73
يسوع يُسَبِّب الانقسام
متى 15، 16 ؛ يوحنا 7
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
في حلقتنا السابقة، رأينا كيف بارك الرب يسوع خمسة أرغفة من الخبز وسمكتين، ليطعم
بهم جمعاً قوامه أكثر من خمسة آلاف رجل. وفي اليوم التالي، التف حول يسوع جمعاً
غفيراً، ولكن يسوع الذي كان يعرف قلوبهم، قال لهم:
‘‘أنتم تطلبونني، ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. اعملوا لا
للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية! أنا هو خبز الحياة، من يقبل إليَّ
فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً!’’ (يوحنا 26:6، 27، 35)
وللأسف، كثير من الناس تحوَّلوا عنه، ولم يعودوا يتبعوه؛ لأن تقديرهم للطعام الذي
يغذِّي الجسد، كان أكثر من تقديرهم للطعام الذي يغذِّي الروح. إلا أن البعض استمر
يتبع يسوع؛ لأنهم آمنوا في قلوبهم أن يسوع هو القدوس المرسَل من الله، وأنه هو مصدر
الحياة الأبدية.
واليوم، نود أن نستمر في قراءة الإنجيل؛ لنرى كيف واجه حكَّام اليهود الدينيون
يسوع، وكيف انقسم اليهود بسبب يسوع.
وقبل أن نبدأ، نرى أنه من المفيد ان نعرف أن هؤلاء الخبراء الدينيين يُعرَفون باسم
الفرِّيسيين، وأن معظم اليهود كانوا يتبعون العادات التي وضعها الفرِّيسيون
وآباؤهم. وعلى سبيل المثال، كان الفرِّيسيون عندما يرجعون من مكان عام، لا يأكلون
إلا بعد أن يغتسلوا بطريقة معينة. كما كان لهم تقاليد أخرى كثيرة، مثل التقاليد
الخاصة بغسل الأكواب والأباريق والأوعية؛ لكي تصير هذه الأواني ‘‘طاهرة’’!
فلنقرأ معاً ما هو مكتوب في إنجيل متى، الأصحاح الخامس عشر.
يقول الكتاب:
‘‘حينئذ جاء إلى يسوع كتبةٌ وفرِّيسيون الذين من أورشليم، قائلين: لماذا يتعدَّى
تلاميذك تقليد الشيوخ؟ فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً!
فأجاب وقال لهم: وأنتم أيضاً لماذا تتعدَّون وصية الله بسبب تقليدكم؟ فإن الله أوصى
قائلاً: أكرم أباك وأمك، ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً. وأما أنتم فتقولون: من
قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني، فلا يكرم أباه أو أمه. فقد أبطلتم
وصية الله بسبب تقليدكم. يا مراؤون، حسناً تنبأ إشعياء قائلاً: يقترب إلىَّ هذا
الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني، وهم
يعلِّمون تعاليم هي وصايا الناس.’’ (متى 1:15-9)
هل لاحظتم كيف كشف يسوع أمام الجميع رياء الفرِّيسيين والكتبة (أي معلِّمي
الناموس)؟ فقد كانوا يحاولون أن يكونوا أبراراً أمام الناس، ولكن الرب يسوع عرف ما
كان في قلوبهم. فربما كانت أياديهم وأقدامهم ووجوههم طاهرة، ولكن قلوبهم كانت
ملوَّثة بالخطية! نعم، فإن طهارة القلب أهم من طهارة الأيدي. فالغسلات الطقسية أو
الوضوء لا يطهِّر قلبك. فإن كان لديك وعاء قذر من الداخل، فهل مجرَّد غسل الوعاء من
الخارج يجعله نظيفاً؟ بالطبع لا! وبالمثل، فإن الطقوس الدينية التي كان يتبعها
اليهود، لم تستطع أن تزيل الخطية التي كانت في قلوبهم.
ولذلك، قال لهم يسوع:
‘‘يا مراؤون، حسناً تنبأ إشعياء قائلاً: يقترب إلىَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني
بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني، وهم يعلِّمون تعاليم هي
وصايا الناس.’’
‘‘ثم دعا الجمع وقال لهم: اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينجِّس الإنسان، بل ما
يخرج من الفم، هذا ينجِّس الإنسان. حينئذ، تقدَّم تلاميذه وقالوا له: أتعلم أن
الفرِّيسيين لما سمعوا القول، نفروا؟ فأجاب وقال: كل غرس لم يغرسه أبي السماوي،
يُقلَع. اتركوهم، هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى، يسقطان كلاهما في
حفرة.
‘‘فأجاب بطرس وقال له: فسِّر لنا هذا المثل. فقال يسوع: هل أنتم أيضاً حتى الآن غير
فاهمين؟ ألا تفهمون بعد، أن كل ما يدخل الفم، يمضي إلى الجوف، ويندفع إلى المخرج؟
وأما ما يخرج من الفم، فمن القلب يصدر. وذاك ينجِّس الإنسان. لأن من القلب تخرج
أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف. هذه هي التي تنجِّس الإنسان.
وأما الأكل بأيدٍ غير مغسولة، فلا ينجِّس الإنسان.’’ (متى 7:15-20)
‘‘ثم انتقل يسوع من هناك، وجاء إلى جانب بحر الجليل. وصعد إلى الجبل، وجلس هناك.
فجاء إليه جموع كثيرة، معهم عُرج وعُمي وخُرس وشُل وآخرون كثيرون. وطرحوهم عند قدمي
يسوع، فشفاهم. حتى تعجَّب الجموع، إذ رأوا الخرس يتكلَّمون، والشل يصِحُّون، والعرج
يمشون، والعمي يبصرون. ومجدُّوا إله إسرائيل.’’ (متى 29:15-31)
‘‘وجاء إليه الفرِّيسيون والصِدُّوقيون، ليجرِّبوه. فسألوه أن يريهم آيةً من
السماء. فأجاب وقال لهم: إذا كان المساء، قلتم صحو؛ لأن السماء مُحمَرَّة. وفي
الصباح اليوم شتاء؛ لأن السماء مُحمَرَّة بِعُبوسة. يامراؤون، تعرفون أن تميِّزوا
وجه السماء، وأما علامات الأزمنة، فلا تستطيعون. جيلٌ شريرٌ فاسقٌ يلتمس آيةً، ولا
تُعطَى له أيةٌ إلا آية يونان النبي.’’
(مت 1:16-4)
‘‘لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان
في قلب الأرض ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ. رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل،
ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا.’’ (مت 40:12-41)
وهكذا، تنبَّأ يسوع أن كما كان النبي يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام، كذلك سيكون هو
ثلاثة أيام في القبر. وكما خرج يونان من بطن الحوت في اليوم الثالث، كذلك أيضاً
سيقوم يسوع من الموت في اليوم الثالث، معطياً بهذا دليلاً لا يُنكَر أنه هو
المسيَّا الذي جاء من السماء؛ ليخلِّصنا من قوة الخطية والموت والجحيم!
وفي الوقت المتبقِّي من حلقتنا اليوم، دعونا نستمر في قراءة الإنجيل؛ لنرى كيف
أصرَّ أولئك الخبراء الدينيون على عدم إيمانهم.
وفي إنجيل يوحنا، الأصحاح السابع، يقول الكتاب:
‘‘وكان يسوع يتردَّد بعد هذا في الجليل. لأنه لم يُرِد أن يتردَّد في اليهودية؛ لأن
اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه. وكان عيد اليهود عيد المظال قريباً. فقال له أخوته:
انتقل من هنا، واذهب إلى اليهودية؛ لكي يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التي تعمل. لأنه
ليس أحد يعمل شيئاً في الخفاء، وهو يريد أن يكون علانية. إن كنت تعمل هذه الاشياء،
فأظهر نفسك للعالم. لأن أخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به. فقال لهم يسوع: أن وقتي
لم يحضر بعد، وأما وقتكم ففي كل حين حاضر. لا يقدر العالم أن يبغضكم، لكنه يبغضني
أنا؛ لأني أشهد عليه أن أعماله شريرة. اصعدوا أنتم إلى هذا العيد. أنا لست أصعد بعد
إلى هذا العيد؛ لأن وقتي لم يُكمَل بعد.
‘‘قال لهم هذا ومكث في الجليل. ولما كان أخوته قد صعدوا، حينئذٍ صعد هو أيضاً إلى
العيد، لا ظاهراً، بل كأنه فى الخفاء. فكان اليهود يطلبونه في العيد، ويقولون: أين
ذاك؟ وكان في الجموع مناجاة كثيرة من نحوه. بعضهم يقولون أنه صالح، وآخرون يقولون:
لا، بل يضل الشعب! ولكن لم يكن أحد يتكلم عنه جهاراً؛ بسبب الخوف من اليهود.
‘‘ولما كان العيد قد انتصف، صعد يسوع إلى الهيكل، وكان يعلِّم. فتعجب اليهود
قائلين: كيف هذا يعرف الكتب، وهو لم يتعلَّم؟ فأجابهم يسوع وقال: تعليمي ليس لي، بل
للذي أرسلني. إن شاء أحد أن يعمل مشيئته، يعرف التعليم، هل هو من الله، أم أتكلم
أنا من نفسي .. أليس موسى قد أعطاكم الناموس، وليس أحد منكم يعمل الناموس؟ لماذا
تطلبون أن تقتلوني؟
‘‘أجاب الجمع وقالوا: بك شيطان؛ من يطلب أن يقتلك؟ أجاب يسوع وقال لهم: عملاً
واحداً عملت فتتعجبون جميعاً. لهذا أعطاكم موسى الختان (مع أنه ليس من موسى، بل من
الآباء)، ففي السبت تختنون الإنسان. فإن كان الإنسان يقبل الختان في السبت لئلا
يُنقَض ناموس موسى، أفتسخطون عليَّ لأني شفيت إنساناً كله في السبت؟ لا تحكموا حسب
الظاهر، بل احكموا حكماً عادلاً.
‘‘فطلبوا أن يمسكوه. ولم يُلقِِ أحدُ يداً عليه؛ لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد.
فآمن به كثيرون من الجمع، وقالوا: ألعلَّ المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه
التي عملها هذا؟ سمع الفريسيون الجمع يتنادون بهذا من نحوه، فأرسل الفريسيون ورؤساء
الكهنة خداماً ليمسكوه.
‘‘وفي اليوم الأخير العظيم من العيد، وقف يسوع ونادى قائلاً: إن عطش أحدُ، فليقبل
إليَّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهارُ ماءٍ حيّ. فكثيرون من
الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا: هذا بالحقيقة هو النبي! آخرون قالوا: هذا هو
المسيح! وآخرون قالوا: ألعلَّ المسيح من الجليل يأتي؟ الم يَقُل الكتاب أنه من نسل
داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها، يأتي المسيح؟ فحدث انشقاق في الجمع
بسببه. وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه، ولكن لم يُلقِِ أحدُ عليه الأيادي.
‘‘فجاء الخُدَّام إلى رؤساء الكهنة والفرِّيسيين. فقال هؤلاء لهم: لماذا لم تأتوا
به؟ اجاب الخُدَّام: لم يتكلَّم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان! فأجاب الفريسيون:
ألعلكم أنتم أيضاً قد ضللتم؟ العلَّ احداً من الرؤساء أو من الفرِّيسيين آمن به؟
ولكن هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس، هو ملعون. قال لهم نيقوديموس الذي جاء إليه
ليلاً، وهو واحد منهم: ألعل ناموسنا يدين إنساناً لم يَسمَع منه أولاً، ويَعرِف
ماذا فعل؟ أجابوا وقالوا له: ألعلَّك أنت أيضاً من الجليل. فتِّش وانظر! إنه لم يقم
نبيٌ من الجليل. فمضى كلُّ واحدٍ إلى بيته.’’ (يوحنا 1:7-53)
وهنا نتوقَّف اليوم. وقد رأينا كيف ضايق الكهنة والفرِّيسيون والكتبة يسوع. فقد
أرادوا أن يمسكوه ويقتلوه، ولكنهم لم يستطيعوا أن يَمسُّوه؛ لأن الوقت الذي عيَّنه
الله ليموت يسوع فيه كذبيحةٍ عن الخطية، لم يكن قد جاء بعد..!
وللأسف، كان معظم القادة الدينيين اليهود قلوبهم متحجرة. فاحتقروا يسوع وهدَّدوا أن
يطردوا من المجمع كل من يعترف أن يسوع هو المسيَّا. وهكذا، كان هناك انقسام بين
الجمع بسبب يسوع. فلم يجرؤ أحد أن يتكلَّم جهاراً عن يسوع؛ لأن الجميع كانوا يخافون
الكهنة والقادة الدينيين. فكانوا فيما بينهم يهمسون سراً قائلين: ‘‘إنه رجل صالح!’’
فيرد آخرون بالقول: ‘‘لا، إنه يُضِل الشعب!’’ فتعجَّب الباقون قائلين: ‘‘ألعلَّ
المسيح متى جاء، يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا؟’’
أصدقائي المستمعين ..
.. ماذا تقولون أنتم عن المسيح؟ وما رأيكم فيه؟
.. هل تعتقدون أن يسوع هو المسيَّا الذي كتب عنه كل الأنبياء؟ أم تعتقدون أن يسوع
كان مجرد واحد من الأنبياء؟
لا تدعوا أحداً يضللكم في هذا الأمر! فمصيركم كله يعتمد على إجابتكم لهذا السؤال!
.. هل تعرفون حقيقةً، من هو يسوع؟ وهل تعرفون لماذا أتى إلى هذا العالم؟
اسمعوا معي ماذا يقول يسوع عن نفسه:
‘‘أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلا بي. .. لهذا قد وُلِدت
أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق، يسمع صوتي.’’
(يوحنا 6:14 ؛ 37:18)
عزيزي المستمع ..
في أي جانبً أنت؟ هل ترغب في أن تكون في جانب الحق، حتى وإن كان هذا يعني أن تكون
مرفوضاً من كل عائلتك؟ يقول المثل: ‘‘من يريد العسل، فليواجه النحل!’’
ويقول يسوع:
‘‘لا تظنُّوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض .. فإني جئت لأفرِّق الإنسان ضد أبيه،
والإبنة ضد أمها، والكَنَّة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أباً أو
أماً أكثر مني، فلا يستحقني.’’ (مت 34:10-37)
أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. كونوا معنا في الحلقة القادمة، إن شاء الله، حيث نستمر في
قراءة الإنجيل لنرى كيف شفى يسوع رجلاً أعمى منذ ولادته.
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في كلمات يسوع المسيح التي تقول:
‘‘كل من هو من الحق، يسمع صوتي.’’ (يوحنا 37:18)
ـــــــــ
الدرس الرابع والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية