اليدان المحروقتان
بعد أن توفي والدي ذلك الصبي، ذهب ليعيش مع جدته الفقيرة، في بيتها الصغير، بعيدا عن أصحابه ورفقائه. وفي ليلة من الليالي، نشب حريق في البيت، إستفاقت جدته من نومها، مذعورة، لترى النيران تلتهم بيتها، وحفيدها نائم في غرفة صغيرة، في الدور الثاني من البيت.
حاولة الجدة إنقاذ حفيدها، قبل أن تلتهمه النيران، لكن من غير جدوى، فخرجت خارجا وهي تصرخ، طالبة النجدة والمساعدة. التفَّ حولها الجيران، ولم يستطع أحدا دخول البيت لشدة النيران.
دخلت تلك العجوز ذلك البيت غير مبالية بالنيران، مضحية بحياتها من أجل حفيدها، لكنها لم تقوى على النيران، فحالما دخلت، شبّت بها النيران التي كانت تملأ البيت، فخرجت وهي مشتعلة بالنار من جراء إنقاذ حفيدها.
إستيقظ الولد من نومه، وإذ بالنيران تحيط به من كل صوب، فابتدأ يصرخ بأعلى صوته، وبدى صوته أعلى من قرقعة الخشب المحترق. ولكن لم يقدر ولم يجرئ أحد على إنقاذه !
وفجأت إقترب رجل، من الذين كانوا واقفين حول البيت، وأخذا يتسلق الحائط نحو الشباك الصغير، المؤدي الى حيث يوجد الصبي. كان يتسلق الحائط، وهو ممسكا باحد انابيب الحديد، التي أصبحت حامية جدا، بسبب النار المشتعلة في البيت. وصل ذلك الشباك، وطلب من الولد أن يتعلق بكتفه، ثم نزل به على نفس ذلك الأنبوب، الذي كان قد أصبح ملتهبا بسبب النيران.
لم تمضي أيام قليلة حتى فارقت تلك الجدة حياتها بسبب ما عانته في محاولة إنقاذ حفيدها، ولم يبقى لهذا الصبي أحدا ليهتم به... إجتمع أهل القرية مع الحاكم، ليقرروا من سيهتم برعاية ذلك الصبي الجميل، وأعطي كل من يرغب بتبني هذا الصبي، فرصة ليعبر عما يؤهله لهذا الأمر.
تقدم أولهم وقال، إن لدي مزرعة كبيرة، والحمد لله فأحوالي ميسورة، فلو حصلت على هذا الصبي لعمل عندي في المزرعة وسيكون مسرورا عندي بلا شك.
ثم تقدم آخر وقال إنني استاذا في المدرسة، ولو تعهدت هذا الصبي لأعطيته علما غزيرا وثقافة عالية لأن الذكاء يبدوا عليه .
أخيرا تقدم شخصا كان من أغنى سكان تلك القرية، وقال، إن لدي الكثير من المال والغنى، وليس لدي أولاد، فلمن هذا كله، فلو أعطيتوني هذا الصبي، لورث كل شي من بعدي.
بدت حجة ذلك الغني من أقوى الحجج، وكان لا بد من قرار، لكن ذلك الصبي، كلما تكلم شخص، عارضا على الحاكم، إمكانياته، كنت تراه يبكي، والدموع تنسال من عينيه.
قبل أن يصدر الحاكم قراره النهائي، تقدم شخص من الوراء، ووقف في الوسط أمام الجميع، ثم ببطئ، رفع يديه من جيبه، وإذ هما محروقتان، ثم قال، ربما لا أستطيع أن أقدم حقلا، أو علما، أو مالا كالآخرين، لكنني مستعد أن أقدم حياتي من أجلك يا أبني...
حالما سمع الصبي، ذلك الصوت، تذكرعندما كان في البيت والنيران مشتعلة من حوله، ركض ذلك الصبي نحو ذلك الرجل، وتعلق بعنقه.
أمام ذلك المشهد، أخذ ذلك الحضور واحدا فواحدا يغادرون الغرفة، فأول من خرج كان المزارع، ثم المدرس، وغيره، وأخيرا غادر الغني... إن تلك اليدان التي رسمت عليها أثار المحبة، كانت هي التي تتكلم...
صديقي...إن محبة الله لك ولي، لم تكن بالكلام، ولا باللسان : يقول الكتاب المقدس: إن الله بين محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. تأمل في هذه الكلمات: لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. نعم لو تنظر في يدي المسيح، أو جنبه، أو رجليه، أو جبينه، لترى محبته الغالية لك ولي... وأنت ماذا يا ترى فعلت من أجله...
هل تعرف ما يريده منك... ؟ إرادة الله أن تتوب عن خطاياك وتقبل موت المسيح مخلصا لك.