من وحى كتاب الله

الجوع والعطش الى كلمة الله وإلى الله الكلمة

ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت

من دراسات وتأملات

د. جورج خوري

*******

كتب النبي عاموس: هوذا ايام تاتي يقول الرب ارسل جوعاً في الارض لا جوعاً للخبز ولا عطشاً للماء بل لاستماع كلمة الرب" ( التوراة سفر عاموس 11:8)

وسأل سليمان الحكيم مستفهمًا كعادته لتعليمنا فقال: "من صعد الى السموات ونزل. من جمع الريح في حفنتيه. من صرَّ المياه في ثوب. من ثبَّتَ جميع اطراف الارض. ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت

 وهناك أسئلة جريئة ومحرجة, كثيراً ما تواجه خدام الكلمة في جولاتهم التبشرية واجتماعاتهم العامة, في هذه الايام التي يبدو لنا انها الاخيرة. وذلك من قِبَلِ مسلمين ومسيحيين وغيرهم, اكثر من اي وقت مضى. فيسألون مثلا: لماذا خلق الله الشيطان؟. او لماذا خلق الله الاشرار وهو عالم بمصيرهم الابدي؟. أو لماذا يسمح الله بالحروب والمصائب لبني البشر. ولما هذه الاديان والطوائف جميعها بين الذين يعرفون الله. او ما هو الدين المثالي الصحيح الذي يؤدي الى الله. فيسألوننا مثلا هل هو دينكم؟ او طائفتكم؟, وما هو السبب ؟. الى آخر ما هنالك من اسئلة نرى من الصعب الاجابة عليها في اجتماعات قصيرة وعامة.

 وهذه الاسئلة يطلقها العديدون وهم, بحسب الظاهر, غيرمرتاحون البتة للطوائف والديانات التي ينتمون اليها, إذ لا يجدون فيها الجواب الكامل الذي يرتاحون اليه. او إنهم لا يجرؤون على طرح اسئلة ومناقشتها, كالتي يطرحونها عندما يجتمعون معنا. فهم دائما عطشانونَ الى ما يروي افكارهم وقلوبهم. وعدا ذلك هناك أسئلة من المؤمنين انفسهم تدور حول الكنيسة والعائلة ومشاكلها في هذه الأيام. ويسألوننا مثلا وبقلق متزايد: هل من الضروري قراءة الإنجيل كما تقولون,؟ وكل يوم ؟. ألا يكفي الذهاب الى الكنيسة مرارا وسماعه هناك؟. ويدَّعون ان ليس لديهم الوقت الكافي لهذه الاعمال في وقتهم الحاضر. فعليهم والحالة هذه, كما يدعي البعض منهم, إما اعادة النظر في كل شيء, وهذا ليس بمقدورهم في الوقت الحاضر, او التنكر لكل شيء.

وقولهم هذا لا يعني ان هؤلاء غير مبالين بمصيرهم الابدي. بل هم يتوقعون اجوبة كتابية مقنعة ربما تساعدهم على تحدِّيات جامعاتهم وكتبها واساتذتها في هذه الايام التي كثر فيها عدم الايمان, كما تساءل السيد بقوله: "ولكن متى جاء إبن الانسان ألعله يجد الإيمان على الارض" (الانجيل لوقا8: 8).

هذا ومن المؤسف ان نكون نحن المسيحيين الذين نقرأ كتاب الله, ولدينا الاجوبة الصحيحة لهذه التسائلات, قد تمسكنا بكلمات وتعابير موروثة للتعبير عن ايماننا الكتابي المثمر. او الكلام عن الهنا الحي الذي نعبده. فغالبا لا نعرف ان نستعمل, سوى لغة مملة وغير مقنعة. هذا ما نلاحظه ونسمعه من الكثيرين. وانسان اليوم لا يسره ان يسمع سوى العبارات المعبِّرة والمفيدة بالنسبة الى ضيق وقته, وكثرة مشاغله. ولما يرى ويسمع .فقد غزت التعاليم المضللة المدارس والجامعات والكتب , وهي عدوة الايمان. "وكلمتهم ترعى كآكلة". فعلينا اذاً ان نحدد اجوبتنا, ونجدد نشاطنا في دراسة كلمة الله. لكي نستطيع التعبير عن ايماننا بصورٍ وافكارٍ تتناسبُ مع الوقت الذي نعيشه اليوم وهو يمر سريعا. ينصحُنا الرسول بطرس بقولهِ: "قدسوا الرب الإله في قلوبِكم مستعدين دائمًا لمجاوبةِ كل من يسأَلُكمْ عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعةٍ وخوف"(1بط15:3).

هذا. وينبهنا الرسول ايضا بقوله ان في الكتب المقدسة, وبنوع خاص رسائل الرسول بولس, اشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين لهلاك انفسهم (راجع 2بط16:3). ( وإن هذه العبارة, غير العلماء هنا, وغير الثابتين في الايمان لهلاك انفسهم, تعني دون شكٍ, الغير متعلمين من الله والمسيح ( إنجيل متى10:23. ويو45:6).

وهذه تحتاج منَّا الى دراسةٍ مركزة علىكتاب الله والصلاة والحياة المقدسة, دون عثرة. فيكتب الرسول بولس: "فإذ نحن عالمون مخافة الرب نقنع الناس" (2كو11:5).وكتب ايضا: "ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحا بملح لتعلموا كيف يجب ان تجاوبوا كل واحد" (كو 4 :6). " لا باقوال تعلّمها حكمة انسانية بل بما يعلّمه الروح القدس .قارنين الروحيات بالروحيات" (راجع 1كو:13:2الخ). 

 

لا شكَ في ان للمسيحية عقيدة كما لغيرها من الديانات الاخرى معتقدات.لكن المسيحية هي اكثرُ من مجرد عقيدة. او مجموعة عقائد يحفظها الانسان فيكون مسيحيًا. انه الايمان ومحبة الآخرين , والحياة المقدسة. إنه الاختبار والنمو المستمر في النعمة, والتعرف الدائم على شخص المسيح الحي. فان المسيح حاضرٌ في وسطنا. وهو يريدنا ان نكون متعلمين من الله وليس من البشر وكتبهم. فقد أعلنها المسيح قائلا: "ليكون الكل متعلمين من الله" (يو45:6). وانذرنا بقوله: "لا تدعوا لكم معلمين لان معلمكم واحد هو المسيح" (مت 10:23). وقال ايضا لتلاميذه, ولنا من خلالهم: فضعوا في قلوبكم ان لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا. لاني انا اعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم ان يقاوموها او يناقضوها. وقد وعدنا الرب ان يكون معنا كل الايام والى انقضاء الدهر (مت20:28). والروح القدس بدوره يعلمنا ويرشدنا الى جميع الحق (راجع يو13:16ولو13:11). فيكتب الرسول بطرس منبِّها المؤمنين بقوله: "أنتم ايها الاحباء إذ سبقتم فعرفتم احترسوا من ان تنقاذوا بضلال الاردياء فتسقطوا من ثباتكم. ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. له المجد الآن والى انقضاء الدهر.آمين" (2بط17:3و1). ويكتب الرسول بولس بدوره: "هذا وانكم عارفون الوقت انها الآن ساعة لنستيقظ من النوم.فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد. بل إلبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات" (الانجيل رو11:13-14). 

ان المحبة لله سبحانه, لا تولد وتنموا عن طريق تجميع معلومات عن المسيح والمسيحية فقط, بل تأتي نتيجة التعمق في معرفته عن طريق الصلاة ودراسة الكلمة, والشهادة امام الآخرين عما فعلته نعمة المسيح من تغيير في حياتنا. فانه مكتوب: غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم (رؤ11:12). فاننا نتعرف على المسيح اكثر لنحبه اكثر. ونحبه اكثر لنعرفه اكثر. وهكذا تدور الدائرة. يكتب الرسول يوحتا: "الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم ايضا شركة معنا. واما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونخبركم بهذا لكي يكون فرحكم كاملا ". هذا هو ديننا وهذه هي شهادتنا. ان نخبر الناس بما فعله المسيح في حياتنا. وان لهم معنا شركة مقدسة. وشركتنا نحن, والذين يؤمنون بإيماننا, هي مع الآب والروح القدس, الذي هو دائما معنا, وابنه يسوع المسيح. ليكون فرح جميعنا كاملاً. (راجع 1يو1-4).

 
البشرى السارة

 فالكرازة بموت المسيح وقيامته, وارتفاعه حيًا الى الآب وإرسال الروح القدس, هي من صلب رسالتنا المسيحية. وكذلك كون المسيح حياً فينا. هذه هي الأخبار السارة التي جاء بها إنجيلنا. يكتب الرسول الى المؤمنين بالمسيح: "لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كو3:3).وكتب ايضا فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. هذا هو الغرض الرئيسي بالنسبة لحياتنا المسيحية الذي يجب علينا ان نعرفه. فان فداء المسيح هو ثلاث خطواة متكاملة قد فعلها المسيح لأجلنا. الخطوة الاولى, هي موته ملعونا على الصليب لكي يحمل لعنةَ مخالفة الوصية عنا. فإنه مكتوب "ملعون كل من علق على خشبة" (راجع تث21 :22وغلا 13:3). والخطوة الثانية قيامته من القبر بارا لكي يبرر كثيرين. فانه مكتوب "مات لاجل خطايانا وقام لاجل تبريرنا"(رو25:4). والثالثة هي حياته فينا فانه مكتوب: به نحيا ونتحرك ونوجد. ومتى ظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم معه ايضا في المجد" (كو3:3). وقد رآى النبي هوشع مسبقا في القديم, هذه الخطوات الثلاثة, فكتب يقول : "هلم نرجع الى الرب لانه هو افترس فيشفينا. ضرب فيجبرنا. يحيينا بعد يومين. في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا امامه" (هو1:6).

هذه هي البشارة السارة التي اعلنها الروح القدس في قلب الحدث النبوي الكبير. يوم تجديد الكنيسة وتأسيس ملكوت السماء على الارض في يوم الخمسين (راجع دا44:2ويوء 28: 2واع 23:2).ففي ذلك اليوم اكتملت اقوال الانبياء في البشرى السارة التي يجب نشرها في العالم . إذ هي عمل خلاص يسوع الناصري البديل الكامل الذي لا يعتمد على أعمال البشر, بل على قبوله’ كآدم أخيرٍ للبشر. فإنه القدوس البار رئيس الحياة ومعطيها... فهو حياتنا الحاضرة والعتيدة (راجع اع14:3و28:17). فقد أرسله الآب وروحه, وصلبته الخطية. ودفن في القبر وقام حيَّا. كما جاء في الكتب السنيَّة. هذا هو الحدث العظيم. وهو مثبَّتٌ شرعاً, وفي كتاب موسى والانبياء مرويَّا. فهو قلب الكرازة المسيحية وجوهرها.

 والإبن لم يظهر وحيدا بل ظهر محاطا بالمجد بدوائر سابقة-لاحقة من كتاباتٍ سخية. سجلها الوحي والتاريخ تشير الى أنه باري البرِيَّة وفاديها المسيَّا. هذا ما اعلنه الروح القدس  بعد حلوله على كل بشر, ممثلا ببضعة آلآف من اليهود في عيد العنصرة يوم الخمسين (راجع يؤ 2.واع2).

وهذا معنى قوله لتلاميذه: "اذهبوا الى العالم اجميع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص ومن لا يؤمن يدَن. حتى وان كانت هذه الخليقة جاهلة لا تعرف ايمانا ولا مسيحاً. فهي تحتاج نظيرنا الى معرفة هذا الآدم الثاني وفدائه الكامل. وإلا نكون قد احتفظنا بالانجيل لنفوسنا وهو لكل من آمن واعتمد. بإسم الله الجامع الأحد. "  (راجع مر16:16)ومت 28 :19و1كو22:15و45). 

 
ما أسمه واسم إبنه إن عرفت

من ثم علينا معرفة الله من هو. "ما اسمه ومااسم ابنه ان عرفت"؟ ؟.كما يكتب سليمان الحكيم مستفهاٌ كعادته لتعليمنا, فيسأل الاجيال بقوله: "من صعد الى السموات ونزل؟. من جمع الريح في حفنتيه؟. من صرَّ المياه في ثوب؟. من ثبَّتَ جميع اطراف الارض. ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت" ؟؟؟؟؟ (راجع التوراة سفرالأمثال4:30). وإن هذا الابن الوحيد, الذي يتحدى سليمان الاجيال بمعرفته ومعرفة أبيه, خاطب أباه السماوي, عند إخلاء مجده ومجيئه, كآدمٍ بديلٍ في الجسد, بقوله:" هانذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني ان افعل مشيئتك يا الهي سررت. وشريعتك في وسط احشائي. ووعده بقوله: أخبر باسمك اخوتي في وسط الكنيسة اسبحك"(مز 8:40 و22:22.وعب 2 :12)

فنرى ان الجواب الصحيح لأسئلة سليمان الحكيم هذه, يأتي في الانجيل. ان اسمه "الآب ساكن السماء" (راجع مت6:-). ذلك الاله الذي كان  مجهولا من العالم قبل ان يجيء ابنه في الجسد. فانه روح محض, لم يرَهُ احد قط. ولم يسمع صوته احد قط من البشر. (راجع انجيل يو18:1و37:5و24:4)الخ. واسم ابنه, كما دعته السماء يسوع "عمانوئيل" أو" الله معنا" (راجع اش14:7و6:9ومت21:1-23) وهو ذاته يسوع الذي من ناصرة الجليل". القرية الأممية, التي لم يخرج منها في القديم شيء صالح, وقد احتقرها الجميع. وولد في بيت لحم. القرية الصغيرة التي كان قد بناها داود الملك مستودعا للخبز. فدعيت لذلك بيت لحم. والتي منها خرج خبز الحياة الابدية الى العالم. وقد صرح للعالم في بدء خدمته قائلا: "انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. ان أكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد. والخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم" (راجع يو32:6-65).وقد مُسِحَ آدماً ثانيا كإنسان كاملٍ جديدٍ في نهر الاردن. عندها نزل عليه الروح القدس وسُمع صوتٌ من أبيه ساكن السماءِ يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا"(راجع الانجيل مت17:3و6:17). وقد دُفِعَ اليه كل سلطان في السماء وعلى الارض** (راجع مت 11 :27و 16:28-20) الخ.

 

فهو: من صعد الى السموات ونزل (راجع يو13:3و 22:14واع9:1), وهو من جمع الريح في حفنتيه. وقد صرَّ المياه في ثوب. وثبَّتَ جميع اطراف الارض. فهو المنفِّذُ الوحيد لكل اعمال اللاهوت في الكون, من خلقٍ واعتناء وفداءٍ وقضاء في اليوم الاخير.

 فهو من طبيعة أبيه وواحد في لاهوته. وقد أعلنها المسيح بقوله: أنا والآب واحد. ومن رآني فقد رآى الآب (يو9:14 و21:17و22), وقد صرح هذا الابن, بعد ان جاء في الجسد لفداء الانسان, قائلا: "وليس احد صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء"(يو13:3).

وقال ايضا: "منذ الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الانسان الذي هو في السماء" (راجع يو51:1و13:3). وكان الرب بذلك يتكلم الى الروحيين من اليهود الذين قد تبعوه مخلصا.

 

وهذا المشهد النبوي العظيم,كان قد رآه في القديم, أبو الاسباط الإسرائيلية, يعقوب. حين رآى سلمٌا منصوبةٌ على الارض ورأسها يمسُ السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب نفسه واقفٌ عليها فقال : أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق"...إذ ان التجسد الالهي لم يكن قد جاء ملؤ زمانه بعد , لكي يرى يعقوب "ملائكة الله تصعد وتنزل على إبن الانسان" (راجع سفر تك10:28-15)الخ... 

فنرى ان الوحيَ الالهي قد أعلن بهذه الاسئلة, منذ القديم, ان لله إبناً ازليا نظيره هو المسيح الأمين, الذي به صنع العالمين. "وهو بهاءُ مجدهِ ورسمُ جوهرهِ وحاملٌ كل الاشياء بكلمة قدرتهِ بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الاعالي" (راجع الانجيل عب3:1-12).

 

فإن المسيح هو واحد في إلوهيم. الاله الواحد الجامع. فهو الله الكلمة. المدفوع إليه من السماءكل سلطان. "فقد صرَّ المياه بثوب عندما أمر قائلا: " ليكن جلد في وسط المياه. وليكن فاصلا بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وكان كذلك". وتابع كلمة الله قوله: "لتجتمع المياه التي تحت السماء الى مكان واحد وكان كذلك"."فوضع للمياه حدًّا فلن تتعداه" راجع سفر التكوين6:1-9 وسفر العبرانيين 6:1-14ومزمور6:104 واشعيا 12:48-16ويوحنا3:1) الخ.

 

 بينما كان رسول المسيح بولس يمر يوماً في شوارع اثينا, استرعى انتباهه بين هياكلها الكثيرة, هيكلٌ كُتب عليه لإلهٍ مجهول (اع23:17). هكذا نرى الانسانَ, وهو مفطورٌ منذُ إن خلقه الله على ان يعبد الها,ً عندما يكون هذا الانسان غير مركز عبادته على اعلانات الله الحي الحقيقي. او عندما ينحرفُ هذا الانسانَ عن الاله الحي الحقيقي , نراه يتخبط في دياجيرظلمة افكاره. فإنه لا يستطيع البتة بطبيعته البشرية الفاسدة, اكتشاف امور روحية ذات قيمة. فيرتضي عندئذ بعبادة الهٍ غريب لايعرفه, دون اسم. وهذا ما فعله فلاسفة اليونان في أثينا قديما, كما قرأنا إعلاه. وهكذا فعل اليهود ايضا وهم في وسط اعلانات الله عن نفسه, وبواسطة أنبيائه. لكنهم أغمضوا عيونهم عن معرفته (راجع الانجيل يو19:8).

 

وان انبياء كثيرين قد سألوا الله في القديم عن اسمه كما حدث ليعقوب أبي الاسباط الاسرائيلية. إذ سأل الله ذات يوم : "اخبرني باسمك فقال له الله: لماذا تسأل عن إسمي؟ وباركه في البرية دون أن يخبره بإسمه (راجع تك29:31). ومنوح والد شمشون يسأل الله ايضا, الذي ظهر له عن اسمه ؟. فقال له الله لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب.

 وما هذا الاسم "عجيب" سوى اسم إبن الله نفسه الذي يسأل سليمان عن هويته . فقد كتب إشعيا: "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه.ويدعى اسمه عجيبا مشيرا اإلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام  (راجع اش 6:9).

 وهنا, لم يكتف سليمان بالسؤال عن إسم الله ,كما سأل يعقوب ومنوح وموسى فحسب. بل اراد ان يعرف اسمه واسم ابنه ايضا. فيسأل سليمان : ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت.؟؟

ان رجل الله موسى, الذي اختاره الله رئيساً وقائدا لشعبه, لم يكتفِ بأن رأى الله إله آبائه وكفى. وهذه هي المرة الأولى التي يرى فيها موسى ايلوهيم . بل اراد ان يعرف هوية الاقنوم الذي ظهر له وتكلم معه. فان هذا الاسم "ايلوهيم". أو الرب الاله ,كما هو واضح في كتابات موسى والانبياء, قديما, كان قد أصبح اسما مشتركا لله سبحانه, ولآلهةٍ كاذبة كثيرينَ في العالم. وقد اعتاد موسى, بالوحي الالهي, الكتابة عن "ايلوهيم" دون ان يعرف هويته بالتحديد. سوى إنه إلهٌ واحدٌ جامع **.

-----------

** كما هو ظاهرفي التوراة , ان عبارة أحَد, في اللغة العبرية تعني في العربية الواحد الجامع وليس الفرد المجرد. مثال لذلك نقرأ أن موسى كتب, ان الله بعد أن خلق النور قال: وكان مساءٌ وكان صباحٌ (هما) يوماً واحداً ( أحد) راجع  (سفرتك 5:1 ). وايضا: يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته _ ويكونان جسدا واحدا ( احد ) (تك24:2). واسمع يا اسرائيل الرب الهنا رب واحد (احد ) تث 1:6). وعبارة يَحَدْ في العبرية , تعني الواحد المجرد البسيط كقوله : ليس حسنا ان يكون الرجل وحده ( يحد) لنخلق له معينا نظيره (تك 18:2)

-----------------

 يكتب الوحي: ان ايلوهيم سبحانه, قد ظهر لموسى في برية سيناء وكلمه من وسط العليقة الملتهبة بالنار. واعلن له هويته مسبقاً انه الله.اله آبائه. اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب (راجع التوراة خر4:3-6). وللتأكيد من ان الله نفسه قد ظهر لموسى تابع الوحي قوله: "فغطى موسى وجهه لأنه خاف ان ينظرَ الى الله". ونرى موسى لم يكتفِ هنا بما قد عرفه وكتبه الى ذلك الحين عن هذا الاسم "إيلوهيم". بل اراد ان يعرفَ ما اسمه في ايلوهيم, لكي يعرِّفَ به شعبه فيسأله: "ها انا آتي الى بني اسرائيل وافول لهم اله آبائكم ارسلني اليكم. فاذا قالوا لي ما اسمه فماذا اقول لهم"؟؟؟ . والعجيب في هذا ان الله لم ينتهر موسى عند سؤآله الغريب هذا. بل أعلن له أقنوميته دون جدالٍ, بقوله: اهيه الذي اهيه. وقال هكذا تقول لبني اسرائيل اهيه أرسلني إليكم. وقال الله ايضا لموسى موضحا: هكذا تقول لبني اسرائيل يهوه إله آبائكم إله ابراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي الى الابد وهذا ذكري الى دور فدور (راجع سفرخر13:3و14).فنرى موسى هنا يكتفي بما سمعه من الاقنوم الذي ظهر له, وإن اسمه "يهوه الرب" إله آبائه بالذات . وهذا لا نستطيع فهمه وسبر غوره في عقولنا المحدودة الآن , بل علينا ان نعتمد على ما كتبه لنا الروح القدس, بواسطة انبيائه ورسله الملهمين . يكتب الرسول: الآن نعرف بعض المعرفة أما متى جاء ذاك سنعرف كما عرفنا (1كو13).    

من هنا نرى ان الانسانَ ,الذي يريد ان يعرف الله , عليه أولا ان يلتفت الى الله نفسه ويسأله كما فعل كليم الله موسى. او الى الوحي الحقيقي المكتوب. الذي أنزله الاله الحقيقي بواسطة موسى وأنبيائه على البشر. دون ذلك سوف لا يعرف هذا الانسان سوى إلهٍ مجهول, دون اسم. كما في أثينا والعالم. فيبتديء عندئذ هذا الانسان بصنع آلهة صنمية ليعبدها. كما فعل هارون اخي موسى وشعبه في غياب موسى, عندما تخلَّوا عن عبادة الرب الههم, فصنعوا لانفسهم عجلا من ذهب وعبدوه في برية سيناء (راجع خر1:32). وانه مكتوب: "الذين يصورون صنما كلهم باطل ومشتهياتهم لا تنفع وشهودهم لا تبصر ولا تعرف حتى لا تخزى" (اش9:44).

وكتب رسول الامم بولس في هذ ايضا:"لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم.اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم لأن اموره الغير منظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في افكارهم وأظلم قلبهم الغبي... الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد آمين" (راجع الانجيل رو18:1-32 ).

 

ان اهم ما يسترعي انتباهنا عند قراءتنا التوراة, هو ان الله الهٌ واحد كلي القدرة ساكن السماء بعيدٌ عن البشر. يرسل ملائكتَه عند الحاجةِ لصالح شعبهِ إسرائيل والانتقام من اعدائِه فقط.

وهذه المعرفة السطحية عن الله,كان من شأنها ابعاد الكثيرين عن معرفة الاله الحي الحقيقي وكتبه. بينما الحقيقة هي أبعد من ذلك. صحيح ان الله إله واحدٌ وكلي القدرة ومفتقدٌ ذنوب الآباء في الابناء" كما نقرأ عنه في كتاب موسى. لكننا نقرأ ايضا, انه إله رحيمٌ لكل البشر. يكتب موسى عن لسان الرب قوله: "أنا الرب إلهٌ رحيمٌ ورؤوفٌ بطيءُ الغضبِ وكثيُيُر الإحسانِ والوفاءِ.حافظُ الاحسانِ إلى ألوفٍ.غافرُ الاثمِ والمعصيةِ والخطية" (راجع خر6:34).

وقبل ان يكون إبراهم اباً للشعب اليهودي, فقد كان الوعد له ان يكون أباًً لجمهور من الامم. فقد وعده الله ان بنسله, الذي هو المسيح, سيبارك الامم وجميع قبائل الارض (راجع تك12وغلا16:3).

وهذا الوعد من الله لابراهيم كان عند دعوته من أور الكلدانيين والاتيان به الى ارض كنعان (راجع سفر تك3:12و4:17)الخ.

 

اخبر باسمك اخوتي وفي وسط الكنيسة اسبحك مزمور 22:22),

ففي هذا الاطار المسيحي الواضح, قد اصبحت معرفتنا بالله على حقيقتهِا. انه الآب السماوي الكلي القدرة. فلا خوف بعدَ ذلكَ من الله. بل علينا ان نخافه تحن ونعبدهُ باحترامٍ كما هو مكتوب .

فهذا الاسم"الآب السماوي"بعد ان اعلنه ابنه المسيح لاخوته التلاميذ لأول مرةٍ كما هو مكتوب في الأنبياء (راجع مزمور 22:22), قد سطع كحقيقة غير متوقعة, فيها تغيركل شيء. فان الله لم يَعُدْ بعد ذلك الاله المجهول الاسم, من شعبه والأثينيين والعالم. فقد اعلنه ابنه عمانوئيل, الله الكلمة في العهد الجديد, انه الآب. يكتب الرسول يوحنا قول المسيح في صلاته إلى ابيه: العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته والآن مجدني أنت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم.انا أظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم (راجع مزمور 22:22),..وعرَّفتهم اسمك وسأعرِّفهم ايضا ليكون فيهم الحب الذي احببتني به وأكون أنا فيهم" (راجع انجيل يوحنا 6:17-26 ).وقدكتب الوحي ايضا: "الله(الآب) لم يره أحد قط.الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر"(يو18:1).

وها بولس رسول المسيح ايضا, يعلنه لفلاسفة الاله المجهول في اثينا بقوله: "فالذي تتقونه وانتم تجهلونه هذا انادي لكم به اليوم. الاله الذي خلق العالم وكل ما فيه. هذا اذ هو رب السماء والارض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالايادي. ولا يخُدمُ بايادي الناس كأنه محتاج الى شيء. إذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء. وصنع من دم واحد كل امة من الناس يسكنون على كل وجه الارض...فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكانٍ أن يتوبوا متغاضيا ًعن أزمنة الجهل.لانه اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيَّنه مقدما للجميع ايمانا به إذ اقامه من الاموات." (راجع الانجيل اع22:17-31)

 

 ان المعرفة الخاطئة التي وصلت الينا عن الله في القديم, مع عدم اللجوء الى كتبه وأنبيائه لكشف الحقائق الالهية لنا, قد جعلت من الله وابنه وروح قدسه إلهاً كما في أثينا ايضا مجهول الهوية . فأصبحنا نتصور الله الغير منظور, هو إله مخيف. لدرجةٍ ان البعض من البشر قد ابتدأوا يقدمون اولادهم ذبائح له لمرضاته. اما بعد إن ارسل الآب ابنه وروحه الى العالم, فقد تبلورت الامور وأُعلنت الحقائق الالهية للبشر. فان هذا الاسم المخيف الله الكلي القدرة ساكن الاعالي, قد اصبح بالنسبة لنا اسما محبوباً. انه الآب الكلي القدرة, المحب, والقريب من الذين يدعونه لدرجةٍ نستطيعُ فيها ان نصرخَ اليه مع ابنه, قائلين: "يا أباَ الآب" (راجع إنجيل مرقس36:14). وقد نُقلت إلينا هذه العبارة "يا أباَ الآب",كما جاءت أصلا في اللغةِ الآرامية الاصلية لأنها تحمل معنىً للأبوةِ والبنوةِ لا يوجد في غيرها من اللغات الآخرى. وفد أعلنها الوحي المقدس انها لنا ايضا. نحن المؤمنين بإسمه واسم ابنه وروحه. فيكتب لنا الرسول بولس: "ثم بما انكم ابناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا يا أباَ الآب" (راحع الانجيل غلا6:4). لقد اختبرنا ونحن في المسيح ان الله المخيف الكلي القدرة اسمه الآب المحب, الكلي القدرة. ففي ظهور ابنه ليكون آدماً بديلا, وانسكاب روحه, في يوم الخمسين, قد انتفى الخوف, وبطل القول. والغير معلوم بالنسبة الى العالم أصبح لنا معلوما. وعلاقتنا في المحبة قد اصبحت معه متبادلة. فبدلا من ان يخيفنا اصبحنا نخافه ونحبه لانه أبانا الذي في السماء وقد أحبنا أولا. يكتب الرسول يوحنا: "نحن نحبه لأنه هو احبنا اولا" (1يو19:4). وهكذا فقد اصبحت العلاقات المسيحية مع الله الآب  سبحانه قوية ومبنية على حبٍ متين متبادل.

 

يصلي المسبح مخاطبا أباه السماوي في صلاته الشفاعية لاجلنا, قبل ذهابه الى الصليب, فيقول: "انا أظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم...من أجلهم أنا أسأل. لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك...أيها الآب القدوس إحفظهم في إسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن...لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير...قدسهم في حقك.كلامك هو حق.كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم... ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل ايضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. ليكون الجميع واحدا كما إنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا... أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا المجد الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم. ويختتم الابن صلاته الشفاعية لأبيه السماوي من أجلنا بقوله:"وعرَّفتهم اسمك وسأعرِّفهم ايضا ليكون فيهم الحب الذي احببتني به وأكون أنا فيهم" (راجع انجيل يوحنا 6:17-26 ) .

 

هذا وان سليمان الحكيم , لم يتساءل هذه الاسئلة وغيرها فيما كَتَبَ في سفر الجامعة , لكي يأخذَ جوابًا عليها من البشر, بل ليعطي البشر جوابا عليها من الله. فلو لم يكن سليمان يعلم يقينا ان لله ابنا لما تساءلَ هذه الاسئلة جميعها. فإنَّ سليمان كونه ملكاً وحبراً لشعب الله, وقد طلب من الله حكمةً فأُعطيَت له, يتساءل هنا كعادته لتعليمنا. يكتب رسول المسيح بولس: "لان كل ما سبق فكتِبَ كتِبَ لاجل تعليمنا,حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (رو 4:15).وفي مناسبة أخرى يكتب الرسول الى كنيسة الله في مدينة كورنثس ايضا: "وهذه الامور حدثت مثالا لنا حتى لا نكون مشتهين شرورا كما اشتهى أولئك" (راجع 1كو6:10).

هذا ولا غرابة من ان يكون سليمان الحكيم, قد قرأ وعرف ما صلى به وكتبه داود ابيه عن الآب وابنه بقوله : "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطيءٍ لقدميك". وقوله ايضا: "اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة. قبلوا الابن لئلا يغضب. فتبيدوا من الطريق لانه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه" (مز11:2و12). ففي هذه وغيرها مما جاء

------------

 وان عبارة قبلوا الابن لئلا يغضب, وايضا طوبىلجميع المتكلين عليه " تبيِِّنُ. هنا بشكل صريح وواضح ايضا, ان المسيح هو موضوع اتكال البشر كافة. فهو الله الابن ديان الجميع ..فان لم يكن المسيح هو الله فكيف إذاً يأمر النبي, بالوحي الإلهي, الملوك وقضاة الارض بتقبيله والاتكال عليه وهو القائل : "لا تتكلو على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا حلاص عنده" (مز3:146). وقال ايضا "ملعون الانسان الذي يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه . ومبارك الانسان الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله" ارميا5:17)

---------------

في كتب الله نستطيع أن نقول متأكدين, أن سليمان الحكيم كان يعرف الكثير عن الله وابنه عمانوئيل, الذي تفسيره الله معنا, عندما تساءل لتعليمنا: "من صعد الى السموات ونزل من جمع الريح في حفنتيه من صرَّ المياه في ثوب من ثبَّتَ جميع اطراف الارض. ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت"؟؟؟؟.

ويكتب سليمان الحكيم مزيدا بلسان المسيح عن بعض أعماله مع ابيه, وهوحكمته وكلمته الازلية فيقول: "الرب قناني أول طريقه من قبل اعماله منذ القِدَم. منذ الازل مُسِحت إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة . لما ثبت السموات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة على وجه الغمر. لما أثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر. لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه. لما رسم أُسس الارض كنت عنده, أو معه, صانعا... ولذاتي مع بني آدم (راجع سفر أم 22:8-31).

 إن كتابة كهذه, من سليمان الحكيم, عن الله وابنه المسيَّا, المرافق لأبيه منذ الازل, وهو حكمته وكلمته الذي به, أومعه, أو بواستطه,كما جاءت في الأصل, صنع العالمين.أظن إن سليمان الحكيم هدا, قد عرف جيدا كغيره من انبياء الله من هو المسيَّا, وما هو عمله الآزلي مع أبيه الآب والروح القدس (راجع إش 12:48-16), حينما تساءل بقوله "من جمع الريح في حفنتية. من ثبت جميع أطراف الارض. من صعد الى السماء ونزل. ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت".

 

ويأتي الاسم في كلمة الأنبياء أحيانا كثيرة, للتعببير عن شخصيةِِ صاحبه. كقول الرب لموسى,"ها انا مرسلٌ امام وجهك ملاكا ليحفظك في الطريق...احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه. لانه لا يصفح عن ذنوبكم لان هذا اسمي فيه"(خر 20:23)

 فهذا الملاك, المشار اليه لموسى من الرب هنا والاسم الذي فبه, دون شكٍ هو إسم يهوه الله نفسه المسيَّا, ملاك الظهور والكلام. الملاك الذي كان قد ظهر له في العليقة وقال له بعد سؤاله عن اسمه: اسمي "يهوه". I Am أي الكائن). هذا اسمي الى الابد وهذا ذكري الى دور فدور. (راجع سفر خر3و4).

فنرى موسى هنا لم يسأل الرب ثانية ما اسمكَ ؟ كما فعل في المرة السابقة. او من هو الملاك هذا الذي سترسله امام وجهى؟؟. فقد عرف موسى.انه رب الحنود بالذات (ملا1:3) الرب الهه وإله آبائه. يقول الله لموسى: هذا اسمي فيه. وقد عنى الرب بذلك دون شكٍ, ان هذا هو أنا بالذات, وليس آخر. وكان موسى قد طلب من الله ذات يوم قائلا: "ان لم يسر وجهك امامنا فلا تصعدنا من هنا.فانه بماذا يُعلم اني وجدت نعمة في عينيك انا وشعبك. اليس بمسيرك معنا. فنمتازُ انا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الارض (راجع سفر خر16:3).

 

الاسم ودوره في كلمة الله.

ونرى الاسماءَ أحيانا كثيرة في كلمة الله, تختلفُ وتتغيرُ بالنسبة الى الدور والعمل الذي قام او سيقوم به صاحبه. فنرى ابراهم  مثلا, بعدما دعاه الله من حاران, قد أبدل اسمه من أبرام إلى ابراهيم قائلا: لأنك ستكون أبا لأمم كثيرة. و هاجر المصرية, عندما ولدت لابراهيم ولدا, دعاه الرب اسماعيل قائلا لهاجر : "لان الرب قد سمع لمذلتك". و اسحق ابن ابراهيم دعاه اللهَ "ضحك" لان سارة امُّه ضحكت في قلبها عندما بشرها الرب به قائلة: "أبعد فنائى يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ". وعندما خرج عيسوا من بطنِ امه كفروةِ شعرٍ حمراء. دعي لذلك عيسو, اي أحمر. بعد ذلك خرج اخوه ويده قابضةٌ بعقب عيسوا اخيه فدُعيَ اسمه يعقوب. وبعد ان جاهد يعقوب مع الله وغلب, دعاه الله بذلك اسرائيل. "أي مجاهد الله" (راجع تك22:32-30). وموسى قد دعي بهذا الاسم, اذ انه انتُشِل من ماء النهر. فمن طبيعة الناس وما سيقومون به من أعمالٍ تأتي الاسماء. وآدم "دعي أحمر". هذا إسمه. لأن الله جبله من تراب الارض الملونة. وأمنا حواء, دعيت بهدا الاسم, لانها أم كل حي. وعندما ولدت ابنها الاول, قالت : لقد اقتنيت رجلا من عند الرب فدعت اسمه قايين. وعندما ولدت ابناً آخرَ دعته شيثا قائلة. : لان الله قد وضع لي نسلا آخرَ عوضا عن هابيل. ولشيث ايضا ولد ابن فدعي اسمه آنوش. أي بدء جديد. ومنه ابتدأوا يدعون باسم الرب. وقد ابتدأ نسل شيث من جديد بعد نسله.  ونوحاً اسمه تعزية. ومدينة بابل التي بنيت في ارض شنعار, وهي ارض العراق اليوم. دعيت بهذا الاسم ,بابل, لأن هناك الرب إيلوهيم بالذات قد بلبل يعد الطوفان ألسنة الامم. ( إقرأ الفصول الستة الاولى من سفر التكوين). وإقرأ ايضا سفر زكريا الاصحاح الخامس حيث امر الله ان يبنى هناك, في ارض شنعار, بيتا للشر. وباركك الرب.

وقد كتب لنا الروح القدس في الانجيل قوله : الآن    أعرف بعض المعرفة لكن    حينئذ سأعرف كما عرفت آمين1كو12:13.                                              

                                                                                                            تلميذ الرب جورج رشيد خوري

إلى الأعلى

الى الكتاب المقدس | الى مجلة النعمة | الى صفحة البداية | إلى مكتبة النعمة