س: هل يستطيع الإنسان أن يتأكد من نواله الخلاص أم أن هذا درب من الغرور والكبرياء؟
ج: الواقع أن بعض المسيحيين يظنون أنه من التواضع أن يقولوا إنهم لم يتأكدوا بعد من
خلاصهم، وإنهم ينبغي أن ينتظروا حتى بعد الموت لكي يعرفوا رأي الله فيهم لكن
الحقيقة التي يُعلنها لنا الكتاب المقدس أنه من حق كل مسيحي بل من واجب كل مسيحي أن
يتأكد من خلاصه وأن يعتمد على دم المسيح في غفران كل خطاياه في ضمان حياة أبديةً في
بيت الآب.
فبولس الرسول يقول عن نفسه إنه مخلص، في الرسالة الأولى إلى كورنثوس "فإن كلمة
الصليب عند الهالكين جهالةٌ وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوَّة الله." ويقول بولس
أيضاً "لأنني عالمٌ بمَن آمنت وموقنٌ أنه قادرٌ أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم." وفي
الرسالة الأولى ليوحنا نقرأ القول "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة
لأننا نحبَّ الاخوة." وفي إنجيل يوحنا يقول الأعمى عن المسيح "أَخاطئٌ هو. لست أعلم.
إنما أعلم شيئاً واحداً. أني كنت أعمى والآن أُبصِر." وفي رسالة رومية نقرأ هذه
الآية الجميلة "إذاً لا شئَ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين
ليس حسب الجسد بل حسب الروح."
إن خلاصنا ينبغي أن يُبنى على اليقين لا أن يقوم على الظنون.
في إنجيل لوقا نقرأ أن يسوع بعد ذهاب العذراء المطوَّبة ويوسف معه إلى أورشليم في
العيد فُقد منهما في عودتهما لأن العذراء ظنته في قافلة الرجال ويوسف ظنه في قافلة
النساء. وبين ظن العذراء المباركة وظن يوسف ضاع يسوع بينهما، فلا مجال للظنون لكي
نبني عليها حياتنا المسيحية
إن الذين يعتقدون أننا لا نستطيع أن نتأكد من خلاصنا وأنه من الغرور أن نقول إننا
قد خلصنا يقولون ذلك لأنهم يعتقدون خطأً أننا نخلص بأعمالنا ولو كنا فعلاً نخلص
بأعمالنا وبجهودنا وجهادنا لما حقَّ لواحدٍ فينا أن يتأكد من خلاصه في أيام حياته
بل كان لا بد أن ينتظر حتى يموت ثم يقف أمام الله ليُقيّم الله أعماله ويحكم له أو
عليه لكن الحق المبارك هو أننا لا نخلص عن طريق أعمالنا بل عن طريق عمل المسيح
الكفّاري الكامل لأجلنا على الصليب، وأن خلاصنا يُقدّم لنا مجاناً بنعمة الله كما
هو مكتوب في رسالة رومية "متبرّرين مجاناً بنعمتهِ بالفداءِ الذي بيسوع المسيح الذي
قدمهُ الله كفَّارةً بالإيمان بدمهِ لإظهار برّهِ" ولأن عمل المسيح الكفاري على
الصليب هو عمل كامل قد أعلن هو كماله على الصليب إذ قال "قد أُكْمِل." وأعلن الآب
كماله بقيامة المسيح من الأموات كما هو مكتوب "الذي أقامهُ الله ناقضاً أوجاع الموت
إذ لم يكن ممكناً أن يُمسَك منهُ." لذلك فلابد أن نتيقن أننا قد خلصنا إن وضعنا
ثقتنا في هذا العمل الكفاري المبارك. في صلاة المسيح إلى الآب في إنجيل يوحنا يقول
"العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملتهُ."
والواقع أن خلاص البشرية كان في فكر الآب منذ "الأزمنة الأزليَّة" ومنذ البدء يقدم
بالنعمة لا بالأعمال.
في سفر التكوين نقرأ عن العهد الذي أقامه الله مع أبرام "فقال لهُ خذ لي عجلةً
ثلثية وعنزةً ثلثية وكبشاً ثلثيّاً ويمامةً وحمامةً. فأخذ هذه كلها وشقَّها من
الوسط وجعل شق كلّ واحد مقابل صاحبهِ." وكان هذا علامة عهد بين الله وأبرام وكانت
العادة أن المتعاقدين يمرون بين شقي الذبيحة وكأنهما يقولان إننا نضمن هذا العهد
وإن كسرنا العهد يُعمل بنا ما عمل بهذه الذبيحة ونرى أن الذي مر بين شقي هذه
الذبيحة لم يكن هو أبرام فقد "وقع على ابرام سُبات." لكن الذي مرَّ بين شقي الذبيحة
"تنور دخانٍ ومصباح نارٍ" يعلنان عن مرور الله بين شقي الذبيحة فالله هو ضامن هذا
العهد وهو الذي قدم هذا العهد بالنعمة وإنما جاء الناموس بعد ذلك لا ليخلصنا به بل
ليعلمنا أننا لا نستطيع أن نخلص بأعمال الناموس "لأنهُ لو أُعطِي ناموسٌ قادرٌ أن
يحيي لكان بالحقيقة البرُّ بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكلّ تحت الخطية ليُعطَى
الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤْمنون."وبالتالي ينبغي أن نلتجئ إلى النعمة
المعلنة لنا في كفارة المسيح التي جاءت لنا في العهد الجديد حيث أُعلنت لنا هذه
الحقيقة بمنتهى الوضوح في رسالة أفسس إذ يقول "لأنكم بالنعمة مُخلَّصون بالإيمان
وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد."
والواقع أن العهد الجديد الذي لنا أن نتمتع به هو عهد بين الله الآب والإبن والروح
القدس الله الواحد المثلث الأقانيم الذي دبّر هذا العهد وضمنه ونحن نتمتع به في
المسيح يسوع. "إذاً لا شئَ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" قال
المسيح "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياةً أبديَّة ولن تهلك
إلى الأبد ولا يخطفها أحدٌ من يدي." "الحقَّ الحقَّ أقول لكم إن مَنْ يسمع كلامي
ويؤْمن بالذي أرسلني فلهُ حياةٌ أبديَّة ولا يأْتي إلى دينونةٍ بل قد انتقل من
الموت إلى الحياة."
وهذه الحقيقة المباركة ليست رخصة لنا لكي نخطئ أو نتكاسل وإلاّ كنا نحوّل "نعمة
إلهنا إلى الدعارة" بل على العكس من ذلك تماماً هي أقوى دافع لنا لكي نعيش "كما يحق
لإنجيل المسيح" وبهذه الأخبار المطمئنة المفرحة وبعد أن نتيقن من خلاصنا علينا أن
نعمل وأن نجاهد بل أن ندخل في حرب روحية مع أجناد الشر الروحية لا لننال الخلاص ولا
لكي ننجو من الدينونة كعبيد يخشون بطش سيدهم بل كأبناء يحبون أبيهم ويعملون معه حباً
له وإن أخطأنا وسقطنا فإن لنا المسيح شفيعاً عند الآب مكتوب عنه في رسالة
العبرانيين "فمن ثَمَّ يقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدَّمون بهِ إلى
الله إذ هو حيٌّ في كل حينٍ ليشفع فيهم."
ولعل شخصاً يقول ماذا إذاً عن وقوف المؤمنين أمام كرسي المسيح الذي نقرأ عنه في
رسالة كورنثوس الثانية "لأنهُ لابدَّ أننا جميعاً نُظهَر أمام كرسي المسيح لينال كلُّ
واحدٍ ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً" أليس ذلك ليدين المسيح
المؤمنين كلا.. إننا لابد أن نظهر جميعاً أمام كرسي المسيح لا لندان بل لننال ونأخذ
الأكاليل فكلمة كرسي المسيح في اللغة اليونانية هي كلمة "Bema" التي تصف المنصة
التي يقف فيها الفائزون في المباريات لكي يأخذوا الميداليات الذهبية والفضية
والبرونزية لا ليحاكموا ولا ليعاقبوا. إن وقوف المؤمن أمام كرسي المسيح ليس
للدينونة بل لكي يأخذ الأكاليل. نأخذ الأكاليل على الأعمالٍ الصالحة التي "قد سبق
الله فأعدَّها لكي نسلك فيها" لقد أعدها الله لنا بأن أعطانا المواهب والقدرات لكي
نعملها وهيأ لنا الفرص وأعطانا الوقت لكي نقضيه في عملها، فإن نحن استخدمنا مواهبنا
لمجده واستغل كل منا الفرص والأوقات التي يهيئها الرب له وعملنا لا لمجد أنفسنا بل
لمجده هو نلنا الأكاليل منه. وإن لم نفعل فإننا نحرم من الأكاليل ولكن نخلص ما دمنا
أقمنا حياتنا على أساس كفارة المسيح كما هو مكتوب "فإنهُ لا يستطيع أحدٌ أن يضع
أساساً آخر غير الذي وُضِع الذي هو يسوع المسيح. ولكن إن كان أحدٌ يبني على هذا
الأساس ذهباً فضةً حجارةً كريمة خشباً عشباً قشاً فعمل كل واحدٍ سيصير ظاهراً لأن
اليوم سيبيّنُه. لأنهُ بنارٍ يُستعلَن وستمتحن النار عمل كل واحدٍ ما هو. إن بقي
عمل أحدٍ قد بناهُ عليهِ فسيأخذ أجرة. إن احترق عمل أحدٍ فسيخسر وأما هو فسيخلص
ولكن كما بنار."
قال الرب إنه هو الذي يهبنا الخلاص بالنعمة، فالرب يسوع وحده هو أساس الكفارة وأساس
الخلاص وكفارته هي التي تضمن خلاصنا إلى الأبد كما هو مكتوب "مبارك الله أبو ربنا
يسوع المسيح الذي حسب رحمتهِ الكثيرة ولدنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍٍّ بقيامة يسوع المسيح
من الأموات لميراثٍ لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحلُّ محفوظ في السموات لأجلكم أنتم
الذين بقوَّة الله محروسون بإيمانٍٍ لخلاصٍ مستعدٍّ أن يُعلَن في الزمان الأخير."
ليس إذاً من التواضع في شيء أن نقول إننا لا يمكن أن نتأكد من خلاصنا بل هذه إهانة
لعمل المسيح على الصليب وعدم تصديق لوعوده وليس غروراً ولا كبرياء أن نتيقن من
خلاصنا من الآن بل هذا تمجيد لعمل المسيح وتصديق لوعوده. لذلك مكتوب "لنتمسَّكْ
بإقرار الرجاءِ راسخاً لأن الذي وعد هو أمين." فإن لم تكن واثقاً بعد من خلاصك تعال
إليه الآن بالإيمان وتمتع بهذا الخلاص اليقيني. آمين