حياة التواضع

منذ عدة سنوات، فاز أحدُ الأشخاص بالإنتخابات النيابية في إنجلترا. وأصبح عضواً في مجلس البرلمان البريطاني. كان هذا الرجلُ من إحدى القرى الصغيرة خارج مدينة لندن. لدى فوزه بالإنتخابات، إعتراه شعورٌ بالكبرياء، إذ أصبح له منصبُ هامٌ في الحكومة البريطانية.

ذاتَ يومٍ، إصطحب هذا الرجل زوجَتَه واولادَه في زيارة للندن، ليريهم مكان عمله، ومعالم تلك المدينة الشهيرة. وبينما هم يمشون وينظرون الى تلك الأبنية العظيمة، كان هذا الرجلُ يفسّر بإعتزازٍ تاريخَ تلك المباني التي كانوا يزورونها. وأخيرا إقتادهم الى مبنى WestMinster Abbey الشهير، حيثُ تقامُ كلَ المراسمِ الدينيةِ للعائلة المالكة في بريطانيا.

لدى دخول العائلة ذلك المبنى، بانت معالمُ الذهولِ على وجه إبنته الصغيرة البالغة من العمر ثماني سنوات. نظر اليها والدها بإفتخار، ثم سألها: بما تفكّرين يا إبنتي؟ فأجابته قائلة: أقكرُ يا والدي كم تبدو أنتَ كبيراً في منزِلِنا، وكم تبدو صغيراً في هذا المكان.

لا بدَ أن ذلكَ الرجل تلقى درسا هاما في التواضع من إبنتهِ الصغيرة.

تذكرني هذه القصة أيضا، بحادثة المكوك الفضائي Challenger عام 1986. فقبيل إطلاق الChallenger بليلة واحدة، إجتمعَ كبارَ المهندسين والعلماء، في محاولةٍ هدفها إثناء عزم مدراء وكالة الفضاء الأمريكية Nasa على إطلاق الChallenger الى مدارهِ في الفضاء، إذ أن الطقس البارد في صباح ذلك اليوم الواقع في 28 كانون الثاني قد يُسَببُ كارثةً كبيرةً، إلا أن وكالة الفضاء رفضت أن تستمعَ الى تحذيراتِ الخبراء، وهكذا في صباح ذلك اليوم الواقع في 28 كانون الثاني عام 1986 دخل 7 من رواد الفضاء الى ذلك المكوك، وتم إطلاقه، وشاهدَ العالمُ بإسرهِ بذهول إنفجار ذلك المكوك بعد 73 ثانية من إطلاقه.

علقت جريد الNew York Times على هذه الحادثة بالقول: إن السبب الحقيقي لهذه الكارثة هو الكبرياء. إذ أخفقَ رجال الإدارة الذي يضمُ عشرةَ أشخاصٍ أن يستمعوا بإنتباهٍ الى تحذيراتِ موظفينَ أدنى منهُم مركزا.

لقد ظن هؤلاءُ المديرون أنهم يعلَمونَ كل شيءٍ، لكنهم كانوا مخطئين.

أخي وأختي إن مشكلةَ الإنسان الأولى هي الكبرياء. فقد ضربَ أبليسُ هذا الوتر الحساس في آدم وحواء حين قال لحواء: لن تموتا. بل اللهَ عالمٌ أنه يومَ تأكلانِ منه تنفتحُ أعينكما وتكونانِ كالله عارفين الخيرَ والشر. فالكبرياء يجعلُ الإنسانَ يتمردُ على اللهِ ولا يعتبرَ وصاياهُ. ويجعلُه كذلك يعلّي من شأن ِ نفسهِ، ويدوسُ فوق الآخرين لكي يحقق مآربه الشخصية.  فلا يرى عيوبهُ بل يرى عيوبا من حوله. لذلك يقولُ الكتاب المقدس: يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة.

قال الرب يسوع: لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع. ونحن في بداية سنة جديدة، لنحرص بأن نسلُكَ بتواضعٍ أمام الربِ الهِنا. فنحبَ الآخرين ونحترمهم... ولا نعلّي من شأنِ نفوسنا، بل نجثوا بخشوعٍ أمام الربِ سيدنا.. ونعطيه الحمدَ والشكرَ والإكرامَ الى الأبد آمين.

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية