الفصل الثاني عشر

 

1 - خرق قذره

2- الطريق

3-  المخطط السماوي

4- اليعازر

5- جهنم

6-القبول والخيانة



1      -خرق قذرة

     كان المسيح عليه السلام يروي قصصا رائعة، ويستعين بالامثال لتوضيح ما يريد ان يقوله. والمثل قصة تحتوي على رسالة بسيطة محددة. وكانت هذه الامثال توجه في الغالب الى الاشخاص الذين كانوا يظنون انهم صالحين ولهم ثقة كبيرة بأنفسهم.

     وقال هذا المثل لقوم كانوا يثقون بأنفسهم بأنهم صديقون ويحتقرون غيرهم. رجلان صعدا الى الهيكل ليصليا احدهما فريسي والآخر عشار.

                                                لوقا 18: 9، 10

       كان ينظر الى الفريسيين في المجتمع اليهودي في ذلك العصر على أنهم يحفظون شريعة موسى بصورة حرفية، وكان ينظر الى جامعي الضرائب نظرة سلبية لانهم يحتالون على الناس. ويتواجد الآن اثنان من هاتين الطبقتين المختلفتين من المجتمع، يصليان في المكان نفسه.

 

الفريسي

 

      فكان الفريسي واقفا يصلي في نفسه هكذا. اللهم اني اشكرك لاني لست كسائر الناس الخطفة الظالمين الفاسقين - ولا مثل هذا العشار، فاني اصوم* في الاسبوع مرتين وأعشر كل ما هو لي.         

 لوقا 18: 11، 12

       ذكر الفريسي لكي يمدح نفسه ويرفع من شأنه شيئين فقط من الاعمال التي يقوم بها او يترفع عن القيام بها. وكان يمكن ان يذكر قائمة طويلة، الا ان الامر لا اهمية له. فقد اظهرت الطريقة التي كان يصلى بها مشاعره وعواطفه. كان الفريسي يعتمد على عيشه المستقيم وعمله الصالح ليجعل نفسه بارا امام الله.

 

جابي الضرائب

     اما العشار فوقف عن بعد ولم يرد ان يرفع عينيه الى السماء بل كان يقرع صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ.  

      لوقا 18: 13

       كان العشار يشعر شعورا طاغيا بأنه خاطيء، وانه بحاجة الى مساعدة الله بصورة يائسة. توسل الى الله طالبا الرحمة، وطريقا للنجاة من العقوبة العادلة بسبب خطاياه. واستمر يسوع قائلا:

       اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون الآخر ، لان كل من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع.                    

         لوقا 18: 14

       تعني كلمة مبرر، ان يعلن عنه بأنه بار

 

التـوبة

          ان الشيء الهام في هذا المثل، ان المسيح قد ربط التوبة بالتواضع. ويوضح الكتاب المقدس بصورة جلية، ان الكبرياء هي التي ادت الى سقوط الشيطان. وتجعل الكبرياء الانسان يتراجع عن الاقرار بأنه خاطئ، وانه بحاجة الى ان يثق بالله. كان الفريسي مقتنعا بأنه اذا كان مجدا في اتباع الشريعة، والقيام بالاعمال الصالحة، سيكون الله راضيا عنه. وكان يشعر بالكبرياء الى درجة انه لم يتمكن من ادراك ما يحتاج اليه. قال المسيح عليه السلام:

       حسنا تنبأ عليكم اشعيا ايها المراءون كما هو مكتوب هذا الشعب يكرمني بشفتيه واما قلوبهم فبعيدة عني. فهم باطلا يعبدونني اذ يعلمون تعاليم الناس ووصاياهم. لانكم تركتم وصايا الله وتمسكتم بسنة الناس.  مرقس 7: 6-8

 

اعـمى

كان الفريسيون يحاولون الظهور بمظهر البررة، ولكنهم كانوا خطأة في قلوبهم. احبطوا الوصايا العشر باضافتهم قواعد وضعوها بانفسهم. وقال لهم المسيح عليه السلام:

مبطلين كلام الله بسنتكم التي سننتم…       

  مرقص 7: 13

       آمن الفريسيون بأن ممارساتهم الدينية، واعمالهم الحسنة، ومولدهم اليهودي، يجعلهم صديقين مع الله. قال المسيح عليه السلام ان هذه الاشياء لا تجعل الشخص مقبولا، لان الشرور….

…تنبعث من الداخل فتنجس الانسان.       

 مرقس 7: 23

ان الكتاب المقدس واضح في هذا المجال: لا تكفي الافعال الحسنة لتكون على علاقة حسنة مع الله. ويقول الكتاب المقدس:

                …وبرنا كله كثوب الطامث…

           اشعيا 64: 6

 

عبـيد

        ينظر بعض الناس الى انفسهم بأنهم نماذج للكمال، لكن الكتاب المقدس يذكر العكس تماما. انه يقول بأن جميع الناس…

       عبيدا للخطيئة التي تؤدي الى الموت

          الرسالة الى اهل روما 6: 16

 لقد لفّت الخطيئة سلاسلها حول حياة كل انسان.

       الحق اقول لكم ان كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة؟

 يوحنا 8: 34

         نصاب غالبا بالاحباط، لاننا كلما حاولنا ان نفعل الشيء الصحيح بصورة افضل، كلما بدا لنا الفشل بصورة اكبر. وعندما نتفوق في ناحية معينة من الحياة نجد انفسنا مقصرين في ناحية اخرى. وتعمل الخطيئة بكل الطرق لمقاومة جهودنا في العيش الصحيح. ولا غرابة في ان نرى القرارات الجديدة التي نأخذها في كل عام تنتهي الى الفشل.

       اضافة الى ذلك، تقول كلمة الله ان الشيطان يجعل الانسان عبدا له. ولا يعني هذا بالضرورة ان الانسان يتعامل بالسحر، لكن الشيطان يسيطر على الانسان من خلال التجربة والكبرياء لتحقيق اهدافه، ويعمل بصورة جادة لكي يقنع الانسان بأنه طيب وجيد. ويقول الكتاب المقدس انه على الناس ان…

       …يفيقوا من فخ ابليس الذي اصطادهم لقضاء مشيئته ؟

رسالة القديس بولس الثانية الى تيموتاوس 2: 26

       ان كون الانسان عبدا للخطيئة والشيطان، لا يبرر نمط حياة شيطانية. لا يزال الله يحمل كل واحد مسؤولية الخيارات التي يتخذها. وان خضوع الانسان لعبودية الخطيئة يخلق له ورطة. ان نوع الكمال الذي يحتاجه الانسان لكي يدخل في حضرة إله كامل هو بعيد جدا عن مقدرة الانسان.

            ان السؤال الذي سأله النبي ايوب في الماضي لا يزال قائما حتى اليوم :

       فكيف يتبرر الانسان عند الله

                                               ايوب 9 : 2

كيف يمكن ان نتخلص من خطيئتنا ونكسب برا يساوي بر الله، ليتم قبولنا في حضرته؟

 

ولدت مسيحيا…

         تتضمن كلمة "مسيحي" شخص المسيح او الانتماء الى عائلة المسيح. وقد تم تشويه المعنى الانجيلي لهذه العبارة بصورة غريبة جدا. ان القول بأن احدا قد ولد مسيحيا ليس دقيقا في المعنى الاصلي للكلمة. ان تكون مولودا في بيت مسيحي لا يجعلك مسيحيا اكثر من  ان ولادتك في مستشفى تجعلك طبيبا. لا علاقة للولادة الجسدية بعلاقتنا مع الله وبمصيرنا الابدي.

          ورغم ان هذه الكلمة تستعمل من اجل الاشارة الى شعوب باكملها، فانها كما تفهم بالشكل الصحيح، تنطبق على الفرد فقط. ان بعض الامم التي تعد مسيحية، قد اقترفت جرائم فظيعة باسم المسيح، واصاب الفساد الاخلاقي امما اخرى.

 

2      - الطـريق        

      كان المسيح عليه السلام يستعين غالبا بتجارب الحياة اليومية العادية لشرح الحقائق الروحية. وقد بدأ في القصة التالية بتذكير مستمعيه بنوع الحظيرة التي تحفظ فيها الخراف. بنيت الحظيرة باستعمال الحجارة، وتركت النباتات الشائكة تنمو فوقها. وكان الهدف من هذه الاشواك هو منع الحيوانات البرية او اللصوص من تسلق الجدار، وكان للحظيرة مدخل واحد فقط.

     كان الراعي يقود قطيعه الى المرعى خلال النهار. وكانت الخراف تعود الى الحظيرة في المساء، وينام الراعي في المدخل.لم يستطع احد ان يدخل، ولم تستطع الخراف ان تخرج دون تنبيه الحارس. وهكذا اصبح جسد الراعي بصورة فعلية هو باب الحظيرة.

       فقال لهم يسوع ايضا الحق الحق اقول لكم اني باب الخراف.

 يوحنا 10: 7

وقارن المسيح الذين آمنوا به بالخراف التي تنام بأمان في الحظيرة :

        انا الباب. ان دخل بي احد يخلص..

  يوحنا 10: 9

قال المسيح انه هو الباب، ولا توجد هنالك ابواب اخرى. ومن خلاله يمكن ان يخلص المرء من النتائج المخيفة للخطيئة، ومن خلاله فقط يستطيع المرء ان يحصل على الحياة الابدية.

       السارق لا يأتي الا ليسرق ويذبح ويهلك، اما انا فانما اتيت لكيما تكون لهم الحياة، وتكون لهم اوفر.

 يوحنا 10: 10

لا يهتم اللصوص بمصلحة الخراف، ويدعوهم الكتاب المقدس بالمعلمين الكذبة. انهم يسيئون استعمال كلمة الله في الغالب من اجل الحصول على السلطة او لزيادة اموالهم، ويخترعون الطرق المختلفة لكسب الحياة الابدية، الا ان هذه الطرق وان بدت جيدة، تنتهي بالموت الروحي.

        ربّ طريق يستقيم في عيني الانسان واواخره طرق الى الموت.

 سفر الامثال 14: 12

جاء المسيح عليه السلام ليعطي الحياة الكاملة لهؤلاء الذين يثقون به، حياة يتوفر فيها الفرح، وهو يقول:

انا الطريق والحق والحياة. لا يأتي احد الى الآب الا بي.

  يوحنا 14: 6

وقال المسيح

انه الطريق الوحيد الى الله

وكلمته هي الحقيقة الوحيدة

والحياة الابدية تكون من خلاله فقط.

اكد المسيح ان لا احد يستطيع ان يأتي الى الله بطريقة اخرى. وكما كان الراعي هو الباب الوحيد لحظيرة الخراف، فان المسيح عليه السلام هو الطريق الوحيدة الى الله.

 

3- المخطط السماوي

        عندما تدرس حياة يسوع المسيح عليه السلام، تكتشف رويدا رويدا انه قد كشف لتلاميذه عن خطة وهدف مجيئه الى الارض.

       من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم، ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم.

متى 16: 21

        قام المسيح عليه السلام بشيء يصعب على بني البشر القيام به. لقد اخبرنا بصورة دقيقة كيف سيتم أخذه للموت. لم يذكر الطريقة التي سيقتل بها فقط، وانما ذكر  الاحداث التي سوف تؤدي الى هذا الموت ايضا. وكان بطرس احد تلاميذه، لا يحب الاستماع الى ذلك.

        فاخذه بطرس اليه وابتدأ ينتهره قائلا حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا.

                                                        متى 16: 22

        ويشبه بطرس في نواحي كثيرة العديد من الناس اليوم، الذين ينكرون ان يكون قد حدث شيء مثل هذا للمسيح عليه السلام، اذا كان هو حقا ابن الله. ولكن المسيح قال لبطرس كلاما عنفيا:

       فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان. انت معثرة لي لانك لا تهتم بما لله  لكن بما للناس.                          

متى 16: 23

 

        وقال المسيح لبطرس ...انت تحت تأثير الشيطان ولا تفهم خطة الله.. لان المسيح عليه السلام :

                يقتل وفي اليوم الثالث يقوم

                                        متى 16: 21

         وسنعرف السبب الذي يدفع المسيح الى قول هذا في الصفحات التالية من هذا الكتاب.

 

التجـلي

        بعد ان اخبر المسيح تلاميذه بالذي سوف يحدث له، قام بعد مضي اسبوع بأخذ ثلاثة منهم الى جبل عال لكي يعطيهم صورة عن حقيقته:

        وبعد ستة ايام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا اخاه وصعد بهم الى جبل عال منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم، واضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور.

        متى 17: 1، 2

        تبدل مظهر المسيح الخارجي، واصبح وجهه يشع كالشمس، وامتلأت ملابسه  بضوء ابيض متلألئ. وظهر واضحا امام التلاميذ ضوء الله النقي الباهر والرائع، الذي كان يملأ قدس الاقداس في الهيكل. وكان الضوء هناك في المسيح، ولكن الناس لا يستطيعون معاينته.

       واذا برجلين  يخاطبانه وهما موسى وايليا.  ترآءيا في مجد وكانا يتكلمان عن خروجه الذي كان مزمعا ان يتممه في اورشليم.

                                                  لوقا 9: 30-31

        شعر بطرس بالدهشة من كل هذا، وبدأ يهذي بكل فكرة تطرأ على فكره:

  فجعل بطرس يقول ليسوع يا رب جيد ان نكون ههنا. فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال. لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة. وفيما هو يتكلم اذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.          

                                متى 17: 4-5

وتكلم الله الآب من السماء:

       ولما سمع التلاميذ سقطوا على اوجههم وخافوا جدا. فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا. فرفعوا اعينهم ولم يروا احدا الا يسوع وحده. وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم يسوع قائلا: لا تعلموا احدا  بالرؤيا حتى يقوم ابن الانسان من الاموات.

                                                  متى 17: 6-9

كانت هذه الحادثة عظيمة ومؤثرة، ولم يعرف التلاميذ في الوقت نفسه ماذا يفعلون، ولكن بطرس كتب فيما بعد يقول:

        لاننا لم نتبع خرافات مصنعة، اذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته. لانه اخذ من الله الآب كرامة ومجدا، اذ اقبل عليه صوت كهذا من المجد الاسنى هذا هو ابني الحبيب الذي انا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء اذ كنا معه في الجبل المقدس.

                                  رسالة بطرس الرسول الثانية 1: 16-18

4- اليـعازر

       وكان انسان مريض وهو ليعاز من بيت عنيا من قرية مريم ومرتا اختها... فأرسلت اختاه اليه تقولان يا رب ها ان الذي تحبه مريض.

يوحنا 11: 1، 3

       كان ليعازر ومريم ومرتا على علاقة وثيقة بالمسيح عليه السلام، وقد عاشوا على بعد ميلين من مدينة القدس. وكان المسيح عند وقوع هذه الحادثة على الجانب الآخر من نهر الاردن، وعلى مسافة رحلة يوم كامل من "بيت عنيا".

        وكان يسوع يحب مرتا واختها مريم ولعازر. فلما سمع انه مريض لبث في الموضع الذي كان فيه يومين.

                         يوحنا 11: 5، 6

       وكان هذا التأخير لا معنى له. ويعرف الجميع اليوم ان فرق الانقاد لا تتوانى لحظة واحدة، عندما يكون الشخص مريضا وفي حالة خطر. ولكن المسيح عليه السلام بقي حيث كان لمدة يومين آخرين! ماذا كان يدور في تفكيره؟

     وبعد ذلك قال لتلاميذه لنذهب الى اليهودية ايضا. فقال له التلاميذ يا معلم الآن كان اليهود يطلبون رجمك وانت تمضي ايضا الى هناك... حينئذ قال لهم يسوع صريحا لعازر قد مات، وانا من اجلكم افرح اني لم اكن هناك لتؤمنوا. لنذهب اليه.

                                        يوحنا 11: 7،8، 13، 14

 

ميت منذ اربعة ايـام

          فلما وافى يسوع وجد ان له في القبر اربعة ايام. وكانت بيت عنيا قريبة من اورشليم نحو خمس عشرة غلوة. وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا الى مريم ومرتا ليعزوهما عن اخيمهما. فلما سمعت مرتا بقدوم يسوع استقبلته وكانت مريم قاعدة في البيت. فقالت مرتا ليسوع يا رب لو كنت ههنا لم يمت اخي. ولكنني الآن ايضا اعلم انك مهما تسأل الله فالله يعطيك.

         يوحنا 11: 17-22

       لا نعلم بماذا كانت تفكر مرتا، وما يمكن ان يسأله المسيح من الله، ولكن ثمة شيء واحد واضح بقوة ، وهو قوة ايمانها به.

      فقال لها يسوع سيقوم اخوك. فقالت له مرتا انا اعلم انه سيقوم في القيامة في اليوم الاخير.                          

 يوحنا 11: 23، 24

       لم تندهش مرتا لعبارة يسوع. عرفت بأن الكتاب المقدس يقول بأن جميع الناس سوف يعودون الى الحياة.  ولكن هذا سوف يحدث في نهاية العالم، عندما يدين الله كل بني البشر. وكان الانسان حتى ذلك الوقت يموت مرة واحدة.

     فقال لها يسوع انا القيامة والحياة. من آمن بي وان مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي لن يموت الى الابد. اتؤمنين بهذا ؟      

 يوحنا 11: 25، 26

       كان لهذه الكلمات اثرها القوي. قال المسيح لمرثا: ليس على ليعازر الانتظار حتى يوم الدينونة ليقوم الى الحياة ثانية. كان المسيح هو الشخص الذي يعطي الحياة، ولذلك له القوة ان يعيدها الى ليعازر في اية لحظة. هل تؤمني به؟

   قالت نعم يا رب انا مؤمنة انك انت المسيح ابن الله الآتي الى هذا العالم.

      يوحنا 11: 27

لم تؤمن مرتا بالمسيح فحسب، وانما اكدت ايضا انه المسيا.

   وقال: اين وضعتموه ؟  فقالوا له يا رب تعال وانظر. فدمع يسوع 

       يوحنا 11: 34، 35

       كانت هناك تعليلات كثيرة لبكاء المسيح. وظن البعض انه حزن لفكرة ارجاع لعازر الى الحياة - من الفرح والكمال في السماء - الى الارض بكل الاحزان والخطايا الموجودة فيها. لا يقول الكتاب المقدس لماذا بكى المسيح، ولكن حقيقة كونه قد بكى، تظهر لنا انه قد اختبر مشاعر البشر رغم انه كان بلا خطيئة.

فقال اليهود انظروا كيف كان يحبه!

وقال بعضهم اما كان يقدر هذا الذي فتح عيني الاعمى ان يجعل هذا ايضا لا يموت ؟ فارتعش يسوع مرة ثانية في نفسه وجاء الى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر.

                                          يوحنا 11: 36-38

       كان الدفن حسب التقاليد اليهودية في تلك الايام يتم بوضع الجسد في قبر، يكون على مر الزمن المثوى الاخير للاجيال اللاحقة. وكانت تستعمل بشكل مألوف الكهوف الطبيعية لهذا الغرض، رغم ان الضريح نفسه كان يحفر في الصخر القاسي احيانا. كانت هذه القبور كبيرة بحيث يمكن الوقوف فيها والبكاء. وكانت تحفر في داخل الكهف رفوف لوضع الاجساد فوقها. وكان يتم قطع صخرة على شكل عجلة -تزن عدة اطنان - لتغلق المدخل باحكام. وكان بالامكان دحرجة هذا الباب الذي يستند الى خندق الى الامام والى الخلف. وكان الباب عندما يكون مغلقا يستند الى تجويف صغير امام المدخل، يمنع الحجر من التدحرج وفتح الباب.

      فقال يسوع ارفعوا الحجر. فقالت مرتا اخت الميت، يا رب قد انتن لانه له اربعة ايام. فقال لها يسوع الم اقل لك انك ان آمنت فسترين مجد الله. فرفعوا الحجر. فرفع يسوع عينيه الى فوق، وقال يا ابت اشكرك لانك سمعت لي، وقد علمت انك تسمع لي في كل حين، ولكن قلت هذا لاجل الجمع الواقف حولي ليؤمنوا انك انت ارسلتني. ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم يا لعازر هلم خارجا.  فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بلفائف ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب.

  يوحنا 11: 39-44

       لقد كان شيئا مناسبا ان يقول المسيح "يا لعازر…"، ولو قال ببساطة "اخرج!". لكانت كل المقبرة قد افرغت موتاها. كان لعازر حيا! كان على اصدقائه ان يفكوا اللفائف الطويلة لملابس الدفن، قبل ان يتمكن من المشي. لم يكن هناك شك بأن المسيح عليه السلام قد قام بمعجزة عظيمة:

       فآمن كثير من اليهود الذين جاءوا الى مريم ورأوا ما صنع، وذهب بعضهم الى الفريسيين واخبروهم بما عمل يسوع. فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون المحفل (1) وقالوا ماذا نصنع فان هذا الرجل يعمل آيات كثيرة. وان تركناه هكذا آمن به الجميع فيأتي الرومانيون ويستحوذوون على ارضنا وامتنا ... ومن ذلك اليوم ائتمروا أن يقتلوه.

يوحنا 11: 45-48، 53

       آمن البعض، ولكن الآخرين تآمروا. ولم تستطع معجزة القيامة من بين الاموات ان تقنع رؤساء الكهنة والفريسيين. كان الامر بالنسبة لهم يستحق المخاطرة للمحافظة على قوتهم وكبريائهم. ويبدو انهم كانوا يفعلون مثل لوسيفر. وبدون شك كان الامر كذلك!

 

أي نوع من الرجال هذا؟

       لم يترك المسيح مجالا للشك فيه، كان هو. فقد كان التلاميذ في احدى المناسبات وسط عاصفة في البحر. ورغم ان المسيح عليه السلام كان على ظهر السفينة، الا انه كان مستغرقا في النوم. وعندما ايقظه التلاميذ واخبروه بالخطر الذي كانوا فيه:

قام وانتهر الرياح والبحر فحدث هدوء عظيم. فتعجب الناس قائلين أي انسان هذا!  فان الرياح والبحر تطيعه؟         

        متى 8: 26، 27

       تماما كما تكلم الله عند خلق العالم فوجدت المياه، هكذا جعل المسيح المياه هادئة بكلمته. ومثلما خلق الله الحياة في البدء بالكلام، استطاع المسيح ان يسترجع الحياة بأمره.

       انا القيامة والحياة.     

         يوحنا 11: 25

 

4- جهنم

     كان المسيح عليه السلام يعلّم كل من يستمع اليه  لمدة ثلاث سنوات. ويبدو ان هذه الفترة من الوقت كانت قصيرة بشكل لا يصدق، اذا اخذنا بعين الاعتبار كل ما حدث فيها. وكانت تعاليمه تتراوح بين التعزية والاثارة، وكانت من الامثال والقصص الحقيقية، وتناسب كلهاحاجة المستمع. وقد روى المسيح في هذه المناسبة القصة الحقيقية التالية:

       كان رجل غني يلبس الارجوان والبز ويتنعم كل يوم تنعما فاخرا. وكان مسكين اسمه لعازر مطروحا عند بابه مصابا بالقروح. وكان يشتهي ان يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغني ولم يعطه احد. وكانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه.

        لوقا 16: 19-21

 

الشحاذ يمـوت

 

     مات المسكين فنقلته الملائكه الى حضن ابراهيم.

   لوقا 16: 22

    ان حضن ابراهيم في هذه القصة يمثل السماء، ويشار اليه في بعض الاحيان بالفردوس. ويختلف الرجل المذكور هنا عن لعازر الذي ذكر في القصة السابقة. وذهب لعازر هذا الى الفردوس، ليس لانه كان فقيرا وانما لانه آمن بالرب.

 

الغـني يموت

        ومات الغني ايضا فدفن في جهنم. فرفع عينيه وهو في العذاب فرأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى قائلا : يا ابت ابراهيم ارحمني وارسل لعازر ليغمس في الماء طرف اصبعه ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب.

  لوقا 16: 22-24

          وقد ذهب الغني الى جهنم، ليس لانه كان غنيا، وانما لانه تجاهل كلمة الله، وعاش لنفسه فقط، عندما كان على الارض. توسل الى ابراهيم من اجل المساعدة:

      فقال ابراهيم تذكر يا ابني انك نلت خيراتك في حياتك، ولعازر كذلك بلاياه، والآن فهو يتعزى وانت تتعذب. ومع هذا كله فبيننا وبينكم هوة عظيمة قد اثبتت حتى ان الذين يريدون ان يجتازوا من هنا اليكم لا يستطيعون ولا الذين هناك ان يعبروا الينا.            

         لوقا 16: 25، 26

 

انـه امـر نهائي

        توضح لنا "كلمة الله" ان المرء يستطيع ان يتوب، وان يغير تفكيره عندما يكون هنا على الارض فقط، ولا يجد فرصة ثانية بعد موته. ولا مجال للهرب من جهنم الى السماء. ان الذي يموت بدون علاقة صحيحة مع الله، يبقى منفصلا عنه الى الابد. ولا يشير الكتاب المقدس في أي جزء منه، ان المرء يستطيع الهرب من مكان العذاب هذا. ورغم ان الغني صرخ طالبا النجدة من عذابه وشقائه، فلم تكن هناك نجدة. يمكن الحصول على الرحمة في هذه الحياة فقط. استمر الرجل الغني…

  فقال اسألك اذن يا ابت ان ترسله الى بيت ابي. فان لي خمسة اخوة حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم ايضا الى موضع العذاب هذا.

 لوقا 16: 27، 28

                

 ورغم ان هذا الرجل كان في عذاب شديد، فقد استطاع ان يتذكر حياته على الارض. عرف بأن اخوته الخمسة لم يكونوا في حالة استقامة مع الله، واراد ان يتم تحذيرهم.

      فقال له ابرهيم ان عندهم موسى والانبياء فليسمعوا منهم. قال لا يا ابت ابرهيم بل اذا مضى اليهم واحد من الاموات يتوبون. فقال له ان لم يسمعوا من موسى والانبياء، فانهم  ولا ان  قام واحد من الاموات لا يصدقونه.

  لوقا 16: 29-31

قرأنا في السابق ان المسيح عليه السلام اقام شخصا من بين الاموات. ورغم هذا الظهور العظيم للقوة، لم يقبل الكثيرون المسيح كمخلص وملك لهم. وبدلا من ذلك تآمروا لقتله. يقول الكتاب المقدس، اذا رفض الناس الايمان برسالة الخلاص التي اعلنها انبياء الله…

    …فانهم سوف لا يقتنعون حتى ولم قام واحد من بين الاموات.

 لوقا 16: 31

ان وصف الجحيم يرادف تقريبا وصف بحيرة النار (2).    يقول الكتاب المقدس بأن هؤلاء الذين يدخلون جهنم قد سبق ودخلوا العقاب الابدي.

 

5      - القـبول والخيانة

       ولما قربوا من اورشليم وبيت عنيا عند جبل الزيتون ارسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا الى القرية التي امامكما، وحالما تدخلانها تجدان جحشا مربوطا، ما ركب عليه احد من الناس فحلاه وأتيا به

                مرقس 11: 1، 2

        فأتيا بالجحش الى يسوع وطرحا ثيابهما عليه فركب عليه. وفرش كثيرون ثيابهم في الطريق وآخرون قطعوا اغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق، وكان الذين امامه والذين وراءه يصرخون قائلين هوشعنا. مبارك الآتي باسم الرب ومباركة مملكة ابينا داود الآتية ، هوشعنا في الاعالي !

                                                  مرقس 11: 7-11

       تعني كلمة "هوشعنا": خلص الآن. كان الجمهور يقدم للمسيح صورة مرتجلة لعرض روماني يستعمل عادة للترحيب بالفاتح المنتصر. كانوا يهتفون له ويمدحونه على أمل ان يطرد مضطهديهم الرومان.

       كانوا لا يعرفون انهم يتممون نبوءة يبلغ عمرها 500 عام. لقد كتب النبي زكريا ان المسيح سيلقى مثل هذا الاستقبال تماما:

        ابتهجي جدا يا بنت صهيون واهتفي يا بنت اورشليم. هوذا ملكك يأتيك صديقا مخلصا وديعا راكبا على أتان وجحش ابن أتان.

           زكريا 9: 9

       هذه هي المرة الوحيدة التي سمح المسيح فيها بمثل هذا الاستقبال الحافل له. كان يهدف من وراء ذلك الى ان يضغط على يد هؤلاء الذين خططوا لقتله. ارادهم ان يتصرفوا الآن، بدون بطء :

       وكان الفصح والفطير بعد يومين، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يلتمسون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه، ولكنهم قالوا لا في العيد لئلا يقع بلبال في الشعب.

   مرقس 14: 1، 2

       حان الوقت من وجهة نظر الجمهور المبتهج، لكي يعلن المسيح عليه السلام انه الملك الحقيقي. ولكن الموقف بالنسبة للقادة الدينيين الذين كانوا يخططون لقتله كان مربكا. اذ كانوا يريدون ازالة المسيح عن مسرح الاحداث، وجاء الآن الوقت المناسب لذلك، ولكنهم كانوا خائفين من رد فعل الجمهور. وكان من الواضح ان شعبية المسيح عليه السلام كانت كبيرة.

       كانت المدينة مزدحمة بالناس بمناسبة عيد الفصح، وكان الكثيرون منهم يراقبون وينتظرون وصول المسيح على أمل ان يطرد الرومان. وبينما كانت الساعات تمر دون اعلان رسمي عن مملكته، كانت مكانته كبطل تتلاشى بسرعة بين الجمهور.

 

وليمـة الفصح

          امر المسيح عليه السلام تلميذين من تلاميذه ان يعدا غرفة الفصح:

      ولما كان المساء أتى مع الاثني عشر. وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق اقول لكم ان واحدا منكم سيسلمني وهو يأكل معي. فجعلوا يحزنون ويقولون واحد فواحد لعلي انا هو؟ فقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس يده معي في الصفحة. 

                                         مرقس 14: 17-20

       عندما اختار يسوع تلاميذه قبل ثلاث سنوات، عرف ان واحدا منهم كان خائنا.     وكان النبي داود قبل هذا الوقت بالف عام، عندما تكلم عن هذه الخيانة، قد كتب من وجهة نظر المخلص…

   حتى صديقي المقرب الذي وثقت به، والذي شاركني خبزي قد رفع كعبه ضدي.

                                           مزمور 41: 9

 

الخيـانـة

 

       كان الخائن يهوذا الاسخريوطي لصا رغم انه كان امين صندوق التلاميذ. ويبدو انه قد ملأ جيوبه بالمال دون علم التلاميذ. وعرف المسيح عليه السلام ذلك، وكان الشيطان يراقب الامر لكي يجد نقطة ضعف في درع المسيح، والمكان والزمان المناسبين لكي يحطم المخلص الموعود الى الأبد. ووجد الشيطان فرصته في يهوذا. وكان يهوذا راغبا في في التعامل معه. وبينما كان يتم تقديم خبز الفصح، قام الشيطان بتنفيذ خطته:

      وبعد اللقمة دخل فيه الشيطان. فقال له يسوع ما انت صانعه فاصنعه عاجلا. ولم يعلم احد من المتكئين لماذا قال له ذلك.

                يوحنا 13: 27، 28

        فمضى يهوذا وفاوض رؤساء الكهنة والولاة كيف يسلمه اليهم. ففرحوا وعاهدوه ان يعطوه فضة.                           

  لوقا 22: 4، 5

 

الكأس والخبز المكسور

 

       جرى مسلسل الاحداث هذا مع يهوذا في منتصف الوليمة، وبينما كان الخائن يقوم بمهمته الشيطانية، كان المسيح يقضي الوقت على العشاء مع التلاميذ. وكان لهذه المناسبة بالنسبة له اهمية كبيرة:

           وفيما هم يأكلون اخذ يسوع خبزا وبارك وكسر واعطاهم وقال خذوا، هذا هو جسدي.                          

        مرقس 14: 22

       وكان واضحا انهم لا يأكلون جسد المسيح ، ولكن المسيح كان يقول ان هذا الخبر المكسور يمثل جسده. وقد شعر التلاميذ بالاضطراب، لان هذا الكلام قد يكون له علاقة باشارته السابقة الى نفسه، بأنه خبز الحياة ؟

        وأخذ الكأس وشكر واعطاهم فشربوا منها كلهم. وقال لهم هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يراق عن كثيرين. 

                                               مرقص 14: 23-24

       ونلاحظ ان الصورة الرمزية عادت لتظهر مرة ثانية من جديد، فدم المسيح لا يمكن ان يهرق بالنسبة للعديد من الناس، ولكننا سنفهم معنى ذلك في الصفحات التالية.

       ثم سبحوا وخرجوا الى جبل الزيتون

                                       مرقص 14: 26


 

-----------------

 إلى الفصل الثالث عشر | إلى محتويات كتاب غريب على الطريق | إلى مكتبة النعمة