61
الإعــلان
لوقا 1 ؛ متي 1
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
على مدى الدروس الستين السابقة، كنا ندرس معاً الكتب المقدسة الخاصة ‘‘بالعهد
الأول’’ أو ‘‘العهد القديم’’، وهي توراة موسى، ومزامير داود (أو الزبور)، وكتب
الأنبياء الآخرين.
وفي الحلقة السابقة مباشرة، كنا قد بدأنا معاً في دراسة الكتب المقدسة الخاصة
‘‘بالعهد الجديد’’، أو ‘‘الإنجيل’’. وكلمة ‘‘إنجيل’’ هي كلمة عربية تعني ‘‘الخبر
السار’’. حقاً، إن رسالة الإنجيل هي خبرٌ سارٌ جداً لكل من يؤمن به، لأنها تخبرنا
أن الله قد أرسل مخلِّصاً عظيماً وقديراً إلى الأرض، تماماً كما وعد على فم أنبيائه
منذ زمن بعيد.
وقبل أن نبدأ دراستنا في الإنجيل، لعلَّه من الأفضل لنا أن نتذكَّر لماذا دبَّر
الله أن يرسلَ مخلِّصاً لنسل آدم.
.. هل يمكننا أن نتذكر يوم أن عصى آدم وحواء الله؟
لقد رأينا في التوراة كيف أدَّى عصيان آدم إلى إبعاد كل الجنس البشري عن ملكوت
الله، وإدخاله مملكة إبليس. فخطية آدم كانت هي السبب في أننا وُلِدنا ملتويين
بالطبيعة. فكما أن الفأر لا يمكن أن يلد إلا كل ما يحفر مثله، هكذا أيضاً آدم، لم
يكن ممكناً له أن يلد إلا نسلاً يخطئ مثله! فالخطاة لا يلدون إلا خطاة! إن خطيتنا
تديننا، حتى أننا ليس لدينا أي وسيلة يمكن أن تبرِّرنا أمام الواحد الذي لابد أن
يديننا!
إلا أننا نشكر الله ونمجِّده؛ لأن كتب الأنبياء لا تنتهي بقصة عصيان آدم! فكما
رأينا من قبل، أنه في نفس اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء، بدأ الله يعلن خطَّته
العجيبة في إرسال مخلِّصٍ إلى العالم، يحرِّر نسل آدم من سلطان الشيطان والخطية.
وفي هذا اليوم الأسود الذي دخلت فيه الخطية إلى العالم، أعلن الله أن هذا المخلِّص
القدوس سيولد من ‘‘امرأة’’ وحسب. (تك 15:3؛ غل 4:4) فالمسيَّا، الذي كان سيسفك دمه
كالذبيحة الكاملة من أجل الخطاة، لم يكن ممكناً أن ينحدر من أبٍ أرضيٍّ ملطخٍ
بالخطية. إذ كان لابد وأن يكون كاملاً وقدوساً، تماماً كالله الكامل القدوس. ولهذا
نجد النبي إشعياء ـ ذاك الذي عاش قبل مجيء المسيَّا بسبعمئة عام ـ يكتب قائلاً:
‘‘ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه ‘عمانوئيل’ الذي تفسيره ‘الله معنا’.’’
(إش 14:7 ؛ مت 23:1)
دعونا الآن نعود إلى كتاب الإنجيل؛ كي نرى كيف تمَّم الله ما وعد به بخصوص هذا
المخلِّص الكامل القدوس الذي كان ينبغي أن يُولد من عذراء، أي من شابة صغيرة لم
تعرف رجلاً من قبل.
وفي درسنا السابق، رأينا كيف ظهر ملاك الله، جبرائيل، لرجلٍ يهودي اسمه زكريَّا.
وأخبر جبرائيل زكريَّا أنه هو وأمرأته سيكون لهما ولدٌ اسمه ‘‘يوحنا’’. وهو من كان
سيُعدّ الطريق أمام المخلِّص.
والآن، دعونا نستمر في قراءة إنجيل لوقا، والأصحاح الأول، لنرى كيف أرسل الله ملاكه
إلى عذراءٍ اسمها ‘‘مريم’’. يقول الكتاب:
‘‘وفي الشهر السادس، أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينةٍ من الجليل اسمها
ناصرة، إلى عذراءٍ مخطوبةٍ لرجل من بيت داود، اسمه يوسف. واسم العذراء مريم.
‘‘فدخل إليها الملاك وقال: سلامٌ لك أيتها المُنعَم عليها. الرب معكِ. مباركةٌ أنتِ
في النساء. فلما رأته، اضطربت من كلامه، وفكَّرت ما عسى أن تكون هذه التحيَّة.
‘‘فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم؛ لأنك قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت
ستحبلين وتلدين ابناً، وتسمِّينه ‘يسوع’. هذا يكون عظيماً، وابن العليّ يدعى،
ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه
نهايةٌ.
‘‘فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا، وأنا لست أعرف رجلاً؟
‘‘فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوة العليّ تظللكِ. فلذلك
أيضاً، القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله. وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حُبلى
بابنٍ في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً. لأنه ليس شيءٌ غير
ممكنٍ لدى الله.
‘‘فقالت مريم: هوذا أنا أَمَة الرب. ليكن لي كقولِك. فمضى من عندها الملاك.’’
(لو26:1-38)
دعونا نتوقف هنا للحظة، لنتكلَّم قليلاً عما حدث عندما ظهر ملاك الله جبرائيل
لمريم. كانت مريم شابة تقدِّر كلمة الله وتُجلَّها. وكانت مخطوبة لرجل يدعى
‘‘يوسف’’، ولكنهما لم يكنا قد اجتمعا معاً بعد. وكان كلٌ من مريم ويوسف من نسل
الملك داود. وكما نذكر، أن أنبياء الله لم يتنبأوا بولادة المسيَّا من عذراء فحسب،
بل وأنه سيكون من نسل داود أيضاً.
وحتى لا يسيء أحدنا الفهم، هناك شيءٌ آخر ينبغي أن نعرفه عن مريم. وهو أن مريم من
نسل آدم. فهي مثلنا جميعاً، مولودة بطبيعة الخطية. ومن الضروري هنا أن نذكر هذا؛
لأن هناك الكثيرين الذين يرفعون مريم لمكانة الله، ويعبدونها ويصلٌّون لها.
وهذه وثنية! فمن المؤكد أن مريم تستحق التطويب؛ لأنها المرأة التي اختارها الله كي
يأتي المسيَّا من خلالها إلى العالم. إلا أن هذه النعمة التي أغدقها الله عليها، لا
تجعلها تستحق العبادة؛ لأن الكتاب يقول صراحةً:
.. ‘‘للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.’’ (مت 10:4)
وفي الأعداد التي قرأناها للتو، رأينا كيف ظهر الملاك جبرائيل لمريم، وأخبرها أنها
العذراء التي اختارها الله ليأتي مخلِّص الخطاة من خلالها إلى العالم. وأخبر
جبرائيل مريم أيضاً باسم الطفل الذي ستحبل به. إذ قال لها: ‘‘وتدعين اسمه يسوع’’.
واسم يسوع يعني ‘‘الرب يخلِّص’’. ويسوع هو ‘‘يشوع’’ في العبرية، ويعني نفس المعنى.
ويسميه القرآن ‘‘عيسى’’.
غير أنه كان هناك أيضاً اسم آخر أشار به جبرائيل إلى المسيَّا. هل سمعتموه؟ لقد
دعاه ‘‘ابن العلي’’. وسواء قبلنا ذلك أو رفضناه، فهذا هو ما قاله جبرائيل. وقد
قرأنا فيما سبق في مزامير داود، كيف دعا الله المسيَّا ‘‘ابنه’’. والآن، نسمع كيف
دعا ملاك الله جبرائيل أيضاً المسيَّا ‘‘ابن الله’’.
اصدقائي المستمعين ..
نحن نعلم أن الكثيرين من الذين يسمعون هذا الاسم ‘‘ابن الله’’، يردُّون قائلين:
‘‘هذا مستحيل! استغفر الله!’’ ولكن، قبل أن تحتقر اسم ‘‘ابن الله’’، ينبغي أن تبذل
بعض الجهد لتعرف ما الذي يعنيه هذا الاسم!
ففي الكتاب المقدس، دُعيَ المسيا ‘‘ابن الله’’ أكثر من مئة وعشرين مرة. ومن ثمَّ،
لا نجرؤ، نحن الذين نصدِّق كتب الأنبياء، أن ننكر أن الله يدعو المسيَّا ‘‘ابنه’’.
.. ولكن، ما نريد أن نعرفه هو لماذا دعا الله يسوع المسيَّا ‘‘ابنه’’!
أولاً: نحتاج أن نعرف ما الذي لا يعنيه اسم ‘‘ابن الله’’!
.. فهو لا يعني أن الله اتخذ زوجة، وأنجب منها ابناً!
وأي إنسان يفكِّر مثل هذا التفكير، يجدف على الله! إن الله هو الله العليّ، وهو لا
ينجب أبناءً كما ينجب الإنسان أبناء. أبداً! وينبغي أن يكون ذلك واضحاً تمام الوضوح
في أذهاننا. ولا يسعنا الوقت اليوم أن نشرح كل ما يعنيه اسم ‘‘ابن الله’’، ولكن ما
ينبغي أن نفهمه .. هو أن الاسم لا يعني أن الله اتخذ زوجة، وأنجب منها ابناً!
هذا لا ينبغي أن يكون صعب الفهم؛ لأن الناس في مصر مثلاً، كثيراً ما يدعون من عاش
فيها لوقت طويل ‘‘ابن مصر’’، بالرغم من أنه من الواضح أن مصر لا تستطيع أن تتخذ
زوج، وتنجب منه ابناً. وأيضاً، عندما تسافر خارج مصر، يدعونك الناس ‘‘ابن مصر’’،
ولكن هذا لا يعني أن مصر هي أمك أو أبوك! ولكن ذلك يعني ببساطة أنك قد أتيت من مصر،
وأن مصر هي مكان منبعك.
هذا هو الحال نفسه مع يسوع المسيَّا. .. فإن الله يدعوه ‘‘ابنه’’؛ لأنه أتى منه!
.. لقد جاء المسيَّا من السماء. فقبل أن يُولد، كان مع الله، وكان في الله.
.. وهو ‘‘روح الله’’. وهذا هو لقب قرآني ليسوع يتَّفق مع ماهية المسيَّا، كونه
الابن الروح الأبدي لله، الروح الثاني في الله المثلث الأقانيم.
.. والمسيَّا هو أيضاً ‘‘الكلمة’’ الذي كان مع الله في البدء. و‘‘كلمة الله’’ هو
لقب معطىً بشكل فريد للمسيَّا في كل من الإنجيل والقرآن. وهذا ما يعلنه الكتاب
المقدس عندما يقول:
‘‘في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء
عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. والكلمة صار جسداً، وحل
بيننا.’’
(يو 1:1-3، 14)
نعم، إن المسيَّا هو ‘‘كلمة الله’’ الذي جاء من السماء، ووُلِد كإنسان. وكلنا نعرف
أن المسيَّا لم يكن له أبٌ أرضيّ. فبالتالي، إن لم يكن له أبٌ أرضيٌّ، فمن أين جاء
إذن؟ ابن من هو؟ فلنستمع مرة أخرى لما قاله جبرائيل لمريم. قال لها:
‘‘الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوة العليّ تُظلِّلكِ. فلذلك أيضاً، القدوس المولود
منكِ يُدعى ابن الله.’’ (لو 35:1)
.. ربما قد سمعنا البعض يقولون:
‘‘نعم، لقد عرفنا أن يسوع لم يكن له أب أرضي، ولكن ميلاد يسوع من عذراء ـ على أية
حال ـ ليس بالأمر الهام. فلقد كان الله يحاول ببساطة أن يظهر قوته!
.. فلقد خلق الله آدم بدون أبٍ أو أم!
.. ثم بعد ذلك، خلق حواء من أبٍ فقط، أي خلقها من ضلعٍ أخذه من آدم!
.. ولكي يظهر الله قوته أكثر، خلق رجلاً من امرأةٍ فقط!
.. ولهذا السبب فقط، وُلِد يسوع بدون أبٍ أرضي!’’
أصدقائي الأعزاء ..
من الحقيقي أن الله هو ‘‘القادر على كل شيء’’، وليس هناك ما يستحيل عليه!
.. لكن، بالنسبة لولادة يسوع من عذراء، فلابد لنا وأن نعرف أن السبب كان أعظم في
أهميته، بما لا يقاس، من مجرد اظهار الله لقوته! .. لا تدعْ أحد يخدعك! فهناك سبب
في غاية الأهمية لولادة يسوع من عذراء، بعد ما خلق الله آدم وحواء بآلاف السنين!
.. هل تعلم ما هو السبب؟
الكتاب المقدس يخبرنا بالسبب، عندما يقول:
‘‘يسوع المسيَّا جاء إلى العالم؛ ليخلِّص الخطاة.’’ (1تي 15:1)
.. فلقد وُلِد يسوع في العالم، كي يفدي نسل آدم الهالكين الخطاة الملطَّخين بالخطية
والمُدانين. وبالتالي، لم يكن ممكناً أن يُولَد المسيَّا من رجلٍ ملطَّخ بالخطية!
.. وبحسب خطَّة الله، كما رأينا سابقاً، كان ينبغي أن يسفك المسيَّا دمه كذبيحةٍ،
ليدفعَ ثمن الخطية. ولكي يكون ذبيحةً كاملةً، كان ينبغي على الفادي المخلِّص أن
يكون بدون خطيةٍ واحدةٍ أو عيبٍ واحدٍ، تماماً مثل الحمل البريء الذي نذبحه كل سنة
في ‘‘عيد الأضحى’’!
عزيزي المستمع ..
.. فكِّر في ذلك!
.. هل يستطيع المديون بدَيْنٍ كبير أن يدفع ديون الآخرين؟
لا! .. فلا يستطيع دفع ديون الآخرين إلا من ليس عليه أي ديون!
وبالمثل، كان ينبغي أن يكون المسيَّا إنساناً بلا أي دَيْن أو خطية؛ كي يستطيع أن
يدفع دَيْن خطية أبناء آدم.
إن الله يريدنا أن نعرف أن هناك فرقاً عظيماً جداً بين المسيَّا، وأبناء آدم:
.. فنحن أبناء آدم، ولكن يسوع هو ابن الله!
.. ونحن، أبناء آدم، مثل الأرض القذرة بسبب خطايانا. أما يسوع، فمثل المطر الذي
يأتي من السماء. فهو طاهرٌ وقدوسٌ، تماماً مثل الله الطاهر القدوس.
.. ولهذا، لا يخجل الله أن يدعوه ‘‘ابنه’’!
.. وهكذا، أصدقائي الأعزاء،
نأمل أنكم عندما تتركونا اليوم، تكون الأمور أوضح في أذهانكم، ويكون فهمكم أحسن
لأمر يسوع المسيَّا، ولماذا كان ينبغي أن يُولَد من عذراء، وما الذي يعنيه اسم
‘‘ابن الله’’، وما الذي لا يعنيه.
.. دعونا نختم حلقة اليوم بقراءة من إنجيل متى عن ولادة المسيَّا.
فبعد بضعة أشهر، وبعد أن أصبحت مريم حُبلَى بقوة روح الله، أرسل الله ملاكه ليوسف،
الذي كان سيصير زوجاً لمريم.
.. ويقول الكتاب:
‘‘أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا. لمَّا كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن
يجتمعا، وُجِدت حُبلَى من الروح القدس. فيوسف رجلها، إذ كان باراً ولم يشأ أن
يشهرها، أراد تخليتها سراً. ولكن فيما هو متفكرٌ في هذه الأمور، إذا ملاك الرب قد
ظهر له في حلمٍ قائلاً:
‘‘يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبِل به فيها، هو من
الروح القدس. فستلد ابناً، وتدعو اسمه ‘‘يسوع’’؛ لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم.
وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل، وتلد
ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره: الله معنا.
‘‘فلما استيقظ يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب، وأخذ امرأته. ولم يعرفها حتى
ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع.’’
(مت 18:1-25)
أعزائي المستمعين ..
هنا ينبغي أن نتوقف اليوم.
وفي الحلقة القادمة، بإذن الله، سنستمر في دراستنا في الإنجيل، وسنقرأ معاً قصة
عجيبة عن ولادة يسوع، المسيَّا ..
.. نشكركم على كريم إصغائكم!
.. وليبارككم الله، وأنتم تتذكَّرون ما قاله الملاك ليوسف بشأن المسيَّا:
‘‘وتدعو اسمه يسوع. لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم.’’
(مت 21:1)
ـــــــــــــــ
الدرس الثاني الستون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية