53
النبـي إيـليَّا

ملوك الأول 6-18

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، درسنا قصة سليمان، ابن النبي داود. ورأينا كيف أعطى الله سليمان حكمةً وتمييزاً غير عاديَّين. وفي أيام الملك سليمان، كانت أورشليم هي أجمل مدن العالم. ولكن من بين كل ما بناه سليمان في أورشليم، لم يكن هناك ما فاق هيكل الرب جمالاً. وكان الملك سليمان قد بنى هذا الهيكل، ليحل محل خيمة الاجتماع، التي كانت الخيمة الخاصة بالعبادة، والتي كانت قد بناها موسى وبنو إسرائيل في البرية. وكان سليمان قد استأجر مئتي ألفٍ من العمال لمدة سبعة أعوام متصلة، كيما يبني هذا الهيكل الجميل. واليوم، مازال المرء يستطيع أن يرى في أورشليم، الحجارة العظيمة الخاصة بالهيكل الذي بناه سليمان.

وعندما انتهى بناء الهيكل، ذبح الكهنة الآلاف من الخراف والثيران، رمزاً للفادي العتيد أن يأتي، ويسفك دمه الثمين من أجل الخطاة. وهذه كانت الطريقة التي كرسوا بها لله، الهيكل الذي بنوه من أجل اسمه. وبعد ما قدموا تلك الحيوانات وحرقوها على المذبح النحاسي للهيكل، حمل الكهنة تابوت العهد (الذي كان في خيمة الاجتماع)، ووضعوه في قدس الأقداس في الهيكل الجديد. وعندما غادر الكهنة قدس الأقداس، امتلأ على الفور بمجد الرب. فكما ملأ مجد الرب قدس أقداس خيمة اجتماع العبادة التي بناها موسى وبنو إسرائيل في البرية، ملأ مجد الرب أيضاً قدس أقداس الهيكل الذي بناه سليمان في أورشليم.
وفيما يتعلق ببقية حياة سليمان، يخبرنا الكتاب المقدس أن الأيام الأخيرة لملكه لم تكن كأيامه الأولى. اقرأوا معي ما هو مكتوب في سفر الملوك الأول، الأصحاح الحادي عشر. مرة أخرى، سنلاحظ هنا أن كلمة الله المقدسة لا تخفي خطايا الأنبياء. يقول الكتاب: ‘‘وأحب الملك سليمان نساءً غريبةً كثيرةً .. وكان في زمان شيخوخة سليمان، أن نساءه أملن قلبه وراء آلهةٍ أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه.’’ (1مل 1:11 ،4)

وراح سليمان، بعد ذلك، يبني على التلال شرق أورشليم، مرتفعاتٍ لزوجاته الأجنبيات، كيما يحرقن عليها البخور، ويقدمن الذبائح لآلهتهن. وعندما فعل سليمان ذلك، غضب الله، لأن سليمان أدار ظهره لكلمة الله الحي الحقيقي. عندئذٍ قال الله لسليمان: ‘‘من أجل أن ذلك عندك، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاُ، وأعطيها لعبدك. إلا إني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك، بل من يد ابنك أمزقها. على أني لا أمزق منك الممكلة كلها، بل أعطي سبطاً واحداً لابنك لأجل داود عبدي، ولأجل أورشليم التي اخترتها.’’ (1مل 1:11-13)

ومن ثم، تخبرنا الكتب المقدسة، أنه عندما مات سليمان، كانت هناك نزاعات وصراعات داخل شعب إسرائيل. الأسباط الاثنى عشر الذين جاءوا من أبناء يعقوب، انقسموا إلى قسمين، تماماً كما قال الله لسليمان. فلم يعودوا أمة واحدة؛ بل صاروا أمَّتَين: أمة إسرائيل، وأمة يهوذا. العشرة أسباط الذين في شمال الأرض، كوَّنوا ‘‘مملكة إسرائيل’’. أما سبط يهوذا، ومعه سبط بنيامين الصغير، فكوَّنوا ‘‘مملكة يهوذا’’. وكان سبط يهوذا هو سبط الملك داود، وهو السبط الذي وعد الله أن يأتي منه ‘‘المسيَّا’’ (أي المسيح) إلى العالم.

ويحكي لنا الكتاب، كيف كان لهاتين المملكتين مَلِكان. ومعظم ملوك إسرائيل ويهوذا كانوا قادةً أشراراً؛ إذ تحولوا عن الرب، واتَّبعوا ديانات الأمم التي حولهم. ومن بين ملوك إسرائيل هؤلاء جميعهم، كان هناك ملكٌ أشر من جميع ملوكها الآخرين. أتعلم من كان هذا الملك؟ إنه الملك ‘‘أخآب’’. وكان أخآب هو الملك الثامن بعد سليمان.

وفيما يتعلق بأخآب، يقول الكتاب:‘‘وعمل أخآب بن عُمْري الشر في عيني الرب أكثر من جميع الذين قبله.’’ (1مل 30:16) وهو أيضاً تزوج ‘‘إيزابَل’’، وهي امرأة شريرة، رفضت كلمة الرب. والأكثر من ذلك، بنى أخآب هيكلاً للبعل في إسرائيل، الذي كانت الأمم التي حولها تعتبره الله. وهكذا، أغضب أخآب الرب غضباً عظيماً بقيادته لشعب إسرائيل، ليتبعوا ديانة فارغة مزيفة، وأنبياءها الكذبة المزيفين.

إلا أن في هذا الوقت، كان هناك رجلاً في إسرائيل، يسير مع الله. وكان اسمه ‘‘إيليَّا’’. وفي يوم، أرسل الله إيليا إلى الملك أخآب. ‘‘وقال إيليا .. لأخآب: حيٌّ هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه، أنه لا يكون طلٌ ولا مطرٌ في هذه السنين إلا عند قولي.’’ (1مل 1:17)

وهكذا، لم يكن هناك مطرٌ على أرض إسرائيل لمدة ثلاث سنين ونصف. وصارت المجاعة شديدة في الأرض. ويقول الكتاب في الأصحاح الثامن عشر:
‘‘وبعد أيام كثيرة، كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً: اذهب وتراءَ لأخآب، فأعطي مطراً على وجه الأرض. فذهب إيليا ليتراءى لأخآب .. ولما رأى أخآب إيليا، قال له أخآب: أأنت هو مكدِّر إسرائيل؟ فقال: لم أكدِّر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك، بترككم وصايا الرب، وبسيرك وراء البعليم. فالآن، أرسل واجمع إليَّ كل إسرائيل إلى جبل الكرمل، وأنبياء البعل أربع المئة والخمسين، وأنبياء السواري أربع المئة، الذين يأكلون على مائدة إيزابَل.
‘‘فأرسل أخآب إلى جميع بني إسرائيل، وجمع الأنبياء إلى جبل الكرمل. فتقدَّم إيليا إلى جميع الشعب، وقال: حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله، فاتبعوه؛ وإن كان البعل، فاتبعوه. فلم يُجِبْه الشعب بكلمة.
‘‘ثم قال إيليا للشعب: أنا بقيت نبياً للرب وحدي، وأنبياء البعل أربع مئة وخمسون رجلاً. فليعطونا ثورين، فيختاروا لأنفسهم ثوراً واحداً، ويقطِّعوه ويضعوه على الحطب، ولكن لا يضعوا ناراً، وأنا أقرب الثور الآخر، وأجعله على الحطب، ولكن لا أصنع ناراً. ثم تدعون باسم آلهتكم، وأنا أدعو باسم الرب. والإله الذي يجيب بنارٍ، فهو الله. فأجاب جميع الشعب وقالوا: الكلامُ حسنٌ.
‘‘فقال إيليا لأنبياء البعل: اختاروا لأنفسكم ثوراً واحداً، وقرِّبوا أولاً لأنكم أنتم الأكثر، وادعوا باسم آلهتكم، ولكن لا تضعوا ناراً. فأخذوا الثور الذي أُعطِيَ لهم، وقرَّبوه، ودعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر قائلين: يا بعل أجبنا. فلم يكن صوتٌ، ولا مجيبٌ. وكانوا يرقصون حول المذبح الذي عُمِل. وعند الظهر، سخر بهم إيليا، وقال: ادعوا بصوتٍ عالٍ لأنه إلهٌ. لعله مستغرقٌ، أو في خلوةٍ، أو في سفرٍ، أو لعله نائمٌ، فينتبه! فصرخوا بصوتٍ عالٍ، وتقطَّعوا حسب عادتهم بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم.
‘‘ولما جاز الظهر، وتنبأوا إلى حين إصعاد التقدمة، ولم يكن صوتٌ ولا مجيبٌ ولا مصغٍ؛ قال إيليا لجميع الشعب: تقدَّموا إليَّ. فتقدم جميع الشعب إليه. فرمم مذبح الرب المنهدم. ثم أخذ إيليا إثني عشر حجراً بعدد أسباط بني يعقوب، الذي كان كلام الرب إليه قائلاً إسرائيل يكون اسمك. وبنى الحجارةَ مذبحاً باسم الرب، وعمل قناةً حول المذبح تسع كيلتين من البَزْر. ثم رتَّب الحطب، وقطَّع الثور، ووضعه على الحطب، وقال: املأوا أربع جرَّات ماءً، وصبُّوا على المحرقة وعلى الحطب.
‘‘ثم قال: ثنٌّوا؛ قثنُّوا. وقال: ثلِّثوا؛ فثلَّثوا. فجرى الماء حول المذبح، وامتلأت القناة أيضاً ماءً.
‘‘وكان عند إصعاد التقدمة، أن إيليا النبي تقدَّم وقال: أيها الرب إله إبراهيم وإسحق وإسرائيل، ليُعْلَم اليوم أنك أنت الله في إسرائيل، وأني أنا عبدك، وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور.
‘‘فسقطت نار الرب، وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب، ولحست المياه التي في القناة. فلما رأى جميع الشعب ذلك، سقطوا على وجوههم، وقالوا: الرب هو الله؛ الرب هو الله.
‘‘فقال لهم إيليا: أمسكوا أنبياء البعل، ولا يفلت منهم رجلٌ. فأمسكوهم، فنزل بهم إيليا إلى نهر قيشون، وذبحهم هناك. وقال إيليا لأخآب: اصعدْ، كلْ وأشربْ؛ لأنه حسُّ دويِّ مطرٍ. فصعد أخآب ليأكل ويشرب، وأما إيليا، فصعد إلى رأس الكرمل، وخرَّ على الأرض، وجعل وجهه بين ركبتيه. وكان من هنا إلى هنا، أن السماء اسودَّت من الغيم والريح، وكان مطرٌ عظيمٌ.’’ (1مل 1:18-2 ، 17-42 ، 45)

إن هذه القصة العجيبة تمتلئ من مجد وقوة الله، ولا تحتاج إلى أي تعليقٍ مناً. ومع ذلك، وقبل أن نودعكم اليوم، ينبغي أن نلاحظ ما قاله النبي إيليا لشعب إسرائيل. فقبل أن يتحدى إيليا الأربعة مئة والخمسين من أنبياء البعل، قال إيليا للشعب: ‘‘حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله، فاتبعوه؛ وإن كان البعل، فاتبعوه!’’

وفي البداية، لم يعطِ الشعب أي إجابة. إلا أنهم عندما رأوا كيف استجاب الله صلاة إيليا التي دعا فيها الله ان ينزل ناراً من السماء على المذبح، سقطت كل الجموع على وجوههم، وصرخوا قائلين: ‘‘الرب هو الله؛ الرب هو الله!’’ وهكذا، وفي يوم واحد، فضح نبي الرب إيليا أنبياء البعل الكذبة، وخزاهم امام كل الشعب، وحوَّل قلوب الشعب إلى الله مرة أخرى!
ولكن، لماذا استجاب الله صلاة إيليا؟ لأن إيليا أحب الرب الإله، وصدق كلمته. ولماذا لم يلتفت الله إلى صلوات أنبياء البعل؟ ذلك لأنهم لم يصلُّوا إلى الله الواحد الحقيقي الذي اظهر نفسه إلى إبراهيم وإسحق وشعب إسرائيل. فلم يلتفت أنبياء البعل إلى كلمة الله، وراحوا يتبعون تقاليد ديانتهم الخاصة بهم. كانوا غيورين في الحفاظ على طقوسهم، ولكنهم لم يخدموا الله الحي. ولذلك، كانت كل غيرتهم الدينية بلا معنى. وهكذا، كان لأنبياء البعل الكثير من الدين، وصنعوا الكثير من الجلبة بصلواتهم وذبائحهم. ولكن كل ذلك ذهب بلا جدوى، لانه لم يكن مؤسساً على كلمة الله الحي.

وهكذا، في هذا اليوم العظيم، أمر النبي إيليا شعب إسرائيل أن يختاروا إما:
الرب إله إبراهيم وإسحق ويعقوب .. أو .. ديانة البعل الفارغة؛
الحق .. أو .. الكذب؛
طريق البر .. أو .. طريق الضلال؛
كلمة الله الأكيدة .. أو .. كلمات ديانة الإنسان الكاذبة.

لكن، عزيزي المستمع .. ما هي إجابتك الشخصية على سؤال إيليا: ‘‘حتى متى تعرج بين الفرقتين؟’’ حتى متى تعرج بين كلمة الله الحقيقية، والتقاليد الباطلة التي أسسها الإنسان؟ يقول الكتاب: ‘‘لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.’’ (مت 24:6) فنحن لا نستطيع المزج بين خدمة الرب الإله وخدمة ديانات فارغة. ‘‘فحتى متى تعرج بين الفرقتين؟’’

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله ننوي أن ندرس معاً قصة نبيٍّ أمضى ثلاثة أيام في بطن سمكة كبيرة. هل تعرف اسم هذا النبي؟ كونوا معنا في الحلقة القادمة لتسمتعوا معنا بتلك القصة المدهشة ..

وليبارككم الله وأنتم تتأملون في ما قاله النبي إيليا لشعب إسرائيل، عندما قال لهم:
‘‘حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الله، فاتبعوه.’’ (1مل 21:18)

ـــــــــــــــ
 

 الدرس الرابع والخمسون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية