قصة خلاص سندر سن

في الثالث من شهر أيلول سنة 1889 ولد في مقاطعة مانشتيلا في شمال الهند طفل ذو عينين سمراويين. كان يبشر أنه سيصبح في رجولته بطلاً مخاطراً في خدمة أعظم الملوك. سمي هذا الطفل سند. ووالده السير دار شير سنغ, رجل ذو مال ومقام . كان يسكن في قرية راميرا، وكلمة سن معناها أسد وهذا اللقب كان يعطى للقائد العظيم من طائفة السيخ الهندية قبل مئات السنين . لقد توفر لدى سندر كل الوسائل التي تجعل الطفل ان يكون سعيداً لأن بيته الذي كان في راميرا كان حسن الأثاث والأناقة تدل على الرفاهية والرخاء . وكلما كان سندر يزداد تقدما في العمر كان شوقه يزداد الى السلام الحقيقي والحكمة . وكان يثابر على قراءة كتب الأديان المختلفة في بلاده رغم صغر سنه لم يكن مكتفياً بما عرف من العلوم فكان يبحث عن الشيء الذي لم يكن باستاعته ان يجده وكثيرا من تكلم مع رجال الدين لكنهم عجزوا عن مساعدته حتى والدته المحبة، لم تقدر ان تعطيه سلام الضمير الذي كان ينشده، جاء اليوم الذي فيه كان يجب أن يذهب الى المدرسة فكانت أقرب مدرسة الى بيته مدرسة لإرسالية أميركية فأُرسل سندر الى هذه المدرسة وهناك حدث تغيير جديد في حياته لأنه كان مجبوراً كل يوم أن يصغي لسماع الكتاب المقدس ، ففي هذه المدرسة سمع أشياء كثيرة تناقض ما تعلمه قبلاً، فدمه السيخي الثائر ثار في داخله وصار يتسائل ويقول لماذا يجب علي أن أصغي إلى أمور كهذه؟ ولماذا يجب عليَّ أن أقرأ كتب هؤلاء المسيحيين؟ نحن سيخيون ولنا كتاب لديانتنا وقد اشترك معه في ثورته تلميذ آخر فواجهت إدارة المدرسة صعوبة كبرى في أقناع هذين التلميذين لكي يخضعا لقوانينها .
عندئذ اشترى سندرنسخة من العهد الجديد وباشر في قراءته، والمعلومات التي قرأها زادت كراهيته للمسيحية وبعد زمان قصير جمع كل تلاميذ المدرسة الكارهين لهذا الدين الأجنبي وأصبح زعيما لهم.
عندما بلغ سندر الرابعة عشر من عمره استولى عليه حزن لا يدركه إلا الذين اختبروا ذلك . توفيت والدته وأصبح وحيداً وكان اشتياقه شديداً للحصول على السلام الذي كانت والدته تكلمه عنه في كثير من الأحيان وهو الآن يبحث عن ذلك السلام بكل قوته أكثر من أي وقت مضي ولكنه لم يجده ، وكراهيته للمسيحية ازدات أكثر واكثر وفضلاً عن ذلك لم يكن سندر ثابناً في المدرسة فصمم والده ان يرسله الى مدرسة تبعد ثلاثة أميال عن قرية راميرا وهي مدرسة حكومية ليست لأية إرسالية علاقة بها .
فالسير مسافة طويلة في الشمس المحرقة كان أكثر مما يحتمله ، الأمر الذي سبب إرجاع سندر الى مدرسته السابقة . عاد الى سماع التعاليم المسيحية من الكتاب المقدس يوما فيوم مرة ثانية . وبغضه ازداد شدة أكثر من قبل لتلك التعاليم المسيحية ، فقد بلغ يأسه وشقاوته أقصى حد . ففي يوم من الأيام وقع ظل أحد المبشرين عليه ، فقضى ساعة بطولها في الإستحمام ليطهّر نفسه من الدنس. وقال ان هؤلاء المبشرين قد جاءوا الى هنا ليتلفوا موطننا وأوصى خادم أبيه أن يرجم المبشرين المسيحيين عندما يمرون بالقرية وقال أيضا أن المسيح لم يقدر أن يُخلِّص نفسه فكيف يقدر أن يُخلِّص الآخرين؟ لكن بعض الكلمات التي كان قد قرأها في الكتاب المقدس الذي يمقته كانت تتردد في ذهنه مزعجة إياه  مثل قول المسيح " تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" فالراحة هي التي كان يطلبها، فكان على زعمه يقول كيف يقدر يسوع الذي لم يكن سوى مجرد انسان أن يهبه تلك الراحة ؟ إن الهندوسية هي من أجمل ديانات العالم ومع ذلك فإنها لم تعطيني سلاماً . فكيف تقدر هذه الديانة الجديدة ان تمنحني السلام ؟
إن يوم 16 كانون الأول سنة 1904 انطبع في ذاكرته على مدى الحياة وذلك لما أخذ سندر الكتاب المقدس وبلله في البترول وقذف به في النار . رأى أبوه ما كان يعمل فقال له مخاطباً: "يا لها من حماقة يا سندر" أجابه سندر: "لأن ديانة الغرب هذه باطلة ويجب إتلافها" وبعد هذه الحادثة بثلاثة أيام رجع سندر الى العذاب والشكوك والقلق متسائلاً ما هو الحق ؟ هل يوجد إله حقاً؟ وما يسوع المسيح إلا رجل عادي فقط وهو مات قبل ألف وتسعمائة سنة تقريباً.
قرر سندر أن يتخلَّص من كل الشكوك دفعة واحدة والى الأبد ، وقرر اذا كان لا يوجد إله فانه سينهي حياته . وكان في الخامسة عشر من عمره ، وعلينا أن نتذكر ان الهندي وهو في هذا العمر أوعى من أي فتي غربي آخر في عمره من عدَّة وجوه، وفكرة الإنتحار عندهم ليست مُخيفة كما هي عندنا.
ذهب سندر الى أبيه وقال له أودعك الآن يا أبي وستجدني ميتاً في الصباح . فأجاب أبوه وقال له: أتريد أن تقتل نفسك؟ فقال سندر: لأن ديانتي الهندوسية لا تقدر ان تعطيني ما يكفي نفسي ويريحها، حتى ولا المال لأن المال يسد احتياجاتي الأرضية فقط ولكن لا يكفي لإحتياجات نفسي. ضجرت من هذه الحياة التعيسة الناقصة ولذا سأنهيها.
فدبر خطته بدقة. في المكان الأسفل من حديقتهم يمر القطار الساعة الخامسة من كل صباح فقرر أنه سيطرح نفسه تحت القطار اذا لم ينل جواب لصلواته للسلام والإكتفاء.
في 18 كانون أول استيقظ سندر الساعة الثالثة صباحاً ونهض من فراشه واستحم بالماء البارد وبعدها ابتدأ في الصلاة هكذا، إن كان هناك إله ليُظهر لي طريق الخلاص وأنا سأخدمه كل حياتي وإلا سأقتل نفسي. وهكذا صلى لمدة ساعة ونصف وكان قد بقي نصف ساعة لميعاد مرور القطار، واستمر سندر في صلاته قائلاً: إن كان الله موجوداً فلظهر طريقه لي. وفجأةً إمتلأت الغرفة من لمعان نور مجيد لأن ذلك الذي هو " الطريق والحق والحياة " أتى بنفسه ليطلب محبة وخدمة من هذا الإناء المختار .
نظر سندر بدهشة وسأل ما هذا النور ؟ هل البيت يحترق؟ أو هل هذه رسالة من الله استجابة لصلواتي ؟ وبعدئذ رأى في وسط النور شخصاً بهياً يفوق تصوراتنا وأحلامنا الأرضية يتأق في اللمعان ، يبتسم له بمحبة السماء الكاملة. من هذا ؟ بوذا؟ كرشنا؟ أو قديس آخر سمع صلواتي ؟ وما هذه الجروح التي في يديه؟ عندئذ تكلم هذا الشخص بصوته العذب الرخيم بالهندوستانية. " إلى متى تضطهدني" أنا مت لأجلك . أنا مُخلِّص العالم . فخر سندر عند قدمي معلمه معترفاً به.
فكر سندر وقال ان يسوع المسيح ليس ميتاً ولكنه حيّ وما هذا إلا هو، فأتاه السلام من الناحية التي لم تكن تخطر له على بال. فالسلام الذي أتاه جلب معه فيضاً من السعادة لا يمكن أن ينطق به لنسان.  
وأخيراً غابت الرؤيا. ونهض سندر على قدميه ولم يكن النهار قد بزغ لكنه ذهب فوراً إلى غرفة أبيه وأيقضه وأخبره بكل ما جرى وختم كلامه وقال: أنا مسيحي الآن. فأجاب والده وقال: كنت تحرق الكتاب المقدس قبل يومين واليوم تدّعي بالمسيحية. هذا غير ممكن. فقال سندر هذا حق لأني كنت أسمع عن يسوع المسيح بالكتب فقط ولكني الآن أعرفه بأنه المسيح الحيّ لأني رأيته وأعلم انه الله. كنت أكرهه الى زمان طويل لأني كنت أفكر أنه رجل عادي، ولكنه الآن أعلن نفسه لي وسأخدمه ما حييت. أبى والده أن يصغي إليه لأنه ظن أن ابنه يهذي وأمره أن يرجع إلى فراشه فرجع سندر إلى فراشه مرة ثانية .
سرعان ما وجد السير دار شير سن أن ابنه سندر الأصغر في اشتياق عظيم إلى أن يصير تلميذاً للمسيح. فجعل سندر تصميمه هذا معروفا عند أخيه وأفراد عائلته ، واستولى الرعب على كل أفراد العائلة لأن شخصاً من العائلة قد أصبح مسيحياً محتقراً في بيت سيخي شريف. الأمر الذي سيجلب الإحتقار عليهم ، وكان من الصعب أن يحتملوا كارثة كهذه فابتدأ والده في إقناعه متكلماً معه في جد وعطف مذكراً ابنه بكل تقاليد العائلة ومشيراً الى كل العظمة التي ستكون من نصيبه إن بقي مُخلصاً لدين أسلافه ومع أن قلب سندر يفطر حزناً على حزن على خيبة آمال أبيه لكنه بقي ثابتاً ، فكثيرا ما تكلم أبوه عن الغنى والرفاهية والقوة والمقام العالي جميع هذه الأشياء التي تروق للشباب وهم في مقتبل العمر .
فلما وجد والده أنه ليس باستطاعته أن يثنيه عن عزمه بيّن له مقدار الخزي الذي سيجلبه عليهم إن كان قد نوى الإنضمام إلى جماعة المسيحيين حقاً. إن هذا آلم سندر بشدة لأن قلبه المضطرم بالمحبة لأجل شعبه وفكرة جلب الأذى لهم كانت أكثر مما يحتمل، فكان يتذكر دائما نظرة المحبة من وجه المسيح الذي دعاه لخدمته، ويتقوى لمجابهة الإضطهاد يوما بعد يوم وأخيراً استدعوا عمّه لإقناعه، وعمّه هذا كان ذا غنى عظيم يملك بيتاً وساعاً جميلاً .
فأخذه عمّه بصحبته يوماً إلى غرفة سفلية في بيته وأقفل الباب خلفه، فظن أن عمه يريد قتله ولكنه يراه يفتح خزانة حديد كبيرة فاندهش سندر عندما رأى غنى لا يخطر على بال من الجواهر والذهب وأوراق النقد فقال له عمّه كل هذا الغنى سيكون لك إن بقيت واحداً منّا.
كانت هذه تجربة عظيمة، فهل يوجد شيء يصعب عليه نواله بغنى كهذا. وقف عمّه قبالته متوسلاً إليه ليخلص العائلة من العار. لكن شخصاً ثالثاً كان واقفاً بينهما شبيها بابن الإله ولم يعلم به أحد سوى سندر وحده فما كان من سندر إلا أن أدار ظهره إلى عمّه والتجربة، والدموع تنهمر من عينيه واختار الصليب ليخدم المسيح حتى الوفاة.
وسندر هذا قد ذهب فعلاً ونادى بالإنجيل في بلاد التيبت تلك الأراضي التي لم تطأها قدما مبشر ونشر البشارة هناك بحماس لا يوصف وبتضحيات لا يتصورها العقل ثم عاد للمرة الثانية الى تلك البلاد المتعصبة قبل عشر سنوات تقريباً ولم يعد لحد الآن والأرجح أنه انتقل ليستريح هنيهة ثم يستيقظ مع مُخلِّصه الرب يسوع المسيح في الأمجاد السماوية.
عن مجلة مصباح الحق

Back