قراأت
جديدة في التوراة والانجيل والقرآن
من دراسات
وتأملات
لقد اختلفت الديانات والمذاهب في كل شيءٍ , ما
عدا هذه الشخصية الفريدة التي شغلت
اذهان البشر في كل زمان ومكان. الا وهي شخصية يسوع المسيح العجيبة. كما انها كانت
موضع اهتمام الآباء والأنبياء والمرسلين في كل العصور ومختلف الجنسيات. فرغم
اختلاف جنسياتهم واتجاهاتهم الحضارية ومستوياتهم العلمية وطبقاتهم الاجتماعية, فقد
كتب وتكلم منهم رعاة البقر والغنم والقادة العظام واللاهوتيون الكبار. وكان بينهم
الآرامي والكلداني والعبراني والموآبي واليوناني والروماني والعربي . وانه عند
تجسده المبارك على ارضنا, ان تاريخ ولادته قد ابطل كل اساليب التأريخ المعروفة, من
حمورابية وموسوية وكلدانية وفارسية ويونانية ورومانية. لذلك فاننا نرى الممالك والحكومات والمؤلفين
والكتاَّب, اذا ارادوا تحديد زمن ما, او تسجيله رسميا,كي يكون معروفاً من كل
الطوائف والاتجاهات, في جميع انحاء العالم, ارخوه اما قبل المسيح (ق.م.). او بعد
المسيح (ب.م.).حتى تم فيه قول فيلسوف المسيحية ورسولها الامين بولس :"اذ
جرَّد الرياسات والسلاطين اشهرهم جهارا ظافرًا بهم فيه"(كو15:2).
والقرآن
بدوره يفرد المسيح عن الانبياء والمرسلين جميعاً, إذ يبرز فيه مؤيدا بالروح القدس ووجيهًا في الدنيا والآخرة
ومن المقربين. وهو المهدي, الذي تشرَئِبُّ له اعناق المسلمين بكل مذاهبهم
عند ذكر اسمه. وإنه وحده مع الله سبحانه لَه عِلمٌ للساعةِ"الدينونة
الأخيرة" (راجع القرآن سورة زخرف61و85)...
والمسيح
في التوراة هو يهوه الرب الاله القادر على كل شيء. فهو شخصية التوراة
والهها, وملاك عهدها, وقائد شعبها, ومكلم انبيائها. فقد دعي في التوراة ملاك
العهد-اي ملاك العهد القديم-(راجع سفر ملاخي (1:3) ذلك انه كان يظهرُ فيه للآباءِ والانبياءِ
بمختلفِ الظهور, فيكلمهم على انه هو يهوه ايلوهيم إله آبائهم. إله ابراهيم
وإله اسحق وإله يعقوب (راجع التوراة سفر الخروج6:3). فكان يصارعهم ويدربهم على
حياة الايمان والعمل. فيباركهم احيانا, ويرسلهم في مهام مختلفة,لكي يقودوا له شعبه (راجع التوراة سفر التكوين22:32-29وسفر
الخروج 10:3و2:6).
ا
لله لم يَرَهُ احد
قط
يكتب
الانجيل "الله لم يَرَهُ احدٌ قط الابن الوحيد الذي هو في حضن
الآب هو خبر" (انجيل يو18:1). ذلك
لان الابن الوحيد ذاته "المسيح" هو الذي أعلن الحقائق الالهية للبشر
فدُعيَ بذلك كلمة الله. يقول الوحي:"في البدء كان الكلمة
والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (انجيل يوحنا (1:1). وقد جاء
في القرآن قوله ايضا:"انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته
القاها الى مريم **وروح منه" (سورة النساء170) والمسيح ذاته أشار الى
نفسه ذات يوم مخاطب الشعب بقوله: الآب الذي ارسلني هو يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا ابصرتم هيئته"( انجيل يوحنا 37:5). وكتب
الرسول أيضا: "الله لم ينظرهُ احدٌ قط"(1يو4 :12) ويزيد ايضاً
ويكتب :" لأنَّ من لا يحبُ اخاه الذي أبصرَه كيف يقدرُ ان يحُبَّ
اللهَ الذي لم يبصرْهُ "(1يو 20:4).
---------------------------
**عندما اعتمد يسوع
الذي من ناصرة الجليل بالماء في نهر الاردن, فُتِحَت السموات ورأى يوحنا
المعمدان "يحيَ" روح الله آتياً عليه
وصوت قائلاً : "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (راجع الانجيل
مت13:3-17). وقد عبَّرَ عن هذه الحادثة رسول العبرانيين بقوله للإبن : "قضيب
استقامة قضيب ملكك. احببت البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الهك يا الله بزيت
الابتهاج,اكثر من شركائه "(راجع عب9:1). بذلك يشير رسول العبرانيين الى
روح الله, الذي مُسِحَ به يسوع الناصري "مسيحا"او ملكا. اكثر من شركائه. وهم االملوك
ورؤساء الكهنة والانبياء. الذين كانوا يمسحون بالزيت . اما يسوع
الناصري ,فقد مسح لهذه الخدمات بالروح
القدس على رتبة ملكي صادق, وليس على رتبة لاوي اب الكهنوت الموسوي (راجع مز 110),
وملكي صادق هذا هو ملك ساليم , أي ملك السلام, وكاهن الله العلي. الذي
لا بداية ايام له ولا نهاية حياة , "بل هو مشبه بابن الله"
(راجع التوراة سفر التكوين 18:14وعبرانيين 7 :1و2) الخ.
---------------------------------
الله
روح . والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا
ويكتب
الرسول يوحنا مزيدا من اقوال المسيح بينما كان يتكلم للمرأة السامرية, وقد سألته
عن الموضع الأصح لعبادة الله هل هو في جبل جرزيم ام في اورشليم القدس, فقال لها
المسيح : "يا إمرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في اورشليم
تسجدون للآب. انتم تسجدون لما لستم تعلمون . اما نحن نسجد لما نعلم . لان الخلاص
هو من اليهود . لانه تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون
للآب بالروح والحق .لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له . الله روح .
والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا " (راجع الانجيل يو
24:4).
ذلك
لان الله"الآب"سبحانه بطبيعته اللاهوتية هو روحٌ محض. ولم يتنازل قط من مجده
الاسنى. فانه لم يأخذ يوما شكل البشر كما فعل الابن, ليروه ويسمعوا صوته .
فيكتب الرسول بولس بما يختص بالله الآب فيقول :"الذي وحدَه له عدمُ
الموتِ ساكناً في نورٍ لا يدنى
منه الذي لم يرَه احد من الناسِ ولا يقدرُ ان يراهُ, الذي له
الكرامةُ والقدرةُ الابدية. آمين" (الانجيل (1تي 16:6-17).
المسيح
هوكلمة الله ومكلم الانبياء
اما
من جهة اقنوم الابن, وهوكلمة الله وروحه المرسل الى العالم ,حسبما جاء في
الكتب الروحية جميعها, فقد رآه العالم قديماً وجديداً, وتحدث معه الانبياء وسمع
صوته البشر. وإنه كان يستعير اجساداً في هيئة ملائكة او رجال,فيظهر لشعبه وانبيائه
فيتكلم معهم ويرسلهم في مهام مختلفة لقيادة شعبه. فهو الاقنوم الذي سار مع شعبه
العبراني طول الطريق. الى ان جاء ملء الزمان وولد في الجسد, لفداء البشر (راجع
الانجيل سفر غلا4:4). حتى ان موسى نبي الله العظيم دُعيَ من الآباء جميعا كليم
الله. لكثرةِ ما ظهر له هذا الاقنوم الالهي وتكلم معه. يقول الوحي: "لم يقم بعد نبيٌّ في اسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه"
(سفر تثنية 10:34). ويقول ايضاً:" وكان الرب يكلم موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه"(راجع
التوراة سفر الخروج (11:33).
وحدث ذات يوم ان الرب قال لمريم
وهارون بعد ان انتقداَ اخاهماَ موسى بسبب اتخاذه المرأة الكوشية زوجة : "ان
كان منكم نبيٌّ للرب فبالرؤيا استَعْلِنُ له في الحلم أُكلِّمَهُ. واما عبدي موسى
فليس هكذا بل هو امينٌ في كل بيتي . فماً الى فمٍ وعياناً اتكلمُ مع
موسى لا بالألغاز وشبه الرب يعاين اقرأ التوراة سفر العدد (8:12).
قبل ان يتخذ المسيح جسدا
بانتهاء العهد العبراني الاول, كان روحاً كأبيه السماوي سبحانه. وعندما كان يريد
ان يتعامل مع شعبه على الارض ,كان يأخذ شكلا معيَّنا لكي يروه ويتكلموا معه ولا
يموتوا. من ثم كان يختفي عن عيونهم الى حين.
نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر الى موسى, عندما كان في حضرة الرب لمدة
اربعين يوما,على جبل سيناء, فقد طلب من الرب ذات يوم ان يرى مجده بعيداً عن أي شكلٍ
كما يظهر. عندها اجابه الرب : "لا تقدر ان ترى وجهي. لان الانسان لا يراني
ويعيش ** "(خر 18:33). ذلك, لان مجد الرب دون غطاء بالنسبة الى
البشر, "هو نار
آكلة". يكتب موسى: "وكان منظر مجد الرب كنار
آكلة على رأس الجبل امام عيون بني اسرائيل" (خر17:24) ولا ننسى برقع موسى ,
الذي اضطره اخوه هارون ان يضعه على وجهه خوفا على عيون الشعب, وحدث ذلك بعد ان رأى
لمحة واحدة من مجد الرب وهو مخفى تحت يده
في نقرة الصخرة راجع التوراة (خروج 21:33).
اما قول الرسول يوحنا في الانجيل: "ورأينا
مجده مجدا كما لوحيد من الآب" فذلك لان يوحنا كان قد كتب اولا "والكلمة صار
جسداً وحل بيننا"(راجع يو14:1). بعد ذلك كتب الرسول "ورأينا مجده
مجدا كما لوحيد من الآب مملؤاً نعمة وحقا". فعاش الذين رأوا الرب ولم يموتوا ( راجع الانجيل يو14:1)...
-------------------
**شبه الرب
يعاين . هذا لان موسى وغيره من الآباء
والانبياء قديما ,كانوا يعاينون الرب يهوه , المسيَّا , في شكله الخارجي. الذي كان
يتخذه وقتيا ليظهر لهم ويكلمهم من ثم كان يختفي عن عيونهم. يقول الرب لموسى ,"ها انا مرسل ملاكا امام وجهك ليحفظك في الطريق… احترز منه واسمع لصوته
ولا تتمرد عليه. لانه لا يصفح عن ذنوبكم لان هذا اسمي فيه"(خر 20:23) ( وان الاسم في كلمة الانبياء كان يشير الى الذات عينها ).وهذا
الملاك المشار اليه هنا,هو يهوه
المسيح بالذات, الذي ظهر لموسى في العليقة في برية سيناء وقال له
هذا اسمي الى الابد وهذا ذكري الى دور فدور (خر15:3). فيكتب رسول العبرانيين: "بالايمان موسى
لما كبر أبى ان يدعى ابن ابنة فرعون مفضلا بالاحرى ان يذل مع شعب الله على ان يكون
له تمتع وقتي بالخطية حاسبا عار المسيح غنى اعظم من خزائن مصر لانه كان
ينظر الى المجازاة "(الانجيل رسالة العبرانيين 24:11-26). راجع ايضا (1كو4:10و9), ترى ان شخص المسيح ذاته كان مع شعب موسى في البرية. ومكتوب ايضا: ان الرب
هذا "مسيَّا ", "قد صار لهم مخلصا. وفي كل ضيقهم تضايق
وملاك حضرته خلصهم". او ملاك حضوره خلصهم ( راجع النسخة الانكليزية اش 9:63 ). ويكتب اشعيا
ايضا : "حقا انك اله محتجب يا إله اسرائيل المخلص" (اش15:45)
------------------
توضيح :بعد الذي قرأناه في
الانجيل, وهو أن الله روح ولم يَرَهُ احدٌ قط ولم يسمع صوتَه ايضا احد قط,
يبرز بالضرورة سؤالٌ مهمٌ جدا: من هو اذاً هذا الاله العظيم المهوب "يهوه
القادر على كل شيء", الذي تخبرنا عنه التوراة - كتاب موسى والانبياء- وقد دام
عهدها مايقرب من (4000 سنة ق.م.) انه كان يظهرُ ويتكلمُ مع الناس , وياكلُ ويشربُ
معهم آخذا اشكالاً مختلفةً,كهيئةِ ملائكة او بشر؟ وكان يعلن لهم هُويته انه الله
"إيلوهيم"إله آبائهم, إله إبراهيم وإله إسحق وإله ويعقوب, فيتكلمُ
عن نفسه في صيغة الفرد حينا, وفي صيغة الجمع احياناً أخرى ؟؟؟!.
ونسمع موسى نبي الله الملهم , بعد ان تكلم كثيراً عن جامعية الله وواحديته, يكتب
الى شعبه محذر من الاخذ بتعداد الآلهة كالامم المشركين بالله
فيقول:"اسمع يا اسرائيل,الرب الهنا رب واحد والرب الهك تتقي وإياه
وحده تعبد وبإسمه تحلف" ( (راجع
سفر تثنية 4:6-13) .
واشعيا
بدوره يكتب: فَبِمَنْ تُشَبِّهونَ الله واي شَبَهٍ تعادلون به ( راجع
اش18:40).والرب ذاته يقول ايضأً: بمن
تشبِّهونَني وتسوُّونَني وتمثِّلونني لنتشابه (راجع اشعيا 5:46).
---------------------
إن
هذا الاسم "الانجيل " ( ( EVANGGELION وقد أطلق على كتاب الله, في عهده المسيحي الجديد, هو
عبارة يونانية تعني في العربية "الأخبار السارة" او المفرحة, مفادها,كما بيَّنها المسيح ورسله
القديسون, ان المسيح مات لاجل خطايانا ودفن وقام في اليوم الثالث حسب
الكتب"(راجع الانجيل 1كورنثس 1:15-12). وهذه العبارة الاخيرة, ان المسيح مات
لاجل خطايانا حسب الكتب تعني في
الانجيل نفسه , ان الله قد جعل الذي لم يعرف خطيَّةً خطيَّةً لاجلنا لنصير نحن
بر الله فيه" (راجع الانجيل2كو21:5 ). هذه هي الاخبار السارة التي جاء
بها الكتاب المسيحي منذ القديم فدعي بذلك الانجيل . وقد ارسل المسيح رسله
الى العالم قائلا لهم:" اذهبوا
واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها من آمن واعتمد خلص ومن
لم يؤمن يدن " (الانجيل مرقس16 :15).
اما السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هذا : لماذا
نرى الرسول محمد وقد عرف دون شك هذه الحقيقة المجيدة وما تعنيه في كتاب الله, يعود ويطلق في القرآن, على الكتاب المسيحي,
هذه العبارة المفرحة ذاتها "الانجيل"
ان لم يكن يؤمن بها وضرورة الكرازة بها
ايضا ؟؟.
وهنا بالضرورة يبرز ايضا سؤال مهم آخر : لماذا نرى أئمة
المسلمين ومعلميهم اليوم, وهذه العبارة " الإنجيل " قد اصبحت من صلب
القرآن لا يؤمنون بها, بل يكتفون بقراءتها ملحنة دون التأمل فيها وشرحها والكرازة بها لشعوبهم ؟؟.
فلنكن اذاً حريصين من ان نهمل كتب الله.
او نتناسى معانيها الثمينة واهدافها, كما فعل أئمة اليهود قديما. فنعتهم الرسول الكريم محمد بقوله : يحرفون
الكلام عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا (راجع سورة النساء 45)..فيقول المسيح لمثل
هؤلاء: "تضلون اذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" (الانجيل
مت29:22). وقد جاء في كتاب موسى و الانبياء تحذير مماثل إذ يقول: "قد هلك
شعبي من عدم المعرفة" ( راجع هوشع6 :4واش13:5).
-------------------------------------
هذا.لانه
مَنْ مِنَ الملائكةِ والبشر يتساوى مع
الله ؟. او يدَّعي انه واحد مع الله ؟.سوى ابنه وكلمته الازلي الوحيد
المتساوي معه في العظمة والطبيعة الالهية الواحدة ؟ راجع مز 2: 12وام
30: 5ويو1:1و7:14 وسورة النساء 170 ).
اما
عندما يكتب رسول العرب:"ولا تقولوا ثلاثة** انتهوا خيرا لكم انما الله اله
واحد سبحانه لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله".وما شابه. فهذا ليس بجديد
عما كان عليه بعض المسيحيين السطحيين في الجزيرة العربية, من بدع وعبادات باطلة في
تلك الايام. وليس بجديد ايضا عما كُتِبَ عن المسيح في الانجيل بعد ان اخلى نفسه
آخذاً صورة عبد وصائرأً في شبه الناس.
بل
هو مشابه الى حد بعيد لما كتبه رسول المسيح بولس في الانجيل. وذلك عن تنازل المسيح
من المجد, وصيرورته عبدا نظيرناحيث يقول: "ليكن فيكم هذا الفكر الذي في
المسيح يسوع ايضاً الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلاً
لله لكنه اخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائرأً في شبه الناس. واذ وجد في
الهيئة كإنسان وضع نفسه واطاع حتى الموت
موت الصليب . لذلك رفعه الله ايضأً واعطاه ا سماً فوق كل اسم, لكي تجثو باسم يسوع
كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض, ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو
رب لمجد الله الآب" (راجع الانجيل فيلبي 5:2-1)
جامعية الله هي تعليم كتابيٌ واضح وأصيل
يتبين
لنا من الكتب المقدسة, ان الايمان في الله وأحديتة الجامعة عز وجل, هو ايمانٌ
كتابيّ واضحٌ في التوراةِ والانجيل , وهو كذلك في القرآن ايضاً. اذ
لم نقرأ مرة واحدة ان الرسول الكريم قد حذَّرَ الناس, من
-------------------
**
إننا معشر المسيحيين أو اليهود لا نؤمن قطعا بتعدد الآلهة. بل نؤمن باله واحد جامع فقط.كما جاء في الكتب
المقدسة جميعها "وهم عن دراستها لغافلين ".فاننا نقرأ في
القرآن سورة الانعام (156) قوله : "
ان تقولوا انما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين".
وهذا الكتاب, بزيادة ال التعريف, الذي أُغفلوا عن دراسته وقد أُمروا بها. هو دون
شك الكتاب المقدس , التوراة والانجيل. التي تعترف صريحا بجامعية الله سبحانه. ولكن
مفسري الشريعة لم يأبهوا بها. بل إدَّعوا تحريفها, وعدم الايمان بها. لكي يستمروا
في نكارانها والبعد عن الحقيقة كما أعلنها الله في كتبه. وهذا النوع من الايمان
لزام على كل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ,تحت طائلة المسؤلية
عندما تأتي الساعة ومن له علمها. راجع
القرآن (سورة الزخرف 61). ولأن الخطأ يقود
الى خطأ,فقد انكروا كفارة الله , التي تكلمت عنها هذه الكتب والقرآن معا, وهي
لخلاص البشر. فحُرِموا مع شعوبهم منها. وقد ذكر الكتاب هنا ايضا في صيغتي الفرد
والجمع معا لانهما في الاصل هما كتابان (التوراة والانجيل) في كتاب واحد
اسمه الكتاب المقدس يحتوي على 66 كتابا لله.
--------------------------
الاخذِ
بتعاليم المسيحيين وكتبهم اللاهوتية او الحياتية, بل نراه بعكس ذلك. يشير
الى اهل الكتاب وكتبهم كمرجع وحيد للحياة الاسلامية الجديدة. ويكفِّر
بالضلال البعيد كل من يحيد
عنها ولا يؤمن بها فيقول مثلا: "ومن يكفر بالله وملائكته وكُتُبِهِ
ورسله واليوم الآخر"فقد ضل ضلالاً بعيداً"(راجع سورة النساء
136)..
فما
نقرأه في التوراة عن جامعية الله سبحانه, نقرأهُ في القرآن ايضًا. فهو يتكلم
كثيراً عن الله في صيغة الجمع. فكأني بالله سبحانه يريدُ ان يعلنَ
واحديَّته الجامعة على كل الملا وفي كل الاوقات والظروف. فكما اعلنها في التوراة
في بدء الخليقة,كذلك اعلنها في الانجيل. وها اننا نقرأها في القرآن ايضاً.مثال على
ذلك قوله عن ذات الله:"انَّا نحن انزلنا الذكر وانَّا
له لحافظون"سورة الحجر(8). ويقول ايضا: "سنَّةَ من قد ارسلنا قبلك
من رسلنا ولا تجد لسنَّتِنَا تحويلاً"سورة الاسراء (77). او:
"لقد خلقنا الانسانَ في احسنِ تقويم" سورة التين (4).الخ.
هل يُعقَلُ ان الله يجمعُ مع نفسه احداً
آخرَ خارجاً عن طبيعتهِ الإلهية . فيتكلم معه وكأنه الله نفسه, أكانَ هذا الآخرَ
ملاكاً ام نبيًّا ام انسانًا سواء ؟؟؟. وان كان الله يستعمل لنفسهِ صيغةِ الجمعِ
للتفخيمِ او انطلاقاً من سُموِّهِ وعَظَمَتِهِ كما يظن البعض .كالأباطرة والملوكِ
مثلاً,حيث اننا نراهم احيانا
يستعملونَ لنفوسهم صيغة الجمع ,كقول الفرد منهم: نحن. او نريدُ.
او نعملُ ونأمرُ. ولكن ليس نخلق. نقول لهؤلاء مهما كان القصد وراء هذا :
انه ليس من عادة الله في كتبهِ ان يشرك معه احدا خارجا عن طبيعته الالهية
ليقول معه نحن نخلق. او لنخلق. او خلقنا.حاشا, لان من يساويه من
مخلوقاتهِ. حتى يجمع مع نفسه احداً , ليقول واياه نحن . هل يوجد آلهة أخرى في القرآن تخلق مع الله. او اقانيم
هذا عددها. كما جاء
في التوراة والانجيل ؟. وهي متساوية معه في العظمة والكمال حتى في عملية خلق البشر والعالم وما فيه ؟؟.
انه من غير المستبعد
ان يكون هذا هو الصحيح. إذ نقرأ في القرآن, وفي غيره من الكتب السماوية
التي جاءت من قبل, عن أقنوم واحدٍ وحيدٍ هو من روح الله,ومؤيدا بالروح القدس,قوله
وهو لم يزل في المهد:"اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق
لكم من الطين كهيئة الطيرفانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وابريء
الاكمه والابرص وأحيي الموتى باذن الله وانبئكم بما تاكلون وما تذخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم ان كنتم
مؤمنين". (سورة ال عمران 44-49 ومائدة 110)...وسنتأمل أكثر في هذا الموضوع في صفحة ( 19) من هذا الكتاب.
اعبدوا
الله ربي وربكم
هذا. وان المسيح
باخلاء نفسه من المجد الاسنى وولادته في الجسد كالعبيد للكفارة عن العبيد, قد اصبح
عبدا مع العبيد. فانه مكتوب عنه: " أُحصي مع أثمة. وحمل خطية كثيرين وشفع في
المذنبين".(راجع كتاب موسى والانبياء سفر اشعيا 12:53). اما بعد ان انهى
المسيح عمل الكفارة بموته مصلوبا وقيامته من الموت, فقد اختلفت المشاهد. يكتب
الانجيلي يوحنا: ان مريم المجدلية,بعد ان رأت سيدها قائما من القبر في صبيحة الاحد,اقتربت اليه
فرحةً لتلمس ثوبه قال لها:"لا تلمسيني يا مريم لاني لم اصعد بعد الى ابي .
لكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني
اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم". نرى ان
المسيح قد افرد نفسه بعد قيامته من القبر
بقوله: "اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم". (الانجيل
يوحنا17:20).فلم يقل المسيح اني اصعد الى ابينا والهنا, وكأنه لم يزل واحدا مع هؤلاء
البشر. فان بنوة المسيح لله حتى بعد ان أخذ طبيعة الانسان, تختلف كليا عن بنوتنا
وعبوديتنا نحن البشر لله. فاننا نحن البشر قد اصبحنا لله اولادا بالتبني بالمسيح.
فانه مكتوب ان الله " قد سبق وعيننا للتبني بالايمان بيسوع بالمسيح
حسب مسرته" (الانجيل افسس5:1). وقد اصبح مَثَلهُ بالنسبة الى البشر,كَمَثَلِ
آدم فانه مكتوب :كما في آدم" -الاول"- "يموت الجميع ,هكذا في
المسيح"- آدم الثاني-"يحيا الجميع".وهم الذين يقبلون كفارته (راجع
الانجيل1كو15 و افسس الاصحاح الاول)
ونقرأ
ايضا في سورة الزخرف قوله : "ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة
ولأُبيِّنَ لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعونِ. ان الله هو ربي
وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" (سورة الزخرف 63و64). ونرى هنا ايضا
ان المسيح لم يضع نفسه في مصاف الناس, فانه يختلف كليا عن الناس. فانه في الاصل هو
خالقهم وسيدهم. فلم يقل اعبدوا الله ربنا وكأنه واحدا منهم . بل قال
لهم "فاتقوا الله وأطيعونِ. ان الله هو ربي وربكم
فاعبدوه هذا صراط مستقيم ".
وها
اننا نقرأها في جواب السيد المسيح لله في
القرآن ايضا فيقول: "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم".
لم يقل المسيح للناس اعبدوا الله ربنا وكأنه واحدا مع الناس. بل قال لهم
اعبدوا الله ربي وربكم وأطيعوني. وهذ ما يشبه الى حد بعيد قوله الى
مريم المجدلية بعد قيامته من القبر مباشرة (إقرأ انجيل يوحنا17:20). ان هذا ما
اعلنه الوحي للبشر في التوراة والانجيل وقد
اشار اليها الرسول محمد منذرا بقوله : "ومن لم يحكم بما انزل الله فيه
فاولئك هم الفاسقون "(راجع سورة المائدة (44-47). وكتب ايضا:"ومن
يكفر بالله وملائكته وكُتُبِهِ ورسلهِ واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً
بعيداً"(سورة النساء 136).
وان
هذا ما لا نستطيع فهمه وسبر غوره في عقولنا البشرية المحدودة اليوم, بل علينا ان نعتمد على ما كتبه لنا
الروح القدس بواسطة انبيائه ورسله القديسين. يكتب رسول المسيح بولس: "الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ"-أي بعد القيامة- "سأعرف
كما عُرفت"(اكو12:13). وإن المعرفة الصحيحة التي يطلبها الله من البشر,هي
الآن ليست للجميع. بل للانبياء والرسل وكتبهم, والذين يقرأونها. فيكتب
الانجيل في هذا :" ولكن الانسان الطبيعي لا يَقبَلُ ما لروح الله لانه عنده
جهالة. ولا يقدر ان يعرفه لانه إِنَّما يُحْكَمُ فيه روحياً. واما الروحي فَيَحْكُمُ
في كل شيء وهو لا يُحْكَمُ فيه من احد. لأنه من عرف فكرَ الرب فَيُعَلِّمَهُ. اما نحن فلنا فكر المسيح"(راجع الانجيل
1كو14:2-16).
لذا
ايضا يكتب القرآن مخاطب الرسول الكريم : "ان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل
الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكوننَّ من
الممترين. ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين",
سورة يونس (94و95). وقوله له ايضا ومن خلاله الى الجميع : "وما ارسلنا قبلك
الا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". سورة الانبياء (6) . والانجيل
بدوره ينصح جميعنا بالرجوع في كل شاردة وواردة,الى التوراة, واقوال الانبياء
انفسهم, من خلال كتبهم .فيكتب الرسول بطرس: "وعندنا الكلمة النبوية
وهي اثبت التي تفعلون حسنا ان انتبهتم اليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى
ان ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم"(الانجيل 2بط19:1).
الله ظهر في الجسد
يكتب
الانجيل ً: "الله ظهر في الجسد تَبَرَّرَ في الروح تراءى لملائكة
كُرِزَ به بين الامم أومن به في العالم رفع في المجد"( راجع الانجيل 1تي
16:3).
وقوله
ايضاً الى رعاة الكنائس المسيحية : "احترزوا اذاً لانفسكم ولجميع الرعية التي
اقامكم الروح القدس فيها اساقفة لترعوا كنيسة الله التي اشتراها
بدمه"(الانجيل اعمال الرسل28:20).
توضيح- إن الله الآب
سبحانه,كما مر معنا سابقا, لم يتخذْ يوما
جسداً, ليظهر للبشر ويتكلم معهم , فإنه روح محض لم يتنازلْ قط من مجده
الاسنى (راجع الانجيل يو 24:4). أما المسيح كلمة الله ذاته, المرسل الى العالم ,
فهو الله الذي اتخذ جسدا, صاحب الدم الزكي, الذي يتكلم عنه رسول المسيح هنا, وقد
أُهرق على الصليب وكفَّرَ عن خطايا العالم أجمع . لا سيما المؤمنين بإسمه وقد اتَّبعوه
فاديا ومخلصاً.كما تقول الآية القرآنية الكريمة قائلة للمسيح: "وجاعل الذين اتَّبعوك
فوق الذين كفروا الى يوم القيامة"(راجع سورة ال عمران 55) وانجيل يوحنا12:1).
وقال ايضا: "ان الله اشترى** من المؤمنينَ انفسَهُم واموالهَم
بأنَّ لهم الجنةَ يقتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة
والانجيل والقرآن" (راجع القرآن سورة التوبة111 والانجيل رؤيا 9:5)).
هنا ايضا يبرز السؤال .كيف اشترى الله من
المؤمنين انفسهم واموالهم يا ترى ؟, هل اشترى ذلك بالمال ؟ والمشترى هو
المال عينه, والانفس الثمينة التي لا تثمن بمال ؟؟,كيف اشترى ذلك ؟. سوى بدم
الكفارة على جبل الجلجثة . كما أُشترىَ** ابن ابراهيم بدم الذبح العظيم من قبل ,على ذات الجبل الذي كان مثال الآتي . فانه مكتوب في الشريعة: "وبدون سفك دم
لا تحصل مغفرة".سفر العبرانيين ( 22:9). ويكتب موسى : "فان نفس الجسد هي
في الدم فانا اعطيتكم الدم على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لان الدم يكفر عن
النفس" (راجع التوراة سفر اللاويين 11:17-16) الخ.
--------------
**. يكتب رسول
المسيح عن كيفية شراء الانفس الثمينة وكيف تمت مخاطبا المسيح بقوله : "لأنك ذبحت واشتريتنا
لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة. وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة فسنملك
على الارض" .-وهي الارض الجديدة-(راجع الانجيل سفر الرؤيا 9:5و10) . وكتب
ايضا : "احترزوا اذاً لانفسكم ولجميع الرعية التي اقامكم الروح القدس
فيها اساقفة لترعوا كنيسة الله التي اشتراها بدمه" (الانجيل
اعمال الرسل28:20). ويكتب ايضا : "لانكم قد اشتريتم بثمن.فمجدوا الله
في اجسادكم وفي ارواحكم التي هي لله" (1كو 20:6). : "وقد اشتريتم بثمن
فلا تصيروا عبيدا للناس "(راجع 1كو23:7)الخ.
يخبرنا
الوحي المقدس في سفر التكوين الاصحاح (12) واعمال الرسل (ص7), ان اله المجد
قد ظهر لأبينا ابراهيم ودعاه من بين النهرين قبلما سكن حاران ,
وباركه وقال له "اذهب من ارضك ومن عشيرتك وبيت ابيك وتعال الى الارض
التي اريك فاجعلك امة عظيمة جدا واباركك واعظم اسمك وتتبارك فيك جميع قبائل الارض.
فذهب أبرام كما قال الرب وذهب معه (ابن أخيه) لوط.
وظهر الرب ايضا لإبراهيم وقال
له : لنسلك اعطي هذه الارض . فبنى هناك ابراهيم مذبحاً للرب الذي ظهر له".
(راجع سفر تك7:12).
ويقول
الوحي في الاصحاح (17) ايضاً:"ولما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب
لابرام وقال له انا الله القدير. سر امامي وكن كاملاً… فسقط ابراهيم على
وجهه وتكلم الله معه".
ظهور الرب لهاجر والتكلم معها
توضيح
:-ان كان الله لم يره احدٌ قطْ ولم يسمع احدٌ صوته قطْ كما قرأنا
اعلاه, اذاً من هو الله القدير هذا الذي ظهر لإبراهيم وتكلم معه؟ وهو الآن
يظهر لهاجر جارية ساراي في هيئةِ رجل . او كما يدعوه الوحي ملاك او رسول,
ويتكلمُ معها ويباركها, سوى المسيح كلمةُ الله. وبعد ان باركها قال لها: "تكثيراً اكثرُ نسلَكِ فلا يُعَدُّ من الكثرة, وها انتِ حبلى فتلدينَ ابناً
وتدعينَ اسمَه اسماعيل لان الرب قد سمع
لمذلتكِ وانه يكونُ إنسانًا وحشياً يدُه على كلِ واحدٍ ويدُ كلِ واحدٍ عليه
وامامَ جميعِ اخوتهِ يسكنُ "وبعد ان صعد الملاك عنها "دعت هاجر اسم
الرب الذي تكلم معها قائلةً : انت إيل رؤي" اي انت الله الذي
يُرَى. فقد اعلن لها الوحي اخيراً, انها كانت في حضرة الله الذي يُرَى (راجع
تك 10:16-14),وهو كلمة الله الاقنوم الذي اتخذ بعد ذلك جسداً , وليست في
حضرة الله الذي لا يُرَى, وله وحده عدم الموت كما قرأنا اعلاه. الذي لم يرَهُ
احدٌ من الناس ولا يقدر ان يَرَاهُ. (راجع الانجيل ,تيموثاوس الاولى
16:6-17)
رأوا الله واكلوا وشربوا
نقرأ
في التوراة, ان كثيرين من الآباء والانبياء قد رأوا الله, وتكلموا
معه, وسمعوا صوته في كل مراحل العهد اليهودي, واكلوا وشربوا على
مائدته.كما قرأنا ما حدث
لابراهيم. وما حدث مع موسى وهارون واصحابهما (ال70) يقول الوحي المقدس: " ثم
صعد موسى وهارون وناداب وابيهو وسبعون من شيوخ اسرائيل, ورأوا اله
اسرائيل…ولكنه لم يمد يده الى اشراف اسرائيل.فرأوا الله واكلوا وشربوا"
(راجع سفر الخروج 9:24-11).
ان كنتُ قد وجدتُ نعمةً في عينيكَ فلا تتجاوزْ عبدَكَ
ونقرأ
هنا في سفر التكوين (ص18) عن ابراهيم اب المؤمنين ان الرب قد ظهرله عند بلوطات
ممرا وهو جالس في باب الخيمة في حر النهار. يقول الوحي: "فرفع ابراهيم عينيه
ونظر واذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد ابراهيم الى الارض
وتكلم في صيغة الفرد قائلا : يا سيد ان كنتُ قد وجدتُ نعمةً في عينيكَ فلا
تتجاوزْ عبدَكَ.
وبعد
ان اكل الرجال الثلاثة وشربوا معه, وقد بشره احدهم بولادة اسحق صاحب
المواعيد, اخبره هذا الرجل, الذي هو الرب ذاته كما سنرى, انه مزمع ان يهلك مدينتي
سدوم وعمورة, اخذ ابو المؤمنين يتشفع لديه لانقاذهماَ ويقول لهذا
الرجل:" أديَّان كل الارض لا يصنع عدلاً حاشا لك يا رب ان تهلك البار
مع الاثيم . عسى ان يكون هناك خمسون بارا في المدينة افتهلك المكان ولا تصفح عنه
لاجل الخمسين بارا في المدينة فقال له
الرب"-الرجل- "ان وجدتُ في سدوم خمسين باراً فاني
اصفح عن المكان كله".
وراح
ابراهيم يتشفع امام الرب الى ان وصل العدد الى العشرة . ولكن
بكل اسف لم يجد الرب في تلك المدينة الشاسعة سدوم وشقيقتها عمورة عشرة اشخاص
مؤمنين بالرب, فهلكت سدوم واهلها الاشرار. وقد اصبح مكانها البحر الميت كما نرى
اليوم. وقد انقذ الرب لوطاً البار واهل بيته قبل هلاكها (راجع سفر تك ص 18).
لنذكر
اذاً ان الله الذي ظهر لابراهيم وهاجر وتكلم معهما هو الله الكلمة وصاحب
الظهور. وذلك قبل إن جاء واتخذَ جسداً من امنا المباركة مريم العذراء. المدعوة
في القرآن : مريم ابنة عمران.
ظهور
الرب ثانية لهاجر
في سفر التكوين (ص 9:21-21) يقول الوحي بعد ان رأت سارة "امرأة ابراهيم" اسمعيل ابن هاجر المصرية يمزح معها "قالت لابراهيم
اطرد هذه الجارية وابنها. فقبح الكلام جداً في عيني ابراهيم لسبب ابنه. فقال
الله لابراهيم لا يقبح في عينيك من اجل الغلام ومن اجل جاريتك. في كل ما تقول
لك سارة اسمع لقولها.لانه باسحق يدعى لك نسل. وابن الجارية ايضا ساجعله أمة لانه
نسلك".
وعندما
طُرِدَت هاجر مع الولد وتاهت في
برية بئرسبع, وقد قارب الولد من الموت بسبب العطش,"ناداها ملاك الرب
من السماء", اعني به الرب الكلمة
نفسه, "وقال لها: "مالك يا هاجر.
لا تخافي قومي احملي الغلام وشدي يدك به. لاني ساجعله امة عظيمة. وفتح الله عينيها فابصرت بئر ماء. فسقت الغلام…
اقرأ هذه الحادثة بنفسك في سفر التكوين (9:21-21).
نرجع
ونكررً, ان الله الذي رآه ابراهيم وسمع صوته, وقد رأته
هاجر وسمعت صوته, ليس هو الله
الآب سبحانه, بل انما هوشخص
المسيح, ابن الله وكلمته المرسل الى العالم.لان الله الاب نفسه كما مر بنا,
لم يره احد قط. ولم يسمع صوته احد
قط. وان ابراهيم , اب المؤمنين, تهلل بان يرى يوم المسيح, احد اقانيم الله
الجامع, فرآه مرارا عديدة وفرح.
قال يسوع ذات يومٍ لليهود المحيطين به:"ابوكم ابراهيم تهلل بان يرى يومي
فرأى وفرح". فقال له اليهود ليس لك خمسون سنة بعد. أفرأيت ابراهيم. "قال
لهم يسوع الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن "(راجع انجيل يوحنا (56:8-59).
الرب يمتحن ابراهيم
المسيح
هو الاقنوم الذي تكلم مع ابراهيم وطلب منه ان يقدم له ابنه ذبيحة على جبل
المريا, فيقول: "وحدث بعد هذه الامور ان الله امتحن ابراهيم. فقال
له يا ابراهيم.فقال هأنذا. فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب
الى ارض المريا واصعده هناك محرقة
على احد الجبال الذي اقول
لك…فاخذ ابراهيم حطب المحرقة ووضعه على اسحق ابنه واخذ بيده النار والسكين
فذهبا كلاهما معاً الى الجبل** ".(راجع تك22)
هكذا نقرأ عن المسيح
ايضًا عندما اخلى نفسه آخذا صورة عبد, وجاء كنسل المرأة, في جسد طبيعي, لكفارة
الخطايا . فقد وضعوا عليه صليبه حاملا اياه سيرًا على الاقدام الى ذات الجبل,
جبل المريَّا, وقد اصبح فيما بعد يدعى جبل صهيون. وهوجبل الجمجمة او
الجلجثة حيث هناك ذُبحَ المسيح كفارةً لاجلنا,
عليه
اثم جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام
جازيها فلم يفتح فاه" (راجع اش53).
وقد رآه النبي ايضا قادما من خارج المدينة
اورشليم ,حيث اخرجوه خارجا وصلبوه هناك (راجع الانجيل يو17:19ومتى 39:21): فصرخ
قائلا : "من ذا الآتي من ادوم بثياب
حمر. من بصرة .هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته",فيجيبه الرب ,"انا المتكلم بالبر العظيم للخلاص". فيسأله النبي : "ما
بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة". فيقول الرب : " لقد دست
المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرش عصيرهم
على ثيابي فلطخت كل ملابسي.لان يوم النقمة في قلبي"-اي يوم سحق
رأس ابليس الحية القديمة, فهونسل المرأة (راجع تك 15:3واش 1:27) "وسنة
مفديي قد اتت"-وهي نعمة الكفارة التي نعيشها اليوم. وستدوم الى
مجيء الرب ثانية وانقضاء هدا الدهر والدينونة الاخيرة (راجع
اش1:63-6ولو19:4ومت3:24).
في
هذا ايضًا يكتب الرسول بولس: "لان فصحنا المسيح قد ذبح لاجلنا
اذاً لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الاخلاص والحق (راجع
الانجيل1كورنثس الاولى (7).
ويكتب
داود بروح النبوة كنتيجةٍ مفرحة لهذا النصر العظيم, في الآلام المبرحة التي تحملها المسَّيا لاجل فداء
البشر فيقول: "انفلتت انفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين, الفخ انكسر ونحن
انفلتنا. عوننا باسم الرب صانع السموات والارض آمين" (راجع زابور داود
124: 7) الخ.
----------------
** لقد مات
المسيح ودفن وقام في اليوم الثالث منتصرا . إذ ذاق بنعمة الله الموت لاجل كل واحد
منا (راجع الانجيل سفرالعبرانيين 9:2) وهذا ما شهدبه القرآن ايضا عن موت المسيح
الكفاري وقيامته وارتفاعه حيا الى السماء فيقول :"يا عيسى ابن مريم
اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذي اتبعوك فوق
الذين كفروا الىيوم القيامة" (ال عمران (55).و مكتوب ايضا : … "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت
الرقيب عليهم وانت على كل شيءٍ شهيد"راجع المائدة (117).ومكتوب في الانجيل :
فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت
ذاك الذي له سلطان الموت اي ابليس.ويعتق الذين خوفا من الموت كانوا
جميعا كل حياتهم تحت العبودية
العبرانيين14:2). هنا يكمن معنى الكفارة و ان المسيح بموته ملعونا على الصليب,قد امات الموت بالموت عن الذين يتَّبعونه مخلصا. فأقبله الآن
يا اخي. فانه مكتوب في سفر ايوب : تعرف به واسلم ففي ذلك يأتيك خير (أي 21:22).
------------------------
الرجوع الى ابراهيم
وهناك
على جبل المريا, بعد ان انزل ابراهيم الحطب
عن ظهر ابنه "بنى مذبحاً وربطه ووضعه على المذبح فوق الحطب. ثم مد يده واخذ
السكين ليذبح ابنه, فناداه ملاك الرب" (الذي هو المسيح بالذات,ملاك
الظهور في العهد القديم , وذلك قبل ان يتخذ جسدا من العذراء مريم ) "ناداه من
السماء وقال له :"ابراهيم ابراهيم لا تمدَ يَدَكَ الى الغلام ولا تفعلْ به
شيئاً, الآن علمتُ انك خائفٌ الله فلم تمسكِ ابنكَ وحيدَكَ عني ,
فرفع ايراهيم عينيه ونظر واذا كبشٌ وراءَهُ ممسكاً في الغابةِ بقرنيهِ, فأصعده
ابراهيم محرقةً عوضاً عن ابنه" (راجع تك22) وهذا الكبش نفسه كان ممثِّلا
مسيَّا اليهود الفادي. حمل الله الذي رفع خطية العالم (راجع اشعيا 53ومز16:22ويو29:1).
صدى الحادثة في القرآن
و
في القرآن نقرأ عن هذه الحادثة في لسان عربيٍّ فصيح تجاوباً مع التوراة, التي
دعاها القرآن أم الكتاب واماماً ورحمةً (راجع سورة الزخرف (1) والاحقاف( 12).
فيقول: "وناديناه يا ابراهيم. قد صَدَّقتَ الرؤيا إنَّا كذلك نجزي المحسنين ,
إن هذا لهوَ البلوا المبين, وفديناه بذبحٍ عظيم . وتركنا عليه في الآخِرين.
سلام على ابراهيم "( سورة الصافات103- 107).
فدعا ابراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يرأه
فقد
دعى القرآن الكبش ذبحاً عظيماً. ذلك, لانه كان يَرْمزُ لعظيمٍ. فإنه
لم يكن كبشاً عادياً كباقي الكباش, التي تذبح كل يوم بالمئات, والالوف. بل كان
كبشًا عظيمًا لانه غير عاديٍّ وقد أُهدِيَ الى ابراهيم بيد عظيمةٍ ايضا, هي يد
المسيح عيسى ابن مريم كلمة الله, وملاك الكلام والظهور في العهد القديم .
وهو ذاته الله يهوه المتكلم للبشر (راجع سفر الخروج 1:3-15) الخ. "فدعا ابراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يرأه.
حتى انه يقال الى اليوم في جبل الرب يرى. وناداه ملاك الرب ثانية من السماء قائلاً: لانك لم تمسك ابنك
وحيدك عني اباركك مباركة واكثر نسلك" (تك22).
وهذا
الموت المحتم الذي كان لابن ابراهيم لولا فدائه ,كان يُرمز به الى
حَتميَّةِ موتنا نحن البشر ابناء آدم . فكأني بآدم الاول وإمرأته حواء
بعصيانهما على الله, وبإغراءٍ من ابليس, قد حاولاَ ,دون علم , قتل البشرجميعًا
وتقديمه ذبيحة لابليس على مذبح الكذب. لقد صدَّقَت حواء ابليس بقوله: "لن
تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير
والشر".
ففي
هذا قال المسيح ذات يوم للمحيطين به من اليهود : "انتم من أبٍ هو ابليسُ
وشهواتُ أبيكم تريدون ان تعملوا.ذلك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في
الحق لانه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فانه يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو
الكذاب" (راجع يو44:8).
ولكن من محبة الله الفائقة للبشر, فقد وعد آدم
وحواء بعد عصيانهما, ان الفادي سيأتي في الوقت المعين, كنسل المرأة, لسحق
رأس ابليس (المسمى بالحية القديمة,( اش27 :1) وليكفِّر عن آدمَ وذريته لننال التبني" ( اي لنصير من جديد
بواسطة هذه الكفارة ابناء المسيح "آدم الثاني الرب من السماء (راجع
الانجيل 1كو 45:15 وغلا4:4-7وسورة ال عمران (59) .
الحكم على آدم ونسله بالموت
ويكتب
لنا كاتب الوحي العظيم موسى, ان آدم وحواء بعد الخطيئة, أُخرجا من جنة عدن ليعملاَ
في الارض التي أُخذاَ منها. يقول الله لآدم: "لانك سمعتَ لإمرأتك واكلتَ من
الشجرة التي اوصيتك ان لا تاكل منها, ملعونة الارض بسببك .بالتعب تاكل منها كل
ايام حياتك, وشوكا وحسكا تنبت لك وتاكل عشب الحقل, وبعرق وجهك تاكل خبزك حتى تعود
الى الارض التي اخذت منها, لانك تراب والى التراب تعود" (راجع تك
6:3-19).
صدى الحكم في القرآن
فقد
جاء في سورة البقرة (37) عن آدم ابي البشر القول : "فتلقَّى آدم من ربه كلمات
فتاب عليه انه, هو التواب الرحيم"
هنا
ايضا يبرز السؤال , فما هي هذه الكلمات التي
تلقاها آدم من ربه فتاب عليه يا ترى؟, سوى ان تكون الوعد بالكفارة في جنة
عدن, والفداء بنسل المرأة .كقول الله لابليس, المُمَثَّلُ في الحية, عندما أغرى
امنا حواء : "وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو
يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (سفر التكوين 15:3واشعيا 27 :1)الخ,
وهكذا
حكم على جميعنا بالموت الابدي. لاننا كنا لم نزل في صلب ابينا آدم الاول . فطُرِدَ
وطردنا معه خارجاً , وَوُلدنا جميعاً خارج جنة الله في حال الخطيئة المميتة. فاننا نقرأ بعد ذلك في سفر ايوب, ان الارض قد
تسلمت الى الشرير (راجع اي24:9). ويوحنا بدوره يكتب لنا, "ان العالم كله قد
وضع في الشرير" (1يو19:5):اذاً "كيف يتبرر الانسان عند الله وكيف يزكوا
مولود المرأة راجع سفر ايوب4:25) . وصرح بعد ذلك رجل الله ونبيِّه داود, بالنيابة
عن كل البشر قائلا: "هائنذا بالاثم
صورت وبالخطيئة حبلت بي امي". وتابع النبي طالبا من الله ما نحتاجه قائلا :
قلبا نقيا اخلق فيَّ يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي مزمور" (51: 5 -10
).
ويكتب
النبي اشعيا: ان الرب تطلع من السماء "وساء في
عينيه انه ليس عدل. ورآى انه ليس انسان وتحير من انه ليس شفيع. فخلصت ذراعه
لنفسه وبره هو عضده. فلبس البر كدرع وخوذة الخلاص على راسه ولبس
ثياب الانتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء...ويأتي الفادي الى صهيون"..(راجع
اش16:59-20). ويقول ايضا تشددوا لاتخافوا. هوذا الهكم. الانتقام يأتي.جزاء
الله.هو يأتي ويخلصكم" الخ.(راجع اش3:35-7).
نرى
في هذا القراءة انه لا يستطيع احد ان يخلص
الانسان سوى الله الذي خلق الانسان ووعد بخلاصه, وهو بالذات نسل المرأة . الله الكلمة.الذي
به كان كل شيء . وانه لم يوكِلْ امر خلاصه لايٍّ من الملائكة والبشر لانهم
لايستطيعون . كما يقول النبي : "هوذا عبيده لا يأتمنهم والى ملائكته ينسب
حماقة " (راجع كتاب موسى والانبياء سقر ايوب18:4).ويقول ايضا: "من هو
الانسان حتى يزكو او مولود المرأة حتى يتبرر.هوذا قديسوه لا يأتمنهم والسموات غير
طاهرة بعينيه" (ايوب 14:15).
وان
مطلب الله من الانسان كان قديما الطاعة الكاملة وليس المعرفة, وربما ذلك
بسبب طفولته (راجع تك 17:2واش19:1-20). فقد اطاعوا الله,بتقديمهم الذبائح
الرمزية,الى ان اجتازوا مرحلة الطفولة (راجع 1كو 11:13).وقد جاء الرب الاله,حسب وعده في الوقت المعين,كنسل المرأة.ليموت
عن الانسان الخاطي ونسله. يقول الوحي: "ولكن لما جاء ملء الزمان ارسل الله
ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال
التبني"(راجع غلا4:4).
وهذا
بذاته كان عملا عظيما جدا, لا تدركه
العقول البشرية. واشعيا, ذلك النبي الانجيلي الخامس, عندما أُوحيَ اليه أن يكتبَ
عن هذا العمل العظيم,كتب يقول: "من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع
الرب".وتابع النبي : "من اجله يسد ملوك افواههم, لانهم قد ابصروا مالم
يخبروا به, ومالم يسمعوه فهموه"(راجع اش 1:53-9).
وموسى, اول كاتب للوحي
المقدس ,لم يُعلَن له في اسفاره عن كيفية هذا الخلاص, ومن سيقوم به, كقول الله له
: "اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما
اوصيه به. ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا
اطالبه" (تث18:18).
المسيح
الكلمة في كتاب موسى
يكتب لنا موسى كما كتب
الرسول يوحنا ايضا عن المسيح كلمة الله فيقول : "من يصعد لاجلنا الى السماء
وياخذها لنا. او من يعبر لاجلنا البحر ويسمعنا اياها لنعمل بها. بل الكلمة
قريبة منك جدا في فمك وفي قلبك لتعمل بها" (راجع سفر تث 11:30-14).
وبشأن هذه الكلمة التي أتى عليها موسى
بكل هذه البساطة وهذا الغموض, يكتب الرسول بولس , مشيرا بها الى المسيح ذاته فيقول:
"لان موسى يكتب في البر الذي بالناموس ان الانسان الذي يفعلها سيحيا
بها. واما البر الذي بالايمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد الى
السماء اي ليحضر المسيح . او من يهبط الى الهاوية اي ليصعد المسيح
من الاموات. لكن ماذا يقول الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك أى
كلمة الايمان"(راجع الانجيل رو 6:10-10).
وقد بقي هذا الخلاص في القديم يُعمل لنيله
بواسطة الذبائح الحيوانية الرمزية والطاعة وقراءة الكلمة, الى ان جاء ملء الزمان,
واتى الرب في الجسد (راجع غلا4:4) . ففي هذا يكتب لنا الرسول: " ان الله قد خلصنا ودعانا بالمسيح يسوع قبل الازمنة
الازلية. وانما اظهرت الان بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي ابطل الموت وانار
الحياة والخلود بواسطة الانجيل" (راجع الانجيل 2تيمو8:1-10). ويكتب الرسول
بطرس بدوره عن هذا الخلاص وعمقه وصعوبة ادراكه فيقول, ان الملائكة كانت تشتهي ان
تطلع عليه.
الرجوع الى جامعية الله وواحديته في
القرآن
لنعد الآن الى التأمل في واحدية الله وجامعيته
كما أُعلنت في الكتب التي نؤمن بقداستها. وعلينا إطاعتها. فالذي نقرأه في التوراة
عن جامعية الله سبحانه,كذلك نقرأهُ في الانجيل . وها اننا الآن نقرأه في القرآن
ايضا. فهو كثيرا ما يتكلم عن الله في صيغة الجمع . فكأني بالله سبحانه
يريدُ ان يعلنَ واحديَّته الجامعة على كل الملا وفي كل الالسنة والاوقات والظروف.
لذلك نقرأ في القرآن قوله عن ذات الله سبحانه: "انَّا نحن انزلنا
الذكر وانَّا له لحافظون"سورة الحجر ( 8 ).
ويقول ايضا: "سنَّةَ من قد ارسلنا قبلك
من رسلنا ولا تجد لسنَّتِنَا تحويلاً" سورة الاسراء (77).
ونراه .احيانًا كثيرة يتكلم عن الله في صيغة الفرد وليس في صيغة الجمع .كقوله
مثلاً في الآية (39) من سورة البقرة: "يا بني اسرائيل أُذكروا نعمتي التي
أنعَمْتُ عليكم وأوفوا بعهدي أُوفي بعهدكم وإيايَ فارهبونِ".
فلم يقل هنا يا بني اسرائيل اذكروا نعمتنا واوفوا بعهدنا ونوفي
بعهدكم. وقوله ايضا في (سورة المائدة 2): "اليوم اكملت لكم دينكم واتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً".فلم يقل اليوم اكملنا
او اتممنا عليكم نعمتنا ورضينا لكم الاسلام ديناً. فان الله
هنا يتكلم في اقنوميته وليس في جامعيته.
والاسلام الصحيح في القرآن هو
المسيحية عينها. التي تؤمن في واحدية الله وجامعيته في آن واحد.وقد أُمِرَ الرسول
الكريم مع شعبه ان يقتدي بهؤلاء ويتبع صراطهم المستقيم (راجع سورة الفاتحة وسورة الانعام (90) الخ.
وان
في القرآن آيات كثيرة تتكلم عن واحديةِ الله في صيغة الفرد, وأياتٍ أخرى تتكلم
عن واحديته في صيغة الجمع والفرد معاً كنظيرَيهِ كتاب موسى وعيسى.كقوله مثلاً في
سورة البقرة ( 252): "تلك الرسل فضَّلنا
بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورَفَعَ بعضهم درجات وآتينا عيسى
ابن مريم البينات وأيدناه بالروح القدس"
ومكتوب
عن آدم أَب البشر بعد ان اخطأ امام الرب: "قلنا اهبطوا منها جميعاً
فإمَّا يأتِيَنَّكُم مني هدًى فمن تبع هدايَ فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون" (سورة البقرة (37) الخ.
هذه
بعض الآيات التي اوردناها هنا, ويوجد الكثير نظيرها في القرآن كما في التوراة .
فيها يتكلم القرآن عن ذات الله في صيغة الجمع, وهو الواحد الاحد فيقول
نحن. وفي صيغة الفرد, وهو الإله الجامع فيقول انا. وبعدها نسمعه يتكلم للبشر في
صيغة الواحد الفرد المجرد, مشيراً الى اقنوميتهِ كمتكلمٍ عاديٍّ بسيطٍ مع
جماعته, مثال على ذلك قوله:.."يَئِسَ الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونِ
اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
ديناً "(راجع سورة المائدة آية3).
فمن المرجح في هذا, لكي يلفت انتباه العرب
لتقبُّل الحقائق الالهية كما جاءت في كتب الله, مع كل صعوباتها, كما يكتبها الوحي
المقدس . وليس بحسب عقول البشر المادية التي لا تمت بأيةِ صلةٍ للامور الروحية,
التي هي من الله. يقول الانجيل في هذا : "ولكن الانسان الطبيعي لا يَقبَلُ ما
لروح الله لانه عنده جهالة . ولا يقدر ان يعرفه لانه إِنَّما يُحْكَمُ فيه روحياً.
واما الروحي فَيَحْكُمُ في كل شيء وهو لا
يُحْكَمُ فيه من احد. لأنه من عرف فكرَ الرب فَيُعَلِّمَهُ.اما نحن فلنا فكر
المسيح"(راجع الانجيل 1كو14:2-16).
ماذا نستطيع ان نفهم من هذا الاَّ ان
القرآن,كنظيره كتاب موسى, يتكلم عن الله في صيغة الجمعِ حيناً, وفي صيغة الفردِ
احياناً, وفي صيغة الجمع والفرد احياناً اخرى. وذلك,على ما يبدو, للدلالةِ على احدِيَّة
الله وجامِعيَّته بآنٍ . وربما كانت الغاية ايضاً, أن يضع القرآن امام العرب ما كان قد وضعه الله مسبقا امام العالم اجمع
بواسطة موسى والانبياء قديما من ان الله هو اكثر من مجرد اقنومٍ واحدٍ بسيطٍ محدود
صرف عمق الازل وحيدا جامدا دون رفيق في ذاته ومن طبيعته . مع ذلك فهو ايضا ليس
كآلهةِ البشر المتعددة , بل إنه إلهٌ واحدٌ جامع عامل في صفاته الازلية اللازمة
وليس عقيما كما يفكر البعض. وبناء على هذه الحقيقة والمفهوم الكتابي الواضوح
لكل من آمن بالله وملائكته وكُتُبِهِ ورسله واليوم الآخر, نرى رسول العرب مع كل ما
عرفه عن المسيحية من صعوبة, يحث شعبه ان
يتَّبِعَ الهدى, بسيره في طريق اهل الكتاب المسيحيين الموحدين وقد
قبلوا من الله اعلاناته مع الشكر.
وبناءً
على ما جاء عن جامعية الله وواحديته في كتاب موسى والانبياء, نرى المسيح في العهد
الجديد يبشر بها, ويأمر تلاميذه بعد قيامته من القبر وقبل ارتفاعه الى
السماء قائلاً: "اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم"-
وليس باسماء- "الآب والابن والروح القدس وعلموهم ان يحفظوا
جميع ما اوصيتكم به.وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهرآمين"(
الانجيل بحسب متى 16:28-20). وفي الرسالة الثانية الى اهل كورنثوس من الانجيل ,
يكتب الرسول بولس في اعطائه البركة المسيحية لهذه الكنيسة: "نعمة ربنا يسوع
المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم آمين".
ويكتب الرسول عن
المركز المرموق, الذي يعطى للانسان بعد ان يؤمن بالمسيح, ويعتمد باسم الاله الأوحد
الآب والابن والروح القدس , فيقول : "لانكم جميعاً
ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع.لان كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم
المسيح.ليس يهودي ولا يوناني.ليس عبد ولا حر.ليس ذكر وانثى لانكم جميعا واحد في
المسيح يسوع. فان كنتم للمسيح فانتم اذا نسل ابراهيم وحسب الموعد
ورثة إقرأ الانجيل (سفر غلا27:3-29 ).
العودة الى واحدية الله وجامعيته
نعود
ونتسائل من جديد.عمَّن يتكلم القرآن في صيغة الجمع عندما نقرأ: "انَّا نحن
انزلنا الذكر وانَّا له لحافظون"؟ (سورة الحجر 8). او :
"سنَّةَ من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنَّتِنَا
تحويلاً "(سورة الاسراء 77), او: "لقد خلقنا الانسانَ في احسنِ
تقويم" (سورة التين 4).الخ.
هل
يُعقَلُ ان الله يجمع مع نفسه احداً آخرَ خارجاً عن طبيعتهِ الإلهية فيتكلم معه
وكأنه الله نفسه, أكانَ هذا الآخرَ ملاكاً ام نبيًّا ام انسانًا سواء ؟؟؟. وان كان
يُظنُّ ان الله يستعملُ لنفسهِ صيغةِ الجمعِ للتفخيمِ والتعظيم,كبعض الاباطرة
والملوكِ مثلاً كما يظنون, كقول الفرد منهم **: نحن . او نريدُ. او نعملُ ونأمرُ.
نقول لهؤلاء, مهما كان القصد وراء هذا, فان الله سبحانه ليس من عادته في كتبهِ ان
يشرك معه احدا خارجا عن طبيعته الالهية ليقول معه نحن . او
لنخلق. او خلقنا. حاشا لله. لان من يساويه من مخلوقاتهِ.حتى يجمع مع نفسه
احداً ليقول واياه نحن .
وان
كان الامر كذلك, فلماذا يعود الله احياناً عن ذلكَ, الى الكلامِ عن ذاتهِ كفردٍ,
واحياناً اخرى نراه مُخَاطَباً من الآخرينَ كمجردِ فردٍ عاديٍّ وليس في صيغة
الجمع؟. وهذا الامر لا يمتُّ الى السمُّوِ والعظمةِ .بصلة.كما
نقرأ على سبيل المثال قول المسيح عيسى ابن مريم,وهو كما يدَّعون عليه مخلوقا. وها
هو الآن يتكلم مع الله سبحانه كندٍ لندِه فيقول:
--------------------
**
ان
الملوك والاباطرة الذين لعبوا ادوارا مهمة في التاريخ القديم والكتب المقدسة ,لم
يستعملوا مطلقا لغة التعظيم والتفخيم والتجميع هذه . لأن من شأنها
أن تحط من قيمتهم الثيوقراطية. فكأني بها تجعل معهم شركاء اساسيين في الحكم الملكي المطلق. الذي كان يمثِّلُ الله
سبحانه. مثال على ذلك نرى ان نبوخذناصر العظيم وأحشويروش وملوك فارس والملوك
الفراعنة وأباطرة الرومان جميعا في عصورهم .لم يكونوا يستعملون لغة التفخيم والتجميع
هذه عندما كان يتكلم الواحد منهم عن نفسه وله من الله سلطانا اتوقراطيا مطلقا .
فعلى سبيل المثال : فان نبوخزنصر العظيم قال يوماً امام عبيده المسؤولون في مملكته : "قد خرج
مني الامر فان لم تنبئوني بالحلم وتعبيره تصيرون ارباً ارباً (راجع سفر
دا5:2و3 ).لم يقل قد صدر الامر منَّا. او تنبئونننا. وفرعون مصر كذلك, فقد قال
ليوسف ذات يومٍ:" انظر .قد جعلتك على كل ارض مصر انت تكون على بيتي وعلى فمك
يقبل جميع شعبي .الا ان الكرسي اكون فيه اعظم منك ".(راجع تكوين41:41). وكان
يستطيع الملك كل حين, دون استشارة احد من
عبيده الوزراه, ان يعطي حتى الى نصف مملكته لمن يشاء.. كالوعد الذي خرج من هيرودس
الملك لابنة اخيه بقسمٍ ,بعد ان قامت بعمل نالت استحسانه : اطلبي فاعطيك مهما
طلبتي. وملوك اسرائيل الذين كانوا يمثلون الله في سلطانهم الثيوقراطي ,لم يستعملوا
مطلقا صيغة التجميع هذه لتعظيم نفوسهم . لان من شأنها ان تحد من سلطانهم كملوك
آخذين سلطانهم من الله. إقرأ سفر دانيال وسفري الملوك في كتاب موسى والانبياء
.
------------------------
"وكنتُ
عليهم شهيدا ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ انتَ
الرقيب عليهم وانتَ على كل شيء شهيد"(سورة المائدة 117 ). وفي سورة
البقرة 186) يتكلم الله مع الرسول محمد كفرد عادي فيقول:"فاذا سألك عِبَادي
عني فإني قريبُ اجيبُ دعوةَ الداعِ اذا دعانِ
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" وفيما يلي نقرأ ان الله
يستعمل لنفسه صيغة الجمع في عملية خلقه الانسان ايضاً. التي من غير الممكن
ان تنسب لغير الله وحده فيقول : "لقد خلقنا الانسانَ في احسنِ
تقويم" (سورة التين 4) . من هم الذين
خلقوا الانسان مع الله يا ترى, وكم هو عددهم في القرآن ؟؟
وقوله ايضا :" لقد خلقنا الانسان في
كبد ايحسب أن لن يقدر عليه احد" (راجع سورة البلد من 1-5). وفي (سورة الانسان
2) يقول: "إنَّا خلقنا الانسان من نطفةٍ أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً
بصيرًا". وقوله ايضاً: "نحن خلقناهم وشددنا اسرهم واذا شئنا
بدَّلنا أمثالهم تبديلاً " (سورة الانسان 28) . وفي (سورة المعارج 29)
يقول: "كلا إنَّا خلقناهم مما يعلمون".
ويوجد
الكثير نظير هذه وتلك في القرآن.كما نقرأ عن الخالق سبحانه في صيغته الاقنومية
الفردية. فيقول لرسول العرب : "اقرأ باسم ربك الذي خلق,خلق
الانسان من علق, إقرأ باسم ربك الأكرم , الذي علم بالقلم , علم الانسان ما
لم يعلم" (سورة العلق 1-5) الخ. واننا لنتساءل هنا ايضا اين هي لغة التفخيم
والتعظيم هذه لله سبحانه؟.
نرجع
ونتساءل من جديد,مَن هو المتكلم مع
الله يا ترى؟. فيتكلم الى البشر عن خلقه العالم وما فيه وكأن معه آخرين يخلقون
نظيره . هل يوجد آلهة أخرى في القرآن تخلق مع الله او اقانيم هذا عددها
كما جاء في التوراة والانجيل وهي متساوية معه في العظمة والكمال حتى في عملية خلق
البشر والعالم وما فيه ؟؟.
أظن انه من غير المستبعد ان يكون هذا هو
الصحيح. إذ نقرأ في القرآن الكريم ,كما في غيره من الكتب السماوية,عن شخص واحدٍ
وحيدٍ هو من روح الله ومؤيد بالروح القدس قوله
حين ولادته: "اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم
من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا
باذن الله وابريء الاكمه والابرص وأحيي الموتى باذن الله وانبئكم
بما تاكلون وما تذخرون في
بيوتكم إن في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين". (سورة ال عمران 44-49
ومائدة 110).
وان الله سبحانه لم يأذن, ولن يأذن
لاحدٍ خارجا عن طبيعته الإلهية ان يخلق معه او نظيره, وهو الذي اعلن في
الانبياء قائلا : "هكذا يقول الرب
خالق السموات نا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر, ولا تسبيحي
للمنحوتات" راجع كتاب الانبياء اشعيا
8:42 ). وقوله ايضا "انا الرب وليس آخر.مصور الارض وصانعها"(راجع اش45)
هذا. لانه هل من المعقول ان يجعل الله معه شركاء اساسيين حتى في عمل الخلق
وبعض الاعمال التي لا ينازع عليها, وهو الاله الاحد الصمد .
فكما
انه لا يجوز لنا ان نفكر في هذا الامر. فانه لا يجوز لنا ايضاً ان نفكر في ان كتب
الله كاذبة,او محرفة لا سمح الله .كما يدَّعي بعض الخارجين على كتب الله المعصومة.
فانه مكتوب في الانجيل: "بل ليكن الله صادقاً وكلُ انسانٍ كاذباً"(راجع
الانجيل رسالة رومية 3:3). والرسول بدوره
يسأل عن عدم اهتمام شعبه بكتابه فيقول : "افلا يتدبرون القرآن فلو كان من عند
غير الله لوجد فيه اختلافاً كثيرا" (راجع القرآن سورة النساء (82 ). وهو
اختلافً عما سبقه من كتب سماوية منزلة مشهود لها من القرآن نفسه, او خلاف في ذاته
وبين آياته. لانه عندما يُفصَلُ القرآن عن جذوره في التوراة والانجيل , فان ذلك يؤدي بالضرورة الى سوء
فهمه وتفسيره. وإن القرآن لم يترك ظرفاً مناسباً الا وشهد لهذين المرجعين .
جامعية الله هي تعليم كتابيٌ واضح وأصيل
يتبين
لنا ان هذا الايمان في احدية الله عز وجل وجامعيته,هو ايمانٌ كتابيّ واضحٌ في
التوراةِ والانجيل. وها اننا نقرأه الآن في القرآن ايضاً. واننا لم نقرأ مرة واحدة
ان الرسول الكريم قد حذَّرَ الناس من الاخذِ بتعاليم المسيحيين اللاهوتية
والحياتية. وقد عاش رسول العرب ردحاً من الزمن قبل دعوته مسيحيا كغيره من المسيحيين المعمدين باسم الآب والابن والروح القدس. ذلك, بسبب زواجه من
السيدة خديجةَ المسيحية. وتأتي هذه المعمودية لزاماَ على كلِ انسانٍ من خارج
المسيحية يريد الزواج من امرأة مسيحية. وقد اطَّلع الرسول الكريم على المسيحية
وتعاليمها من الداخل,وعن ذاتية الله جيدا.
ويأتي هذا بنوع خاص, ان زوجته السيدة خديجةَ كانت ذات قرابة حميمة لورقة ابن
نوفل الذي كان مشهورا في مسيحيته في مكةَ والبلاد العربية المجاورة. وقد ترجم كما
نعلم الى العربية بعضا من اسفار كتاب العهد الجديد المسيحي.
ومع
كل هذا التعرف من الرسول على المسيحية وتعاليمها,التي تحتاج الى ايمان قوي
لتصديقها, والعمل بموجبها, نسمعه بعد دعوته يطلب من اتباعه المسلمين الجدد, ان
يؤمنوا بايمان المسيحيين من اهل الكتاب, ويهتدوا بهديهم ويتخلَّقوا باخلاقهم.
يقول: "يريد الله ليبينَ لكم ويهديَكًم سُنَنَ الذين من قبلكم
ويتوبَ عليكم والله عليم حكيم"(سورة النساء 26). وهي ان ارادة الله سبحانه من
العرب, ان يهتدوا الى سنَّة ما قبل القرآن, التي هي دون شك, سنَّة المسيح عيسى ابن
مريم قول الحق الذي فيه يمترون (راجع سورة مريم 34).
وقد
رأينا ايضا ان القرآن يتكلم عن ذاتية الله في صيغة الجمع, وهو الواحد
الاحد, وفي صيغة الفرد وهو الاله الجامع. بذلك نرى القرآن الكريم ينادي بكل
اعتزازٍ, بما جاء في التوراة والانجيل, وحقائقهما اللآهوتية والحياتية. من ثم يأمر
تابعيه الاسلام الجدد الاقتداء بهم والسير في خطاهم كما تبيَّن .
الاقانيم الثلاثة في كلمة الله
علاوة
على جامعية الله وواحديته في كتب الله, نرى الاقانيم الثلاثة مرارا عديدة, يتكلم
كل منهم على حدة. كقول الله الآب سبحانه من السحابة عند معمودية يسوع الناصري :" هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا"( راجع انجيل متى (16:3). اوكقول الابن: "انا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في
الظلمة بل يكون له نور الحياة "(راجع يو 12:8). وقوله ايضا:"كل من يرى
الابن ويؤمن به تكون له حياة ابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" (راجع
الانجيل يو40:6).
او
كقول الروح القدس "افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما
اليه" ويتابع الوحي قائلا: "فهذان اذ أُرسلاَ من الروح القدس
انحدرا الى سلوكية"(راجع الانجيل اعمال الرسل4:13)
لله ودور الاقانيم في خلق البشر وخلاصهم
وعلاوة
ايضا علىجامعية الله وواحديته في الكتب المقدسة, نقرأ ان للأقانيم اعمال منفردة
مباشرة, واعمال منفرده غير مباشرة.فقد صرح بذلك المسيح اذ قال :"ابي يعمل الى
الآن وانا اعمل"(الانجيل يو5 :17
------------------------
ان
المعمودية المسيحية الاصيلة التي أمر المسيح الرب بها أن تمارسَ بالتغطيس في الماء , وباسم الآب والابن والروح القدس, هي اعتراف واضح وصريح بالثالوث الاقدس وسر الفداء
بكامله . من موت المسيح ودفنه وقيامته وارتفاعه حيا الى المجد .وعلى كل من اراد ان يعتمد بالماء كان عليه ولم يزل
الى اليوم ان يدرك هذه الحقيقة اولا. وقد
كانت هذه المعمودية ولم تزل في جميع الطوائف المسيحية مهما اختلفت في العقيدة , تأتي لزاما على كل من
يحاول الانضمام ال المسيحيين وكنائسهم .
-------------------------------------
اولاً:
اعمال الآب السماوي المنفردة المباشرة
ان عمل الاب السماوي المباشر والمنفرد,
بالنسبة لنا, يتضح اولا من انجيل يوحنا ( 3 :16) اذ يقول : "لانه هكذا احب
الله"الآب" العالم حتى بذل-اعطى-ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل
من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية"**. وعمله المباشر ايضا هو ان يجتذب
الى كفارة ابنه الحبيب النفوس التي يراها تتجاوب مع دعوة الروح القدس
وهو الاقنوم الذي ارسله الآب من السماء بعد ان ارتفع ابنه بعد قيامته من الموت عن
الارض.فقد صرح بذلك المسيح بقوله:"لا يقدر احد ان يقبل اليَّ إن لم
يجتذبه الآب الذي ارسلني وانا اقيمه في اليوم الاخير".ويقول الانجيل
ايضاً: "لان الذين سبق فعرفهم (اي الآب) سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو
بكرا بين اخوة كثيرين".(راجع الانجيل رسالة روميه 8: 29). وانه "لم يرسل
الله "الآب" ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به
العالم" ( يو 3: 17).
بذلك,
فعمل الله الآب هو انه احب العالم واعد خطة خلاصه وتخليصه من الخطية بواسطة كفارة
ابنه الحبيب,كآدمٍ ثانٍ, وهو كلمته وروح منه. من هنا ايضاً قول يوحنا الرسول ذاته
في رسالته الاولى ( 4 :8 ) ان "الله محبة ". وسأل اليهود الرب ذات يومٍ "ماذا نعمل حتى نعمل اعمال الله" "الآب "."اجاب يسوع
وقال لهم : هذا هو عمل الله ان تؤمنوا بالذي هو ارسله" ( يو 6 :29) .
ومعنى هذا يتضح لنا ايضا من قراءة انجيل متى (11 :25-30) اذ يتكلم الرب مع ابيه
السماوي فيقول:"نعم ايها الآب لأن هكذا صارت المسرة امامك.كل شيء قد دفع
الي من ابي". وكل شيء تعني كل الاشياء دون استثناءٍ على الاطلاق,سواء
اكان في السماوات ام على الارض .كل شيء قد دُفع للرب المسيح من ابيه السماوي.
يتابع المسيح قوله: "وليس احد يعرف الإبن الاَّ الآب. ولا احد يعرف الآب
الاَّ الإبن ومن اراد الإبن ان يعلن له. تعالوا اليَّ يا جميع المتعبين
والثفيلي الاحمال وانا اريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لاني --------------------------
**يوجه
سليمان الحكيم اسئلة صعبة الى البشر فيقول : من جمع الريح في حفنتيه.من صر المياه في ثوب من ثبَّتَ جميع اطراف الارض. ما
اسمه وما اسم ابنه إن عرفت ؟؟؟؟. وينصحنا داود الملك بدوره منذرا في
مزموره الثاني من جهة الابن, وهو المسيح الرب قائلا: "اعبدوا الرب
بخوف واهتفوا برعدة قبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لأنه عن قليل
يتقد غضبه.طوبىلجميع المتكلين عليه" (راجع مز2)
وان
عبارة قبلوا الابن لئلا يغضب, وايضا طوبىلجميع المتكلين عليه "
تبيِِّنُ. هنا بشكل واضح ايضا, ان المسيح هو موضوع اتكال البشر كافة. فهو الله
الابن ديان الجميع ..فان لم يكن المسيح هو الله فكيف إذاً يأمر النبي بالوحي
الإلهي الملوك وقضاة الارض بتقبيله والاتكال عليه وهو القائل : "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده" (مز3:146).
"وملعون الانسان الذي يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه . ومبارك
الانسان الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله" ارميا5:17) الخ..
--------------------------------------
وديع
ومتواضع القلب.فتجدوا راحة لنفوسكم. لان نيري هين وحملي خفيف." هذا البعض من عمل الله الآب المباشر بالنسبة
لارضنا وخلاصناكما تعلِّمُ كلمة الله.
ثانيا-: عمل اقنوم
المسيح المباشر : اما عمل الابن , الذي قد دُفع اليه كل سلطان
في السماء وعلى
الارض كما قرأنا
معاً, فهو تنفيذ الخطط الالهية الموضوعية
للكون كله والتاريخ. من خلق وحفظ ورعاية الارض كما قرأنا
معاً, فهو تنفيذ الخطط الالهية الموضوعية
للكون كله والتاريخ. من خلق وحفظ ورعاية
وفداء وقضاء. وبقدر ما هذه الاعمال هي
مباشرة من تنفيذ الله الابن , هي ايضا من اعمال الله الآب بواسطة ابنه الوحيد يسوع المسيح (راجع الانجيل يو ا :3).
من
هنا انه ليس في ذلك اي سبب للمفاضلة, بين عمل الله الآب وعمل الابن, او الاستخفاف في عمل الله الابن وشخصيته كما
يحلوا للبعض. فبواسطة الابن "كان كل شيء. وبغيره لم يكن شيء مما كان" ,
وفي الابن "كانت الحياة" (راجع الانجيل يو ا : 3 ) والابن هو "حامل
كل الاشياء بكلمة قدرته" (راجع الانجيل عب1 : 3). "وبه يقوم الكل"
كولوسي( ا :17) وهو الديان العادل في اليوم الاخير. يقول الوحي: "من هو الذي يدين .المسيح هو الذي مات بل بالحري قام الذي هو ايضا عن يمين
الله الذي ايضا يشفع فينا" (الانجيل رسالة رومية 34:8واع31:17). وفي القرآن
يبرز المسيح وحده الوجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين (آل
عمران45).
ان رسالة المسيح كما
نقرأ في كلمة الله,لم تقتصر على مرحلة
معينة في اواخر العصر
اليهودي فقط, بل رسالة المسيح قد سبقت تلك
المرحلة وتلتها, بحيث يمكن القول انها شملت المراحل والغايات التالية:
( أ ) _خَلْق التي
لا ترى, من ملائكة وروءساء ملائكة كاروبيم وساروفيم وعروشهم .(راجع اش
12:48والانجيل رسالة كولوسي 1 : 16) .
(ب) _خَلْق العوالم
التي ترى وما عليها من مخلوقات. يقول الانجيل في هذا الخصوص: "فانه فيه
خلق الكل ما في السماوات وما على الارض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا ام
سيادات ام رياسات ام سلاطين . الكل به وله قد خلق ...وبه يقوم الكل" . (راجع
الانجيل رسالة كولوسي 1 : 16) ايضا.
وفي الانجيل الرسالة الى العبرانيين ( 1: 3 )
يقول عن الابن انه حامل كل الاشياء بكلمة قدرته. وفي العدد (10 ) يتابع عن الابن
نقلا عن مزمور ( 45) :"وانت يا رب في البدء اسست الارض والسموات هي
عمل يديك . هي تبيد ولكن انت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن انت
انت وسنوك لن تفنى". وفي الاصحاح 8:13) يقول الوحي ايضا: "يسوع المسيح
هو هو امساً واليوم والى الأبد".
(ج)
_دخول بيت القوي (الشيطان) : وذلك لنهب امتعته,وهم البشر الخطاة المدعوين
لان يكونوا خراف المسيح المفديين. كما صرح الرب نفسه في انجيل متى ( 12 : 29 ) وفي
لوقا ( 11: 21): "حينما يحفظ القوي داره متسلحا تكون امواله بامان . ولكن متى
جاء من هو اقوى منه فانه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه ويوزع
غنائمه" .
(د)
- تقديم حياته في الجسد مثالاً للبشرية جمعاء.يكتب الرسول بطرس في هذا
الخصوص:"لانكم لهذا دعيتم . فان المسيح ايضا تالم لاجلنا تاركا لنا مثالا
لكي تتبعوا خطواته"(1بط 2: 21) وقد قال يسوع ذات يوم لتلاميذه, بعد ان
لقنهم درساً في التواضع ونكران الذات في خدمة الاخرين (يو 13: 15 ):"لانني
اعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا". والرسول بولس
بدوره يقول في هذا :"كونوا متمثلين بالله كاولاد احباء .
واسلكوا في المحبة كما احبنا المسيح ايضا واسلم
نفسه لاجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة"
( افس 5: 1), قالوا هذا لان اقنوم الابن عندما اتخذ جسدا وعاش على الارض
كانت حياته النقية مدرسة للبشرية جمعاء وخصوصًا للذين قد قبلوه مخلِّصاً.
------------------
يقول المسيح مخاطب الآب السماوي في
العهد اليهودي القديم بلسان داود الملك : "اخبر باسمك
اخوتي وفي وسط الكنيسة اسبحك" ( راجع المزمور 22:22وعب 12:2).
ويأتي سليمان الحكيم في أمثاله كما المحنا سابقا ويسأل الاجيال فيقول : "من
صعد الى السموات ونزل.من جمع الريح في حفنتيه.من صر المياه في ثوب.من ثبت جميع
اطراف الارض ما اسمه وما اسم
ابنه ان عرفت" (راجع سفر الامثال1:30-6). ويأتي الاسم في كلمة
الله معلنا شخصية صاحبه وعملها. وقد توضح هذا عندما جاء الرب الاله في الجسد واعلن
اسم الله, وانه الآب السماوي الذي ارسله
بقوله : ايها الآب "انا اظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني"
وفي النهاية يكمل فيقول::لقد عرفتهم ااسمك وسأعرفهم ايضا (راجع انجيل يوحنا
6:17و26). وقد ارسل الرب تلاميذه قائلا لهم : "اذهبوا وتلمذوا جميع الامم
وعمدوهم باسم "الآب والابن
والروح القدس . (الانجيل متى 16:28-20) .
------------------------
(ه
)- اظهار اسم الآب السماوي
"قال
الرب في العهد اليهودي القديم مخاطب الآب:"اخبر باسمك اخوتي وفي وسط الجماعة
اسبحك" (مزمور 22: 22وعب 12:2 )
وان
من مهام المسيح الرئيسية في مجيئه الاول وصيرورته انسانا,هو اعلان اسم ابيه
االسماوي. الذي لم يكن احدا في العالم قد سمع صوته ورأى هيئته قط, يقول يوحنا في
انجيله "الله لم يرَهُ احد قط, الابن الوحيد الذي هو في حضن
الآب هو خبر"(يو18:1) .ونسمع الرب يخاطب اليهود قائلا:"الآب الذي
ارسلني هو يشهد لي.لم تسمعوا صوته قط ولم تروا هيئته" (يو37:5).
ونقرأ في الانجيل ان المسيح قبل ان يبتديء في
مسيرته نحو الصليب ليَختتم عليه رسالته -صلى لابيه قائلا : "انا مجدتك على
الارض . العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته.والان مجدني انت ايها الاب
عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم انا اظهرت اسمك للناس
الذين اعطيتني من العالم (يو17: 4-6 ). ويختم الرب في النهاية صلاته قائلا : وعرفتهم
اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم . وقال
ايضا موجه الكلام الى تلاميذه : "قد كلمتكم بهذا بامثال ولكن تاتي ساعة حين
لا اكلمكم ايضا بامثال بل اخبركم عن الآب علانية".(يو 25:16).وقد حدث
ذلك بعد ان حل الروح القدس على العالم في يوم الخمسين وابتدأ العهد المسيحي
الجديد . راجع الانجيل (اعمال الرسل اص2).
(و)
- الموت على الصليب: وكانت ترمز الى ذلك الموت المسياني ملايين الذبائح
والتقدمات اليهودية واعمال الكهنوت الموسوي لآلاف من السنين , في هيكل العهد
القديم . يقول الرسول : "بعد هذا رأى يسوع ان كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب
قال انا عطشان . وكان اناء موضوعا مملوءا خلا . فملأوا اسفنجة من الخل ووضعوها على
زوفا وقدموها الى فمه . فلما اخذ يسوع الخل قال قد اكمل . ونكس رأسه واسلم
الروح"( انجيل يو 28:19)
وهذا
كان اتماما لنبؤات عديدة في كتاب موسى والانبياء , واخص منها بالذكر ما كتبه داود
في لسان الرب, فيقول: "لانه قد أحاطت بي كلاب . جماعة من الاشرار اكتنفتني. ثقبوا
يديَّ ورجليَّ. وأحصي كل عظامي.وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ. يقسمون ثيابي بينهم
وعلى لباسي يقترعون (راجع المزمور (22: 16-18 واش53) ويكتب اشعيا ايضا: "في
ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الهاربة , لوياثان
الحية المتحوية ويقتل التنين الذي في البحر (اشعيا 27: 1). وقد عنى به ابليس. وقوله ايضا: "محتقر ومخذول من الناس رجل
اوجاع ومختبر الحزن ....لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها .وهو مجروح لاجل
معاصينا مسحوق لاجل آثامنا...كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الىطريقه والرب وضع
عليه اثم جميعنا....وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته على انه لم يعمل ظلما
ولم يكن في فمه غش" (راجع اش 53).
ز
_ ارسال الروح القدس- فقد قال الرب لتلاميذه : انه "خير لكم ان انطلق .
لانه ان لم انطلق لا ياتيكم المعزي .ولكن ان ذهبت ارسله اليكم" ( يو 16: 7 )
وفي ( يو 15: 26) قال لهم: "ومتى جاء المعزي الذي سارسله انا اليكم **من الاب
روح الحق الذي من عند الاب ينبثق فهو يشهد لي." وتابع قائلا: "اما
متى
جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع
يتكلم به ويخبركم بامور آتية. ذاك يمجدني لانه ياخذ مما لي ويخبركم.
كل ما للآب هو لي" (يو 16: 13-15)
-------------------
ملاحظة :-من اين جاء
البشر بعقيدتهم الثالوثية هذه يا ترى , سوى من تعليم الاباء القديسين والانبياء الواردة اسمائهم في سفر التكوين قبل الطوفان
وبعده . الى ان جاء رجل الوحي العظيم موسى, فكتب اسفاره الخمسة معلن فيها
الحقائق الإلهية للبشر. وهي لم
تزل تشهد الى هذا اليوم . فاننا عندما نقرأ التاريخ في هذا الخصوص نجد ان معظم
الديانات الوثنية كان لها ثالوث تقليدي كاذب تعبده . فانك ترى في الهند مثلا,
برهما وزيفا وفشنو. وفي مصر هوريس وايزيس وايسيس. وفي بابل شَمَسْ وعشتر وسان .
وهذه الآلهة المتعددة عند البشر , مع كل رداءة معتقدها وتزويرها للحقائق الالهية
بواسطة ابليس وجنوده , فهي لم تزل تشهد الى هذا اليوم, ان لهذا التعليم عن جامعية
الله وواحديته اساسا مؤسسا في طبيعة تفكير
الانسان المخلوق على صورة الله . وقد رافقهم من بدء الخليقة الى الطوفان . وقد انتشر بعده من جديد
بواسطة رجل الله نوح واولاده سام وحام ويافث. وحيث ان الانسان بعد الخطيئة قد بات
من طبيعته الحيدان عن الله وانبيائه
واولاده. فقد جنح هذا الانسان الى العبادة الباطلة وتعدد الآلهة , من طيور ودبابات
وزحافات. يكتب الرسول في الانجيل: "وبينما هم يزعمون انهم حكماء صارو جهلاء.
وابدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الانسان الذي يفنى.والطيور والدبابات والزحافات.
لذلك اسلمهم الله في شهوات قلوبهم الى النجاسة لاهانة اجسادهم بين ذواتهم" (راجع الانجيل الرسالة الى رومية الاصحاح الاول من العدد18). ومكتوب ايضا: "سأبيد حكمة الحكماء وارفض فهم الفهماء. اين الحكيم. اين الكاتب . اين مباحث
هذا الدهر . الم يجهل الله حكمة هذا العالم . فانه اذ كان العالم في حكمة الله لم
يعرف الله بالحكمة استحسن الله ان يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة ". (راجع
الانجيل الرسالة الاولى الى كورنثس
ابتداء من عدد 17). ولزيادة المعلومات
إقرأ ايضا كتاب سوسنة سليمان في اصول العقائد والاديان. او كتاب دين ابراهيم لمؤلفه الشيخ محمد الزغبي.
-----------------
ثالثاً -عمل اقنوم الروح القدس وطبيعته كاقنوم
نقرأ في كلمة الله ان الروح القدس هو
شخصية الهية كاملة,كالآب والابن في كمال طبيعتهم اللاهوتية الواحدة. وله عمل منفرد
في خلاص البشر كاعمال الآب والابن
المنفردة ايضًا. قال الابن في هذا مشير
الى استقلالية الاقانيم في الاعمال : "ابي يعمل الى الآن وانا اعمل" (يوحنا 5: 17). وقال ايضًا لتلاميذه عن
الروح القدس: "لكني اقول لكم الحق انه خير لكم ان انطلق . لانه ان لم انطلق
لا ياتيكم المعزي . ولكن ان ذهبت ارسله اليكم" (يوحنا16: 7). "ومتى جاء
ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق ... ذاك يمجدني لانه ياخذ
مما لي ويعطيكم "(راجع يو 13:16 -14)
والروح القدس هو المرشد الامين لمعرفة الآب (يو16: 25) ومساعد الابن في الخليقة (تكوين 2:1) وهو مع الآب مرسل الابن في العهد
القديم (اشعيا48 : 16) وموحي الانبياء (
2بط 1: 21) ومبكت العالم على خطيئة وعلى
بر وعلى دينونة ( يو16: 8) وناخس القلوب
حتى تاتي الى المخلص الوحيد وتستفيد من
كفارته المجانية (اعمال 2: 37) . وساكن المؤمنين كهيكل دائم له (1كو6 : 9) ونحن
المؤمنين مختومين به الى مجيء الرب (افس 1: 13) وهو رئيس العمل في ورشة
الخلاص يقيم من يشاء ويعزل من يشاء . وقد
قال ذات يوم للمسؤولين في كنيسة انطاكية : "افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما اليه.فهذان اذ أُرسلاَ
من الروح القدس انحدرا الى سلوكية"( اعمال4:13) وفي خاتمة المجمع
الاورشليمي الاول, كانت النتيجة قول الرسل: "لانه قد راى الروح القدس
ونحن ان لا نضع عليكم ثقلا اكثر غير هذه الاشياء الواجبة , ان تمتنعوا عما ذبح
للاصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي ان حفظتم انفسكم منها فنعمًّا تفعلون كونوا
معافين "(راجع اعمال28:15).
وقد وبخ الرسول بطرس حننيا بقوله : "يا
حننيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس ... انت لم
تكذب على الناس بل على الله" . والروح القدس مرشد الكنيسة الى اتباع
الحق الكتابي في عدم اهتمام وخوف من البشر ( لوقا 12: 12 و(مرقس13: 11 ) وهو حافظ وحدة الروح في
المؤمنين الى مجيء الرب (روميه13:12 )
واخيرا فقد صرح الروح القدس ان "ليس احدٌ يقدرُ ان يقولَ يسوعُ ربٌ
الا بالروح القدس". (1كو3:12 ).
جامعية الله وواحديته في التوراة والانجيل
يكتب
موسى نبي الله الملهم في بداية سفر التكوين ,مستعملا اسم الله سبحانه في صيغة
الجمع قائلاً : "في البدء خلق الله "-إلوهيم -"السموات
والارض". وهذه العبارة إلوهيم, هي جمعُ للإسم العبري إيل او إلوهَ
. فكأني بالنبي موسى يكتب لنا هنا "في البدء خلق الآلهة السموات
والارض . وكأن الله سبحانه تعالى يريدنا ان نؤمنَ بجامعيتهِ الازلية وصفاته العاملة
معه منذ البداية, وذلك رغم كل الصعوبات الفكرية والاجتماعية والطائفية, التي من
شأنها ان تحول دون ذلك.
ان
معرفة الله وصفاته في اقانيمه العاملة منذ الازل, لهو تعبير عن ذات الله الواحد
الاحد نرى موسى, بعد ان كتب عن الله إيلوهيم في صيغة الجمع, يكتب ايضا إيل
في صيغة الفرد فيقول: ورأى الله ذلك انه حسن "فخلق الله
الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأُنثى خلقهم.
وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملاؤا الارض
وأخضعوها"(سفر تكوين 27:1) .
ويكتب ايضا:"وجبل الرب الاله آدم
تراباً من الارض. ونفخ في انفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حية" (سفر
التكوين 7:2). ويزيد قائلا : "وأخذ الرب الاله آدم ووضعه في
جنة عدن ليعملها ويحفظها".(تك15:2) الخ.
نعمل الانسانَ على صورتنا كشبهنا
من
ثم, يكتب موسى,عن جامعية الله المانعة فيقول بلسان الله سبحانه: "نعمل
الانسانَ على صورتنا كشبهنا" (تك 26:1).وهوذا الانسان صار كواحد
منا عارفاً الخير والشر (تك22:3)."وفي
حادثة بناء برج بابل بعد الطوفان يقول موسى: :وقال الرب هوذا شعب واحدٌ
ولسان واحدٌ لجميعهم…هلم ننزل
ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض" (تك 5:11)
ونرى
هنا ايضا رب الجنود وهو المسيح ذاته (راجع يو41:12),يتكلم عن نفسه في صيغة الجمع
والفرد في وضوح تام وآنٍ واحد.كقوله عندما ظهر لاشعيا في الهيكل وقد سبحته
الملائكة قائلة:" قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض"…فقال
الرب: "من أُرسل ومن يذهب لاجلنا.فقال اشعيا هأنذا ارسلني
"(راجع اش8:6).
ان عبارة أحَد,
في اللغة العبرية تعني في العربية الواحد الجامع وليس الفرد (راجع الحاشية
السفلية في التوراة المشوهدة . اذ قال الله في (تك 5:1 ) بعد أن خلق النور : وكان
مساءٌ وكان صباحٌ (هما) يوماً واحداً ( أحد). وايضا: يترك الرجل اباه وامه
ويلتصق بامراته _ ويكونان جسدا واحدا ( احد ) (تك24:2). واسمع يا اسرائيل
الرب الهنا رب واحد (احد ) تث 1:6). وعبارة يَحَدْ في العبرية ,
تعني الواحد المجرد البسيط كقوله : ليس حسنا ان يكون الرجل وحده ( يحد)
لنخلق له معينا نظيره (تك 18:2). ويمكن الظن ان الرسول الكريم عندما أُمر ان يتلو
سورة الاخلاص التي تقول: قل هو الله أحَدْ.الله صَمَد. ربما كان يشار بها
الى احدية الله الجامعة اسوة في كتب الله التي سبقته وقد شهد لها.
موسى يحذر شعب الله من الأخذ بتعداد الآلهة
مع
كل ما جاء به موسى من الوضوح في جامعية الله وواحديته نراه اخيرا يحذر شعبه من الاخذ بتعداد الآلهة فيقول : "اسمع يا
اسرائيل, "الرب الهنا رب واحد"( تث6 :4). وقال ايضاً: "الرب الهك تتقي وإياه وحده تعبد وبإسمه تحلف"( (راجع سفر تثنية
4:6-13).ويبدء الله بكتابة الوصايا العشر بقوله: "انا الرب الهك الذي
اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية لايكن لك آلهة اخرى امامي"
(راجع سفر الخروج 1:20).وفي تثنة (25:4) يزيد موسى لشعبه قائلا: "انك قد
أُريتَ لتعلم ان الرب هو الالهُ. ليس آخرَ سواه".
وها
اشعيا بدوره يحذر شعب الله ايضاً من الوقوع في تعداد الآلهة فيقول: "فبمن تشبهون
الله وأي شبه تعادلون به"( اش18:40). وفي عدد (25) يتابع بلسان الرب
ويقول: "فبمن تشبهونني فأُساويه يقول القدوس .اليس انا الرب
ولا اله آخرغيري.اله بار ومخلص.ليس سواي. التفتوا
اليَّ واخلصوا يا جميع اقاصي الارض لاني انا الله وليس آخر"…"وانه لي تجثوا كل ركبة ويحلف كل لسان".
اقرأ ايضا اشعيا 18:45-25).ويقول داود النبي: "لا مثل لك بين الآلهة
يا رب ولا مثل اعمالك…
لأنك انت الله وحدك"
(مزمور8:86).إقرأ ايضاً اشعيا الاصحاح (44) عن احدية الله.
كما في التوراة كذلك في الانجيل
وعندما
نأتي الى الانجيل نرى هناك تحذيرات أُخرى لا تقل قوة وخطورة عما انذرتنا به
التوراة. يقول الرب جوابا على سؤال من كاتب يهوديٍّ سأله فيه عن الوصية العظمى بين
الوصايا العشر: "ان اولَ كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل. الرب الهنا رب
واحد"(مر29:12). "فقال له الكاتب: جيداً يا معلم.بالحق قلت لان الله
واحد وليس آخر سواه" (اقرأ مرقس28:12-34).
ويكتب الرسول بولس في الانجيل يدوره فيقول: "نعلم ان ليس وثن في العالم وان ليس اله آخر الا واحداً". وقوله
ايضا: "كما يوجد آلهة كثيرون وارباب كثيرون. لكن لنا إله واحد الآب الذي
منه جميع الاشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الاشياء ونحن
به"(1كو4:8-7).
وفي
الرسالة الى (1تيمو5:2و6) نقرأ ما يلي : " لأنه يوجد اله واحد ووسيط
واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح, الذي بذل نفسه فدية لاجل الجميع
"الخ. والرسول يعقوب يكتب الى المؤمنين بالمسيح الذين قد جاؤا اليه من اليهود
وكانت اعمالهم لم تزل غير مرضيَّة امام الله, فقد اكتفوا بنعمة الايمان بالمسيح
دون الاعمال التي تمجد الله فيقول للواحد منهم: "انت تؤمن ان الله واحد. حسناً
تفعل . والشياطين ايضا يؤمنون ويقشعرُّون "(راجع الانجيل رسالة يعقوب
19:2).
لا بد ان تأتي
العثرات ولكن ويل لمن تأتي عن يده
ان
المؤمنَ بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر, عليه ان يتفهُّم الحقائق الالهية كما هي في كتب الله,حتى لا
يعاود هذا الانسان محاولة اتهام الله وكُتُبهِ بالتبديل والتحريف والتخريف,
كي يبقى هو في جهله . اما هذا
الاتهام لكتب الله, فهوخطير جدا في نظر
الله وليس له أي مبرر. وهو ايضا من الكلمات الصعبة البطالة, التي تعثر النفوس
وتقودها الى جهنم النار الابدية وبئس المصير. وقد نهى الرب عنها بقوله: "من
أعثر هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له ان يعلق في عنقه حجر الرحى ويُغرَقُ في
لجة البحر. ويل للعالم من العثرات. فلا بد ان تأتي العثرات ولكن ويل لذلك
الانسان الذي به تأتي العثرة " إقرأ الانجيل متى (6:18و7).وهذا الاتهام لكتب الله
بالتحريف,هوَ من شأن الضعفاء وقصيري البصر والبصيرة الذين لا يرون من الحقيقة سوى
قشورها. وهم لا يريدون الاستنارة من كتب الله واصحابها,اهل الكتاب المنيركما
أمرالرسول الكريم بالرجوع اليهم في كل أمرٍ يتعلق بالحياة الروحية. وذلك لخيرهم.
ننتهي هنا بالقول : ان المسيح وهو الوجيه في الدنيا والآخرة (آلعمران45), وقد
أنيطت به دينونة الاحياء والاموات. قد صرَّح بما سيحدث في نهاية هذا العالم فقال :"يرسل ابن الانسان"-أي المسيح- "ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع
المعاثر وفاعلي الاثم. ويطرحونهم في اتون النار. هناك يكون البكاء وصرير
الاسنان"راجع الانجيل (مت41:31و42). يكتب الرسول بطرس : "لاننا لم نتبع
خرافات مصنعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين
عظمته" (2بط 16:1).
اقنوم المسيح في الله الواحد
ان
المسيح عيسى ابن مريم وهو واحد مع الله , له صفات الله واسمائه الحسنى نفسها, كما جاءت في كتب الله.وان كان ذلك يأتي بالبداية في صور غير واضحة
بالنسبة الى الذين يقرأون القرآن ظرفيا, او يسمعونه ملحنا على الطريقة الحبشية
والسريانية احيانا.
والقرآن
بدوره لم يتكلم عن خلاص الانسان سوى بكلماتٍ مختصرة ويعوزها الوضوح احياناً.
تاركاً امر تفصيلها الى كتب الله الموسَّعة التوراة والانجيل. وقد شهد لها وامر
بالرجوع اليها وتلقِّي الحقائق الروحية- الإلهية منها في كل حاجة.
هذا
وان القرآن يَعتَبرُِ المسيح
انه روح الله وكلمته الخالقة -المحيية . لهذا يقول : ان المسيح عندما
اتخذ جسداً من العذراء المباركة واصبح رسولاً لبني اسرائيل قال لهم : "اني قد
جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطيرفانفخ فيه فيكون
طيرا باذن الله وابريء الاكمه والابرص واحيي الموتى باذن الله وانبئكم بما تاكلون
وما تشربون في بيوتكم". (راجع سورة ال عمران 44-49 ومائدة 110).
والملاحظ اننا عندما نأتي الى انجيل الهدى
والنور, بحسب ما جاء عنه في القرآن الكريم , نرى ان المسيح,الذي كان يشفي العمي
ويطهر البرص ويقيم الموتى,كان يقول لهم اشفوا واطهروا فيطهرون, وللموتى قوموا من
الموت فيقومون. فانه ذاته, كما تخبرنا الكتب ,كان كلمة الله المتعامل مع شعبه
على الارض. وقد كان
مُرسَلاً من لَدُن ابيه لخلق الكون وعمل الكفارة وما يحيط بها من
اعمال ضرورية لخلاص الانسان. لا يستطيع ان يقوم بها سوى الله وحده جل جلاله لاشريك
له. وكان مدفوعاً له كل سلطان في السماء وعلى الارض . فالمسيح ً هو المنفِّذُ
الوحيد لكل اعمال اللاهوت في الكون, من خلقٍ واعتناء وفداءٍ وقضاء في اليوم
الاخير.
لقد جاء المسيح وهو الاله العجيب (راجع
اشعيا6:9), من قِبَلِ ابيه السماوي رسولاً
وخالقاً للجميع , فيقول الوحي بوسطة اشعيا عن المسيح كما تكلمنا في موضع
آخر:"انا هو.انا الاول وانا الآخِر ويدي اسست الارض
ويميني نشرت السموات. انا ادعوهنَّ فيقفنَ معًاً"وفي نهاية المقطع
والعدد (16) يتابع الرب قوله: "والآن السيد الرب ارسلني وروحه".
(راجع اشعيا (12:48-16)
فبناء
على ما تقدم في هذا المقطع من اشعيا, نرى الثالوث الاقدس في اجلى معانيه وكلماته.
ففي الآية12) نرى اقنوم الرب"الابن"وهو الاول والآخر. وخالقاً السموات
والارض وما بينهماَ يقول:"انا هو."انا الاول وانا الآخر (وهذه العبارة
رددها الرب يسوع المسيح مرارا كثيرة في
ايام جسده. (اقرأ رؤ 11:1و8:2و13:22)الخ. ويتابع الرب:ويدي اسست الارض
ويميني نشرت السموات".وفي هذا ايضا (راجع قول داود مز45 و102) فيقول :
واما عن الإبن كرسيك يا الله الى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. احببت
البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك
الله الهك بزيت الابتهاج اكثر من شركائك". وفي العدد(16) نسمع الرب,خالق الكل
يقول: "تقدموا اليَّ اسمعوا هذا.لم اتكلم من البدء في الخفاء.منذ وجوده انا هناك
والآن السيد الرب ارسلني وروحه".
ان
المسيح هو مُرْسَلٌ من الآب والروح القدس قبل تأسيس العالم . فان اعمال
الله جميعها ازلية. يقول صاحب رسالة العبرانيين (14:9) مشير لهذا العمل الازلي : "فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه لله بلا عيب
يطهرضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي. وميخا النبي في القديم يخاطب بيت
لحم, وهي المدينة الحقيرة التى ولد فيها المسيح بحسب الجسد فيقول :" أما انت
يا بيت لحمٍ أفراتةَ وانت صغيرة ان تكوني بين الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون
متسلطا على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ ايام الازل".
انا رئيس جند الرب الآن أتيت**
وعندما ناتي الى يشوع
وهو خليفة موسى في قيادة شعب اسرائيل. نرى هناك ان الرب قد ظهر له بالقرب من اريحا
بهيئة رجل وسيفه مسلول بيده.فسار يشوع اليه وقال له هل لنا انت او لأعدائنا. فقال له كلا
بل انا رئيس جند الرب فسقط يشوع على وجهه الى الارض وسجد وقال له بماذا
يكلم سيدي عبده فقال رئيس جند الرب ليشوع :اخلع نعلك من رجلك لأن المكان
الذي انت واقف عليه هو ارض مقدسة. ففعل يشوع كذلك.
----------------
ملاحظة : ان يشوع وقد
اختاره الرب خليفة لموسى بعد موته . فانه من غير المعقول ان يسجد لانسان دون ان يعرف انه الرب الاله
ذاته . فان موسى كان قد اوصى شعبه قائلاً : للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد (راجع
تث13:6ومت10:4). ونرى هنا الرجل وهو رئيس جند الرب,لم يكتف من يشوع بالسجود له
فقط,بل أمره قائلاً: "اخلع نعلك من رجلك لأن المكان الذي انت واقف عليه هو مقدس. ففعل يشوع كذلك".
حينئذ أخذ الرب يكلم يشوع فيقول الوحي : " فقال الرب ليشوع.انظر. قد دفعت
بيدك اريحا وملكها وجبابرة البأس فيها "(راجع يش 13:5-3:6)هذا من جهة, ومن
جهة أخرى, نقرأ في كلمة الله, ان الملائكة والقديسين من البشر, لا يقبلون السجود
او الانحناء امامهم كما فعل يشوع هنا امام هذا الرجل. لان السجود في كتب الله هو
لله وحده.مثالٌ لذلكَ,نقرأُ في سفر الرؤيا ان الرسول يوحنا عندما كان مأخوذا في الروح في اليوم الرباني حاول ان يسجد للملاك
الذي منعه.قائلا: "انظر لا تفعل. لأني عبد معك ومع اخوتك الذين عندهم شهادة
يسوع. اسجد لله" (رؤ 1019 و9:22 ). وعندما نأتي الى اعمال الرسل نجد هناك ان
الرسول بطرس بدوره ينتهركرنيليوس,عندما حاول هذا الاخير ان يسجد امامه بقوله: قم
انا ايضا انسان (راجع اع 26:10). ان المعنى الاعمق في هذا يكمن في ان يشوع رجل
الله,وخليفة موسى في قيادة شعب الله, لم يسجد لاحد الملائكة ,كما يظن البعض, بل
انه قد سجد بعد ان عرف نفسه أنه امام الرب ذاته المحتجب في هذا الرجل. وهو الرب
المسيّا ذاته ملاك العهد القديم
(راجع (ملاخيص3).
وعندما ظهر المسيح كإبن الانسان الممجَّد
لدانيال النبي وتكلم معه سجد دانيال امامه الى الارض. يقول دانيال: "وإذا بيد
لمستني واقامتني مرتجفاً على ركبتيَّ وعلى كفَّي يديَّ وقال لي: يا دانيال ايها
الرجل المحبوب افهم الكلام الذي اكلِّمك
به وقم على مقامك لأني الآن أُرسِلتُ
اليك (راجع سفر دانيال ص10:10و11) وفي النهاية عندما رأى الرب ان دانيال لم يعد
يضبط قوة, ولم تبقَ فيه نسمة , يقول دانيال : "فعاد ولمسني كمنظر إنسان
وقوَّاني وقال: لا تخف ايها الرجل المحبوب سلام لك". اقرأ سفر دانيال (10).
فاصنع
لي علامة انك انت تكلمني
عندما ظهر الرب لجدعون وقد اختاره ليخلص شعبه اسرائيل من
المديانيين وكان يخبط حنطة. يقول الوحي:"فظهرله ملاك الرب"-أي
رجل مرسل من الرب- "وقال : الرب معك يا جبار البأس. فقال له
جدعون أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا اصابتنا كل هذه واين كل عجائبه التي
اخبرنا بها ابائنا قائلين قد اصعدنا الرب من مصر.الآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف
مديان"يقول الوحي,"فالتفت اليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلص
اسرائيل من كف مديان. اما ارسلتك. فقال له اسالك يا سيدي بماذا اخلص
اسرائيل. ها عشيرتي هي الذلَّى في منسَّى وانا الاصغر في بيت ابي. فقال له الرب اني اكون معك وستضرب
المديانيين كرجل واحد".وعندما تأكد جدعون انه يتكلم مع الرب ذاته قال
له: "ان كنت قد وجدت نعمة في عينيك فاصنع لي علامة انك انت تكلمني".
وبعد ان فعل الرب يقول:"فرأى جدعون انه ملاك الرب. فقال جدعون آه
يا سيدي الرب لاني رأيت ملاك الرب وجها لوجه . فقال له الرب السلام
لك. لاتخف. لا تموت .فبنى جدعون هناك مذبحا للرب ودعاه يهوه شلوم.
أي سلام يهوه".لان الذي ظهرله هو يهوه الرب ذاته, مسيَّا
اليهود المنتظر رئيس السلام (راجع قض
11:6-25واش6:9).
لماذا تسأل عن اسمي
وهو عجيب
ورئيس السلام نفسه الذي
دعيَ فيما بعد" يسوع المسيح" قد ظهر ايضا لمنوح وامرأته في هيئة رجل
الله وبشرهما بشمشون. وبعد ان انهى الرجل مهمته معهما. قال منوح لملاك
الرب: دعنا نعوقك ونعمل لك جدي معزى فقال ملاك الرب لمنوح وان عوقتني
لا آكل من خبزك. وان عملت محرقة للرب اصعدها".عندها سأله منوح قائلا : "
ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك. فقال له رجل الله : لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب".
وما هذا الاسم "عجيب" سوى اسم الرب
"المسيح "نفسه كما كُتِب في اشعيا (6:9) اذ يقول : "لانه يولد لنا ولد
ونعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها
قديرا ابا ابديا رئيس السلام" (اش6:9).
"فاخذ اذاك منوح جدي المعزى والتقدمة
واصعدهما على الصخرة للرب. فعمل الرب عملا عجيبا ومنوح وامرأته ينظران. فكان عند
صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء ان ملاك الرب صعد في لهيب المذبح ومنوح وامرأته
ينظران. فسقطا على وجهيهما الى الارض ..فقال منوح لامرأته,نموت موتا لاننا قد
رأينا الله فقالت له امرأته: لو اراد الرب ان يميتنا لما اخذ من يدنا محرقة
وتقدمة ولما ارانا كل هذه (اقرأ سفرالقضاة 13)
من هو اله المجد الذي ظهر لأبينا ابراهيم
قال
الشهيد الاول للمسيحية استفانوس , مخاطباً جلاَّديهِ اليهود قبل رجمهِ : ايها
الرجال الاخوة والآباء اسمعوا. ظهر الهُ المجد لابينا إبراهيم وهو فيما بين
النهرين قبلما سكن في حاران وقال له: اْخرج من
ارضك ومن عشيرتِكَ وبيت ابيك وهلم
الى الارض التي أُريكَ فاجعلك أمة عظيمة واباركُكَ واعظمُ اسمَكَ وتكونُ
بركةً. وأباركُ مباركيكَ ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الارض" (اعمال
الرسل2:7وسفر التكوين 1:12).
نرى
في هذه القراءة ان اله المجد الذي ظهر وتكلم مع ابراهيم ودعاه من بين
النهرين هو اقنوم المسيح بالذات كلمة الله. وليس اقنوم الآب سبحانه. الذي لم يسمع
صوته احد قط من البشر ولم يرَ هيئته. وقد ارسل ابنه الوحيد الى العالم .
يكتب الرسول يعقوب الى جميع المؤمنين بالمسيح
ايضا, وخاصة الى اليهود منهم, وقد جاءوا اليه من الإثني عشر سبطاً الذين في الشتات
فيقول: "يااخوتي لا يكن لكم ايمانُ
ربِنا يسوعَ المسيحِ ربِ المجدِ في المحاباة" (يع1:2). والرسول بولس
يكتب بدورهِ عن الحكمة الالهية المكتومة التي لم يعلمها احد من عظماء هذا الدهر
فيقول : "لانْ لو عرفوا لَما صلبوا ربَّ المجدِ" (1كورنثس
8:2).
والمسيح هو : ملك المجد
يكتب داود وقد رآى ملك
المجد "المسيح قبل ان جاء في الجسد" (راجع ال عمران 48). "
داخلاً ارضنا, ليلبس طبيعتنا البشرية الساقطة ليرفعها ويمجدها فيقول: "ارفعنَ
أيَتُها الارتاج رؤوسكنَّ وارتفعنَ أيَتُها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد ".
فيجاوب ابليس, رئيس هذا الدهر الواقف على
بابه : "من هو هذا ملك المجد". فيقول المسيح : "الرب القدير
الجبار. الرب الجبار في القتال. ارفعنَ ايتها الارتاج رؤوسكنَّ وارتفعنَ أيَتُها
الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد".فيعاود ابليس متجاهلا الامر وساخراً
فيقول: "من هو هذا ملك المجد.فجاءه الصوت ثانية: "رب الجنود
هو ملك المجد" ( راجع مز 7:24-10). وفُتِحَت الابواب الدهريات على
مصراعيها, ودخل ملك المجد من هذه الابواب
الدهريات ولبس الجسد, واصبح بابا لحظيرة الخراف (يو1:10-9) . فوُلِدَ طفلاً
نظيرنا, وعاش بيننا. وبات لنا الطريق-السراط- والحق والحياة. ليقودنا في شخصه من
هذه الابواب الدهريات, الى الدهريات عينها, حيث نبقى معه الى ابد الآبدين
ودهر الدهريات آمين.
نسل المرأة
في كفارته يسحق رأس الشيطان
وان الله القادر على
كل شيء وهو المحبة ونبعها , اراد ان يفدينا في آلام ابنه بموته مصلوبا في الجسد
لكي يكفِّرَ عنا سيئاتنا. حتى لا يكون مصيرنا الموت الروحي الابدي, في جهنم النار
التي دودها لا يموت ونارها لا تطفأ. وبئس المصير.
بهذا يكتب الانجيل قول
المسيح : "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان لكي
لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لان الله لم يرسل ابنه الى
العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم"(راجع الانجيل ( يو16:3و17)
وإقرأ ايضا سفر العدد (9:21) عن حية موسى النحاسية التي رفعها الله على
خشبة وقد احيت شعب الله بعد الخطيئة المميتة التي صنعها في البرية.
ولاجل هذا العمل
العظيم جاء المسيح عيسى ابن مريم,كلمة الله, وحل في احشاء المباركة مريم
العذراء, ليكون نسل المرأة, وهي كما يدعوها القرآن مريم ابنة عمران, وكانت فتاة
طاهرة نقية لم تعرف رجلا. وإتخذَ
منها جسدا, ليصبح آدما بديلا. وبعد ان عاش على ارضنا 33سنة ونصف السنة,
ولكي يكمل العمل الذي قد جاء من
اجله, وهو الكفارة عن آدم الاول ونسله, اسلم نفسه لليهود طوعاً, ومات
المسيح على الصليب بحسب الشريعة الموسوية آنذاك ملعوناً لاجلنا. فانه
مكتوب: "ملعون كل من علق على خشبة", وذلك لكي يَحملَ اللعنة
عنا نحن البشر, وقد اتت الينا بالتسلسل من ابينا آدم, وعدم طاعتنا بدورنا لله (راجع الانجيل غلاطية 13:3) بالمقابلة مع سفر التثنية في التوراة (21 : 22و23) ,
وهذا العمل العظيم ,هو
تغطية لما اقترفه آدم وإمرأته حواء ونسلهما, يقول الانجيل : "من اجل ذلك كأنما بإنسانٍ واحدٍ
دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت
, وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع".(رو
12:5-21) و
وقوله ايضاً : "لانه ان كان بخطية واحد مات
الكثيرون فبالاولى كثيراَ نعمة الله
والعطية بالنعمة التي بالانسان
الواحد يسوع المسيح**قد ازدادت للكثيرين . فإذاً كما بخطية واحدة صار
الحكم الى جميع الناس للدينونة هكذا ببرِ واحدٍ صارت الهبة الى جميع الناس لتبرير الحياة"(رو 5 :18)…ولانه كما
في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (راجع
الانجيل1كو 15 وال عمران 48).
ببعض ما
جاء عن الكفارة والفداء في القرآن
ان التوراة تعج بذكر
الفداء والكفارة.وبنو اسرائيل انطلاقاً من أمر الله بالكفارة هذه, قضوا مئات
السنين بل الوفها وهم يقدمون الذبائح الحيوانية الرمزية في الهيكل اليهودي
في القديم. وهذه الذبائح جميعها كانت تشير الى المسيَّا الرئيس المنتظر. والذبح العظيم كفارة عن الخطايا.
كما ان القرآن يتكلم بدوره عن الكفارة والفداء في الكثير من
سوره وآياته بدءاً في قصة ابراهيم اب المؤمنين. وقد طلب الله منه ان يقدم ابنه
ذبيحة فاطاع. لكنه عندما وصل الى لحظة التنفيذ ارسل الله له كبشاً, ليكون فداءً عن
ابنه. ولقد كان هذا الفادي المرسَل الى ابراهيم حملاً بريئاً لا ذنب عليه. في هذا
يقول القرآن: وفديناه بذبح عظيم,الصافات 107). وقد دعاه القرآن ذبحا"
عظيماً لا لان الحَمَلَ المُفتَدي كان كبشًا عظيمًا بحد ذاته, بل لانه كان
يَرْمُزُ لشخصٍ عظيم هو مسيَّا اليهود المنتظر . وهو مَن كانت كل الذبائح اليهودية
ترمز اليه وقد ابتدأت في جنة عدن. الا ان هذه الكفارة ,اي كفارة المسيح, لا
يستفاد منها,مالم يؤمن الانسان بها اولاً, وما لم يتب بالتالي عن خطاياه. هذا هو
تعليم الله منذ البداية للدخول الى الجنَّةِ ولم يزل. وسوف لا يتغير. فان اللهَ
يطلب في البدايةِ من الانسانِ طاعةً لا ذبيحة. لان الطاعة تأتي بالذبيحة وكل ما
يرضي الله ايضا.اما العصيان على أوامر الله فله نتائجه الخطيرة. وقد ابتدأَ بها
الرب في جنة عدن , اذ انه قد البس آدم ابي البشر وامرأته حواء اقمصة من جلد الذبيحة
الاولى. وقد عَملَها الرب الاله, بعد خظيئة آدم وحواء, بنفسه**. والقرآن قد أكَّدَ
بدوره على ان الايمان في كفارة الله هو عنصر
أولي في خلاص البشر.
------------------------
** قال المسيح لليهود
مبينا انه هو الراعي الصالح الذي تكلم عنه الانبياء : وانا اضع نفسي عن الخراف.
ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي ان آتي بتلك ايضا فتسمع صوتي وتكون
رعية واحدة وراع واحد. لهذا يحبني الآب لاني اضع نفسي لآخذها ايضا. ليس احد
يأخذها مني بل اضعها انا من ذاتي.لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان آخذها ايضا.هذه
الوصية قبلتها من ابي.. فحدث ايضا انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام.فقال كثيرون
منهم هذا به شيطان وهو يهذي لماذا تستمعون له. آخرون قالوا ليس هذا كلام من به
شيطان. ألعل شيطانا يقدر ان يفتح اعين العميان (يو18:10)
لكن القرآن, لم يستفض في
شرح مسألة الكفارة وغيرها ايضاً من المواضيع الهامة التي تحتاج الى شرح مفصَّل .
اذ تعرَّضَ لها بصورة مختصرة. تاركاً امر تفصيلها , الى كتب الله في التوراة
والانجيل . فَدَلَّ عليها وأمَرَ بالرجوع اليها في كل مناسبة وحاجة لاهوتية-فقهية
يصعب حلها, تختص في الايمان بالله والخلاص الابدي. لا ان تبقىحقائق كتب الله
المنزلة في ايدٍ غير مسؤولة, بعيداً عن متناول الشعب الذي "لم يؤتى من العلم
الاَّ قليلاً" (راجع سورة الاسراء 85).وقد جاءته الهداية من الله مجاناً الى
صراط مستقيم, هذا ان طلبها وأخذها من يد الله مع الشكر.
في هذا يقول القرآن
مخاطب الرسول : "ان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك
فلا تكوننَّ من الممترين" سورة يونس(93). ويقول له ايضا: "وما ارسلنا
قبلك الا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". سورة الانبياء (6) .
هذا هو تعليم الله في كتبه. واذ ناتي الى القرآن وحديثهِ عن
الكفارة ,سوف نجد بين سوَرِهِ الكثير عن كفارة الله وغفرانه بالفداء كما
سنرى يقول القرآن في فدية الصوم: "فمن كان منكم مريضًا او على سفرٍ فعدةٌ من
ايامٍ أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين" (راجع سورة البقره (184).
لكن الملاحظ هنا هو ان الكفارة المطلوبة من الانسان لخلاصه, هي كفارة الله,وليست
كفارة البشركما هم بها مكتفون. لان ------------------------
** ان الرب الاله نفسه
الذي قدم في جنة عدن الذبيحة الحيوانية الاولى كفارة عن الخطايا.وقد ستر بها خطيئة
آدم وامرأته حواء بعد المعصية. وقد علماها لاولادهما بعد خروجهما من الجنة. وابتدأ
هابيل يقدمها من ابكار غنمه كما سبق وبيَّنا. وقد استمر البشر في تقديمها على هذا
النحو الى ان جاء المسيح المرموز بها اليه
فأُبطلت على الصليب. يكتب دانيال النبي :"وفي وسط الاسبوع-وهو الاسبوع الاخير
من حياة المسيح البشرية على الارض , يبطل الذبيحة والتقدمة ( دا 27:9 فنرى ان الرب ذاته مسيَّا الذي بدأها في جنة عدن قد
اكملها بنفسه على الصليب
--------------------
كفارة البشر ليس لها
ثمن يتساوى مع قيمة حياة
الانسان-وعدل الله. فانه مكتوب فان اجرة الخطية هي موت. وان النفس التي تخطيء هي
تموت يقول الرب. ولكن الله بين محبته لنا لانه ونحن بعد خطاة مات المسيح لاجلنا
.(راجع الانجيل رسالة رومية 6:5والقرآن
سورة المائدة117وسورة مريم 33). فان هذا الامر هو ليس ببعيدٍ عن القرآن وروحه
وتعليمه. بل هو من صلبه كغيره
من كتب الله التي شهد لها.
ربنا فاغفر
لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا".
نقرأ في سورة ال عمران (193)"ربنا اننا سمعنا منادياً ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فآمنَّا
ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا".
هنا ايضا بالضرورة يبرز
السؤال . من هو هذا المنادي للايمان والكفارة معاً بين العرب يا
ترى, سوى ان يكون احد المسيحيين العرب الذين ينادون الى الايمان المجاني الكامل
الناتج من كفارة المسيح ؟. ونرى ان طلب التكفيرعن الذنوب
والخطايا كما قرأنا اعلاه, قد أتي بعد الايمان وطلب الغفران.لان طلب
الايمان والتوبة عن الخطايا هي من جهتنا نحن البشر. اما الغفران والكفارة فهي تأتي
من الله سبحانه . فان لم تكن كفارة الله ضرورية بعد الايمان, فلماذا تطلبها هذه
الجماعة اذًا ؟ وقدكتبها القرآن كمثال حي لكل من آمن بالله وكتبه.
وكفارة الله هنا
ليست كما يدعي البعض انها غفران الله. فهؤلاء يعتقدون, ان غفران الخطايا هو نفسه
بمثابة التكفير عنها. لكن هذه الافكار هي افكار مغلوطة. لا تتفق مطلقاً مع الواقع
هنا ومع كلمات الله في كتبه**. لان الغفران هو المسامحة والصفح. اما
التكفير فهو تغطية الدَين بدفعه كاملاً الى الدائن. وهكذا ----------------------
كما جاء في القرآن (سورة الانعام 156قوله : " ان تقولوا انما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا
وان كنا عن دراستهم لغافلين". وهذه الكتب التي غفل عن دراستها المسلمون
اليوم, فواضح انها كتب اليهود والمسيحيين التي تعج بكفارة الله عن الخطايا. وهي
تؤمن ان الله قادر على كل شيء ويستطيع ان
يفعل كل شيء.من اجل خلاص البشر..ولكن مفسري الشريعة,لم يأبهوا بهذه الكتب ولا همهم
امرها بل إدَّعوا بتحريفها, لكي يستمروا في في جهلهم لكتب الله. وهذا النوع من
الايمان بكفارة الله هو واجب على كل من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر ومهتم في مصيره ومصير شعبه الابدي , تحت طائلة المسؤلية عندما تأتي
الساعة ويعطي جوابا لله امام كرسي الدينونة وقد جاء في سورة المائدة (125) قوله: "لان اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعززتموهم واقرضتم الله قرضا
حسنا لاكفرنَّ عنكم سيئاتكم ولأدخلناكم جناتٍ تجري من تحتها الانهار".
--------------------
حدث في القديم فان
المسيح قد دفع الدين كاملاً, لتبرِأة
عدالة الله وقداستهِ. الذي يعجز الانسان الخاطي عن دفعه. هذا ما يسميه القرآن
كفارة الله. وقد اشترى بها المسيح نفوسنا
(راجع الانجيل رومية 8:5و9). ونقرأ في القرآن ايضاً: "ان الله اشترى
من المؤمنين أنفسَهُم وأموالَهمُ بأن لهم الجنة "(سورة
التوبة111). هذا هو مطلب هذه الجماعه بقولها: "ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر
عنا سيئاتنا".
وقد جاء في سورة الانفال (29) :"يا ايها الذين آمنوا ان
تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويغفر لكم ويكفِّر عنكم سيئاتكم".
بكلمات اخرى, عندما
يتقي الانسان الله, ويطلب منه الصفح يغفر له الله ويصفح عنه.
لكن عملية الخلاص لم تكتمل بعد. فهذا الانسان لم يزل بحاجة كما قرأتم الى "كفارة الله" التي صنعها بنفسه لاجل الانسان الخاطي لكي يدخل
بواسطتها فسيح جنانه. اننا لا نستطيع ان ندخل الجنة بالاستغناء عن كفارة الله هذه
وإطاعته. ذلك لان الكفارة التي صنعها الله من اجلنا هي بمثابة جواز سفرنا الى
الجنة, بل هي سمة الدخول اليها. وهذه سوف لا نحصل عليها سوى بالايمان بكفارة دم "الذبح العظيم", على جبل المريا,.
الذي اصبح فيما بعد
يدعىجبل الجلجثة, حيث رفع عليه المسيح مصلوباً . يقول القرآن: "وفديناه بذبحٍ
عظيم", هنا ايضا تبرز كفارة** الله بعد الاعمال الحَسَنَة التي يقوم بها
المؤمن بالله , ولكنه سوف لا يستفيد منها كما سمعنا, ما لم تتبعها كفارة الله لاجل تغطية الخطية ودفع الدين.
ان الايمان بالله والاعمال الحسنة هي من جهتنا , فهي ما نقدمه نحن في عملية خلاص
الله لنا, اما الغفران والكفارة فهما من صنع الله ذاته. ------------------
** ان من يقرأ موضوع
الخطيئة الاصلية في القرآن, يرى في كل وضوح وجلاء ان ما جاء عنها في كتب الله
التوراة والانجيل, هو صحيح ولا يقبل الجدل . ففي ما جاء عن ذبيحة هابيل الدموية
خارج جنة عدن. الى الذبيحة الدموية التي قدمها ابراهيم فداء لابنه على جبل المريا,
وما تخلل القرآن من احاديث عن الكفارة والفداء , تجد اعترافا صريحا كسائر الكتب من
ان الانسان بعد ان خلقه الله بريئا في جنة عدن قد خالف الوصية وطرد مع امرأته
حواء من حضرة الله الى خارج الجنة . يقول القرآن في هذا : لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سفلين"
(راجع سورة التين4). وكتب ايضا : وعصى آدم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (طه 120). و قال اهبطا منها
جميعا بعضكم لبعض عدو فاما يأتينكم مني
هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى." . ويشهد القرآن ايضا بقوله : "وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين فازلهما الشيطان عنها واخرجهما مما كانا فيه " ٍ (سورة طه 120و121). "فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجرة الخلد
وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة عدو
ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين" (راجع سورة الاعراف24).
-------------------
يقدمهما لنا بعد ان
نؤمن بهما اولا, ونعمل الاعمال المرضية امامه. قال يسوع : "انتم احبائي ان
عملتم ما اوصيكم به". وقد جاء في سورة التحريم (8) : "يا ايها الذين
آمنوا توبوا الى الله توبةً نصوحًا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ
تجري من تحتها الانهار".هنا ايضا يبرز الامر بالتوبة للمؤمنين وبالتالي يأتي
دور الله بتكفيره عن سيئاتهم ان كانت توبةً نصوحاً من كل القلب. ضرورة
تعليم الكفارة والفداء
ان تعليم الكفارة في
الكتب السماوية يجب ان يلفت انظارنا لضرورته. فهو جواز سفرنا الى الشركة الحقيقية
مع الله. لانه بدون كفارة
الله لستر خطايانا يظهر عرينا الروحي, وتنقطع الشركة معه. كما حدث لابوينا الاولين
في جنة عدن. الى ان غطى الرب خطيتهما بغطاءه الكفاري, وهو دم الذبيحة الاولى
التي ذبحت بيد الرب في جنة عدن رمزا للآتي. وقد أخاط الرب لهما من جلدها ثوبان,
ومما لا شك فيه ان الله قد أوصى آدم وحواء ان يعلِّماها لاولادهما الى ان يتم ملء
الزمان ويأتي المخلص" نسل المرأة" الذي وعد الله انه يسحق الشيطان
الممثل بالحية . لذا نرى قايين وهابيل اولاد آدم, يقدمان تقدمة وذبيحة خارج الجنة ( راجع تكوين 1:3-21).ونرى
ان تقدمة قايين قد رفضت من اساسها,لانها لم تكن ذبيحة دموية.
بالمقابل نرى ان تقدمة
هابيل قد قبلت لانها ذبيحة من ابكار غنمه (راجع كتاب موسى سفر تك4:4 ) . ونرى
القرآن بدوره يذكر هذه الحادثة فيقول: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا
قربانا فَتُقُبِّلَ من احدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخر قال لاقتلنك قال
إنما يتقبل الله من المتقين"(سورة المائدة 27). قال القرآن هذا بطريقته
الخاصة والمختصرة . آملاً من قارئه الكريم, المهتم في خلاص نفسه وخلاص عائلته
والآخرين -------------------------
كتب موسى
في فريضة الفصح وهي شريعة الدم التي يكفر بها الله عن النفس : "تكون لكم شاة
صحيحة ذكرا ابن سنة. تأخذونه من الخرفان او من المواعز. ويكون عندكم تحت الحفظ الى
اليوم الرابع عشر من الشهر.ثم يذبحه كل
جمهور جماعة اسرائيل في العشية. ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين
والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويا
بالنار مع فطير. على اعشاب مرّة ياكلونه. هو فصح للرب. فاني اجتاز في ارض
مصر هذه الليلة واضرب كل بكر في ارض مصر من الناس والبهائم . واصنع احكاما بكل
آلهة المصريين. انا الرب. ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي انتم فيها.
فأرى الدم واعبر عنكم. فلا يكون
عليكم ضربة للهلاك حين اضرب ارض مصر (راجع خروج 12).وان هذه جميعها كانت رمزا
للمسيح الفصح الحقيقي "الذي ليس بدم
تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة
واحدة الى الاقداس السماوية فوجد فداء
ابديا (راجع عب 12:9).
ايضا,
إذا اراد مزيدا من الوضوح في هذا الامر, وان يرى قيمة الدم في عملية الكفارة,
الرجوع اولا الى أم الكتاب"التوراة". أو الى الذين يقرأون الكتاب من
قبل. ويكتب القرآن هاديا الرسول ومنذرا من خلاله العرب بآنٍ : "ان كنت في شك
مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من
ربك فلا تكوننَّ من الممترين. ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون
من الخاسرين", سورة يونس (94و95).
هذا البعض من تعليم
الله في كتبه السماوية من جهة الكفارة. وقد رأينا فيه ان التكفير عن الذنوب
والخطايا, قد جاء في معظمه كما قرأتم , بعد الايمان وبعد الغفران. والكفارة
هنا هي ليست كما يدعي البعض انها الغفران,كما ذكرنا اعلاه. فهؤلاء يعتقدون ان
غفران الخطايا هو بمثابة
التكفير عنها. لكن, هذه الافكار لا تتفق مطلقا مع الواقع, ومع كلمات الله في كتبه.
لان الغفران هو المسامحة والصفح, اما التكفير من الله فهو تغطية الدين الى
عدالته سبحانه, الذي يعجز عن دفعه الانسان. وقد جاء في سورة الانفال (29) :"يا ايها الذين آمنوا ان
تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويغفر لكم ويكفر عنكم سيئاتكم".
ويكتب عن اليهود الذين
لم يؤمنوا بالمسيح وكفارته وهم من اهل الكتاب ايضاً يقول: "لو ان اهل الكتاب
آمنوا واتقوا لكفَّرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم. المائدة (64و65) .
والملاحظ
هنا ان القرآن, لم يذكر
حاجة اليهود سوى الى كفارة الله فقط. إذ ان مغفرة خطاياهم كانت تحصل بالذبيحة
الحيوانية التي كانت تقدم في خيمة الاجتماع, من ثم باتت تقدم في الهيكل الذي بناه
سليمان الحكيم على جبل المريا وهو المكان الذي ُفديَ عليه ابن ابراهيم بذلك
الذبح العظيم. (راجع الحاشية السفلية وجه11) من هذا الكتاب.وكان اليهود لا
يحتاجون معها سوى الى كفارة المسيح في مجيئه الاول, وقبولهم ذبيحة الصليب, فيقول "لو ان اهل الكتاب"-أي اليهود
هنا- "آمنوا"-أي قبلوا المسيح فاديا ومخلصا- "واتقوا لكفَّرنا
عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم".
ان المعنى الاعمق في هذا يكمن في انه دون كفارة
الله لاجل خطايا البشر,كان لا يمكن لله ان يعمل بمحبته وصفاته الحسنى لهذا
الانسان المخلوق على صورته ومثاله, وقد سقط من كماله الروحي بسبب او بآخر. وفي رأس
هذه القائمة الحرية والقداسة. التي دونهما لا يمكن ان يكون لنا عبادة صحيحة وشركة
في حياة ابدية مع الله. يقول
المسيح:"فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا (الانجيل يو 36:8). ويكتب
رسول العبرانيين : اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن
يرى احد الرب (الانجيل عب 14:12).
هذا هو تعليم الله في
كتبه السماوية . واذ ناتي الى القرآن واعلاناته, نجد ايضا ان التكفير عن الذنوب
والخطايا قد تكرر بين سوره وآياته مرارا, ربما اكثر من أي موضوع آخر . وقد جاء في
معظمه بعد الايمان بالله,كما قرأتم, وبعد التوبة والغفران ايضا. لان النعمة التي
يؤتى بها الينا من الله بالمسيح يسوع, هي نتيجة لإطاعتنا وايماننا في كفارته اولا,
وهي اللمسة الاخيرة في عملية خلاص الله المجاني للإنسان.
والكفارة, هي ليست
كما يدعي قومٌ انها غفران الله,(كما ذكرنا اعلاه). فهؤلاء يعتقدون ان غفران
الخطايا هو بمثابة التكفير عنها.
لكن هذه الافكار لا تتفق مطلقا مع كلمات الله في كتبه,حتى ولا بالنسبة الى العلوم
الانسانية والمنطق البشري. والفرق عظيم. لان الغفران هو المسامحة والصفح, اما التكفير
فهو تغطية الدين ,الذي يعجز الانسان عن دفعه فيصبح وكأنه لم يكن. وهذا ما حدث في
عمل المسيح الكفاري. على الصليب فقد بررنا وارجعنا الى تلك الصورة عينها
التي كان عليها ابونا آدم الاول في جنة عدن "قبل ان عصى ربه وغوى" هذا
هو الامتياز العظيم, الذي صار لنا من كفارة المسيح بشرائه الانفس الثمينة التي كان
ابليس قد اقتنصها لارادته (راجع (سورة طه121) والانجيل رومية ص 5-). وقد جاء ايضا في سورة الانفال (29) :"يا ايها الذين آمنوا
ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويغفر لكم ويكفر عنكم سيئاتكم". ونقرأ في سورة الفتح (4) :"ليدخل المؤمنين
والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان
ذلك عند الله فوزا عظيما".
هنا ايضا
يبرز السؤال من جديد : من اين جاء هذا الفوز العظيم لله من جهة المؤمنين
يا ترى ,سوى كما قرأنا اعلاه, من كفارته عن سيئاتهم. بذلك يكون الله قد
اشترى انفسهم وما تملكه ايديهم. بدفع الثمن كاملا على الصليب الى عدل
الله وتبرأته. كما جاء في التوراة, وكُتِبَ في الانجيل** وها اننا
نقرأه في القرآن ايضا.
----------------------------
**وكان ان
الرسول الكريم في هذه الآية اعلاه ,قد رجع بشعبه كعادته الى التوراة والانجيل
بقوله "وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن," ليريهم ان ما
كُتِبَ هنا في القرآن لم يأتي لتحريض الناس على تقتيل الناس,خارجا عن الجهاد في
الحروب, مهما كان من أمرٍ. ولأن الله قد اوصى في كتبه التوراة والانجيل بالتوبة
وعدم الحقد والانتقام بعد الحروب, التي لابد منها في هذا العالم الحاضر
الشرير. فقد كتب الرسول بولس في الانجيل نقلا عن التوراة المشار اليهما هنا: "لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب. لانه مكتوب:
لي النقمة انا اجازي يقول الرب"راجع التوراة سفر تثنية فصل:32 ).ويتابع الانجيل قوله: "ان جاع عدوك فاطعمه. وان عطش فاسقه .فانك ان فعلت
هذا تجمع جمر نار على رأسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير"
(راجع الانجيل رومية 19:12. و13: 1-7 و1بط 13:2و التوراة (تث35:32.).وان الكتب
المقدسة التي تنادي بدين الله تحتاج الى مسؤولين عندهم محبة الله والناس, وإطاعة
الملوك والحكام المقامين من الله عل شعوبهم . يكتب الوحي لتخضع كل نفس للسلاطين
الفائقة.لانه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى ان
من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله. والمقومون سيأخذون لأنفسهم دينونة (الانجيل رو13)
-------------------------------
وايضا
هناك اسئلة لاهوتية عميقة في القرآن الكريم تدورحول هذا الموضوع وغيره من المواضيع
الهامَّة لخلاص الله لآدم ونسله. لا جواب لها من المسئولين سوى السكوت والسير في طريق القضاء
والقدر. وكأن الله سبحانه غائبا عن المشهد. وإما,من
الناحية الاخرى, الاصغاء الى نصائح القرآن, بالرجوع الى الذين يقرأون الكتاب من
قبل كما نقرأ في سورة الانبياء (6) : "وما ارسلنا قبلك الا رجالاً نوحي اليهم
فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا
تعلمون". كما اننا نقرأ ايضا عن نصيحة موجهة الى الرسول نفسه قائلة :"ان
كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك
الحق من ربك فلا تكوننَّ من الممترين. ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله
فتكون من الخاسرين", سورة يونس (94و95). وهذا النوع من النصائح كما يظهر, هو غير مرغوب فيه عند مشايخ الامة سامحهم الله.
نرجع
ونكرر ونسأل من جديد .كيف اشترى الله انفس المؤمنين واموالهم بان
لهم الجنة يا ترى؟.هل اشترى ذلك بالمال والمشترى هو المال عينه.كما قرأنا في الآية
اعلاه-وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ؟؟ ( راجع ايضا سورة الفتح 4) .ْ وممن اشتراهم ؟سوى من إبليس الذي قد امسى سيد الانسان بعد الخطية . او ما هو الثمن الباهظ الذي
يتساوى مع انفس المؤمنين وما يملكونه الذي دفعه الله يا ترى ؟؟. هل هو دماء
الابطال, الذين قد جاهدوا مع
الرسول في حروبه ضد المشركين بين العرب, وقد سفكت دمائهم , فيكونون بذلك قد اشتروا
الجنة كما يشرحون. ولكننا إذ نقرأ هنا, في القرآن الكريم, نرى ان الله الذي اشترى,
وليس الابطال. فالمشتري هو الذي يدفع الثمن وليس الآخرين. فانه مكتوب" ان المسيح بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس
فوجد فداء ابديا "راجع التوراة لاويين ( 11:17). وانجيل المسيح سفر
العبرانيين 9: 22) الخ.
هل
نصدق "الله وكتبه ورسله وملائكته ". ام نبقى في الكلام فقط دون
العمل والحق. يقول الانجيل : من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا" وقوله ايضا:انت
تؤمن ان الله واحد.حسنا تفعل. والشياطين ايضا يؤمنون ويقشعرون. ولكن هل تريد ان
تعلم ايها الانسان الباطل ان الايمان بدون الاعمال ميت (يع19:2). لانه يجب ان الذي
يأتي الى الله يؤمن انه موجود وانه يجازي الذين يطلبونه"(راجع
ايضاالانجيل عبرانيين 11). وقد أنذر الرسول الكريم بقوله : "ومن لا يحكم بما انزل
الله فيه"-اي في الانجيل-" فاولئك هم الفاسقون
"(المائدة 43و67) وقال الانجيل تحذيرأ مماثلاً : "ومن لا يصدِّق الله
فقد جعله كاذباً" (راجع الانجيل 1يو 10:5).
ان المعنى الاعمق في
هذا يكمن في انه دون كفارة الله لاجل خطايا البشر,كان لا يمكن لله ان يعمل
في محبته ورحمته وعدله في آنٍ لهذا الانسان المخلوق على صورته ومثاله. وقد سقط
بسبب او بآخر. وفي رأس هذه القائمة الحرية التي أساء استعمالها فاقتنصها
الشيطان لارادته. أي ان آدم الاول مع زوجته أمنا حواء في سقطتهما هذه, قد باعا
بكوريتهما وذريتهما للشيطان الرجيم.كما فعل بعده عيسو اخو يعقوب. إذ باع بكوريته
هو ايضا. بأكلة عدس. من ثم عاد وطلبها بدموع فلم تعطى له .
لكن في تجسد الكلمة وصيرورته بديلاً عن آدم ,
فقد سوا القضية بتمامها. إذ نقل الى جسده الكامل بركة النسل الآدمي, وسار بها تلك
المرحلة الصعبة وهي حفظ الوصية, التي عجز آدم ونسله عن حفظها, من مياه الاردن الى
صليب الجلجثة. ثلاث سنوات ونصف السنة. وهناك متنا جميعا بموته وقمنا مبررين
بقيامته الى حياة جديدة افضل. . يكتب الانجيل : صار آدم الانسان الاول نفسا حية
وآدم الأخير روحا محييا. آدم الاول تراب من الارض. وآدم الاخير الرب من
السماء.وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي (إقرأ
الانجيل1كو45:15-49).
حينئذ تكلم الوحي قائلا: الرحمة والحق
التقيا البر والسلام تلاثما. الحق من الارض ينبت والبر من السماء
يطلع "(راجع مزامير داود 10:85). وقال ايضا :"العدل والحق
قاعدة كرسيك الرحمة والامانة
تتقدمان امام وجهك".ويتابع داود النبي في هذا : "لان خلاصه صار
قريب من خائفيه ليسكن المجد في ارضنا.
ويقول ايضا مترنما بمراحم الرب: "انفلتت انفسنا مثل العصفور من
فخ الصيادين, الفخ انكسر ونحن انفلتنا. عوننا باسم الرب صانع السموات
والارض آمين" (راجع التوراة مزامير داود 124: 7) .
هذا لان داود الملك
كان قد رأى بالوحي الالهي وكتب الكثيرعن فداء الرب, وتكفيره عن خطايا البشر.
فيخاطبه بقوله : "آثام قد قويت علينا معاصينا انت تكفر عنها "
(مز3:65). وكان ذلك بالموت على الصليب. إذ يكتب داود بلسان المسيح قوله :"ثقبوا
يديَّ ورجليَّ واحصي كل عظامي وهم ينظرون
ويتفرسون فيَّ , يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون"(راجع مزمور 16:22).
ذلك لكي تستطيع محبة الله الفائقة الحفاظ على
عدله ورحمته وحقه في آنٍ. هذه الثلاثة التي لا تجتمع سوى
في ذات الله.ولا
يُعملُ بها سوى في اقانيمه.وان هذا الانسان المخلوق على صورته تعالى,قد أُعطيَ
الوصية لكي يحيا بها بتعلمه الطاعة والشركة الابدية مع إلهه, وليس لكي يموت مع
نسله,كما حدث في جنة عدن . إذ ان آدم عوضا من ان يتعلم الطاعه فيحيا مع الله ونسله
الى الابد, عصى الوصية .كما كُتِبَ في القرآن ايضا: "عصى آدم ربه فغوى".
ويكتب الرسول بولس في هذا موضحا: "فلما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت انا .
فوجدت الوصية التي هي للحياة هي نفسها لي للموت (راجع رو7:7-11)..لذا , جاء المسيح
كانسانٍ كاملٍ بديلٍ لآدم العاصي وحفظ الوصية كاملة. فانه مكتوب ان المسيح: "بكونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كُمِّلَ صار لجميع الذين يطيعونه
سبب خلاص أبدي" (راجع الانجيل عب8:5). هذا.ومكتوب ايضا: ”كما بخطية الواحد
قد ملك الموت بالواحد فبالاولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر
سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح" (راجع ايضا الانجيل رسالة
رومية12:5-21).
هذا بعض ما كُتب عن
دور الله سبحانه في امر خلاصنا, أما دور البشر فيه فيكتب الانجيل عن ابينا ابراهيم
وبركته شارحا هذا الامر فيكتب: "اذا الذين هم من الايمان يتباركون مع ابراهيم
المؤمن لان جميع الذين هم من اعمال الناموس هم تحت لعنة لانه مكتوب ملعون كل من لا
يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به. ولكن ان ليس احد يتبرر
بالناموس عند الله فظاهر . لان البار بالايمان يحيا. ولكن الناموس "وهو
الوصية" ليس من الايمان بل الانسان الذي يفعلها يحيا بها"( راجع التوراة
سفر لاويين 5:18 ). ويتابع الرسول : "المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ
صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة "
-------------------------
فانه مكتوب في كتاب
الشريعة كما قرأنا اعلاه , وهو ما يدعوه القرآن أم الكتاب : " ملعون كل من لا
يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به" (راجع تث26:27
وار3:11وغلا10:3). ونقرأ في الانجيل: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ
صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة " ( غلا
13:3وتثنية 23:21). هنا يكمن المعنى في سر الفداء العظيم بحسب خطة الله في الكفارة
عن الخطايا . إذ ان المسيح بمجيئه الاول كآدم ثانٍ في الجسد, وبموته ملعونًا على
الصليب وهو البار. كان بعمله هذا قد احتمل اللعنة والدينونة والموت بديلا عن آدم
وذريته. إذ ان حكم الموت الذي استحقه آدم بعد جحوده, لو انه كان قد نفذ بعد معصيته
مباشرة , لما استطاع بعدئذ, بسبب شره
القيام من الموت. فيكون بذلك قد هلك آدم وذريته الى الابد. وبذلك ايضا يكون
الله سبحانه قد فشل وهذا لن يحدث البتة . اما في ظهور المسيح الكلمة كانسان في
الجسد وهو القدوس البار ,فقد حفظ الوصية المقدسة كاملة. وحمل في جسده عوضا عن آدم
نفوسنا. ذلك بعد ان مُسِحَ في مياه الاردن رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق. وسار بنا
الى جبل المريا وقد اصبح يدعى الجلجثة, وهناك صلبنا مع المسيح وقمنا ايضا معه
متبررين من كل شائبة,لحياة افضل. هذا هو الفداء. وهذا البعض عما جاء من كفارة الله
في كتبه , وهي لكل مهتم في رعاية شعبه وخلاصه في كل زمان ومكان الى ان يأتي المسيح
ثانية .
----------------
( غلا 13:3وتثنية
23:21). لتصير بركة ابراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح (الانجيل غلا9:3-14). فهذا الإله العظيم بالذات ,كما قرأنا إعلاه, اراد بملْء
اختياره ان يكون حمل الله ابيه الرافع خطايا العالمم (الانجيل يو 18:1).
وقد كان شرطاً ضرورياً
بالنسبة لخطة الله في خلاص الانسان وحفاظه على عدله ورحمته, ان يأتي هذا
الفادي من نسل المرأة, وبلا خطيئة. ذلك ليكون اهلاً ان يكمل القصد
الالهي-الازلي . هذا ما كُتِبَ في التوراة والانجيل وقد أشار اليهما القرآن بقوله:
ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم بان لهم الجنة. وانه الفوز العظيم
كما تبين سابقا . ويكتب لنا داود النبي في سفر المزامير , ان "الله
تطلع من السماء ورآى كل بني آدم , فاذا بهم قد زاغوا جميعاً وفسدوا واعوزهم مجد
الله ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد"(مزمور14و53). وايوب العربي يكتب لنا
بدوره : "هوذا عبيده لا ياتمنهم والى
ملائكته ينسب حماقة. فكم بالحري
سكان بيوت من طين الذين اساسهم في التراب ويسحقون مثل العث". (سفر ايوب18:4-20 و 14:14-16). او"من يخرج الطاهر من النجس.
لا احد" (ايوب4:14).
ففي
هذا الموقف يعلنها الروح القدس بواسطة عبده اشعيا فيقول: ان الرب تطلع من السماء
وساء في عينيه انه ليس عدل. ورآى انه ليس انسان وتحير من انه ليس شفيع. فخلصت ذراعه
لنفسه وبره هو عضده. فلبس البر كدرع وخوذة الخلاص على راسه ولبس
ثياب الانتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء...ويأتي الفادي الى صهيون"..(راجع
اش16:59-20). ويقول النبي ايضا تشددوا لاتخافوا. هوذا الهكم. الانتقام
يأتي.جزاء الله.هو يأتي ويخلصكم". (راجع اش3:35-7).
ويخاطب اشعيا ذراعي الرب التي سمرت على
الصليب لخلاص البشر فيكتب عن لسان المسيح قوله: "قريب بري. قد برز خلاصي وذراعايَ
يقضيان للشعوب.ايَّايَ ترجو الجزائر وتنتظر ذراعي".ويتابع النبي : "استيقظي استيقظي البسي قوة يا ذراع الرب . الستِ انتِ القاطعة رهب
الطاعنة التنين؟؟ (راجع اشعيا ص 4:51-10).
ان المعنى الاعمق في
هذا يكمن في تجسد المسيح الكلمة, وضرورة ظهور الله في جسد انسان كي تخلص ذراعه لنفسه بعد ان رأى عجز
الملائكة والبشر عن تخليصه.وهذا هو الموضوع الرئيسي لتجسد الكلمة وصيرورته آدماً
آخَراً وأخيراً (راجع 1كو45:15).
فهذا الابن الوحيد,وهو
يهوه اله بني اسرائيل بالذات , قد اصبح في ملء الزمان حمل الله ابيه
الرافع خطية العالم. فقد اتى روحاً وكلمةً "وحل بيننَا, يقول القرآن
في هذا ايضاً: "انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها
الى مريم وروح منه".
هذا المسيح, عندما رآه
يوحنا المعمدان, المدعو في القرآن (يحيَ ),اشار اليه وقال:"هوذا حمل الله
الرافع خطية العالم" ( يو 29:1). هذا ما نقرأه في التوراة والانجيل
اللذين قد شهد بصحتهما القرآن الكريم. وأنذر قائلاً: "ومن لا يحكم بما انزل
الله فيه فاولئك هم الفاسقون " وقال الانجيل تحذيرأ مماثلاً ايضا: من لا
يصدِّق الله فقد جعله كاذباً. (راجع 1يو 10:5).
فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما
وهذه
الامور الروحية المختصة في خلاص الله للبشر, لم يأتِ عليها القرآن بالتفصيل, للذين
قد جاء عنهم في سورة اسراء (85) قوله:"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي
وما أوتيتم من العلم الا قليلاً". فان الارواح وعالمهم الروحي قد تركت من
القرآن الى كتب الله التي سبقته وقد اشار اليها.
ونرى
القرآن الكريم قد أمر المسلمين الجدد,
المؤمنين برسالته في كل مكانٍ, بالرجوع الى اهل الكتاب واستشارتهم في كل امرٍ يصعب حلُّهُ. لاهوتياً كان ام
اجتماعيا.ربما كان ذلك لكي يؤلفوا شعباً واحداً لله, دستوره كتب الله, وهي
التوراة وصحف ابراهيم, وزبور داود, وكتب الانبياء . وانجيل المسيح. لأن القرآن, المعروف اليوم بهذا
الاسم, لم يكن قد اصبح كتابا بعد في ايام الرسول محمد. وعندما حاجه المشركون
بالكتب وبما اوتي موسىقال لهم: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى
منهما اتبعه ان كنتم صادقين"سورة القصص (48) . لقد ذكر الرسول الكتاب هنا
في صيغة المثنى التي قصد بها ان الكتاب المقدس بعهديه هو كتاب الله, كما ان هذان
الكتابان التوراة والانجيل, يحتويان على كتب الله جميعها المؤلفة من (66) كتابا.
ونقرأ ايضا في سورة الانعام (156) قوله : " ان تقولوا انما أُنزل الكتاب على
طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين". وهو الذي قال
كما سبق وذكرنا في سورة النساء (26) "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن
الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم".اي ان ارادة الله هي ان
الكل يهتدون الى سنَّة الله التي جاءت قبل القرآن, وهي بدون شك سنَّة المسيح عيسى
ابن مريم. سنَّة المحبة والغفران والكفارة. هنا ايضاً يمكننا فهم الآية القائلة : "ومن يكفر بالله وملائكته وكُتُبِهِ ورسلهِ واليوم واليوم الآخر فقد
ضل ضلالاً بعيداً"(سورة النساء 136.ويقول ايضا :"آمَنَ الرسول بما أُنزل
اليه من ربه,والمؤمنون كلٌ آمَنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله".
المسيح:حاملٌ كل الاشياء في كلمة قدرته
يكتب
صاحب رسالة العبرانيين في الانجيل : ان المسيح حامل كل الاشياء بكلمة قدرته.
فيقول: "الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره , وحامل كل الاشياء بكلمة قدرته,
بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا, جلس في يمين العظمة في الاعالي" (راجع عبرانيين
3:1).
ويتابع
قائلا: "واما عن الإبن كرسيك يا الله الى دهر الدهور. قضيب استقامة
قضيب ملكك. احببت البر وابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الله الهك بزيت الابتهاج اكثر من
شركائك"- اي اكثر من الملوك والكهنة والانبياء .الذين كانوا يُمسحون بالزيت
لتقديسهم وخدمتهم في الهيكل-(راجع ايضا سفر الخروج28).
ويتابع مخاطباً المسيح داعياً اياه الرب قائلاً:
"وانت يا رب في البدء اسست الارض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن
انت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن انت انت وسنوك لن تفنى" (اراجع الانجيل المنير رسالة العبرانيين ( 1:1-14). ويقول ايضاً: "يسوع
المسيح هو هو امساً واليوم والى الابد" (عب 8:13)
والرسول بولس يكتب بدوره في الانجيل: "فانه
فيه قد خلق الكل ما في السموات وما على الارض ما يرى وما لا يرى سواء كان
عروشا ام سيادات ام رياسات ام سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل
شيء وفيه يقوم الكل" اقرأ الانجيل رسالة كولوسي (12:1-22).
كان المسيح يقول للاموات قوموا فيطيعون امره
ويقومون. ويلمس آذان الصم فتسمع. وعيون العمي فتنفتح وترى. وجاءه ذات يومٍ اعمى
ليس له عيون البتة منذ ولادته, فاخذ المسيح ترابًا من الارض , وتفل فيه وجبله
طينًا كما صنع في جنة عدن عندما خلق الانسان الاول من تراب الارض ونفخ في انفه
نسمة حياة فصار الانسان نفسا حية. من ثم طلى بالطين عيني الاعمى فابصر(راجع انجيل
يو1:9-7).
ولا ننسىان المسيح
بحسبما جاء في الكتب, هو ليس من هذا العالم, ولا من نسلٍ بشريٍّ ملوَّثٍ نظيرنا.
بل هو الرب من السماء. وقد جاء في الجسد كنسل المرأة وآدماً ثانياً, دون تدخُّلٍ من البشر. يقول
رسول المسيح :"صار آدم الانسان الاول .نفسًا حية وآدم الاخير روحًا محييًا"…"الانسان
الاول من الارض ترابي. الانسان الثاني الرب من السماء" (راجع الانجيل
1كو 47:15).
اننا نحن البشر لا
يمكننا ان نتعرف على الله ومشيئته, سوى من خلال اعلاناته عن نفسه بواسطة انبيائه
وفي كتبه فنرى النبي اشعيا مثلاً يكتب في التوراة: "ها العذراء تحبل
وتلد ابنًا ويدعى اسمه عمانوئيل. الذي تفسيره الله معنا" (راجع
اشعيا الاصحاح (14:7ومت 23:1). وفي فصل آخر يكتب: "لانه يولد لنا ولد ونعطى
ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى
اسمه عجيباً مشيراً الهاً قديراً أباً ابدياً رئيس السلام" (اش6:9)
فلو لم يكن القرآن، كغيره من الكتب الروحية,
يتضمن اعترافا بالوهية المسيح وكفارته, لما امكننا فهمه عندما ينسب الى
المسيح اعمالاً وآياتٍ لا ينسبها لغيره من الانبياء والرسل والبشر اطلاقاً. نعني
عن المسيح: عمل الخلق واقامة الموتى وفتح عيون العمي وآذان الصم
وشفاء البرص. او نعني عجيبة الولادة العذراوية,
وارتفاعه حيا الى السماء , وتأييده بالروح القدس , الذي هو روح الله ايضاً
وواحد في جامعيته. وماذا نقول عن الوجاهة في الدنيا والآخرة التي للمسيح ؟ هذه
الوجاهة هي الشفاعة عينها. وذلك حسب تفسير كبار المفسرين المسلمين.
الوجاهة والشفاعة هي لله وحده
اما
الشفاعة والوجاهة في القرآن ايضاً فهي "لله وحده الذي خلق السماوت والارض وما
بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍّ
ولا شفيع افلا تذكرون" ( راجع
سورة السجدة (4).وفي سورة الزمر (43و44) يقول: "ام اتخذوا من دون الله
شفعاء"…"قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والارض ثم
اليه ترجعون".
اذاً,
فالشفاعة وتوأميها الوجاهة والولاية على ارواح البشر في الدنيا والآخرة, هي في
القرآن ,كما في كتب الله جميعها التي سبقت القرآن, لله وحده . وعمل الخلق هو لله
وحده . واعادة العيون والآذان الى وضعها الطبيعي وهو بمثابة خلق جديد, هو ايضا
لله وحده. واقامة الموتى لله وحده. وعلم الغيب لله وحده .
وسبحانه تعالى يأبى ان يكون له شريك من البشر في هذه جميعها. مهما عظم الانسان و
سما مقامه. انسانًا كان,ام نبيًّا, ام رسولاً سواء .
يتبين لنا من القرآن ان محمداً هو تحت الخطأ
والخطيئة كغيره من البشر. وقد امره الله قائلا: "قل انما انا بشر مثلكم يوحى
الي انما الهكم اله واحد"(سورة الكهف (110) , وفي سورة الزمر (30) يقول له: "انك ميت وانهم لمائتون ". ومن جهة الوجاهة والشفاعة في القرآن نرى انها
غير منوطة بمحمدٍ البتة. فنرى الوحي يتكلم الى الرسول ويسأله قائلا: "افمن حق
عليه كلمة العذاب افأنت تنقذه من النار" ؟ سورة الزمر(19). والجواب طبعاً هو
كلاَّ. افلم يقل له ايضا في سورة الاعراف (188): "قل لا املك لنفسي نفعاً
ولا ضراً الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما
مسني السوء ما انا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون".
فتلقىآدم من ربه كلمات فتاب عليه
قد
جاء في سورة البقرة (37) عن آدم ابي البشر القول :"فتلقى آدم من ربه كلمات
فتاب عليه انه هو التواب
الرحيم".
هنا
ايضا يبرز ايضا السؤال : فما هي هذه الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب
عليه يا ترى؟, سوىَّ ان تكون كلمات الرب عينها بعد الخطيئة في جنة عدن التي قالها
لابليس الممثل بالحية : وهي وعد الرب لآدم
وحواء بالكفارة عن خطيئتهم والفداء بتقديم الذبائح., وكانت تشير الى الرب نفسه
الذي سيأتي من نسل المرأة الذي سيسحق رأس ابليس , الحية القديمة (راجع تكوين
15:3واشعيا 27 :1 )الخ. بدفع الثمن كاملاً عن آدم ونسله بكفارته على الصليب .
ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد"
ان
الانبياء والرسل وكل المؤمنين بالله, هم بشر تحت الآلام نظيرنا. مهما عظم امرهم
وعلا شأنهم. فهم بحاجة مثلنا الى غفران الله وخلاصه بواسطة فداءه وكفارته التي
صنعها لاجلنا في جسد ابنه. اذ قدمه ,كما قرأنا سابقا, ذبحاً عظيماً على جبل
الجلجثة. الذي رُفِعَ عليه المسيح مصلوباً. وقد كان يدعى في زمن ابراهيم جبل
المرَّيا.
لهذا نرى الله يطلب من جميع بني آدم ان يتوبوا ,متغاضياً عن أزمنة الجهل. ولهذا ايضاً نسمع الانبياء والمرسلين جميعاً ممن وردت
اسمائهم في الكتاب المقدس والقرآن الكريم, يعترفون بخطاياهم ويطلبون غفران الله وكفارته. بما
فيهم آدم أبي البشر. ونوح وايوب ودانيال .وهم من المتقدمين بين انبياء العهد
القديم (راجع سفر النبي حزقيال ( 12:14-20). وابراهيم ويعقوب وموسى وهارون ويوسف
وداود ومحمد. كلهم يطلبون خلاص الله في كفارته لغفران خطاياهم,. ما عدا
المسيح عيسى ابن مريم كلمة الله. فهو وحده بلا عيب ولا نجد له اسما بين
هؤلاء جميعا. كما جاء في سورة الاعراف (23) عن لسان آدم وحواء ونسلهم قولهم: "ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين".
وقال نوح: "ربي اغفر لي ولوالديَّ ان
لم تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين". سورة هود (47). وموسى كليم الله
يقول: "فعلتها وانا من الضالين" سورة الشعراء (20 ).
وقال ايضا: "اني ظلمت نفسي فاغفر لي".
سورة القصص (16).
وعن داود يقول: انه "استغفر ربه وخر
راكعا واناب فغفرنا له" (سورة ص (24 ).
وعن
سليمان الحكيم قال: "ربي اغفر لي وهب لي ملكا "سورة ص (35).
وعن يوسف : "فهمت به وهم بها لولا
ان رأى برهان ربه" سورة يوسف (24).
ويقول
ايضا لمحمدٍ "استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم منقلبكم"سورة
محمد (19)
وفي سورة النصر (3), يقول له ايضاً: "سبح
بحمد ربك واستغفر انه كان تواباً".
ان
ما مر بنا عن الرسل والانبياء اعلاه يبين لنا, ان الانسان, وهو مولود المرأة , يبقى انساناً تحت الخطيئة مهما طال الزمان. وقد عبرَّ عن
هذا الامر ايوب العربي في سفره بكتاب الانبياء فقال :"كيف يتبرر الانسان عند
الله وكيف يزكوا مولود المرأة. هوذا نفس القمر
لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه. فكم بالحري الانسان الرمَّة وابن آدم
الدود"(ايوب 4:25) وداود النبي بدوره
يقول نيابة عن كل البشر:"هائنذا بالاثم صوِّرت وبالخطيئة حبلت بي
امي"(مزمور5:51).
وعندما رأى اشعيا قداسة المسيَّا في الهيكل صرخ
: "ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين
شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود" ( راجع اشعيا
5:6 بالمقابلة مع انجيل يوحنا 41:12) .
ذاك
غيضٌ من فيضِ مما كُتِبَ في القرآن الكريم.عن بعض الانبياء والمرسلين الذين وردت
اسمائهم فيه. كيف انهم جميعا قد أخطأُوا وطلبوا غفران الله وكفارته, بما
فيهم رسول العرب ماعدا المسيح عيسى ابن مريم. الذي لم يرد له اسما في هذه القائمة
السوداء.
فالمسيح
اذاً هو سيد الأنبياء والمرسلين جميعًا.كما في التوراة, كذلك في الانجيل. وها هو
في القرآن ايضا. وهو لم يزل مُنتَظَر المؤمنين بكفارته لاختطافهم الى المجد الاسنى
في اليوم الاخير . وهو المهدي الحي منتظر المسلمين ووجيههم الوحيد في
الدنيا والآخرة. ومكتوب في القرآن الكريم
ايضا :"وانه لعلم للساعة فلا
تمترنَّ بها واْتَّبِعونِ هذا صراط مستقيم" (راجع سورة الزخرف 61). ويقول ايضاً: "هل ينظرون
الاَّ السَّاعة ان تأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون"(الزخرف آية 66).الخ . ويعنى
بالساعة مجيء المسيح ثانية لإنقاذ شعبه. وإجراء الدينونة العادلة لبقية البشر
الذين لم يقبلوا فداءه وكفارته .
كل
من يطَّلِع على الكتب المقدسة جميعها يرى ان المسيح كانسان, هو الوحيد بين
الانبياء اطلاقاً. الذي عاش دون خطية ولم يكن لإبليس فيه مكانًا. وقد صرَّح المسيح
في الانجيل: ان "رئيس هذا العالم يأتي (وهو ابليس ) وليس له فيَّ شيءٌ
"( الانجيل يو 30:14) . والقرآن بدوره يقول : "ولنجعله آية للناس ورحمة
منَّا وكان امرا مقضيا" (سورة مريم 21)
والعجيب
! انه مع كل هذا الوضوح ,الذي جاء به الرسول العربي الكريم , عن تقصيرالانبياء
والمرسلين جميعهم, الذين جاءت اسماءهم في القرأن, بما فيهم الرسول العربي نفسه.
نرى معظم معلمي المسلمين وقرَّاء القرآن, في كل مكانٍ, ينادون على الملا ومن على
رؤوس المآذن, ان محمداً هو سيد الانبياء والمرسلين قاطبةً. بما فيهم ايضا المسيح
عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته وروحه. الذي وحده له الوجاهة والشفاعة
في القرآن ,وفي كتب الله جميعها التي سبقت القرآن.
ان
كل من يطَّلِع على القرآن الكريم يرى دون صعوبة, العمل العظيم الذي قام به الرسول
محمد في حياته, وهو توجيه العالم العربي الى الله الاحد وكتبه. وهي التوراة , والانجيل. وما يحتويان من كُتُبٍ منزلة عددها (66كتاباً). وقد انذر الرسول
بقساوة من يكفر بها بقوله : "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا(سورة النساء آية 136) . هذا, ومن المرجح
ان الرسول لم يأمر احداً من صحابته ان يجمع له كتاباً بعد موته, يدعونه قرآناً, او
مصحفًا, كما نقرأ ما فعله المسيح قبل موته وارتفاعه الى السماء (راجع انجيل
يو12:16-16)الخ.
كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله
فقد جاء عن لسان زيد بن تابت قوله : "لما
انتقل الرسول الى الرفيق الاعلى اخذت فكرة جمع القرآن تستبد بالقوم . ولا سيما وان
القراء, وهم حملة القرآن في صدورهم, كانوا يموتون في حروب الردة وفي غزوات
الفتوح". وروى البخاري هذا الحديث عن زيد بن تابت عندما كلَّفه الخلفاء ان يجمع لهم قرآناً وذلك بعد موت الرسول. قال
لابي بكر وعمر: "كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله"؟ فقال عمر ,
بعد قسم بالله العظيم, هو خير.
ان هذا الاسم "قرآن", هو اسم كان
يطلق في زمان الرسول على الانجيل الذي أُنزل بعد موسى (راجع سورة الاحقاف
(28-30). والاسم فرقان كان يُطلق على التوراة, وهي كتاب موسى (راجع
سورة البقرة (53).اما الكتاب الذي يطلق عليه اسم "قرآن" اليوم, فواضح
إنه لم يكن كتابا قد جمع بعد في زمان الرسول محمد. فكان انه عندما انطلق الى
الرفيق الاعلى , ان احد الخلفاء امر بجمعه, ودعاه "المصحف"اسوة بما
فعلته الحبشة المسيحية. التي كانت تطلق اسم المصحف على الكتاب المقدس.
عصمة المسيح عيسى ابن مريم
اما
بالنسبة للمسيح عيسى ابن مريم , فقد اجمعت
الكتب السماوية جميعها,على انه معصوم من الخطيئة والخطأ كالله ابيه السماوي
سبحانه. فهو قد اتخذ جسدًا ليكون,آدماً ثانيًا,عوضاً عن آدم الأول الذي اخطأ. امام
الله وعدالته. ولم يعد كفواً لأن يكونَ اباً
روحياً للذين يريدون ان يسيروا في حياة جديدة امام الله والشركة معه الى
الابد. التوراة تتكلم عن المسيح انه "لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش
"(راجع اشعيا53: 9). وداود يكتب من ناحيته في سفر المزامير ,التي هي زابور
داود, مخاطباً اياه: "انت ابرع جمالا من كل بني البشر انسكبت النعمة على
شفتيك". ويتابع داود داعيا المسيح الله فيقول:"كرسيك يا الله
الى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك. احببت البر وابغضت الاثم"(راجع
المزمور 45ومزمور102). وصاحب رسالة العبرانيين بدوره يقول له: "احببت البر
وابغضت الاثم. ويتابع قائلا له: "وانت يا رب في البدء اسست
الارض والسموات هي عمل يديك . هي تبيد ولكن انت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء
تطويها فتتغير ولكن انت انت وسنوك لن تفنى" (اراجع الانجيل
المنير رسالة العبرانيين ( 1:1-14) . ويتابع :"يسوع المسيح هو هو امساً
واليوم والى الابد" (عب 8:13) وسليمان الملك بدوره في المزمور (72), يتكلم
عنه قائلاً: ان "امامه ستجثوا اهل البَرِيَّة واعداءه يلحسون التراب,
ملوك شبا وسبا يقدمون هدية ويسجد له كل الملوك, كل الامم تتعبد
له".وفي سفر الامثال (4:30-6) يقول سليمان الحكيم ايضًا متسائل: "من صعد
الى السموات ونزل. من جمع الريح في حفنتيه. من صر المياه في ثوب. من ثبَّتَ جميع
اطراف الارض. ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت ؟؟؟. وينصح داود الملوك
وقضاتهم وشعوبهم بقوله : "قبلوا الابن لئلا يغضب لانه عن قليل يتقد
غضبه طوبى لجميع المتكلين عليه"(راجع مزمور 2).
اما المسيح ذاته, فوقف ذات يوم امام معاكسيه
الذين كانوا يشتكون عليه, وقال لهم : "من منكم يبكتني على خطيئة".
فلم يجرؤ احد منهم ان يردَّ بكلمة ( راجع انجيل يوحنا 46:8).
والقرآن
بدوره, علاوة على انه لم ينسب للمسيح ايَّة خطيئة, او اي طلب استغفار عن عمل قام
به بغير محله,نراه يعطيه اوصافا والقاب لم يعطها لغيره من الانبياء والرسل, التي
وردت اسمائها في القرآن.فهو مثلاً يقول انه كلمة الله. وروح الله. ورسول الله.
ونبي الله. ومباركًا اينما كان. وانه مَثَلاً يُحتَذَى به.وآية للعالمين .
والقرآن
يشهد, ان المسيح ولد من عذراء مباركة لم تعرف رجلاً. وانه صاحب البينات والعجائب.
ويذكر القرآن ايضًا ان المسيح تكلم حين ولادته وهو في المهد (راجع سورة مريم (24و25). هل في ذلك ما لا يصدَّق
؟ طبعاً لا.فهو الله الابن معلم الجميع وقد اوصى المؤمنين به قائلا: "لا
تدعوا لكم معلمين لان معلمكم واحد هو المسيح" (راجع انجيل متى8:23-11). وهو لا يحتاج ان يتعلم من احد لانه المعلم الإلهي. هذا ان
كنَّا نؤمن باقوال الله كما كتبها بانبيائه. وإلا نكون اشرَّ من غير المؤمنين وسننال قصاصا مضاعفأ. لنحترس اذا, يقول الانجيل "لا تضلوا الله لا يشمخ عليه فان الذي يزرعه الانسان اياه يحصد ايضا"
(الانجيل غلا7:6)
وايدناه بالروح القدس
وفي
القرآن يبرز المسيح وجيها, اي شفيعا, في هذه الدنيا والآخرة ومن المقربين.
والمسيح في القرآن هو خالق وشافٍ. وقد أنزل المائدة من السماء على
تلاميذه الحواريين,فسميت سورةً من سور القرآن باسم مائدته. والمسيح في القرآن
مؤيَّد بالروح القدس , بل هو الوحيد الذي يذكره القرآن مؤيَّداً بالروح القدس .وهو
مقيم الاموات . ومعيد البصر. ومطلق السنة الخرس. ومطهر اجساد البرص. ولقد رفعه
القرآن الكريم فوق غيره من الانبياء والمرسلين عندما قال : "تلك الرسل لقد فَضَّلنَا بعضهم على بعض
منهم من كلم الله ورفعناَ بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه
بالروح القدس"أعني بالمسيح انه قد رفِّعَ على الذين رُفِّعوا درجات, فقد
افرده القرآن عن الانبياء والمرسلين الذين رفِّعوا درجات بقوله: وايدناه بالروح القدس.لان شخصية المسيح الالهية ليس لها مكان مع البشر حتى المُرَفَّعينَ منهم , لانه في الاصل هو سيدهم وخالقهم
ومرسلهم (راجع الانجيل مت34:23). وها الرسول يوحنا يكتب لنا بدوره في الانجيل ,
انه عندما اقتربت مريم المجدلية لتلمس الرب بعد قيامته قال لها :"لا تلمسيني
يا مريم لاني لم اصعد بعد الى ابي.ولكن اذهبي الى الى اخوتي وقولي لهم اني اصعد الى ابي
وابيكم والهي والهكم" اذ افرد الرب نفسه عن التلاميذ بقوله الى ابي
وابيكم والهي والهكم. لم يقل لهم الى ابينا, والى الهنا, وكأنه واحداً معهم (انجيل
يو: 17:20). راجع ايضا سورة المائدة 115و116). حيث يقول المسيح للناس: اعبدوا الله
ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم
وانت على كل شيء شهيد. فان المسيح هنا ايضا لم يضع نفسه مع الناس ,بل افرد نفسه
عنهم بقوله اعبدوا الله ربي وربكم .
ان مثلَ عيسى عند الله كَمَثَلِ آدم
ولقد
رُفع المسيح على غيره من الانبياء والمرسلين درجات اولاً: بسبب ما نسميه
جنسيته. فهو لم يكن من هذا العالم ,
وكما نقرأ في الانجيل, فهو آدم الثاني الرب من السماء (راجع الانجيل
1كورنثس 45:15-50). وفي هذا المعنى يكتب القرآن الكريم في سورة ال عمران (59)
"ان مَثَل عيسى عند الله كَمَثَلِ آدم خلقه من تراب ثم قال له كن
فيكون". ولكن ان فَصَلنا القرآن عن آياته وجذوره في التوراة والانجيل , فان ذلك يؤدي بالضرورة الى
التناقض وسوء فهمه وتفسيره. لاننا عندما
ناتي الى بقية النص القرآني لهذه الآية , سوف لا نراه يتناسب مع ما كُتب فيه وفي
امكنة أخرى عن المسيح , وكيفية مجيئه الى هذا العالم . فان المسيح عندما اتخذ
جسداً من العذراء المباركة واصبح رسولاً
لبني اسرائيل قال لهم : "اني قد جئتكم بآية من ربكم "-اي
بعجيبة-(راجع سورة ال عمران 48) وعبارة قد جئتكم تعني انه كان له وجود سابق
. فان كان المسيح قد خلق من تراب الارض كنظيره آدم الاول كما يظن البعض. وكما هو
المفهوم السطحي للآية اعلاه, فاين هي
الآية اذاً ؟ او العجيبة في مجيئه. ومن اين اتى المسيح ليقول قد جئتكم** ؟ ( ال
عمران 48). واين هو ايضا قول جبرائيل الملاك : "فنفخنا فيها من روحنا
وجعلناها وابنها آيةً للعالمين"؟سورة الانبياء (91 )
فان
القرآن عندما يشير الى المسيح كآدم , فهو لا يعني بالضرورة انه قد خلق من تراب الارض نظيره ويناقض نفسه. بل ان القصد من وراء
هذه العبارة , هو التوضيح
للعرب ما قد جاء في التوراة والانجيل وهما سنَّة الله التي خلت (سورة الفتح (22) . وهو ان هناك آدمان . فاننا كما دخلنا هذا العالم المادي من خلال
ولادتنا الطبيعية من آدم الاول, وقد اصبحنا اولاده . هكذا علينا ايضا لدخول الجنة , ان نولد من
المسيح روحيًّا كآدمٍ ثانٍ فنصبح اولاده ايضا. اذ نؤمن به ونقبل كفارته, التي صنعها بنفسه على الصليب.(راجع الانجيل 1كورنثس 45:15-50 ومزمور22 واش53). وذلك للكفارة عن آدم
الاول وذريته. هذه هي طريق الله
لخلاص البشر وليس سواها .
ثانياً : رفع المسيح فوق غيرد
من الرسل والانبياء بدرجات بسبب قداسته. فهو لم يأتي الى هذا العالم ليشاركه
في شهواته
--------------------
ان هذه
العبارة قد جئتكم بآية
من ربكم اني اخلق لكم من الطين
كهيئة الطيرفانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله… ". (راجع سورة ال
عمران 44-49 ومائدة 110). تعني اعترافا صريحا من القرآن, ان المسيح كان له وجودا
سابقا قبل ان يتخذ جسدا من
العذراء المباركة. مريم ابنة عمران . و ان الله سبحانه لم يأذن ولن يأذن
لاحد خارجا عن طبيعته الإلهية, ان يخلق نظيره , وهو الذي اعلن في كتابه قائلا : "انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر, ولا تسبيحي
للمنحوتات"(راجع كتاب موسى والانبياء في اشعيا 8:42 )."لانه هل يجعل
الله معه شركاء اساسيين حتى في عمل الخلق وقيامة الموتى والوجاهة وبعض الاعمال
التي لا ينازع عليها, وهو الاله الاحد . وقد قال ايضا: بمن تشبهونني وتسوونني
وتمثلونني لنتشابه (التوراة اشعيا 5:46).
-------------------------
وميوله
الحسية والجنسية, ولا حتى ليقدم له حلولا جاهزة بالنسبة لمشاكله الاجتماعية
والسياسية. فقد جاء المسيح الى هذا العالم لكي يحمل خطاياه وهو الذي لم يكن فيه
خطية.
ثالثاً : لقد رفع المسيح على
غيره من الرسل والانبياء درجات بسبب طبيعة عمله, الذي لا يستطيع احد من البشر ان
يقومَ به. أأنبياءَ كانوا ام مرسلين ام ملائكة. وهو المثل الاعلى. يقول القرآن :"ولنجعله آية للناس ورحمة منَّا وكان أمرا مقضيًّا"(سورة مريم
21).ويكتب الرسول بطرس:"لانكم لهذا دعيتم .فان المسيح ايضا تألم لاجلنا تاركاً
لنا مثالاً لكي نتبع خطواته"(الانجيل 1بط 2: 21) . والرسول
بولس بدوره يكتب بهذا الخصوص : "كونوا متمثلين بالله كاولاد احباء . واسلكوا في المحبة كما احبنا المسيح ايضا واسلم نفسه لاجلنا
قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة" .( الانجيل افس 5: 1).قالوا هذا لان
حياة الابن في الجسد على الارض , كانت مدرسة للبشرية جمعاء وخصوصًا للذين
قد اتبعوه فاديا ومخلِّصاً .
عدم تحريف التوراة والانجيل
لكن
هناك من جهة اخرى من يدَّعي, ان التوراة والانجيل قد حُرِّفا. والملاحظ, ان معظم
من يدَّعون ذلك هم من قادة المسلمين المتعصبين وليس إلا. ولكنَّ هذا الامر هو واضح
في القرآن, كوضوحه في سائر الكتب السماوية التي تكلمت عنه انه لم يحرَّف.
والآية التي نريدها ان تكون عنوان هذا الوضوح ,ماخوذة من سورة النساء (آية 136)
وهي: "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
فقد
ضل ضلالا بعيدا"
فمن
الواضح هنا, ومن خلال هذه الآية بالذات, انَّ لمعطي القرآن كثرة من الكتب
لا كتابا واحدا فقط لا غير,كما ينادى به اليوم . وان من يكفر باحداها فقد ضل
ضلالا بعيدا. ومن هذه الآية وغيرها من الآيات الصريحة يتبين لنا, ان الايمان
في الاسلام , مبني على هذه الاعمدة الخمسة التي ذكرت. فاذا انهار أي منها
يسبب ضررا, وربما انهياراً في البناء كله. فكما انه لا يحق للمسلم الصحيح ان ينقض العمود الاول وهو الايمان بالله
سبحانه تعالى , او العمود الثاني الذي هو الايمان بملائكته , اوالعمود الرابع الذي هو الايمان
برسله. او العمود الخامس وهو اليوم الأخير- أي يوم الدينونة-. فانه
لا يجوز له ايضا, ان يكفر بكتب الله , او ان لا يؤمن بها, ويتخذها مرجعا وحيدا
لايمانه, وهو ما يؤلف العمود الثالث بين اعمدة الاسلام الخمسة التي قرأناها
إعلاه.
واذا
قال قائل لنفسه وللآخرين ان كتب الله الوارد ذكرها هنا قد تبدلت وتحرفت. أُجيب ان
شخصا كهذا لم يطلِّع بعد على القرآن . او انه إطَّلع , لكنه لغاية معيَّنة لا يريد
ان يرى الحقيقة اقول لهذا : ان القرآن الكريم قد نفى كلياً التحريف والتحويل
والتبديل لكتب الله التي انزلها وهاك بعضها.
[فقد
جاء في سورة يونس (64) انه "لا تبديل لكلمات الله وان ذلك هو الفوز
العظيم". وفي سورة الكهف (27)يقول: "واتل ما اوحيَ اليك من كتاب
ربك" (اي من كتاب التوراة والانجيل لان القرآن لم يكن قد اصبح كتابا بعد
في ايام الرسول محمد ) ويتابع : "لا مبدل لكلماته".
وفي سورة الانعام (115) يقول:"وتمت كلمات
ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم".وفي سورة الاسراء (77), مكتوب:"سنَّةُ من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنَّتِنا
تحويلا".وفي سورة الفتح(22) مكتوب ايضا: "سنة الله التي قد
خلت"( اعني بها سنَّة المسيح) "ولن تجد لسنة الله تبديلا".
وسورة فاطر (43) بدورها تشهد لهذا الامر فتقول: "فهل ينظرون الى سنَّةِ
الاولين"( اعني بها سنة اليهودية والمسيحية)"فلن تجد لسنة الله تبديلاً
ولن تجد لسنة الله تحويلاً". وفي سورة يونس64 "لا تبديل لكلمات
الله". وفي سورة الانبياء 6 يقول ايضا : "وما ارسلنا قبلك
الا رجالا نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون" "وانا نحن انزلنا الذكر وانَّا له لحافظون" سورة حجر (9)
الخ.
فماذا
تريدون منا يا اولي الالباب ان نأتي بقراءات وبراهين اكثر مما اتينا من القرآن نفسه,
والكتب التي سبقت القرآن, والمنطق السليم والتاريخ .حتى لا تعودوا تفتروا على الله وكتبه, وتنسبوا اليه الضعف
بقولكم محرفة.حتى لا تستفيد منها الناس. مستخفين بذلك بالله الذي انزلها على
انبيائه ورسله القديسين. فان كان التحريف لكتب الله قد لحق التوراة والانجيل الا
يلحق ايضا القرآن. لهذا نرى اليوم ,في جميع الطوائف والاديان, الاستخفاف في الله
وانبيائه وكتبه . إذا خافوا الله واغطوه مجدا واهربوا اليه من العثرات ومن غضبه
الآتي .
المسيحية تهدي الى الهدى والنور
لقد
جاء في سورة المائدة (43و67 )"انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم
بها النبُّيون الذين اسلموا للذين هادوا"(سورة
المائدة 43) اي يحكم بها المسيحيون اللذين
اسلموا, على اليهود الذين رفضوا اسلام الله وكفارته. وفي سورة المائدة (42-47)يتابع القرآن :"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقًا لما بين يديه
من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور"…"هدى وموعظة
للمتقين وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله
فيه ومن لا يحكم بما انزل الله فيه فاولئك
هم الفاسقون "
وهنا
القرآن يأمر الرسول ان يقتدي باهل الكتاب, المسيحيين منهم, ويسير في خطاهم اذ يقول :"اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء"
(وتعني عبارة هؤلاء بعض النصارى داخل الجزيرة العربية)"فقد وكلنا بها قوماً
ليسوا بها بكافرين اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسألكم
عليه أجرا ان هو إلا ذكرى للعالمين"(سورة الانعام 89 و90)الخ. وهؤلاء
القوم الذين وكلهم الله على رسالته, هم جماعة الله الانجيلية أهل بيت الله وحاملي
رسالته في العالم . وعلى ما يبدو فقد كانوا هؤلاء المسيحيين العرب اقلية صغيرة في
الصحراء العربية في زمن الرسول محمد.
يبدوا
ان الرسول الكريم قد اطاع أمر الله واقتده بهدي اهل الكتاب واصبح مسلماً
حنيفاً نظيرهم.
والحنيف
في القرآن يقابله في التوراة والانجيل الانسان المولود ثانية من المسيح آدم
الثاني, السائر مع الله بموجب عهد جديد, وقلب جديد. وقد حَنَفَ عن العبادة الباطلة
الى عبادة الاله الحقيقي في قبول المسيح من جديد, ربًا وفادياً ومخلصًا.في ذلك يكتب
الرسول بولس "إذاً ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة. الاشياء
العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدا" (راجع الانجيل2كو 17:5).وان
المسيح نفسه عندما جاء اليه رئيسا من رؤساء اليهود, ليعترف به, وقد جاءه ليلا خوفا من زملائه اليهود, قال له يسوع:"الحق الحق اقول
لك ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله" (انجيل يوحنا 3:3).
وعندما اراد داود النبي ان يتوب توبة نصوحة لله في العهد القديم ,خاطبه قائلا "استر وجهك عن خطاياي وامح كل آثامي.قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله
وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (راجع التوراة التي هي ام الكتب جميعها
مزمور 51: 9و10).
هذا
هو الاسلام الصحيح والصراط المستقيم .وهو مطلب كل مسلم في كل حين . هنا
ينبغي علينا ان نفهم ما جاء في سورة الفاتحة لتعليمنا ان نصلي قائلين : "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا
الضالين ".ونفهم ايضا ما جاء في سورة الانعام حيث يقول الوحي للرسول عندما
اصبح مسلما حنيفا: "قل اني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا
قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين"(سورة الانعام 161) .
-------------------
** "ان عرب الحجاز الذين تأثروا بالدعوة
الكتابية قد نَبَذوا شِرْكَ قومهم فحنفوا "- اي مالوا عن دين العامة- الى
مذهبهم الخاص , التوحيد المستقل. وانتسبوا الى ابراهيم, جد التوحيد علاوة على
الانجيل والزبور والنبيين والتوراة…ويميل العلماء المسلمون والمستشرقون الى اعتبار
محمد احد هؤلاء الحنفاء ثم سيدهم, وانه كان كذلك منذ ان نضج شبابه. (محمد عزة دروزة , سيرة الرسول 1: 31). هنا يأتينا سؤال وهو هل ان
محمدا قد جاء سيد لابراهيم وموسى والمسيح
ايضا ؟. ويميل بعض من كتبوا في هذا الشأن الى ان الحنفيين هم اليهود-النصارى الذين لم يقبلوا باستقلال النصرانية
عن اليهودية . بل ارادوا دمج النصرانية باليهودية والموافقة بينهما (راجع اع15.
كما ذكرنا في مكان آخر في هذا الكتاب , في ان هؤلاء اليهود النصارى قد هربوا يوم
خراب اورشليم في سنة سبعين ميلادية الى بلاد العرب.
--------------------------
اسلام ما قبل القرآن
لقد
كان الاسلام في زمن الرسول لَقَباً من القاب اهل الكتاب, ولا سيما المسيحيين منهم.
نقرأ في سورة القصص (52و53): "الذين آتيناهم الكتاب من قبله , هم به
يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنَّا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله
مسلمين".
وفي
سورة ال عمران (51) نقرأ ما يلي: "فلما احس عيسى منهم الكفر قال من انصاري
الى الله قال الحواريون" (اي تلاميذ المسيح) "نحن انصار الله آمنا بالله
واشهد بانا مسلمون".
وقال
الرسول ايضا:"انما أُمِرتُ ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرَّمها وله كل شيء وأُمِرتُ
ان اكونَ من المسلمين"(سورة النمل91)."وانا انزلنا التوراة فيها
هدى ونور يحكم بها النبيون
الذين اسلموا للذين هادوا"(
اي ان المسيحيين يحكمون بالحق لليهود كما للمسلمين الجدد ايضًا لان عندهم حكم الله (سورة المائدة (43).
ويقول
له ايضًا: "اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
ديناً". بذلك نرى الرسول الكريم قد اصبح مسلماً حنيفاً سائراً في خطى اهل
الكتاب "المسيحيين منهم".
في خطى اهل الكتاب
ففي
سورة الانعام يقول للرسول :"قل انني
هداني ربي الى صراط مستقيم ديناً قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من
المشركين".ويتابع معه قائلا له: "قل ان صلاتي ونُسُكِي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين لا شريكَ له وبذلك أُمِرْتُ, وانا اول المسلمين"
الانعام (161-163).
في
هذا نرى, ان الرسول الكريم كان اول من ترك دين آبائه المشركين , في الجزيرة
العربية. وحنف كليا الى اسلام ما قبل , وهو دين ابراهيم الحنيف, وما يتبعه من آباء
وانبياء ومرسلين وفي رأسهم المسيح عيسى ابن مريم وتلاميذه المسلمين. الذين
حنفوا عن اجدادهم وقبلوا كفارة المسيح ,
مسلِّمِيَن نفوسهم لله, فدُعوا بذلك في القرآن بمسلمين حنفاء . هذا ونرجع نكرر, إن
المسلم الصحيح هو من حنف عن دين البشر واسلم ذاته لله, وسلم الناس
من شره ولسانه وهذا ما تنادي به المسيحية الحقة في كل زمان ومكان. وهو الانتقال من
ملكوت الظلمة الى ملكوت آخر , وهو ملكوت ابن محبة الله (راجع الانجيل رسالة
كولوسي13:1). عندئذ يصبح هذا الانسان جديداً ومسلماً حنيفاً.
لقد
كانت هذه الصفات تميز اهل الكتاب المسيحيين عن غيرهم من البشر.فيقول القرآن عنهم
في سورة ال عمران (113),"ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله
أناء الليل وهم يسجدون وانهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر ويسرعون في الخيرات وأولئك من الصالحين, وما يفعلون من خير لن يكفروه
والله عليم بالمتقين".
شهادة القرآن للتوراة والانجيل
لقد
شهد القرآن للتوراة والانجيل في كل
المناسبات, فقال انهما كتب الله, ولم يَنقُض اي شيء مما جاء فيهما. لانه من غير المعقول طبعاً ان
يشهدَ القرآن لكتابٍ انه من عند الله ويعود ويتكلم شيئًا ضده. ان كل الاختلاف
اليوم مرده الى سوء فهم العلاقة بين التوراة والانجيل والقرآن, وهو مبنيُّ على فصل
القرآن عن التوراة والانجيل, ومحاولة أئمة المسلمين تفسير القرآن دون الرجوع الى
جذوره في التوراة والانجيل بإدعائهم التحريف. والقرآن يشهد لعدم تحريفهما, وتكفير
كل من يدَّعي بذلك (راجع سورة النساء 136).
هذا وان ما جاء في القرآن عن اليهودية والمسيحية
في عصره , لم يكن موجها ضد كتابهم او تعاليمهم اللاهوتية-الحياتية التي شهد لها
الرسول في كل مناسبة. وقد اقتبس الكثير منها في اكثر مواضيعه, بل كان موجِهًا
كلامه في ذلك الحين ضد اليهود. والبعض من نصارى الجزيرة العربية وهم من اصل يهودي ايضا. وقد دَعوا
انفسهم نصارى. ذلك تمييزا لهم عن المسيحيين الذين اتوا الى المسيح من الامم
الوثنية. وقد كانوا غارقون في اوحال البدع الغريبة عن المسيحية.
النصارى في البلاد العربية
لقد هرب هؤلاء اليهود النصارى, والبعض من اليهود
ايضاً , من اورشليم القدس,عندما احاطها تيطس القائد الروماني بجيوشه سنة (70
ميلادية ). وقد تركوا آثاراً لا تمحى نتيجة لمرورهم في البتراء, شرقي الاردن
والصحراء العربية, التي تشهد الى هذا اليوم.وقد عمروا البلاد العربية وسكنوا مَكَّةَ الى ما يقرب من (600 سنة) حتىجاءت الجيوش العربية وهزمتهم . وكان ذلك بسبب تركهم كلمة الرب
وتمسكهم بتقاليد جديدة تشبه عبادة
الاصنام (راجع اشعيا 1:21-12).
وقد
كانت هذه الجماعة في معتقدها بعيدة كل البعد عن روح المسيح والمسيحية الحقة, الى هذا اليوم . فقد كانوا غارقين في ظلمات التقاليد واوحال
البدع. ومن هذه عبادة المباركة مريم العذراء والقديسين من خلال تماثيلهم, يبخرونها
ويسجدون لها ويعبدونها. وقد تم فيهم قول الرب: "لقد ابطلتم وصية الله لتحفظوا
تقاليدكم ايها الشيوخ". الا ان هذا لا يعني ان الكتاب المقدس قد حُرِّفَ,كما
بات يدعي بعض علماء المسلمين. فانهم قد أساءوا فهم القرآن بعيدا عن جذوره في التوراة والانجيل. من هنا بالذات نستطيع فهم القرآن
في سورة النساء, عندما نقرأ عن اليهود الذين يحرفون الكلام (وليس الكتاب) عن مواضعه.
اي انهم يقرأون كتاب الله وَيحْرِفُونَ بعض معانيه, لتأتي مع اغراضهم, حتى لا
يطيعوا الله ويعترفوا ان يسوع هو المسيح الههم الفادي, ومخلصهم الوحيد الذي تكلمت
عنه انبيائهم (راجع اش35و59) وغيرها وغيرها. فيقول:"من الذين هادوا يحرفون
الكلام عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا"سورة النساء (45). (أي انهم يسمعون كتاب الله عند قراءته كما هو مكتوب بوحي
الله). ولكنهم يعصون الله بعدم اطاعتهم لكلمات الحق التي يقرأونها ويسمعونها ليعملوا بها.لهذا يقول لهم
ايضا: "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون . أَتأمرون الناس
بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب أَفلا تعقلون"(راجع سورة البقرة من
39-44). وفي سورة البقرة ( 79 ) يقول ايضا مشير الى تلمود اليهود, والبعض من
تقاليد المسيحية الاسمية, التي ادَّعوا قداستها.كما ان الشعب الاسلامي يقدس ايضا
بعض الاحاديث النبوية خارجا عن القرآن, فيقول : "فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم
ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل
لهم مما يكسبون"(البقرة 79) من هنا بالذات
-------------------
ان
اليهود والمسيحيين الاسميين , بجعلهم تعاليم آبائهم ومنها اسفار ابو كريفا الغير موحات من الله
متساوية مع تعاليم الله وافسحوا لها مكانا في كتبهم المقدسة المطبوعة في مطابعهم
الخاصة. فقد فعلوا بذلك خطيئة مميتة جدا. إذ انهم عوضا من ان يساعدوا العالم
بارشاده الى المسيح وكتبه الموحى بها من الله فقط, فقد اضلوا الناس الى ابعد
الحدود. وما زالوا يحصدون من نتائجها الى هذا اليوم. فان هذا ما حدا بالمسلمين
لعدم اطلاعهم الكافي على كتب الله وكيفية حفظها , الى القول بتحريفها.. وبالرغم
عما جاء به القرآن من دفاعٍ ضد هذا القول وعدم
تحريف كتب الله او تبديلها او تغييرها.
وبالرغم من ان القرآن قد اعطي بعض الامثلة
الواضحة على ذلك. بقوله ان اليهود يحرفون معنى الكلام عن مواضعه وليس الكتاب نفسه
كما قرأنا اعلاه, وقوله ايضا "ويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا
من عند الله الا ان المسلمين لا يأبهون
لهذه الاقوال والكلمات التي جاءت في كتابهم. بل يصرون على ما يقوله علمائهم .ان
التوراة والانجيل قد حرفا وهم لا يدرون كيف, او متى تم هذا. هل حرفا قبل الاسلام
ام بعده , فلا جوابا لها..
---------------------------
نفهم
ان القرآن موَجِهٌ اتهاماته, ليس الى
المسيحية والمسيحيين انفسهم, وكتبهم التي شهد لها. بل الى الذين هادوا من اهل
الكتاب. وبعض المسيحيين الذين كتبوا كتبا اخرى جانبية غريبة عن كتب الله وادَّعوا
قداستها ."ويتوضح هذا مما جاء في سورة الانعام (90):"اولئك الذين
آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء (وعبارة هؤلاء, تعني بعض
النصارى الإسميِّين داخل الجزيرة العربية) "فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها
بكافرين" ( هم اهل الكتاب حملة الانجيل في العالم الذين اوكلهم الله
برسالته) "اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسألكم عليه اجرا
ان هو الا ذكرى للعالمين".
هنا ايضا يبرز السؤال, هل يأمر الله الرسول
ان يقتده بأناس كتبهم محرفة؟ حاشا,كما يدَّعي بعض قادة المسلمين اليوم,الذين لا
يدرسون كتب الله. بل يكفرون بها بقولهم محرفة.فهم لا يقدِّرونَ كتب الله حق قدرها,
ولا يحترمون الله القادر ان يحفظ كتبه من التحريف.
لكن كيف نلوم الله, وما ذنب كتبه, ان راح
اليهود والنصارى في الجزيرة العربية, او قوم منهم, يتخذون لانفسهم وسطاء وشفعاء من
دون الله,كما يعبر عن ذلك القرآن ؟؟. وكتب الله جميعها قد انذرتهم بقولها : ان لا
شفيع ولا وسيط بين الله والناس سوى الانسان يسوع المسيح. الذي صار كفارة
لاجل خطايا العالم. والقرآن يكتب بدوره ان الوساطة والشفاعة والوجاهة هي لله وحده
وليست للبشر. هذا القرآن ذاته يقول في موضع آخر عن المسيح, انه وجيه في الدنيا
والآخرة ومن المقربين.
لذلك
يتضح ان الوجاهة والوساطة التي في كلا الانجيل والقرآن, لا تحق لغير الله وحده وهي
في كلا المرجعين ذاتيهما من امتيازات المسيح. الذي صار كفارة لخطايا البشر. كما
يكتب الانجيل: "لانه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس
الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لاجل الجميع"
(راجع الانجيل1تيموثاوس فصل2: 5). فالمسيح في كلا الكتابين هو روح الله وكلمته المتجسد بقصد التكفير عن خطيئة الانسان
وغفرانها.
موت المسيح الكفَّارِي
كنا حتى الآن نحاول
اظهار اصالة الكتاب المقدس وعدم تحريفه من جهة , وواحدية الله وجامعيته من الجهة
الاخرى. اما الآن فاننا نود الانتقال الى موضوع آخر وهو موت المسيح.
ان موت المسيح الكفاري حقيقة كتابية تاريخية لم
يختلف عليها في كل العصور والاجيال التي مضت الى وقتنا الحاضر . فقد تنبأ عنه الانبياء , ورواه المسيح نفسه وكتبه الرسل
والمؤرخون. فكما انه في كتب موسى وعيسى ,كذلك في القرآن ايضا. فالقرآن يكتب بلسان
اليهود قولهم : انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله (راجع سورة
النساء156). والمسيح ذاته يتكلم في المهد ساعة ولادته مباشرة فيقول :"والسلام
عليَّ يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا ذلك قول الحق
الذي فيه يمترون (سورة مريم 33و34). وفي سورة ال عمران (55) يقول القرآن ايضا في
لغة عربية فصحى لكي يفهمها العرب جميعهم : "يا عيسى ابن مريم اني متوفيك
ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذي اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة".وواضح هنا ان الذين اتبعوا المسيح قبل
موته ورفعه الى السماء والذين ما يزالون
يتبعونه مخلصا الى الآن, هم اعلى عند الله من الذين كفروا به وبكفارته وما زالوا
الى يوم القيامة.
وانه
مكتوب في سورة النساء (159): "وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته ويوم
القيامة يكون عليهم شهيدا".
ان
الآيات القرآنية التي اوردناها في هذا السياق لا بد وان تكفي لاقناع كل انسان مهتم
بخلاص نفسه وخلاص الآخرين ,من الذين لا يؤمنون بموت المسيح الكفاري ان القرآن يقر بموت
المسيح ويشهد له. لكن ,كيف مات المسيح ؟. بالنسبة للتوراة والانجيل فالامر واضح لا
يختلف عليه اثنان , انه مات مقتولا بايدي اليهود على الصليب . فما هو يا ترى موقف
القرآن من ذلك.
كيف مات المسيح بالنسبة الى القرآن ؟.
ان القرآن يقدم لنا الشعب اليهودي بوجه عام
كقاتل للانبياء. بل لانبيائه هو بالذات. فقد جاء في سورة ال عمران(112):
"وضربت عليهم المسكنة ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء
بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون". واليهود هم طبعاً المعنيون. وفي سورة
النساء (155) يتحدث القرآن عن كفرهم بآيات الله وقتلهم الانباء بغير حق. وفي سورة
المائدة (70) يؤكد على ذلك قائلا: "لقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل وارسلنا
اليهم رسلا كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى انفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون"
المسيح مات مقتولا.
يتبين من هذه
الآيات وغيرها ان اليهود كانوا شعبا تميز بالعصيان على الله, حتى اصبح قتل
الانبياء شبه عادة من عوائدهم, لدرجة ان القرآن لم يجد نفسه مضطراً الى اعطاء
الامثلة حينما تكلم عنهم بهذا الخصوص. بل ترك أمر تفصيلها الى كتب الله التي قد
سبقته وقد أشار اليها مرارا.
فمن
الواضح هنا ان الآيات التي اوردناها اعلاه حول قتل اليهود لانبيائهم لم تأت على
ذكر المسيح بالذات. فهي لا تخصص احداً. لذلك لا نستطيع ان نستنتج منها على نحو
مباشر ان اليهود قتلوا بين من قتلوهم من الانبياء ,عيسى ابن مريم رسول الله ايضًا,
استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون.
لكن
هناك آيات اخرى في القرآن تشهد بوضوح اكبر لموت المسيح بالذات مقتولا على ايدي
اليهود. ففي سورة البقرة (87) نقرأ ما يلي: "لقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من
بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات
وايدناه بالروح القدس. افكلما جائكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم
ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون .
ففي
هذه الآية ينقسم الرسل الذين جاؤا بما لا تهواه انفس اليهود الى فريقين . فريق
كُذِّبَ وفريق آخرا قد مات مقتولا على ايدي اليهود . ثم ان هذه الآية تخص بالذكر
اثنين كبيرين من انبياء اليهود . صحيح ان
هذه
الآية لا تقول صريحاً ان موسى قد كُذِّبَ وان المسيح قد قُتِلَ .لكن اليس هذا هو المعنى بالذات ؟.فهذه الآية تذكر اولا موسى وتقول انه أُوتي
الكتاب, ثم تأتي بالدرجة الثانية على ذكر المسيح وتقول انه أوتي البينات وأُيد
بالروح القدس.وعندما تصل الى التفريق
بين من كُذِّب من الانبياء ومن قُتِل على ايدي اليهود منهم , تذكر الذين كُذِّبوا اولا,
ممثلين بموسى الذي كُذِّبَ. والذين قتلوا آخراً ممثلين بالمسيح الذي قُتِل ,وذلك
كما لنا بالتناظر مع ذكر موسى اولاً والمسيح ثانياً. ففي المقطع
الاول منها ذُكِرَ موسى اولا ثم المسيح. كذلك التكذيب ذُكر موسى اولا ثم
القتل.
ان
موسى يُعتَبَر في هذه الآية ممثلا للفريق الذي كَذَّبَهُ اليهود من الانبياء وانه
بالتالي هو ذاته كُذِّب. وان المسيح يُعتَبَر فيها ممثلا للفريق الثاني الذي
قُتل وانه بالتالي من الذين ماتوا مقتولين على ايدي اليهود. هذا كله من جهة
اولى . اما من الجهة الثانية فانه من المعلوم عموما من الكتب المقدسة كلها ان موسى
لم يمت مقتولا. فالتوراة تخبرنا في سفر
التثنية (48:32) ان الله قد أمر موسى ان يصعد الى جبل نبو الذي قبالة اريحا, فصعد
اليه موسى ومات هناك.
بالمقابل
فان موسى قد كُذِّب مرارا عديدة وذلك بشهادة القرآن والتوراة وسنكتفي هنا بايراد
مَثَل على ذلك من كلٍ منهماَ. فها موسى ذاته يشتكي امام الله في التوراة في سفر
الخروج (1:4)من ان اليهود شعبه لا يصدقونه ولا يسمعون لقوله. وها القرآن
يعيد بدوره ما جاء في التوراة عن موسى فيذكره بين سائر الانبياء والمرسلين الذين كُذِّبوا
فيقول في سورة الحج (44) :" وكُذِّبَ موسى فامليت للكافرين ثم اخذتهم
فكيف كان نكير".
لقد
قلنا اعلاه ان موسى لم يمت مقتولا من جهة, وانه كُذِّبَ مرارا عديدة من جهة
اخرى .اليس من البديهي ان نستنتج ان عيسى ابن مريم, الذي اوتي البينات
وأُيِّدَ بالروح القدس كما ورد في الآية اعلاه , الا يصبح من البديهي أن يُمَثِّلَ
هذا المسيح الفريق الذي قُتِلَ ويندرج في عداده, كما ان موسى
يُمثل الفريق الذي كُذِّبَ ويندرج في عداده ايضاً ؟؟
ثم
ان هناك آية اخرى في القرآن من شأنها ان تزيدنا قناعة بامكانية قراءة موت المسيح
مقتولا في القرآن ذاته. ففي سورة ال عمران (183) يقول عن لسان اليهود: "ان الله قد عهد الينا ان لا نؤمن لرسول حتى
ياتينا بقربان تاكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلِمَ
قتلتموهم ان كنتم صادقين".ان السؤال الذي يطرح ذاته علينا هنا هو, من المقصود
يا ترى,عندما يتكلم القرآن عن الرسول الذي جاء قبله بالبينات وبالقربان الذي تأكله
النار وقد قتله اليهود ؟؟.
لقد سبق لايليا النبي ان قدم قرباناً لله في
العهد القديم وطلب فنزلت على القربان نار من السماء واكلته. لكن هل ايليا هو
المقصود هنا ؟. طبعاً لا. وذلك واضح من كون ايليا كما تخبرنا التوراة قد اخطتف حيا
الى السماء. فهو اذاً لم يمت ولا يمكن بالتالي ان يكون من عداد الانبياء الذين
قتلهم اليهود. لكن ان لم يكن ايليا المقصود فمن هو المقصود اذاً ؟, من أوتي
بالبينات وارتبط اسمه بها في القرآن ؟ من, غير المسيح عيسى ابن مريم ؟
فهل نستطيع والحالة هذه ان نستثني عيسى ابن مريم, وموائده السخية لليهود, وصاحب
البينات والعجائب من لائحة شهداء اليهود
؟ الم تقل التوراة عنه وقد شهد القرآن
ذاته لصدقها , انه سيموت مصلوبا بين اشرار, فديةً وكفارة عن شعبه, وعن
العالم اجمع ؟. وقد قال داود عنه بروح النبوة
وهو كعادة الانبياء وكأنه يتكلم عن نفسه في مزمور (16:22):"ثقبوا
يديَّ ورجليَّ واحصي كل عظامي وهم
ينظرون ويتفرسون فيَّ , يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" ؟.واشعيا بدوره يتنبأ ويكتب "من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب.
نبت قدامه كفرخ وكعرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر
فنشتهيه. محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به لكن
احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو
مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبِحُبُرِهِ شفينا-أي بجروحه شفينا- كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه
والرب وضع عليه اثم جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى
الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه. من الضغطة ومن الدينونة اخذ.
وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي. وجعل
مع الاشرار قبره ومع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش"
(راجع كتاب موسى اش 53).
وعندما
نأتي الى الانجيل وهو الكتاب المنير نجد:"ان المسيح قد مات من اجل خطايانا
بحسب الكتب وانه دفن وقام بحسب الكتب"(راجع الانجيل 1كو3:15). وقد صرح المسيح
ذات يوم لليهود المحيطين به: "انقضوا هذا الهيكل وانا في ثلاثة ايام
اقيمه". والانجيل يكتب بوضوح ان
المسيح كان يتكلم عن هيكل جسده الذي سيموت ويدفن
ويقوم في اليوم الثالث, ويُرفع بعدها
الى السماء "(الانجيل يوحنا 19:2-21).
وقد
صرح المسيح ذات يوم لليهود قائلا: "كما مكث يونان-يونس- في بطن الحوت ثلاثة
ايام وثلاث ليالي هكذا سيبقى ابن الانسان
في بطن الارض ثلاثة ايام وثلاث ليالي"(الانجيل مت40:12). وقد صلب بين
لصين, كما يشهد التاريخ اليهودي والروماني على ذلك. وقد بقي في القبر ثلاثة ايام
قام بعدها منتصرا على الموت . وبقي مع تلاميذه اربعين يوما بعد قيامته. وعندما
انقضت ارتفع الى السماء الى حيث كان اولاً( يوحنا62:6).
وكما تقول ايضا الآية القرآنية التي سبق ذكرها
اعلاه : "يا عيسى ابن مريم اني متوفيك ورافعك الي وجاعلا الذي
آمنوا بك فوق الذين كفروا الى يوم
القيامة". (سورة المائدة (117) .
وجاء عن لسان المسيح في سورة مريم (33): "سلام عليَّ يوم ولدتُ ويوم اموتُ
ويوم أُبعثُ حياً".
فهل
بعد هذه جميعها نستطيع ان نستثني عيسى ابن مريم من لائحة شهداء اليهود. , الذي
قد جاء ليموت فدية وكفارة عن جميع الذين يقبلونه مخلصا, فنكذب بذلك توراة موسى وصحف ابراهيم وزابور داود, التي هي مزامير
داود, وانبياء الله جميعهم, والانجيل, والملائكة والبشر, والقرآن ايضاً, الذي شهد
بأخلاص لكل هذه الكتب السماوية , وقد انذر بالضلال البعيد للذين يكفرون بكتب الله,
بقوله "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل
ضلالا بعيدا " (سورة النساء 136). ويقول ايضا في آيات بيناتٍ مضيئاتٍ
كنور الشمس ان المسيح قد مات ورفع حيا الى المجد ؟؟. (راجع سورة مريم 33وال عمران
(55وسورة المائدة (117) الخ .
وما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم
من
المتمسكين بالنظرية التي تدَّعِي ان المسيح لم يمت مصلوباً , هم الذين عثروا في
فهم ما ورد في سورة النساء (157) اذ يقول: "وما قتلوه وما صلبوه بل شبه
لهم". فكأنهم ارادوا بتمسكهم هذا ان يكذبوا كل الآيات القرآنية التي وردت
بخصوص موت المسيح, ويقلبوا الكتب السماوية جميعها رأساً على عقب. لقد نسوا ان القرآن يقول ومن لا يحكم بما انزل الله
فهؤلاء هم الكافرون. ويقول ايضاً: "افلا يتدبرون القرآن فلو كان من عند غير
الله لوجد فيه اختلافا كثيرا" سورة النساء (82) اي اختلافاً عما سبقه من كتب
سماوية منزلة, او اختلافا عن نفسه وبين آياته. لانه عندما يُفصَلُ القرآن عن جذوره في التوراة والانجيل, فان ذلك يؤدي بالضرورة الى سوء
فهمه وتفسيره. وإن القرآن لم يترك ظرفاً مناسباً الا وشهد لهذين المرجعين القديمين
.
شبه له ام شبه لهم ؟؟!
من سوء تفسير القرآن, الناتج عن فصله عن جذوره, في التوراة والانجيل, والذي من شأنه ان يضلل اخواننا
المسلمين ممن لم يطلعوا عليه اطلاعاً وافياً. وقد اكتفوا بما يسمعونه ظرفياً من بعض مفسريه وقرائه مرتلا
وربما على نحو يعوزه الوضوح.كما ان تفسيرا من هذا النوع من شأنه ايضاً ان يزرع في
اذهان اخواننا المسلمين وغيرهم افكاراً تبعدهم كليا عن اخوانهم المسيحيين اهل
الكتاب الذين يقول عنهم القرآن انهم اقرب الناس مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا
نصارى (راجع المائدة 81).
ان من ثمار سوء الفهم
اعلاه لغطاً يدور حول ما جاء في سورة النساء (157) عن المسيح حيث نقرأ وما قتلوه
وما صلبوه بل شبه لهم.
من
المؤسف ان اقول إن سوء فهم هذه الآية, قد ادَّى بالكثيرين من المسلمين الى سوء
قراءتها ايضا وتردادها. فعوض عن ان يقرأوها شُبِّه لهم نراهم يرددونها على
نحو ببغائي شُبِّه له. لكن الفرق بين ان يُشبَّه للمسيح , وبين ان يُشبَّه
لليهود انهم قتلوه هو فرق عظيم جدا. فلو انه قد جاء في الآية انه شُبِّه للمسيح في
صلبه لكانت تعني ان شخصًا آخر قد صلب مكان المسيح فظن اليهود انه المسيح لانه ربما
كان يشبهه . لكن الآية لا تقول انه شُبِّه للمسيح, بل شُبِّه لليهود انهم قتلوا
المسيح واخفوا رسالته الى الابد,.كما كانوا يفعلون بغيره من الانبياء والقديسين .
لكن
هل نسي اليهود يا ترى انهم قتلوا المسيح؟ اظن ان اليهود لم ينسوا الى الآن انهم
صلبوه وقتلوه. وقد ذهبوا بعدها الى بيوتهم
مطمئنين وقائلين نعم لقد قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله.
فها
داود نبيهم وملكهم المحبوب يتنبأ في لسان سيده المسيَّا فيقول:"ثقبوا يديَّ
ورجليَّ واحصي كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ, يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي
يقترعون".راجع مزمور (16:22).وتنبأ عن بعثه حيا من القبر فقال: "لانك لن
تترك نفسي في الهاوية. ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (راجع الانجيل اعمال
27:2ومزمور 10:16). ففي ذلك لا ذكر لآخر مات بديلا عن المسيح لانه يشبهه .
وبالفعل
فان بعض أئمة المسلمين قد استرسلوا في سوء تفسير هذه الآية والفوا عليها كتبا
ومجلدات. وكان حصيلتها ان الصلب قد وقع فعلاً, انما ليس على المسيح بالذات بل على
احد تلاميذه او احد المشاهدين, الذي اوقع الله عليه شبه المسيح. فظن اليهود انه
المسيح ذاته فصلبوه.
لقد
قرأت هذا التفسير,او ما يشبهه, في احد كتب شرح القرآن وهو من تأليف احد كبار
الشارحين المسلمين ، لكن المؤسف في الامر, ان صاحب هذا التفسير بعد ان زرعه في
عقول المسلمين, يعود ويتنصل منه في النهاية اذ يقول انه تفسير افتراضي وضع خصيصاً
لتفسيرهذه الآية. وهو الى ذلك يستبعد ان يكون الله سبحانه قد تسبب في قتل انسان
بريء حتى يخلص المسيح, اذ ان الله
قادر اذا اراد, على تخليصه بطرق اخرى
فمهما
يكن من أمر, فان الآية اعلاه لا تقول شبه له, بل كما اكدنا وكما هو مكتوب شبه
لهم (راجع سورة النساء (157), وهذا يعني ,كما نود ان نكرر هنا مؤكدين , بان
اليهود قتلوه وصلبوه كما قرأنا في الاية اعلاه, وقد ذهبوا الى بيوتهم مطمئنين
مهللين وقائلين بكل فخر واعتزاز: انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. فقد
ظنوا انهم بقتله قد اخفوا رسالته الى الابد, لكن في عمل قيامة المسيح من الموت ورفعه حيا الى السماء , كان وكأنهم لم
يقتلوه ولم يصلبوه بل شبه لهم انهم قتلوه وصلبوه . فقد نسي اليهود ان انبيائهم قد
تنبأوا بسخاء عن موت المسيح الكفاري وبعثه من القبر حيا.
ما لهم به من علم الا اتباع الظن
مجرد
الظن, فما معنى ما لهم به من علم الا اتباع الظن, ؟ او ما معنى ان يكون اليهود قد
ظنوا انهم قد قتلوا المسيح عيسى ابن مريم.
ان
اليهود حسبما جاء في الآية القرآنية اعلاه , قالوا انهم قتلوا المسيح, فجاء
قولهم هذا كما نرى, بمثابة اعتراف واضح وصريح بقتلهم اياه , فلا مجال بعد للشك في
صدق اعترافهم او كذبه, لانهم طبعاً هم ادرى الناس بما فعلوا. فقد قتلوه واعترفوا
كعادتهم بافتخارٍ وصلابة رقَبة قائلين : انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول
الله.
فقد
صدقنا اقوالهم التي تتناسب مع اعمالهم ولم نعترض عليها. كقولهم في (الآية
155),"فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الانبياء بغير حق. وقولهم
قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا" ولكنَّ القرآن
يريد الآن ان يعلن لنا حقيقة اخرى قالوها وفعلوها, وها هم انفسهم بكل اعتزاز ودون خوفٍ او حياء يرددونها :
"بقولهم انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله"( الآية 157). الا
نصدقهم ايضا فيما قالوه من هذا القبيل . والقرآن ينقل لنا اقوالهم هذه كما جاءت
بكل امانة.
فما
هو رأيكم دام امركم ؟ هل نستطيع ان نأخذ
هذه الكلمات المصداقة الواضحة بعين الاعتبار والتصديق من القرآن ؟, ام ترفضونها
كغيرها من الحقائق الكتابية,كما رفض اليهود قديما حقائق كتبهم, وها هم الآن, مع من
لهم من البشر, محرومون من مسيحهم, ومن ملكوتهم الذي قد انتزع منهم واعطي لامة تعمل
اثماره راجع الانجيل (متى 21: 42)..
فكأني بهذه الكتب الكثيرة التي يؤلفونها اليوم,
وهي تدورحول نكران حقيقة شخص المسيح وطبيعته اللاهوتية-الانسانية, وبنوته لله
وموته الكفاري عن العالم , يريدون بها ان يكذبوا ما جاء في كتب الله جميعها والقرآن نفسه, وان يؤثروا على
رعاياهم قاطبة ان المسيح لم يمت موته الكفاري عن الخطيئة, كما تنبأت عنه الأنبياء.وانه
لم يبعث من القبر حيا ويرتفع الى الله كما يكتب القرآن وكتب الله جميعها. وكأنَّي بهذه الذبائح الحيوانية, التي
كانت تقدم بالالوف
----------------------
**
قال المسيح لنيقوديموس رئيس اليهود : "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا
ينبغي ان يرفع ابن الانسان لكي لا يهلك كل
من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه
الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين
العالم بل ليخلّص به العالم. الذي يؤمن به
لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي
الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم
كانت شريرة.لان كل من يعمل السيّآت يبغض النور ولا يأتي الى النور لئلا توبخ
اعماله.
-----------------------
والربواة
في هيكل الله القديم, تكفيرا عن الذنوب والخطايا لم تكن يوما. فانه في يوم واحد,
وهو يوم تدشين هيكل سليمان, ذبحت فيه "اثنين وعشرين الفا من البقر.ومئة
وعشرين الفا من الغنم"( راجع التوراة سفر2اخبار الايام 1:3)..وهذه جميعها
كاننت تشير الى كفارة الله, من آدم الى نوح الى ابراهيم الى داود الى ان انتهى
امرها بالمسيح ذبحا عظيما. وقد تكلم عنها الانبياء جميعهم.وما علينا الآن
سوى الايمان بها لنحصل عليها كما صرح بذلك المسيح نفسه (راجع يو3).
ثقبوا يديَّ ورجليَّ واحصي كل عظامي
ان هؤلاء اليهود,
بكونهم قتلة الانبياء والمرسلين دون حق , شبه لهم او ظنوا,حسبما جاء في الاية
الكريمة اعلاه , انهم قتلوا المسيح,كما قتلوا الكثيرين من الانبياء والمرسلين من
قبل. فهؤلاء الانبياء والمرسلين من قبل ماتوا جميعاً عندما قتلهم اليهود, وما زالت
رفاتهم في قبورها. اما المسيح فله عمل آخر ورسالة اخرى,التي تختلف كلياً عن عمل
الانبياء ورسائلهم. فقد جاء المسيح وفي يده خطة عمل ليقوم بها لخير الانسانية
وفدائها. وقد تنبأ عنها الانبياء وبشرت بها الملائكة وكتب عنها الرسل . وهذه الخطة
هي خلاص الانسان من عبودية الشيطان, وصيرورته ابناً من جديد لله. بالايمان بموت
المسيح الكفاري على الصليب.ونقله من ملكوت الظلمة الى ملكوت جديد آخر هو ملكوت
المسيح نور العالم. "وهذا لا نستطيع فهمه وسبر غوره في عقولنا المحدودة
اليوم, بل علينا ان نعتمد على ما كتبه لنا الروح القدس بواسطة انبيائه ورسله
القديسين .
ويكتب النبي اشعيا عن البعض مما رأى من كفارة
الله هذه فيقول : "من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب. نبت قدامه كعرق من
أرض يابسة.لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه . محتقر ومخذول من
الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن احزاننا
حملها واوجاعنا تحملها.ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح
لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبجروحه
شفينا.كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا.
ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها
فلم يفتح فاه. من الضغطة ومن الدينونة أخذ. وفي جيله من كان يظن انه قطع من
ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي.وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند
موته.على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش"اما الرب فسر بأ يسحقه
بالحزن . ان جعل نفسه ذبيحة إثم ليرى نسلا تطول ايامه ومسرة الرب
بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع.وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم
هو يحملها. لذلك اقسم له بين الاعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من اجل انه سكب
للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين (راجع
سفراشعيا 53).
ويقول الرب ايضاً
:"بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. ووجهي لم استر عن العار
والبصق (اش6:50)". هذا من جهة موت المسيح مصلوباً. اما من جهة قيامته
فيقول داود عن لسان المسيح ايضا: "لانك لن تترك نفسي في الهاوية-اي في
القبر-ولا تدع قدوسك يرى فساداً "(راجع اعمال 27:2ومزمور 10:16). وعيرها
وغيرها في التوراة عن موت المسيح الكفاري لخلاص الانسان
وان من اهل
الكتاب إلاَّ ليؤمننَّ به قبل موته
انطلاقاً
من هذا يتابع الرسول قوله في الآية اعلاه ان الله رفع المسيح اليه. وان
اليهود الذين ظنوا انهم قتلوا المسيح
-----------------
يقول الرب مستخدماً
بذلك كعادته لسان داود الملك : "لانه قد احاطت بي كلاب جماعة من الاشرار
اكتنفتني . ثقبوا يديَّ ورجليَّ . احصي كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون
فيَّ. يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون (اقرأ مز 16:22-18) ".
ويقول ايضا : "العار
كسر قلبي فمرضت انتظرت رقة فلم تكن
ومعزين. فلم اجد.ويجعلون في طعامي علقماً وفي عطشي يسقونني خلاً " (مز
20:69و34:27). وفي مزمور آخر يقول الرب: "على ظهري حرث الحراث. طولوا
اتلامهم"(راجع مز3:129).وهذه كانت
نتيجة الجلد بالسياط, التي تساقطت على جسده الضعيف. ويكتب بطرس الرسول
بدوره في هذا قائلاً: "الذي "بجلدته شفيتم "(1بط 24:2)الخ
ويقول الرب في سفراشعيا ايضاً (اش6:50)"بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين.
ووجهي لم استر عن العار والبصق".وها النبي زكريا بدوره, يرى بالوحي الالهي
المسيح مجرَّحا فيسأله: "ما هذه الجروح التي في يديك. فيقول له: هي التي جرحت
بها في بيت احبائي" (راجع زك6:13).
-----------------------
رسول
الله. فقد خاب ظنهم ايضا بترفيعه الى السماء .كما ان ظنهم قد خاب ثانية وثالثة
حسبما جاء ايضاً في الاية المقتبسة اعلاه (نساء 158) التي تقول وان من اهل الكتاب
إلاَّ ليؤمننَّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً. من هنا
ينبغي فهم القرآن عندما يقول في الآية اعلاه, ان اليهود "ما قتلوه وما صلبوه
ولكن شبه لهم". اي ظنوا انهم في صلبه وقتله سيخفون رسالته, وفي ظنهم الى الابد, ومضوا الى اعمالهم مطمئنين
غير حاسبين لقيامته ورفعه الى السماء حساباً. (راجع سورة مريم 33 وال عمران
55وسورة المائدة (117)عن موت المسيح وقيامته ورفعه الى السماء حيا .
اما
بالنسبة الى قوله وما قتلوه يقيناً, فينبغي فهمه بالرجوع الى ما سبقه في
الآية نفسها اذ تقول: "وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم
الا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً". اي ان اليهود الذين طلبوا من
الهيئة الحاكمة قتله مصلوبا كانوا على اختلاف بالنسبة الى تجريمه, فلم يكن لهم علم
اكيد بذنبه ولم يكونوا متيقنين من عدالة قتله, فما كان منهم الا ان استسلموا
للظن واسلموه للموت على طريقة اتباع الظن فقط دون محاكمة وشهود كافية
بحسب القانون الروماني, وقالوا لبيلاطس الحاكم الروماني لا نريد هذا ان يملك علينا
اصلبه اصلبه دمه علينا وعلى اولادنا.
لقد
لحأ العرب الى اتباع الظن في الكثير من محاكماتهم, فكانوا في تلك الحالات اذا
انعدم البرهان القاطع على جرم المتهم, يكتفون بما يتيسر لهم من الادلة للحكم عليه
بالموت او بغيره, وذلك من خلال اتباع الظن فقط. لذلك تقول الآية ان اليهود الذين
اختلفوا فيه, اي اختلفوا في المسيح وحول جرمه لم يكن به من علم الا
اتباع الظن , اي ان اتباع الظن كان الاساس القانوني في حكمهم على
المسيح بالموت قتلاً على الصليب.
نفهم
من هذا كما تقول الآية اعلاه "و ما قتلوه يقيناً". ذلك لان الله
قد اقامه من الموت ورفعه اليه. وان رسالته
بعد قيامته يتادى بها في كل الارض الى يوم مجيئه ثانية كما تقول الآية : "وان
من اهل الكتاب إلاَّ ليؤمننَّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم
شهيداً". هذا, فكأنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. وما
قتلوه يقيناً. ذلك لانهم لم يكونوا متيقنين من جرمه,ولكن نفسهم المتعطشة
الى دم الانبياء, والدماء البريئة, أبت الا ان تصلبه , فصلبوه معلقين اياه على
خشبة واذاقوه مر العذاب والموت. بذلك تمت فيه كل نبوآت الانبياء التي تنبأت عن
موته تكفيراً عن خطيئة آدم ونسله.
وكان
ذلك تتميماً للمقاصد الالهية التي شاءت منذ الازل ان تفدي الانسان من خلال موت
المسيح وكفارته. لإنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (راجع عبرانيين
22:9). ويكتب صاحب رسالة العبرانيين ايضا (14:9) مشير الى دم الكفارة هذه :
"فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه للّه بلا عيب يطهر
ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي"…
الا
ان اليهود الذين صلبوا المسيح كانوا بعملهم هذا يتممون المقاصد الالهية دون
علم منهم, وذلك طبعاً لا يعفيهم من
مسئولية قتلهم المسيح مصلوبا لان دوافعهم كانت شريرة.
هذا. وقد ذكرنا فيما مضى ما جاء في الكتب
الروحية, التوراة والانجيل والقرآن, حول جامعية الله وواحديته في آن (راجع
صفحة16-20من هذا الكتاب).
أولاً-:
بالنسبة الى شخصية المسيح عيسى ابن مريم, الذي لم ينسب اليه القرآن اية خطيئة, او
اي استغفار عن عمل قام به بغير مكانه.
بذلك قد اختلف وتميز عن سائر الانبياء والرسل, اذ أنهم جميعا قد اخطأوا وطلبوا من
الله غفراناً لخطاياهم بكفارته بما فيهم رسول العرب محمد.
ثانياً-:
قد تبيَّن لنا ان القرآن الكريم,علاوة على انه لم ينسب الى المسيح أية خطيئة او
استغفار عن أية خطيئة,نراه يعطيه القابا وصفاتٍ لم يعطها لغيره من الانبياء والرسل
التي جاءت اسماؤهم فيه. فعلى سبيل المثال, فهو يدعوه كلمة الله. وكلمة الله
في الانجيل المنير كما دعاه الرسول نفسه هو الله . لان الوحي يقول:
"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة
الله. هذا كان في البدء عند الله .كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان.
فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس".. راجع انجيل يوحنا الاصحاح
الاول .
هذا
وإن الرسول الكريم كان يعرف المسيحية وما تؤمن به جيدا من ان المسيح هو كلمة
الله وواحد مع لاهوته. فلو انه كان هناك شك او اعتراض على ايمانٍ كهذا , لكان
الرسول أول من حذر منه. الا اننا نراه عوضا من التحذير يأتي الينا
بتأكيدٍ جديدٍ وتقرير. على ان المسيح هو كلمة الله وروحٌ منه. فنقرأ في
سورة النساء : "انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها
الى مريم وروحٌ منه".(سورة النساء170). وليس هذا فحسب بل نراه ايضا من
جديد يشجع على هذا الايمان الاكيد
بقوله: ان المسيح الكلمة هو خالق "فيخلق من الطين كهيئة الطير…ِ"
وهذا لا يستطيع عليه سوى الله وحده
سبحانه. فيقولون : ان هذه جميعها كان يفعلها المسيح باذن
الله. نقول بدورنا : هذا صحيح وعين الصواب. ولكن هل قرأتم يوما في
كتب الله, أو سمعتم قط, ان الله قد أذنَ لمخلوقٍ ان يخلق نظيره او معه وهو
الاله الذي لا شريك له ؟؟, وقد صرح في كتب موسي والانبياء بقوله: "مجدي
وكرامتي لا اعطيها لآخر".حاشا. فان هذا لم يحدث ولن يحدث البتة .
أما
وان المسيح قد تنازل من مجده الاسنى, وجاء الينا كمجرد انسانٍ ولعملٍ
معين,كان عليه ان يعملَ مشيئة الآب الذي قد ارسله. وهذا ما صرَّح به المسيح
لتلاميذه بقوله: طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني واتمم عمله (يو34:4). وقال ايضا
ذات يوم لليهود المحيطين به :"الحق الحق اقول لكم لا يقدر الابن ان
يعمل من نفسه شيئا الا ما ينظر الآب يعمل"(يو19:5).
ولكن هل هذا يعني ان المسيح كونه رسولا من الآب
كان محدود الصلاحيات ؟ كلا. فقد صرح يوما لرؤساء لليهود مشيرا الى جسده : انقضوا
هذا الهيكل وفي ثلاثة ايام أقيمه"ويكتب الانجيل انه كان يتكلم عن
----------------------
قال
يسوع : الحق الحق اقول لكم لا يقدر الابن
ان يعمل من نفسه شيئا الا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن
كذلك. لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. لتتعجبوا انتم. لانه كما ان
الآب يقيم الاموات ويحيي كذلك الابن ايضا يحيي من يشاء. لان الآب لا يدين احدا بل قد اعطى كل الدينونة للابن. لكي
يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من
لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي ارسله .
هنا تكمن وجاهة المسيح وشفاعته بالانفس التي قد اشتراها بدمه كما تقول
الاية القرآنية :"ان الله قد اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة )., وان المسيح كما هو مكتوب وليس
غيره من البشر ,.يستطيع ان يخلص الى
التمام الذين يتقدمون به الى الله إذ هو حيٌّ في كل حين ليشفع فيهم (راجع الانجيل
عبرانيين 25:7).هذا.لانه الوجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين (ال عمران45
----------------------------
هيكل
جسده اشارة انهم سيقتلونه وانه سيقيم نفسه حتى من الموت (راجع يو19:2). وقال لهم
ايضا : "لانه كما ان الآب يقيم الاموات ويحيي كذلك الابن ايضا يحيي من
يشاء"(يو21:5).وقبل ارتفاعه الى الآب بعد قيامته من الموت أمر
رسله قائلا. "دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض فاذهبوا
وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وها انا معكم
كل الايام الى انقضاء الدهر (راجع الانجيل مت 18:28).
وان
هذا يتجاوب مع ما كتبه الرسول في الانجيل من ان المسيح "هو صورة الله غير
المنظور بكر كل خليقة. وانه فيه قد خلق الكل ما في السموات وما على الارض
ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا ام سيادات ام رياسات ام سلاطين. الكل به وله
قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل"(راجع الانجيل
كو15:1-17). هذه بعض معالم طبيعة المسيح الالهية.
اما من جهة طبيعته
البشرية وصيرورته عبدا ليفتدي العبيد نظيرنا, مع بعض الاعتبارات طبعا لتفرده عن
البشر, يكتب القرآن : ان المسيح قد جاء الينا من ذات الله روحًا, وأخذ من
العذراء مريم جسداً. وعاش بيننا
كآدمٍ ثانٍ, دون خطية. وقد تكلمَ وتنبّأَ في المهد صبيَّا.ودعاه القرآن نبيَّا,
ورسولا ذكيَّا. ومثلا للعالمينْ , ووجيها في الدنيا ويوم
الدين .
ويشهد القرآن ايضا ان
المسيح, وليس سواه من البشر,خالقٌ, ومقيمُ الاموات معيداً اليهم الحياة.
ومرجع البصر للعميان, وهو منطِّق الخرس وشافي البرص , وصاحب البينات
والعجائب. وقد دعيت سورة المائدة في القرآن باسم موائده السخية التي انزلها على
اليهود في ايام جسده في البرية (راجع الإنجيل مت14:14و32:15ويو 1:6-12وسورة
المائدة 112).وهو مؤيَّدٌ بالروح القدس بل هو الوحيد بين الانبياء في القرآن من
أُيد بالروح القدس, ذلك. لانه واحد مع الآب والروح القدس , وذات الطبيعة
الواحدة.
--------------------------
ان المسيح, كما يستبان من هذه الآية اعلاه , هو شريك مع الله
في الشهادة والرقابة على نفوس التاس ,كما في الانجيل ايضا. فيقول هنا لله "وكنت عليهم" (
أي على الناس) "شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت
الرقيب عليهم وانت على كل شيء شهيد"...فكأني بالمسيح هنا يقول لله انه
وهو حي فهو شهيد ورقيب ان المسيح,
كما يستبان من هذه الآية اعلاه , هو شريك مع الله في الشهادة والرقابة على
نفوس الناس ,كما في الانجيل ايضا. فيقول هنا لله "وكنت عليهم" (
أي على الناس) "شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت
الرقيب عليهم وانت على كل شيء شهيد"...فكأني بالمسيح هنا يقول
لله انه وهو حي فهو شهيد ورقيب
------------------
وان هذا الاهتمام
البارز بشخص المسيح عيسى ابن مريم في القرآن, واعطائه حق المشاركة مع الله في
اعماله واسمائه الحسنى , لَممِّا يلفت النظر. وانه اعتراف صريح من القرآن في
الوهية المسيح وربوبيته ورقابته على الناس وشهيدا عليهم لما يعملون.كقوله
"يا عيسى ابن مريم انت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون
الله"-ففي جواب السيد لله نقرأ قوله : "وكنت عليهم شهيدا ما دمتُ
فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيءٍ شهيد" (راجع سورة المائدة (115و116).
فاننا نكون غير منصفين البتة, ومشركين بالله ايضا, ان كنا نعتبر
المسيح مخلوقا,و ننسب اليه مزيدا من الاعمال, التي لا يصح بنا ان ننسبها لسوى
الله. فعلى سبيل المثال لا الحصر: نقرأ في القرآن ان للمسيح وجودا سابقا, وقد جاء
الينا مولودا من عذراء لم تعرف رجلاً. وقد تكلم
معرفاً بنفسه وهو لم يزل في المهد قائلاً: "اني قد جئتكم بآية من ربكم
اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن
الله..". وإن عمل الخلق هو لله وحده
. واعادة العيون والآذان الى وضعها الطبيعي, وهو بمثابة خلق جديد, هو ايضا لله
وحده. واقامة الموتى لله وحده. وعلم الغيب لله وحده . وسبحانه
تعالى يأبى ان يكون له شريك من البشر في هذه جميعها مهما عظم الانسان وسما مقامه.
انسانًا كان,ام نبيًّا, ام رسولاً سواء .
رابعا-: لقد تبيَّن من القرآن الكريم ايضا ان
المسيح قد مات مقتولا بايدي اليهود شعبه على الصليب كفارة لخطايا
البشر جميعا.
خامسا : لقد تبين لنا
ان التوراة والانجيل هما كتب الله, وانها لم تتغير. ولم ولن تتبدَّل. ولم ولن
تتحوَّل او تتحرَّف البتة. لأنها كتب الله سبحانه. "وهو سهران على كلمته
ليجريها"(ارميا12:1) . الى انتهاء الوقت في مجيء المسيح ثانية لدينونة البشر الاخيرة. ولا يمكن لله ان
يسمح لأيٍ من البشر اطلاقاً, ان يتلاعبَ في كتبهِ,حاشا, وذلك لانه الاله القادر
على كل شيء .
لكن بما ان أئِمَّة
الكتب ومفسِّريها, قد بعدوا بعيداً عن القرآن وعن كتب الله التي سبقت القرآن. كما فعل
خوارنة المسيحيين الاسميين. ببعدهم عن
الانجيل ايضا. فقد نسوا , او تناسوا اذا
صح التعبير,"كيف يتدبرون القرآن". لكي يكون متفقًا مع نفسه اولا. من ثم مع الكتب التي شهد لها انها كتب الله . لذا نسمع
القرآن يصرخ من أئمَّتهِ وعلمائه مستغيثا . ولسان حاله يردد ويقول: "افلا
يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا .سورة
النساء (82). هذا. لانه عندما يُفصَلُ القرآن عن جذوره في التوراة والانجيل التي شهد لها انها كتب الله,
فان ذلك يؤدي بالضرورة الى سوء فهمه. وتفسيره .خصوصاً وانه لم يترك القرآن ظرفاً
مناسباً الا وشهد لهذين المرجعين القديمين.
واننا كثيراً ما نسمع
القرآن يردد هذه الآية الكريمة وهي : "ومن لم يحكم بما انزل الله "أي في الانجيل-" فاولئك هم
الفاسقون". اقرأ سورة المائدة (44 و47) الخ. وقد جاء في التوراة والانجيل تحذيرات مماثلة .حتى لا
يُضاف او يُحذف شيء من كتب الله, كقول موسىكليم الله:"كل الكلام الذي
اوصيتكم به احرصوا لتعملوه. لا تزد عليه ولا تنقص
منه" ( راجع تث 32:12). او كقول
سليمان: "كل كلمة من الله نقية. ترس هو للمحتمين به. لا تزد على
كلماته لئلا يوبخك فتكذَّب" (راجع ام6:30).
او كقول الرسول يوحنا
في نهاية سفر الرؤيا من الانجيل." وهو السفر الاخير في العهد الجديد: "ان
كان احد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب.
وان كان احد يحذف من اقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة
ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب".
ومن الملاحظ هنا, ان معظم الإقتباسات التي اوردناها لاثبات صحة كلامنا هو مأخوذا من داخل القرآن الكريم, مع انه
لدينا براهين اخرى كثيرة, من داخل القرآن ومن خارجه ايضا. من صحف ابراهيم وتوراة
موسى وزبور داود. والانجيل والتاريخ , التي تشهد لنفسها عن صحة هذا الامر.
ولا
يغرب عن البال ان الكتاب المقدس المشهود له من الله وانبيائه, ومن القرآن ذاته, قد ظهر , قبل القرآن بمئات السنين, بل الوفها. وكان قد ترجم الى لغات عديدة. قبل المسيح وبعد المسيح . منها الآرامية والبابلية
والاشورية واليونانية والفارسية. هذا. عدا اللغات واللهجات التي خرجت بعدئذ من اللاتينية. وقد نشر
في المسكونة كلها, بحسب أوامر الرب الذي أمر تلاميذه قائلا : "امضوا الى العالم
اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها من آمن واعتمد خلص ومن لا يؤمن
يدان" (راجع الانجيل مرقس فصل (16). ومتى فصل (28). وقد عمَّت المسيحية
الامبراطورية الرومانية من اقصاها الى اقصاها, وكانت تلقب في ذلك الحين بالدولة
المسكونية (راجع الانجيل لو1:2). وكنت ترى المؤتمرات والمجامع تعقد لأدنى الاسباب.
ربما من كلمة قيلت من اسقف او مسؤول يُظن انها ربما تخالف روح المسيحية ولا تتلائم
مع الايمان المسلم مرة الى القديسين. فتعقد المجامع وتبحث الكلمة على نور كلمة
الله المكتوبة وبارشاد الروح القدس . ويستمر البحث اياما وشهورا الى ان يصلوا الى
النتيجة المتوخاة . وهكذا نرى مع كل اختلاف النظريات في المسيحية واليهودية وتعداد
الطوائف فيهما, فانك ترى الكتاب المقدس على مر السنين, هو هو, لا يتبدل
ولا يتغير او يتحرف في كلا العهدين .
فمن
المستبعد جدا إذا وغير المعقول ان يتم جمعها وتحريفها كما يفتري البعض في هذه
الايام الاخيرة, كي يبعدوا المسلمين عن بعضهم البعض وعن الحق الالهي المسلم مرة
للقديسين .
فانه
لايعقل ان الرسول العربي يشهد لكتاب انه من عند الله وانه الكتاب المنير. ويدعوه قرآناً,
وفرقاناً, وهو محرفٌ لا سمح الله. اذ يقول في سورة البقرة (53) "واذ
آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون".
الجن تستمع القرآن الذي أُنزل بعد موسى
ففي
سورة الاحقاف (28-30) يقول "واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن
فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قُضِيَ ولّوا الى قومهم منذرين , قالوا يا قومنا انا
سمعنا كتاباً أُنزِلَ من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق
والى طريق مستقيم , يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به, يغفر لكم من
ذنوبكم ويَجِرْكُم من عذابٍ اليم".
ان نفراً من الجن , وهذا الصنف من الناس
لم يُذكر الا في القرآن فقط, لان الجن كما جاء في التوراة هم الشياطين ذاتها
وليسوا بشراً.وقد نهى الرب شعبه من التعامل معها (لاويين31:19و6:20) . فهذا الصنف
من الجن قد سمع الرسول كعادته يقرأ الانجيل, وهو القرآن الذي أُنزل بعد
كتاب موسى كما قرأنا اعلاه, وهو يهدي الى الحق والى طريق مستقيم. ففرحوا به وولوا
الى قومهم منذرين. وقالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً أُنزِلَ من بعد موسى يهدي
الى الحق والى طريق مستقيم. ياقومنا آمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم
ويَجِرْكُم من عذابٍ اليم".
فقد سمعوا الرسول على ما يبدو يتلو القرآن, الذي
نزل بعد موسى. فهو كان يقرأ الانجيل في كل مناسبة, وقد أمَرَ المسلمين الجدد ايضًا
الذين آمنوا في رسالته, ان يقرأوه نظيره. اذ قال لهم: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم
سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم" . سورة النساء (26).
ان
الآية هنا تبين لنا ان الله قد ارسل الى الرسول نفراً من الجنِ , ليستمعوا القرآن الذي نزل بعد موسى, وهو كما تقول الآية يهدي الى الحق والى طريق مستقيم.
ان
الرسول محمد وصحابته,كان يوجد بين ايديهم التوراة والانجيل, ويقرؤنهما في كل
مناسبة وقد دعوهما فرقاناً وقرآناً كما مر بنا.
كما ان الكتاب المعروف اليوم بهذا الاسم, القرآن, لم يكن بعد قد ظهر بين كتب الله في زمان
الرسول. وقدجُمِعَ مؤخراً واصبح كتاباً يعرف بالمصحف اولاً, ومن ثم بالقرآن.
وحدث هذا بعد موت الرسول بزمنٍ ملحوظ. ولم نقرأ في القرآن آيةً واحدة تشيرُ الى ان
الرسول رغب او طلب يومًا في حياته, ان احدا يجمع له كتابا ما بعد موته.
ان
الاستاذ الحداد في كتابٍ له, هو( القرآن والكتاب وجه 230) يكتب: "(روى
البخاري عن زيد ابن تابت في جمع
القرآن بعد وفاة النبي قال: " أرسَلَ اليَّ ابو بكر بعد مقتل
اهل اليمامة, فإذا عمر بن الخطاب عنده. فقال ابو بكر: ان عمر أتاني وقال ان القتل
استحَرَّ يوم اليمامة بقراء القرآن. واني اخشى
ان يستحرَّ بالقراء في المواطن
فيذهب كثير من القرآن. وارى ان تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف
نفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ فاقسم عمر بالله العظيم وقال: هو خير!. فلم يزل يراجعني
حتى شرح الله صدري بذلك…" وعندما كُلِّفَ زيد ابن تابت رسميًّا في جمع القرآن
, من قبل ابو بكر وعمر, قال لهما ثانية بعد قَسَمٍ بالله العظيم : "كيف
تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله" قالوا بعد قَسَمٍ بالعظيم ايضًا: هو
خير. وكما نعلم من القرآن الكريم, ان الرسول لم يأمر احدا من الصحابة او من
أنصاره, ان يكتبوا له قرآناً جديداَ او يجمعوا له آياتٍ من التي كان يرددها من
كتاب الله بلسانٍ عربيٍ فصيح ( راجع سورة الشعراء 189-196) . وقد بقيت هذه آيات
بينات في صدور الرجال الذين كانوا يحاربون مع الرسول محمد, وقد جُمِعَ بعضها
واصبحت كتابًا بعد وفاته بوقت ملحوظ. والمعلوم ان زيدًا بن تابت عندما سأله
الخلفاء عن حَفَظَة القرآن واين هم؟ قال
لهم زيد, ان نصفهم قد ماتوا.
وروى
عمارة بن غزيَّة حديثاً جاء فيه ان زيدا بن تابت قال: أمَرَني ابو بكر فكتبته في
قطع الاديم والعُسُب. فلما هلك ابو بكر, وكان عُمَر كَتَبتُ ذلك في صحيفة واحدة
وطلبوا له اسمًا فأشار ابن مسعود
ان يسموه " بالمصحف " لأن الحبشة تسميه كذلك, فسمَّاه ابو
بكر"المصحف"
الا
ان الرسول والصحابة, كانوا يقرأون عادة من الكتاب المقدس في كل مناسبة, ويدعونه
قرآناً او فرقاناً كما سبق وذكرنا. وان المسيحيين الذين كانوا مع الرسول, ويسمعونه
احيانًا يردد آياتٍ روحيةٍ من كتابهم, وربما ملحنة على الطريقة السريانية الشرقية,
بحسب عادة بعض النصارى الاسميين الى هذا اليوم, فكانت دموعهم تتساقط على خدودهم من
شدة الفرح.
وقد
جاء في سورة القصص (48) ان المشركينَ عندما حاجّوه بالكتب وبما اوتي موسى قال لهم الرسول: "قل فأتوا بكتاب من عند الله
هو اهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين." لقد ذَكَرَ الرسول الكتاب هنا
في صيغة المثنى, التي يقصد بها ان الكتاب المقدس في عهديه هو كتابان, كما ان هذان
الكتابان يحتويان على كُتُبِ الله باكملها المؤلفة من (66) كتاباً وهي التوراة
والانجيل. فان التوراة تحتوي على (36) كتابا والانجيل يحتوي على (29) كتابا.
وقد قال القرآن بهذا كما سبق وذكرنا في سورة
النساء (26) "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب
عليكم والله عليم حكيم".اي إن ارادة الله هي ان يهتدي الكل الى سُنَّة ما قبل
القرآن التي بدون شك,هي سنَّة المسيح عيسى ابن مريم سنَّة الفداء والكفارة.
------------------
لقد كانت الكتب المقدسة قديماً تكتب في دروج,
مفردها درجٍ واحد. وهو صحيفة واحدة طويلة بحسب الحاجة. وهي مثبَّتة على عصا من كلا
الطرفين. لكي يسهل فتحها عند القراءة ولفها عند الانتهاء منها. وكلمة
"المصحف" دخيلة الى العربية من النصرانية الحبشية وان يكن لها اصل عربي
في كلمة صحيفة وصحف التي وردت في سُوَر الاعلى والنجم وعبس والقيامة. نقلا عن
القرآن والكتاب جزء 2 الاستاذ الحداد وجه (231) . دوزة
: القرآن المجيد صفحة 54-55.
--------------------
ان
هدف القرآن كان ولم يزل, هو الهداية الى كفارة الله وغفرانه في كتب التوراة
والانجيل التي لا تتغير. وقد اعلنها الله في لغة عربية فصحى يفهمها العرب الذين
كانوا متأخرين اجتماعيًا وفكرياً فيقول في سورة (الزخرف2-4):"والكتاب
المبين , إنَّا جعلناه قرآنًا
عربيًّا لعلكم تعقلون وإنه في أُم الكتاب (أي في التوراة), لدينا لعلىُّ
حكيم". وان ما نراه اليوم من روحانية تتخلل القرآن وآياته, مردُّه الى مصدر
القرآن نفسه, وهو الكتاب المبين
المحفوظ لدى الله. هو كتاب موسى والانبياء "التوراة" اول كتاب
أُنزل من السماء الى البشر, يقول:"تلك آيات الكتاب المبين انَّا أنزلناه
قرآنًا عربيا لعلكم تعقلون"(سورة يوسف1و2). ومن قبله كتاب موسى إماما
ورحمة" (راجع سورة هود17)
لم
يأتِ الرسول محمد لمحاربة هذين المرجعين القديمين المحفوظين من الله , التوراة
والانجيل, كما يفعل بعض المسلمين الحاقدين على كتب الله اليوم. بل قد أُرسل الرسول
الكريم الى العرب ليبسِّطَ لهم بعض الحقائق الالهية الصعبة المكتوبة بغير
لغتهم , لبجعلها مستساغة وسهلة الفهم
بلسان عربي فصيح. وقد قال القرآن بهذا: "الكتاب المبين انا جعلناه
قرآنا عربياً لعلكم تعقلون وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم (أي انه في
التوراة التي هي امامًا ورحمةً )"
(سورة الزخرف 1-4).
لم
يأتِ رسول العرب ليفرِّق العرب, بل ليجمع العرب حول كلمة الله التوراة والانجيل
فقال: "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه[1]
ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا" سورة النساء 136وقد جاء ايضًا
في سورة البقرة 284),آمَنَ الرسول بما أُنزل اليه من ربه, والمؤمنون كلٌ آمَنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله
لا نفرق بين احد من رسله ومن لا يحكم بما انزل الله فيه فاولئك هم الفاسقون اقرأ
سورة المائدة من42-47).وقال رسول المسيح يوحنا في الانجيل تحذيرأ مماثلاً: "من
لا يصدِّق الله فقد جعله كاذباً"(راجع يو10:5)
بحسب
ما تيسر لنا قراءته من كتب الله, نستطيع ان نفهم ان الذين يروِّجونَ الكفر والضلال
والافتراء على الله وكتبه, هم الذين يعلِّمونَ الناس قائلين , ان لله كتاباً
واحداً فقط لا غير, اسمه القرآن, وليس عند الله كتباً, كما في الآيتين
اعلاه. فهؤلاء الناس قد ضَلُّوا ضلالاً بعيدًا جداً عن القرآن, وما سبقه من كتب
لله (سورة النساء 136).
خامسًا : لقد تبرهن لنا
ايضًا, ان الكفارة التي صنعها الله لاجل خطيئة الانسان الاول ونسله, هي في
القرآن, كما هي في الكتب اليهودية- المسيحية على السواء. لكنَّ القرآن لم يستفض
بها, بل ترك امرها الى كتب الله التي سبقته , وقد شهد لها واشار للرجوع اليها في كل مناسبة. لانها كتب الله
سبحانه, ولا يستطيع احد ان يبدل كلام الله او يحرفه, لانه سهران على كلمته ليجريها . وقد حث الرسول شعبه لقراءتها, لا الكفر بها
وتسميتها بالكتب المحرفة كما يحدث اليوم, واتهام الله بالكذب والضعف, إذا صح
التعبير.
ان
القرآن الكريم لم يوصِ بالابتعاد عن كتب الله التي سبقته والادعاء انها محرفَّة,
وترك المسلمين الجدد في ظلامٍ روحيٍ دامس , نتيجة لتجاهل قياداتهم الطريق المستقيم
الى معرفة الله والحياة الابدية بالانجيل.
لقد تم فيهم القول الذي قاله الرب لرؤَساء اليهود
قديماً: ويل لكم لانكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون
الداخلين يدخلون (مت13:23). وان الانجيل يعلن بشكل واضح, السبب في منع ايصال
الانجيل الى شعب الله في كل مكانٍ انه الشيطان اقرأ الانجيل (2كو1:4-6) حيث يقول :
"ولكن ان كان انجيلنا مكتومًا فانما هو مكتوم في الهالكين الذين فيهم اله هذا الدهر
(الشيطان) "قد اعمى اذهان غير المرمنين لئلا تضيء لهم انارة انجيل مجد المسيح
الذي هو صورة الله".
ان
محبة الله للإنسان هي محبة ابدية, وقد دبَّرَ امر خلاصه منذ اللحظة الاولى, بعد ان اخطأ في جنة عدن, كما مر
بنا. بصيرورته هو نفسه نسل المرأة ليصير آدماً ثانياً ليسحق رأس ابليس في
حياته الطاهرة وكفارته على الصليب. وهذا العمل العظيم, الذي ينكره الكثيرون اليوم,
لهو اعظم عمل قامت به محبة الله للبشر. وهذا لم يحدث سرًا , بل تنبأت عنه
الانبياء وكتبه الرسل منذ البداية. فمن يتجاهله فكأنه يتجاهل الله سبحانه وكل ما
خرج من فمه الى البشر. لانه من غير المعقول ان الله المحب يترك الناس المخلوقين
على صورته ومثاله, دون إعطائهم كلمة, تعِّبر عن شخصيته وارادته. للدخول معه
في حياة شركة ابدية كقصده الازلي, تكون محفوظة الى مدى الاجيال . وسوف لا يتغير قصده لانه
الله, وانها كلمته التي لا تتغير. فلنكن امناء في توصيل رسالة الله الى اصحابها
المحتاجين اليها كما هي.
ونعطي كتبه الاحترام اللائق. ونحثّ العالم على قراءتها, والسير بموجبها, للانتفاع
منها. وذلك قبل ان تأتي الساعة الرهيبة حيث هناك لا
ينفع الندم يكتب في الانجيل: قد وضع للتاس ان يموتوا مرة وبعد ذلك الدينونة. ويقول
القرآن ايضا: هل ينظرون الاَّ السَّاعة ان تأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون".
سورة الفاتحة
واخيراً,
اريد بنعمة الله ان الفت نظر اخي المسلم المخلص الى ما جاء في سورة الفاتحة, في
بدء القرآن الكريم . هذه الصلاة الجميلة التي كتب فيها : "باسم الله الرحمن
الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك
نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا
الضالين ".
ان
هذه القطعة الجميلة من الصلاة, وقد اعتاد اخي المسلم ترديدها دائماً, وفي كل
المناسبات, هي عبادة لله سبحانه تعالى, وتعبير عن الرضوخ لسلطانه. وهي طلبٌ لعونهِ وهديهِ الى الصراط او الطريق المستقيم.
والواضح
من قراءة الفاتحة, انها لا تمثل طلباً للارشاد الى صراطٍ مستقيمٍ جديد آخر. بل الى الصراط الواحد المعروف, الذي سار عليه الذين انعم
الله عليهم (فيقول صراط الذين انعمت عليه غير المغضوب عليهم. ولا الضالين).
ان
اليهود في القرآن كما في غيره من الكتب, هم من المغضوب عليهم ومن الضالين, لانهم لم يقبلوا نعمة
الله, التي انعم بها عليهم ,كي يكفَّر عن خطاياهم. بل رفضوا المسيح ونعمته المقدمة
لهم مجاناً, واحتقروها, واداروا لها الظهر. بذلك يقول الرسول العربي :
"وضُرِبَت عليهم الذلة والمسكنة وباءً وبغضبٍ من الله ذلك لانهم كانوا
يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغيرحق ذلك بما عصوا وكانوا
يعتدون", سورة البقرة ( 61).وجاء في سورة النساء قوله : "فبما نقضهم
ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله
عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا. وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا
عظيماً" سورة النساء ( 154و155). وقد كتب ايضا في سورة المائدة عن اليهود
الذين لم يؤمنوا بالمسيح وكفارته وهم محسوبين من اهل الكتاب ايضاً قال : "ولو
ان اهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفَّرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم.
ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما أُنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم
ومن تحت ارجلهم. منهم امة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون "(المائدة (64و65)
ونختم
هذا المقطع في الآية التي تقول:
"لتجدنَّ اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا. ولتجدنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انَّا نصارى ذلك بأن
منهم قسيسين ورهباناً وانهم لا يستكبرون .واذا سمعوا ما أُنزل الى الرسول ترى
اعينهم تفيض من الدمع ممَّا عرفوا من الحق . يقولون ربنا آمنَّا فاكتبنا مع
الشاهدين (راجع سورة المائدة 81و82).الخ.
فإن اليهود بالنسبة الى القرآن, هم قوم من المغضوب عليهم ومن الضالين. لذلك, لم يبق اذا من اهل الكتاب اصحاب الصراط
المستقيم, سوى المسيحيين منهم. الذين انعم الله عليم بكفارته وقد قبلوها مع الشكر. فهم
اذاً اصحاب الصراط المستقيم الذين يأتي أمر الله الى المسلمين الجدد ان يهتدوا
بهديهم . ويقتدوا خطواتهم. بالسير الى
الله في الصراط المستقيم. وهو الصراط اللذين انعم الله عليهم بالمحبوب وكفارته
وغفرانه. وسوف لا يوجد صراط آخر غير الذي وضعه الله وقد كتبها رسول
المسيح بالكتاب المنير اذ يقول: "لأنه ليس باحد غيره الخلاص.لان ليس اسم آخر
تحت السماء قد اعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص" (اقرأ الانجيل سفر اعمال
الرسل 12:4)الخ .
وهذه الحقيقة هي في التوراة والانجيل والقرآن.
وسوف لاتتغير ولا تتبدل او تتحرف مطلقا. وذلك لأمرين مهمين
اولاً: --ان اهل الكتاب ولا سيما
المسيحيين منهم , هم مسلمون اصيلون. وذلك قبل القرآن بزمن بعيد وبعده. ونستطيع ان
نقول بكل اعتزاز في الله, انهم اصل
الاسلام وذريته ,ذلك
بشهادة القرآن نفسه. وفي رأس
قائمتهم ابراهيم أب المؤمنين , ويعقوب واولاده الاسباط, وموسى كليم الله وصحبهِ,
والانبياء, والمسيح عيسى ابن مريم , وتلاميذه الحواريين المؤمنين بالله وكفارته.
يقول في سورة ال عمران ( 52). "فلما احس عيسى منهم الكفر قال من انصاري الى
الله قال الحواريون (وهم تلاميذ المسيح ) نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بانا
مسلمون". وقد أُمر الرسول محمداً ان يكون واحداً منهم الانعام ( 163) .
وقد أُمر ايضاً مع شعبه ان يقتدي بهم ويهتدي بهديهم, سورة الإنعام (90) وسورة النساء (60)
فلماذا
اذاً كل هذا البعد والجفاء والمقاطعة لشعبٍ مؤمنٍ هم أقربهم مودةً . للذين آمنوا. يقول القرآن : "قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء
بيننا وبينكم ان لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فان تولوا فقولوا أشهدوا بأنَّا
مسلمون (ال عمران 64)
ثانياً:
"لانهم يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون في الخيرات وهم من
الصالحين". ( ال عمران 112) "واذاَ سمعوا اللغوَ (اي الكلام الباطل الذي
لا يرضي الله ),اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم سلام عليكم لا نبتغي
الجاهلين" سورة القصص (55) "وهم ايضا على صلاتهم يحافظون (سورة
الانعام" ( 91 ).
وفي سورة الانعام (88و89 ) يامر القرآن محمداً
ان يقتدي باهل الكتاب, ويسير في
خطاهم. اذ يقول له : "اولئك الذين آتيناهم الكتاب
والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء", (وعبارة هؤلاء, تعني بعض النصارى
الاسميين داخل الجزيرة العربية) "فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين"
(هم اهل الكتاب المسيحيون الانجيليون الحقيقيون في العالم الذين اوكلهم الله
برسالته) "اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده". وفي سورة
الاعراف (161) يقول له :"قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة
براهيم حنيفاً وما كان من المشركين,..ويتابع: لاشريك له وبذلك أُمرت وانا اول
------------------
ملاحظة : إن القرآن المعتبر اليوم كتاباً لم
يكن بين كتب الله في حياة الرسول محمد. بل
كان لم يزل آيات في صدور الرجال. وقد اصبح كغيره من الكتب في زمن خلافة عمر وقد
دعي " المصحف" وهذا الاسم "مصحف" كان اسما للكتاب المسيحي
المقدس في الحبشة . راجع " القرآن والكتاب" للاستاذ الحداد وجه (230).
-----------------------
المسلمين".
ان
حياة المسيحيين الانجيليين المؤمنين الذين دُعوا في القرآن باهل الكتاب تشهد لهم
في كل عصورهم انهم ابناء الله بالمسيح, اذ انهم قد تابوا وقبلوا مشورة الله وكفارته
لاجل سيئاتهم وخطاياهم فغفرت لهم. بهذا العمل قد اصبحوا خلائق جديدة واولاد آدم
آخر هو المسيح آدم الثاني والاخير. يقول الانجيل: "ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة.
الاشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدا" ,(راجع الانجيل 2كو 17:5)
بقي
لنا ان نعلم من كتب الله , انه عندما يقترب الانسان بالصلاة الى الله سبحانه, عليه
ان يؤمن اولا ان الله موجود وانه وانه يجازي الذين يطلبونه(راجع الانجيل عب6:11),
وهو يستجيب الصلاة, لانه السميع المجيب. وإلاَّ ان كان الله لا يستجيب صلاتنا فلماذا علمنا ان نصلي هكذا ؟ . وتأتي استجابته لصلواتنا
ولا يسأل عن اعمالنا واستحقاقنا, عندما نطلب
من كل قلوبنا الهداية والارشاد الى صراطه المستقيم. الصراط الذي سار عليه
الآباء والانبياء قديماً واهل الكتاب ومنهم المسيحيين وهم ما يزالون . وقد
أشارالرب يسوع المسيح الى هذا الصراط , او الطريق , انه ضيق
,وقليلون هم الذين يجدونه .
ولكن
عندما نشعر اننا مختارون من الله ان نكون من هذه الاقلية, وان الروح القدس قد إبتدأ يشهد لارواحنا اننا قد اصبحنا
اولاداً لله بقبولنا المسيح وكفارته, (راجع الانجيل رومية 16:8وسورة ال عمران (55
وانجيل يوحنا12:1).) ونتأكد من صدق مواعيد الله لنا, عندئذ علينا ان نوقف هذا
النوع من الطلب المستمر, ونتوجه اليه بالحمد والثناء, رافعين قلوبًا ملؤها الفرح
والشكر, لاستجابته لصلواتنا وهدايتنا الى الصراط المستقيم. لا ان يبقى هذا
الانسان من الولادة الى الممات يطلب ويصلي ويردد الكلمات عينها قائلا :"اهدنا
الصراط المستقيم, اهدنا الصراط المستقيم, صراط الذين انعمت عليهم, غير المغضوب عليهم
ولا الضالين . ويبقى هذا الانسان المصلِّي متلهِّياً في اموره الارضية, وبعيداً عن
الصراط المستقيم, ومن المغضوب عليهم والضالين .حيث انه لم يقبل في حياته القصيرة
هذه نعمة الله,وطريقه للخلاص , وقد اجاب المسيح احد المؤمنين به عند ما سأله عن
الطريق (أي الصراط) الى الله:"انا هو الطريق والحق والحياة.
لا احد يستطيع ان يأتي الى الاب الاَّ بي"(الانجيل يو6:14) فان كنت يا اخي
ممن يتمنون ان تكون صلاتهم مستجابة
عند الله, اقبل, الذبح
العظيم, عيسى ابن
مريم. الوجبه في الدنيا والآخرة. الذي مات عنك وكفَّرَ عن خطاياك.
وقدِّم صلاتك من الآن وصاعدا الى الآب بإسمه, فانه هو وحده الذي استطاع القول:
"ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن. ان
سألتم شيئاً بإسمي فإني افعله" راجع الانجيل (يو3:14-6). وقد صرح المسيح
عالياً لكل من لم يزل يفتش عن (الطريق ) المستقيم:"انا هو الطريق
والحق والحياة لا احد يستطيع ان ياتي الى الآب الاَّ بي".وبابه لم يزل الى
الآن مفتوحا وهو ينادي ويقول:"تعالوا اليَّ ياجميع المتعبين والثفيلي الاحمال
وانا اريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب.فتجدوا راحة
لنفوسكم.لان نيري هين وحملي خفيف"(الانجيل بحسب متى25:11-30) آمين والرب يباركك. من اخيك جورج خوري . انتهى .
النسخة الاولى كتبت في سنسيناتي
اوهايو في شهر آب سنة (1976).
من ثم اعيد نسخها في لوس انجلوس في حزيران (
1981) وارسلت الى بعض البلاد العربية ووزعت بالالوف. وقد اعيد نسخها في اتلنتا
جورجيا في نيسان ( 1991). من ثم ايضا في اتلنتا جورجيا في 11آب (1998) وهذه الآن
من نعمة الرب نسخة جديدة مصححة وقد انتهى العمل عليها ايضا في اتلنتا جورجيا 11
تموز سنة 2001 والبركة أولا وآخرا هي من الرب سبحانه .
[1]ملاحظة :
إن القرآن المعتبر اليوم كتاباً لم يكن بين كتب الله في حياة الرسول محمد. بل كان لم يزل آيات في
صدور الرجال. وقد اصبح كغيره من الكتب في زمن خلافة عمر وقد دعي "
المصحف" وهذا الاسم "مصحف" كان اسما للكتاب المقدس المسيحي في
الحبشة . راجع " القرآن والكتاب" للاستاذ الحداد وجه (230).
الى الفهرس | الى الكتاب المقدس | الى مجلة النعمة | الى صفحة البداية