60
يوحنـا النبي
لوقا 1
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
في حلقتنا السابقة، انتهينا من رحلتنا في الجزء الأول من الكتاب المقدس، الجزء الذي
يحتوي على التوراة، والمزامير (الزبور)، وكتب الأنبياء. وهذا الجزء الأول يسمَّى
‘‘العهد الأول’’، ويُعرَف أيضاً بـ‘‘العهد القديم’’. واليوم، سنبدأ في دراسة الجزء
الثاني من كلمة الله، والذي يُسمَّى بـ‘‘العهد الجديد’’.
ولكن، لماذا فصل الله كتابه المقدس إلى جزئين: العهد الأول أو العهد القديم، والعهد
الجديد؟ إن الله لديه أسباب كثيرة تجعله يفعل هذا. ربما أول ما نحتاج أن نفهمه، هو
أن كل ما كتب في العهد الأول كُتِب قبل ولادة المسيا، بينما كل ما كتب في العهد
الجديد كُتِب بعد ولادة المسيا. وهكذا، كانت رسالة أنبياء الله في العهد الأول تقول:
‘‘إن الله سيرسل المسيا!’’، أما رسالة العهد الجديد فتقول: ‘‘إن الله قد أرسل
المسيا بالفعل، تماماً كما وعد على فم أنبيائه في العهد الأول!’’
هل هذا الفرق المهم بين العهد الأول والعهد الجديد، واضحٌ تماماً في أذهاننا؟ إن
البعض ينتقدون الكتاب المقدس لأنه يحتوي على عهدين: أحدهما قديم والآخر جديد. فهم
يظنون أن العهد الجديد يعني أن هناك من حاول إلغاء كتب الأنبياء الأصلية،
واستبدالها بكتاب آخر! ولكن هذه ليست الحقيقة. إن العهد الجديد لا يلغي ما كتبه
الأنبياء في العهد الأول، بل يؤكد ما كتبوه! فالعهد الجديد يرينا كيف تمم الله وعود
العهد الأول ونبواته ورموزه. ففي العهد الأول، كان جميع الأنبياء يعلنون: ‘‘أن
المسيا سيأتي! سيأتي! سيأتي!’’ أما رسالة العهد الجديد فهي: ‘‘إن المسيا قد أتى!
المسيا، الذي تكلم وكتب عنه جميع الأنبياء، قد أتى! المسيا قد أتى!’’
نعم، ينبغي أن نشكر الله بقلب مبتهج أن الكتاب المقدس يحتوي على عهد أول، وعهد جديد.
لأنه في هذين الجزئين، يمكننا أن نرى أن ما وعد به الله منذ زمن بعيد جداً، قد
تمَّمه وأنجزه! فقد أرسل لنا الله مخلِّصاً، تماماً كما وعد آباءنا في التوراة،
والمزامير، وكتب الأنبياء الآخرين. فكما تنمو حبة الخردل الصغيرة وتصير شجرةً كبيرةً
وارفةً، هكذا يصل العهد الأول إلى صورته الكاملة الناضجة في العهد الجديد.
وكما قد تعلمون، إن الجزء الثاني من الكتاب المقدس، أي العهد الجديد، له اسمٌ آخر.
هذا الاسم هو ‘‘الإنجيل’’. والإنجيل كلمة عربية تعني ‘‘الخبر السار’’. حقاً، إن
رسالة كتاب الإنجيل هي أخبار سارة إلى أقصى حد. وذلك، لأنها تخبرنا كيف تمَّم
المسيا ما سبق وتنبأ به الأنبياء، وكيف فتح لأبناء آدم بذلك، باباً للسلام مع الله
للأبد!
أما عن كتاب الإنجيل، فنحتاج أن نعرف أن هذا الكتاب لم يكتبه المسيا نفسه. بل كما
استخدم الله أناساً كثيرين ليكتبوا كتاب العهد الأول، هكذا أيضاً استخدم الله أناساً
كثيرين ليكتبوا كتاب العهد الجديد. لقد استخدم الله أربعة رجال؛ ليكتبوا قصة المسيا
الذي أتى إلى العالم. وأولئك الرجال الأربعة يُدعَون متي، ومرقس، ولوقا، ويوحنا.
ولكن، لماذا أوحى الله إلى أربعة اشخاص أن يكتبوا قصة المسيا؟ ولماذ لم يكتفِ الله
بشخص واحد ليكتب كتاب الإنجيل؟ إن السبب هو أن الله أراد أن يوصِّل لنا رسالة بعيدة
عن كل الشك، وجديرة بكل الثقة. فاستخدم الله أربعة كُتَّاب؛ كيما يؤكد كلمته. فكما
أن المائدة ذات الأربعة أرجل أكثر ثباتاً من المائدة ذات الرجل الواحدة، هكذا أيضاً
تكون شهادة أربعة شهود أقوى وأجدر بالثقة من شهادةٍ شاهدٍ واحد. لقد استخدم الله
أربعة شهود؛ كيما نعرف أن كل ما كُتِب في كتاب الإنجيل فيما يخص المسيا هو صحيح
تماماً! فكما وضع الله كلماته في اذهان الأنبياء، هكذا أيضاً أرشد الله أربعة أشخاص
عاشوا في نفس الحقبة الزمنية مع المسيا؛ كيما يكتبوا ما رأوه وما سمعوه فيما يخص
مخلِّص العالم. ولكن، علينا أن نلاحظ أن الله قد أوحى في الواقع إلى ثمانية أشخاص
ليكتبوا عن المسيا. فرسائل الرسل بولس وبطرس ويعقوب ويهوذا، هي جزءٌ من كتب الإنجيل
(أو بالأحرى كتب الإنجيل)، وكل ما كتبوه يسير معاً في انسجامٍ كاملٍ ومجيد!
ولكن، هل تعرفون بأي لغة كتب متى ومرقس ولوقا ويوحنا كتاب الإنجيل المقدس؟ لقد
كتبوه باللغة اليونانية، ولكننا نقرأه باللغة العربية؛ حيث أن معظمنا لا يفهم
اليونانية! ونشكر الله لأنه وضع في قلب العلماء أن يترجموا الإنجيل من اليونانية
إلى العربية، كما ترجموه أيضاً إلى ألفي لغةٍ أخرى من لغات العالم.
نعم، فأحياناً نسمع أولئك الذين يحاولون مقاومة كتاب الإنجيل، قائلين: ‘‘إن لا أحد
يمكنه أن يثق به. فقد عبثوا به! ويوجد به أخطاء ومتناقضات كثيرة!’’
أصدقائي .. إن من يحاول مقاومة الإنجيل، إنما يحاول مقاومة الله نفسه. تذكروا، ‘‘إن
البيضة لا تستطيع أن تصارع الصخرة!’’ فالكتاب المقدس جدير بكل ثقتنا وطاعتنا. فكما
أن كلمة الله كاملة في التوراة والمزامير، كذلك هي كاملة في الإنجيل. إن الكتاب
المقدس لا ينقسم. فالله أكبر، وهو قادر أن يحمي كلمته الأبدية! لقد حفظ كلمته الحقة
لكل هؤلاء الذين يسعون وراءها بكل قلوبهم. ولا أحد، في الواقع، يستطيع العبث بكلمة
الله الحية الباقية إلى الأبد! هذا هو ما يعلنه الرب نفسه في الإنجيل، عندما يقول:
‘‘السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول.’’ (مت 35:24)
والآن، أتت اللحظة لنبدأ رحلتنا في كتاب الإنجيل، أو العهد الجديد. ففي حلقتنا
السابقة، قرأنا عن النبي ملاخي الذي عاش قبل المسيا بأربعمئة عام. واثناء تلك
الأربعمئة عام التي تلت أيام ملاخي، لم يرسل الله إلى اليهود مزيداً من الأنبياء
ليكتبوا كلمة الله. ولكن، لماذا يا ترى لم يرسل الله مزيداً من الأنبياء؟ ذلك، لأن
كتاب العهد الأول كان قد اكتمل. كان الله قد قال كل ما أراد أن يقول على فم
الأنبياء. وبهذا، كان الله ينتظر مجيء الساعة المحددة التي سيرسل فيها المسيا إلى
العالم؛ كيما يؤسس العهد الجديد.
ولقد قرأنا فيما سبق، ما تنبأ به النبيان إشعياء وملاخي فيما يخص خطة الله في إرسال
نبيٍّ قبل المسيا، كيما يُعدَّ الطريق أمامه. هل تعلمون من كان هذا النبي؟ نعم، إنه
النبي ‘‘يوحنا’’ (أو ‘‘يحيى’’ كما يسميه القرآن). وأما أبوه فهو ‘‘زكريا’’. وكان
زكريا كاهناً يخدم الله والناس بتقديم الذبائح الحيوانية على مذبح الهيكل في
أورشليم.
دعونا نفتح الآن الإنجيل المقدس، ونسمع ما كتبه لوقا عن ولادة يوحنا النبي. وإذ
نقرأ في الأصحاح الأول من إنجيل لوقا، يقول الكتاب:
‘‘كان في أيام هيرودس ملك اليهودية، كاهنٌ اسمه زكريَّا من فرقة أبيَّا، وامرأته من
بنات هرون، واسمها أليصابات. كانا كلاهما بارَّين أمام الله، سالكين في جميع وصايا
الرب وأحكامه بلا لوم. ولم يكن لهما ولدٌ، إذ كانت أليصابات عاقراً، وكانا كلاهما
متقدمين في أيامهما.
‘‘وبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الله .. وكل جمهور الشعب يُصلُّون خارجاً وقت
البخور، ظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريَّا، اضطرب
ووقع عليه خوفٌ. فقال له الملاك: لا تخف يا زكريَّا، لأن طلبتك قد سُمِعَت وامرأتك
أليصابات ستلد لك ابناً، وتسميه ‘‘يوحنا’’. ويكون لك فرحٌ وابتهاجٌ، وكثيرون
سيفرحون بولادته، لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب. ومن بطن أمه
يمتلئ من الروح القدس. ويَرُدُّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدَّم
أمام الرب بروح إيليا وقوته، ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر
الأبرار، لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا، لأني أنا
شيخٌ، وامرأتي متقدمة في أيامها؟ فأجاب الملاك وقال له: أنا جبرائيل الواقف أمام
الله، وأُرسِلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتاً، ولا تقدر أن تتكلم إلى
اليوم الذي يكون فيه هذا؛ لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته.
‘‘وكان الشعب منتظرين زكريا، ومتعجبين من إبطائه في الهيكل. فلما خرج، لم يستطع أن
يكلِّمهم، ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل. فكان يومئ إليهم، وبقي صامتاً. ولما
كملت أيام خدمته، مضى إلى بيته. وبعد تلك الأيام، حبلت أليصابات امرأته، وأخفت
نفسها خمسة أشهر قائلة: هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي فيها نظر إليَّ لينزع
عاري بين الناس.’’ (لو 5:1-25)
وهكذا، نرى كيف أرسل الله ملاكه جبرائيل إلى زكريا؛ ليعلن له أن زوجته أليصابات
ستحبل وتلد ابناً. وسيكون هذا الابن نبياً عظيماً، وسيعد الطريق أمام المسيا. وهكذا،
يقول الكتاب في نهاية الأصحاح:
‘‘وأما أليصابات فتمَّ زمانُها لتلد، فولدت ابناً. وسمع جيرانها واقرباؤها أن الرب
عظَّم رحمته لها، ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن، جاءوا ليختنوا الصبي، وسمَّوه
باسم أبيه زكريَّا. فأجابت أمه وقالت: لا، بل يُسمَّى ‘يوحنا’. فقالوا لها: ليس أحدٌ
في عشيرتك تسمَّى بهذا الاسم. ثم أومأوا إلى أبيه، ماذا يريد أن يُسمَّى. فطلب لوحاً
وكتب قائلاً: اسمه يوحنا. فتعجَّب الجميع. وفي الحال، انفتح فمه ولسانه، وتكلَّم
وبارك الله. فوقع خوفٌ على كل جيرانهم. وتُحُدِث بهذه الأمور جميعها في كل جبال
اليهودية. فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين: أترى ماذا يكون هذا الصبي؟
وكانت يد الرب معه.
‘‘وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس، وتنبأ قائلاً: مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه
افتقد وصنع فداءً لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه، كما تكلم بفم
أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا، ومن أيدي جميع مبغضينا.
ليصنع رحمةً مع آبائنا، ويذكر عهده المقدَّس. القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا أن
يعطينا أننا، بلا خوفٍ منقذين من أيدي أعدائنا، نعبده بقداسةٍ وبرٍ قدَّامه جميع
أيام حياتنا.
‘‘وأنت أيها الصبيّ، نبيُّ العليّْ تُدعى؛ لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتُعِدَّ طرقه.
لتعطي شعبه معرفة الخلاص لمغفرة خطاياهم، بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا
المُشرَق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت؛ لكي يهدي أقدامنا
في طريق السلام.’’ (لو 57:1-79)
وهكذا، سبَّح زكريا الله ومجَّده إثر ولادة يوحنا؛ لأنه عرف أن موعد ولادة المسيا
قد حضر! إن يوحنا ابن زكريا لم يكن هو المسيا، ولكنه كان النبي الذي سيأتي قبل
المسيا؛ ليعلن وصوله، ويعدَّ الطريق أمامه.
أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وندعوكم أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة؛ لنقرأ كيف
أرسل الله ملاكه جبرائيل لعذراءٍ تُدعَى ‘‘مريم’’؛ ليعلن لها رسالةً في غاية
الأهمية. إن الدرس القادم مليء بحقائق في غاية الأهمية. فلا تجعلوه يفوتكم!
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في كلمات زكريا، التي تقول:
‘‘مبارك الرب إله إسرائيل .. لانه أقام لنا قرن خلاص (أي مخلصاُ عظيماُ) في بيت
داود فتاه، كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر.’’ (لو 68:1-70)
ــــــــــــ
الدرس الحادي والستون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية