87
حلول الروح القدس

أعمال 1، 2

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

في آخر دراسات لنا في الإنجيل، رأينا كيف تمَّم الرب يسوع كل ما كتبه أنبياء الله قديماً عن موت المسيَّا وقيامته. وقرأنا أن يسوع سفك دمه الطاهر على الصليب الذي سمَّروه عليه، ليدفع دين خطية نسل آدم. ورأينا أيضاً، كيف أنزلوه عن الصليب، ووضعوه في القبر. ولكن الله أقامه من الأموات في اليوم الثالث. وبعد قيامته، ظل يظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً، مثبتاً لهم أنه حيٌّ حقاً. ثم رأينا في حلقتنا الأخيرة، كيف صعد يسوع إلى السماء، بينما كان تلاميذه ينظرونه.

فهل تتذكَّرون آخر شيء طلبه يسوع من تلاميذه قبل صعوده إلى السماء؟ دعونا نقرأ ما قاله ثانية:
‘‘وفيما هو مجتمعٌ معهم، أوصاهم قائلاً: لا تبرحوا من أورشليم، بل انتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمَّد بالماء، وأما أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير. .. لكنكم ستنالون قوة متى حلَّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض.
‘‘ولما قال هذا، ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض، وقالا: أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء.’’ (أعمال 4:1-11)

وهكذا، فارق يسوع تلاميذه، عائداً إلى السماء التي أتى منها، وجلس عن يمين العظمة في الأعالي. وهذا هو المكان الذي يمكث فيه اليوم، منتظراً اللحظة التي فيها يعود ليدين المسكونة بالعدل.

هل سمعتم ما أوصى به يسوع تلاميذه قبل أن يصعد إلى السماء؟
.. لقد أوصاهم أن يمكثوا في أورشليم، حتى يمتلأوا بالروح القدس، الذي سيأتي من السماء. وربما مازال بعضكم يتساءل قائلاً: ‘‘من هو الروح القدس؟’’
.. إن الروح القدس هو روح الله، وروح يسوع. هو واحدٌ مع الله الآب وابنه يسوع،
ولكنه مُمَيَّزٌ عنهما. وهو كائن مع الله من البدء، عندما خلق الله العالم.
.. وهو الروح الذي أوحى إلى الأنبياء أن يكتبوا كلمة الله وينادوا بها في الأزمنة القديمة.
.. وهو روح العليّ الذي حل على ‘‘مريم’’ العذراء، وجعلها تحبل وتلد الطفل القدوس
‘‘يسوع’’. وهو الروح الذي كان في المسيَّا، يسوع.
.. والروح القدس هو أيضاً ‘‘المعزِّي’’، الذي وعد به يسوع تلاميذه عندما قال لهم:
‘‘أنا أطلب من الآب، فيعطيكم معزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله؛ لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه؛ لأنه ماكث معكم ويكون فيكم.’’ (يوحنا 16:14، 17)

وما وعد به يسوع تلاميذه بخصوص مجيء المعزِّي (أو المعين)، إنما هو مهم بالنسبة لنا أن نفهمه؛ لأن البعض اليوم يريدون أن يجعلوا الناس يؤمنون أن يسوع كان يعلن عن مجيء نبيٍّ آخر. ولكن المعزِّي الذي وعد به الرب يسوع، لا يمكن أن يكون إنساناً؛ لأن يسوع أعلن بوضوح أن المعزِّي هو ‘‘روح’’، ولا أحد يستطيع أن يراه، وأنه سيسكن في تلاميذ يسوع إلى الأبد.
فمن هو إذَن الروح القدس؟ إنه الروح الذي يضعه الله في قلب كل من آمن بالمسيَّا. إنه يجددهم (أي يجعلهم يولدون ثانية، أي يولدون من فوق)، وهو يطهرهم، ويقوِّيهم، وهو يميِّزهم كخاصة الله، ويعطيهم نصيباً في محضره المقدس إلى الأبد.

واليوم، سنرى كيف سكب الله روحه القدوس على تلاميذ يسوع في ‘‘يوم الخمسين’’. ويوم الخمسين كان احتفالاً قد أسَّسه الله لشعب إسرائيل في أيام موسى النبي. ويمكنكم أن تقرأوا عنه في التوراة. في هذا اليوم، يقدِّم شعب إسرائيل الشكر لله من أجل الرخاء الذي منحهم إياه الله في حصاد محصول القمح.
إلا أنه كان هناك مفهومٌ أهم لعيد الخمسين. كان عيد الخمسين هو اليوم الذي اختاره الله سابقاً، ليرسل الروح القدس ليسكن في كل من آمن حقاً بالمسيَّا. وحيث أن عيد الخمسين كان يأتي بعد عيد الفصح بخمسين يوماً، رتَّب الله أن يرسل الروح القدس بعد موت يسوع المسيَّا وقيامته بخمسين يوماً أيضاً.

والآن، دعونا نستمر في قراءة كلمة الله، لنرى ما حدث بعد أن فارق يسوع تلاميذه، وعاد إلى السماء. يقول الكتاب:
‘‘حينئذ رجع تلاميذ يسوع إلى أورشليم من الجبل الذي يُدعى "جبل الزيتون"، الذي هو بالقرب من أورشليم على سفر سبت. ولمَّا دخلوا، صعدوا إلى العلِّية التي كانوا يقيمون فيها: بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا أخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته.
‘‘ولمّا حضر يوم الخمسين، كان الجميع معاً بنفس واحدة. وصار بغتةً من السماء صوتٌ كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرَّت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلَّمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا. وكان يهود من رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورشليم. فلمَّا صار هذا الصوت، اجتمع الجمهور وتحيَّروا؛ لأن كلَّ واحدٍ كان يسمعهم يتكلَّمون بلغته. فبُهِت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض: أترى ليس جميع هؤلاء المتكلِّمين جليليِّين؟ فكيف نسمع نحن كل واحد منَّا لغته التي وُلِد فيها؟ فرتيُّون وماديُّون وعيلاميُّون، والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبَّدوكيَّة وبُنتُس وأسيَّا. وفريجية وبمفيلية ومصر، ونواحي ليبيَّة التي نحو القيروان، والرومانيون المستوطنون يهودٌ ودخلاء، كريتيُّون وعرب، نسمعهم يتكلَّمون بألسنتنا بعظائم الله. فتحيَّر الجميع، وارتابوا قائلين بعضهم لبعض: ما عسى أن يكون هذا؟ وكان آخرون يستهزئون قائلين: إنهم قد امتلأوا سلافة! (أي سكارى)
‘‘فوقف بطرس مع الأحد عشر، ورفع صوته وقال لهم: أيها الرجال اليهود الساكنون في أورشليم أجمعون، ليكن هذا معلوماً عندكم، وأصغوا إلى كلامي. لأن هؤلاء ليسوا سكارى كما أنتم تظنون؛ لأنها الساعة الثالثة من النهار. بل هذا ما قيل بيوئيل النبي: يقول الله:
‘ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى .. ويكون كل من يدعو باسم الرب، يخلص.’
‘‘أيها الرجال الإسرائيليون، اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجلٌ قد تبرهن لكم من قِبَل الله بقوَّات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم أيضاً تعلمون. هذا أخذتموه مسلَّماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمةٍ صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يُمسَك منه. لأن داود يقول فيه:
‘كنت أرى الرب أمامي في كل حين، أنه عن يميني، لكي لا أتزعزع. لذلك سُرَّ قلبي، وتهلل لساني، حتى جسدي أيضاً سيسكن على رجاء. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، ولا تدع قدُّوسك يرى فساداً.’ ..
‘‘أيها الرجال الأخوة، يسوغ ان يُقال لكم جهاراً عن رئيس الآباء داود، أنه مات ودُفِن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبياً، وعلم أن الله حلف له بقسمٍ إنه من ثمرة صُلبه يُقيم المسيح حسب الجسد، ليجلس على كرسيِّه، سبق فرأى وتكلَّم عن قيامة المسيح، إنه لم تُترَك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فساداً. فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعاً شهود لذلك. وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات، وهو نفسه يقول:
‘قال الرب لربي، اجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك.’
‘‘فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل، أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم، رباً ومسيحاً. فلمَّا سمعوا، نُخِسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟ فقال لهم بطرس: توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطيَّة الروح القدس. لأن الموعد لكم، ولأولادكم، ولكل الذين على بُعد، كل من يدعوه الرب إلهنا. وبأقوال أُخَر كثيرة كان يشهد لهم ويعظهم قائلاً: اخلصوا من هذا الجيل الملتوي.’’
آمين. (أعمال 12:1-14 ؛ 1:2-40)

أصدقائي المستمعين ..
هل سمعتم عظة بطرس؟ باختصار، أعلن بطرس للجموع من خلال عظته، أن الله أرسل المسيَّا يسوع تماماً كما وعد في القديم على لسان أنبيائه. لقد راح بطرس يقول لهم: أنتم احتقرتم المسيَّا الذي أرسله الله من السماء! أنتم قتلتموه وسمرتموه على الصليب، ولكن الله أقامه من الأموات! ونحن شهود لذلك! والله رفع يسوع، وأجلسه عن يمينه، ويسوع أرسل الروح القدس الذي وعد به! توبوا وارجعوا إلى الله! صدِّقوا رسالة الأنبياء! آمنوا بيسوع الذي عيَّنه الله ليكون مخلِّصاً وديَّاناً لهذا العالم!
‘‘له يشهد جميع الأنبياء، أن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا.’’
(أعمال 43:10)

وهكذا، نادى الرسول بطرس بالخبر السار، الخاص بالخلاص عن طريق الإيمان بيسوع المسيَّا. وعندما سمعت الجموع كلمات بطرس، نُخِسوا في قلوبهم؛ لأنهم أدركوا أن يسوع الناصري الذي سمَّروه على الصليب، كان هو رب المجد الآتي من السماء. يسوع هذا، الذي احتقروه وكرهوه، كان المسيَّا الذي وعد به الله منذ القديم على لسان أنبيائه. وهكذا، تاب الكثيرون عن خطاياهم في هذا اليوم، ورجعوا إلى الله، وآمنوا باسم الرب يسوع المسيح. هؤلاء التلاميذ الجدد، تعمَّدوا في الماء ليشهدوا علناً أنهم تطهَّروا من خطاياهم بالإيمان بموت ودفن وقيامة يسوع المسيح. وكونهم تعمَّدوا بالماء، لم يمحُ هذا خطاياهم في حد ذاته، ولكنه كان علامة خارجية على التطهير الذي قد حدث في داخلهم.

ومن ثمَّ يقول الكتاب:
‘‘وهؤلاء الذين قبلوا رسالة الإنجيل بفرح، اعتمدوا، وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس. وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات. .. وأما التلاميذ، فكانوا يمتلئون بالفرح والروح القدس.’’ (أعمال 41:2، 42 ؛ 52:13)
وهكذا، في يوم الخمسين هذا، وُلِدَت الكنيسة، أي جماعة المؤمنين بيسوع المسيح. إن كنيسة يسوع ليست مبنىً أو ديانة. فكلمة كنيسة في اليونانية هي ‘‘إكليسيا’’، ومعناها ‘‘المدعوِّين’’. وكما أن هناك اليوم مؤمنين حقيقيين ومؤمنين مزيَّفين، كذلك أيضاً هناك كنيسة حقيقية وكنيسة مزيفة. إن كنيسة يسوع المسيح الحقيقية تتكون من كل هؤلاء الذين آمنوا، منذ يوم الخمسين، وانتقلوا من ‘‘عائلة آدم’’ إلى ‘‘عائلة المسيح’’، عن طريق الإيمان المخلِّص الحقيقي بذبيحة المسيح الكاملة والنهائية.

إن أحداث يوم الخمسين التي سمعنا عنها اليوم، حدثت منذ حوالي ألفي سنة. وربما هذا قد يجعل البعض يقولون: ‘‘إن هذا لا يعنيني! إنا ليس واحداً من أولئك الذين صلبوا المسيَّا! اليهود والرومان هم الذين صلبوه! أنا ليس لي أي صلة بهذا كله!’’
إلا أن كلمة الله تخبرنا أن المسيا ‘‘جُرِح من أجل معاصينا، وسُحِقَ من أجل آثامنا!’’ (إشعياء 30:17، 31) لقد تسببت خطايانا في موته. وكانت تعدِّياتنا هي السبب في أن الله سمح للإنسان أن يسمِّر ابنه الحبيب على الصليب! لقد صلب الإنسان يسوع، ولكن الله أقامه من الأموات، ليكون ‘‘المخلِّص’’ لكل من يؤمن، و‘‘الديَّان’’ لكل من لا يؤمن. وهكذا، يعلن الكتاب قائلاً:
‘‘فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا . .. لأنه أقام يوماً هو فيه مزمعٌ أن يدين المسكونة بالعدل، برَجُلٍ قد عيَّنه لذلك. مقدِّماً للجميع إيماناً (أي برهاناً)، إذ أقامه من الأموات.’’ (أعمال 30:17، 31)

أعزائي المستمعين ..
تأملوا مليَّاً في هذه الكلمة؛ لأن كل مصيركم الأبدي يعتمد على كيفية استجابتكم لها.
.. نشكركم على كريم إصغائكم..!
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في كلمات الرسول بطرس، عندما قال في عظته:
‘‘له يشهد جميع الأنبياء، أن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا.’’
(أعمال 43:10)
ــــــــــــ
 

 الدرس الثامن والثمانون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية