم؟ قال لهم: لقد مات نصفهم .
وروى عمارة بن غزيَّة حديثاً جاء فيه ان زيدا بن تابت قال: أمَرَني ابو بكر فكتبته في قطع الاديم والعُسُب. فلما هلك ابو بكر, وكان عُمَر كَتَبتُ ذلك في صحيفة واحدة. وطلبوا له اسمًا فأشار ابن مسعود ان يسموه " بالمصحف" لأن الحبشة تسمي الانجيل كذلك, فسمَّاه ابو بكر" المصحف.(نقلا عن كتاب الاستاذ الحداد في جمع الفرآن الجزء الاول ( القرآن والكتاب الجزء الثاني وجه 221)
إلا ان الرسول والصحابة, كانوا يقرأون الكتاب المقدس في كل مناسبة, ويدعونه قرآناً وفرقاناً كما سبق وقرأنا. وان المسيحيين الذين كانوا مع الرسول يسمعونه احيانًا يردد آياتٍ روحيةٍ بلغة عربية فصحى من كتابهم, وربما ملحنة على الطريقة البيزنطية التركية. او السريانية الشرقية بحسب عادة بعض النصارى الى هذا اليوم, كانت دموعهم تتساقط على خدودهم من شدة الفرح. وقد جاء في سورة القصص (48) ان المشركينَ عندما حاجّوه بالكتب وبما اوتي موسىقال لهم الرسول: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين." لقد ذَكَرَ الرسول هنا التوراة والانجيل في صيغة الفرد وصيغة المثنى في وقت واحد. عنى بذلك طبعا انهما كتاب واحد في كتابين. كما ان هذا الكتاب الواحد وهذين الكتابين يحتويان على كُتُبِ الله بكمالها وعددها (66) كتاباً, وهي ان التوراة تحتوي على (37) كتابا والانجيل يحتوي على (29) كتابا لله. لهذا كتب الرسول من يكفر بالله وملائكته وكتبه ...فقد ضل ضلالا بعيدا.(سورة النساء 136).
ان هدف محمدكان ولم يزل, هداية العالم العربي الى غفران الله وكفارته في التوراة والانجيل. وقد اعلنها صريحا.فيقول في سورة (الزخرف2-4): "والكتاب المبين"-بزيادة ال التعريف. عنى به كتاب التوراة والانجيل-"إنَّاجعلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون وإنه في أُم الكتاب لدينا لعلىُّ حكيم". وان ما نراه من روحانية تتخلل القرآن وآياته, مردُّه الى مصدرالقرآن نفسه, الكتاب المبين كتاب موسى والانبياء والانجيل. اول كتاب أُنزل من السماء الى البشر ابتداءا من توراة موسى. فيقول: "تلك آيات الكتاب المبين انَّا أنزلناه قرآنًا عربيا لعلكم تعقلون" ..."ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة" ((سورة يوسف1و2). وهود17)
لم يأتِ رسول العرب لمحاربة, في هذين المرجعين القديمين المحفوظين عنده, التوراة والانجيل, وما يحتويان من كتب مشهود لها من كل ناحية. بل قد جاء ليبسِّطَ للعرب الحقائق الالهية المكتوبة على مدى الاف السنين في لغات تختلف في حضارتها . من عبرانية وارامية وكلدانية ويونانية وغيرها, ليجعلها مستساغة وسهلة الفهم للعرب في لسانهم العربي الفصيح .فان قيمة القرآن الخلاصية, هي في إنه يدا ممدودة تشير لكتب الله وخلاصه وكفارته, التي صنعها لاجل البشر.
وان النقل والترجمة والاقتباس منلغة الى اخرى يا صديقى له حرمته. فعلى من يقوم به ان يكون أمينا في ما يفعله . وهذا ما فعله رسول العرب في حياته. فقد أقتبس من آياته وعلم بها ودل إليها في كل مناسبة. وأنذر بقساوة من يكفر بها بقوله: "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا(سورة النساء آية 136). وقد نادى رسول العرب بكل فخر واعتزاز بهذا الكتاب المبين.
هذا.وعندما نرجع الى سفر التكوين في كتاب موسى, الذي انت تنتقده وتنسب اليه اغلاطا لم ينسبها اليه رسولك, نجد هناك قول الرب لآدم بعد معصيته الكبرى: ملعونة الارض بسببك. بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك"(تك17:3). وإذ نقرأ في سفر ايوب العربي الذي تنتقده دون سبب يا اخي: نجد ان الارض هذه قد سلمت ليد الشرير وان العالم كله قد وضع في الشرير" ((راجع اي24:9) ويو19:5).
فان الارض التي خلقها الله طاهرة نقية, مع ما يختص بها لحياة الانسان الطاهر النقي,قد تلوثت مع الانسان حين تلوث بالذنوب والخطايا.وامست غير طاهرة في عيني الله.
ألم يجيء في القرآن قولا مماثلا لما كتبه موسى في التوراة قوله: "لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين"(راجع سورة التين4). وكتب ايضا: "وعصى آدم ربه فغوى.ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى" (طه120).وقال ايضا:"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم".
هنا يبرز السؤال ايضا: فما هي هذه الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه يا ترى؟ , سوى ان تكون الوعد بالكفارة بنسل المرأة كما كتب موسى(راجع تكوين 15:3) الخ. بدفع الثمن كاملاً عن آدم ونسله بكفارته على الصليب وسحق رأس ابليس, الممثل في لغة الانبياء, بالحية المتحوية والتنين الذي في البحر(راجع اشعيا 27 :1).
ان المسيح عيسى ابن مريم وهو واحد في الله, له صفات الله واسمائه الحسنى نفسها, كما جاءت في كتب الله . وان كان ذلك يأتي بالبداية في صورغير واضحة بالنسبة الى الذين يقرأون القرآن ظرفيا, او يسمعونه ملحنا على الطريقة الحبشية والسريانية والبيزنطية احيانا.
والقرآن بدوره لم يتكلم عن خلاص المسيح وكفارته سوى بكلماتٍ مختصرة ويعوزها الوضوح احياناً. تاركاً امر تفصيلها الى كتب الله الموسَّعة التوراة والانجيل. وقد شهد لها وأمر بالرجوع اليها وتلقِّي الحقائق الروحية- الإلهية منها في كل مناسبة.
وليس هذا فقط يا اخي القاريء بل نقرأ ايضا: ان السموات, التي نعيش تحتها الان, وتعيش فيها طيور السماء , قد امست غير طاهرة امام عيني الله ومرتعا لشياطين كثيرة, يعيشون مع البشر وفوقهم (راجع الاية نفسها التي انتقدتها في سفر ايوب 15:15). (اقرأ ايضا الانجيل افسس12:6).
وهذا يبين لنا ان نجاسة البشر بعد خطيئة آدم وزوجته حواء, قد سرى مفعولها الى جميع المخلوقات التي لها علاقة مباشرة بالنسل البشري, وأبعدته عن قداسة الله. فأصبح هذا الانسان بحاجة الى الطهارة والبراءة التي دونها لا يستطيع ان يرى الله. لهذا احتاج الى الفداء, يقول الانجيل : "من اجل ذلك كأنما بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع".(رو 12:5-21)
وقوله ايضاً : "لانه ان كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالاولىكثيراَ نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالانسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين . فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم الى جميع الناس للدينونة هكذا ببرِ واحدٍ صارت الهبة الىجميع الناس لتبرير الحياة"(الانجيل رو18:5).في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (الانجيل1كو 22:15).
وقد دبر الله من محبته طريقته الخاصة التي بواسطتها يرجع هذا الانسان الى بره وطهارته امامه. فما على الانسان بعد ذلك سوى قبولها فقط. وهي ان نسل المرأة سيسحق بكفارته رأس ابليس, الممثل بالحية القديمة (راجع سفر التكوين15:3) وهو المسيح حمل الله الرافع خطيئة العالم. وكان يُرمز اليه بالذبائح الحيوانية لمدة اربعة الاف سنة قبل المسيح.
وان الذبح العظيم الذي ذبح على جبل المريا فداء لابن ابراهيم كان يرمز الى المسيح وقد تمت في المسيح. فان الاغنام, وهي تذبح كل يوم بالالوف, لا يدعى الذبيح منها عظيماً كما كتب في القرآن, عن الحمل الذي ذبحه ابراهيم فداءً عن ابنه.فيقول : وفديناه بذبح عظيم.
وقد كتب الوحي المقدس : ان هذه السموات والارض, التي لعنها الله, هي محفوظة للنار الى يوم الدين وهلاك الناس الفجار" (الانجيل2بط7:3). ويتابع الرسول قوله: "وبحسب وعده ننتظر سموات جديدة وارضا جديدة يسكن فيها البر" (الانجيل2بط13:3)
واذ نأتي الى كتاب موسى والانبياء واعلاناته نقرأ ايضا عن سموات جديدة وارض جديدة تختلف عن السموات والارض الحرفيتان اللتان ستحترقان.فان اشعيا النبي يكتب لنا عن اورشليم بهجةً وشعبها فرِحاً (اش 17:65و18). وهي الحالة الروحية التي يعيشها الانسان بعد ان يقبل كفارة المسيح منذ الآن والى الابد. فانه مكتوب:"ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة. الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا"(الانجيل 2كو 17:5). وبعد ان تكلم المسيح الى اليهود معرفا بسلطانه المطلق نادى قائلا:"تعالوا اليَّ ياجميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لاني وديع ومتواضع القلب.فتجدوا راحة لنفوسكم.لأن نيري هين وحملي خفيف" (مت 28:11-30). وقد كتب ايوب العربي يا قارئي العزيز: تعرف به واسلم ففي ذلك يأتيك خير.هذا هو الفادي المحب والوجيه في الدنيا والآخرة والديان العادل.
يكتب القرآن في سورة ال عمران (59) "ان مَثَل عيسى عند الله كَمَثَلِ آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون". ولكن ان فَصَلنا القرآن عن آياته وجزوره في التوراة والانجيل , فان ذلك يؤدي بالضرورة الى التناقض وسوء فهمه وتفسيره. لاننا عندما ناتي الى بقية النص القرآني لهذه الآية , سوف لا نراه يتناسب مع ما كُتب فيه وفي امكنة أخرى عن المسيح , وكيفية مجيئه الى هذا العالم . فان المسيح عندما اتخذ جسداً من العذراء المباركة واصبح رسولاً لبني اسرائيل قال لهم :"اني قد جئتكم بآية من ربكم"-اي بعجيبة-(راجع سورة ال عمران 48) وعبارة قد جئتكم تعني ان له وجودا سابقا. فان كان المسيح قد خلق من تراب الارض كنظيره آدم الاول كما يظن البعض. وكما هو المفهوم السطحي للآية اعلاه, فاين هي الآية اذاً ؟ او العجيبة في مجيئه. ومن اين اتى المسيح ليقول قد جئتكم ؟. واين هو قوله: "فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آيةً للعالمين"؟سورة الانبياء (91 )
فان الرسول عندما يشير الى المسيح كآدم , فهو لا يعني بالضرورة انه قدخلق من تراب الارض نظيره ويناقض نفسه.فان عبارة من تراب الارض هنا تخص آدم الاول وليس المسيح. وان القصد من وراء هذه العبارة , هوالتوضيح للعرب ما قد جاء في التوراة والانجيل . وهو ان هناك آدمان . فاننا كما دخلنا هذا العالم المادي من خلال ولادتنا الطبيعية من آدم الاول, وقد اصبحنا اولاده. هكذا علينا ايضا لدخول الجنة , ان نولد من المسيح روحيًّا كآدمٍ ثانٍ فنصبح اولاده ايضا.اذ نؤمن به ونقبل كفارته,التي صنعها بنفسه عل الصليب(الانجيل 1كورنثس45:15-50 ومزمور22 واش53). وفي النهاية قال المسبح عيسى ابن مريم مخلص العالم : "طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون اقوال هذه النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب ها انا آتي سريعا واجرتي معي لاجازي كل واحد كما يكون عمله انا الالف والياء. البداية والنهاية.الاول والآخر. طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلون من الابواب الى المدينة.لأن خارجا السحرة والزناة والقتلة وعبدة الاوثان وكل من يحب ويصنع كذبا"(رؤ12:22-25 ).
ان رسالتكم يا صديقي وان وجد فيها بعض النقد الايجابي. لكن ماهي سوى وسيلة لتشهير كتب الله جميعها.أرجو أن تفرأوها جيدا وتبعدوا منها كل انتقاد على كتب الله. ربما بمعونته تعالى تجدوا مني جوابا لكل لسؤالٍ نافعٍ لافادتكم والاخرين والرب يبارككم.والى اللقاء في حديث آخر.
جورج ر خوري