4
كيف خلق الله العالم؟
تكوين 1
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم برنامج .. ‘‘طريق البر’’.
في حلقتنا السابقة ، قرأنا ما قد كتبه أنبياء الله عن الملائكة والشيطان. وتعلمنا
أن الله، في البدء، خلق الملايين من الأرواح، ودعاهم ‘‘ملائكة’’. ومن بين هؤلاء
الملائكة، كان هناك ملاكٌ أكثر ذكاءً وجمالاً من بقية الملائكة. وكان اسم هذا
الملاك ‘‘لوسيفر’’. إلا أنه جاء يومٌ، فيه أعطى لوسيفر المجد لنفسه في قلبه، وأظهر
الاحتقار لله، وأراد أن يحتل مكانه. وأيضاً، اختار الكثير من الملائكة أن يتبعوا
لوسيفر في خطيته. وهكذا، الله ـ الذي لا يطيق أن يتمرد أحد ضده ـ طرد لوسيفر
والملائكة الأشرار من محضره المقدس. ومن هنا، تغيَّر اسم لوسيفر إلى ‘‘الشيطان’’ ـ
الذي يعني ‘‘الخصم’’ أو ‘‘العدو’’. وبعد ما طرد الله الشيطان وملائكته، أعد لهم نار
جهنم التي لا تنطفئ. وسوف يأتي اليوم الذي يطرح فيه الله الشيطان وكل من تبعوه، في
هذه النار. إلا أن الشيطان لم يُطرَح بعد في النار. فهو في العالم، يسعى لخداع كل
من يستطيع أن يخدعه؛ كي ما يَهلَك أيضاً مثله.
واليوم ، نأتي إلى درسنا الرابع في كتب الأنبياء. وفي كتاب ‘‘التكوين’’ـ الذي هو
الكتاب الأول من التوراة، وفي الفصل الأول منه، وفي أول عددين، يقول الكتاب:
‘‘في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر
ظلمة’’ (تكوين 1:1،2).
في البدء، عندما خلق الله أولاً السموات والأرض، لم يكن هناك شيء حي على الأرض. كان
كل شيء خرب ومظلم. لم يكن هناك غير الشيطان و ملائكته. إلا أن الله خطط لخلق
الإنسان، ليكون له القدرة أن يعرف الله، ويحبه ويطيعه إلى الأبد . إلا أنه قبل أن
يخلق الله الإنسان، خطط الله لخلق عالمٍ جميلٍ حيث يستطيع الإنسان أن يعيش في
رفاهية حقيقية. ومن ثمَّ، سنرى اليوم كيف خلق الله العالم، وأعده للإنسان الذي خطط
لخلقه.
والآن، دعونا نبحث فيما يقوله الكتاب المقدس عن الكيفية التي خلق بها الله هذا
العالم. يقول الكتاب:
‘‘في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها’’ (خروج 11:12). والآن ،
تعالوا معاً لنفحص الفصل الأول من التوراة؛ لنرى ما الذي خلقه الله في الستة أيام
هذه:
فيما يخص اليوم الأول، يقول الكتاب:
‘‘وكان روح الله يرفُّ على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله
النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهاراً، والظلمة دعاها
ليلاً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً واحداً.’’ (تكوين2:1ـ5)
وهكذا، نرى أنه في اليوم الأول، أمر الله قائلاً: ‘‘ليكن نور في وسط الظلمة’’. أمر
الله الأرض، التي هي مثل كرة كبيرة وعظيمة في السموات، لتدور مرة حول نفسها كل
أربعٍ وعشرين ساعة. وذلك، هو السبب في أنه لدينا حوالي اثنتي عشرة ساعة من النهار،
ومثلها من الليل. يا له من شيء عظيم صنعه الله في اليوم الأول، بفصله النور عن
الظلمة.
وفي اليوم الثاني، يقول الكتاب :
‘‘وقال الله ليكن جَلَدٌ في وسط المياه. وليكن فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله
الجَلَد، وفصل بين المياه التي تحت الجَلَد، وبين المياه التي فوق الجَلَد. وكان
كذلك. ودعا الله الجَلَد سماءً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً ثانياً’’ (تكوين
6:1ـ8).
وهكذا، خلق الله في اليوم الثاني، السماء التي حول الأرض، والتي ندعوها
‘‘الأتموسفير’’ أو ‘‘الغلاف الجوي’’. وهذا الغلاف هو السماء التي تحيط بالأرض،
وتحتوي على الهواء الذي نتنفسه. هذا الغلاف الجوي نفسه، هو الذي يحمي كل إنسان وكل
شيء من حرارة الشمس، ومن كوارث أخرى كثيرة. وبدون هذه السماء الخاصة، التي خلقها
الله في اليوم الثاني، لما استطاع الإنسان أن يعيش على الأرض.
وفي اليوم الثالث، خلق الله المحيطات واليابسة والنباتات. استمع لما يقوله الكتاب :
‘‘وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد، ولتظهر اليابسة. وكان كذلك.
ودعا الله اليابسة أرضاً، ومجتمع المياه دعاه بحاراً. ورأى الله ذلك أنه حسن. وقال
الله لتنبت الأرض عشباً، وبقلاَ يبزر بزراً، وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره
فيه على الأرض. وكان كذلك. ورأى الله ذلك أنه حسنٌ. وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً
ثالثاً’’ (تكوين 9:1ـ11،13).
وهكذا، نرى أنه في اليوم الثالث، خلق الله المصمم العظيم، البحار والأنهار، ومعها
الآلاف من أنواع الأشجار والنباتات، كلٍّ بثمارها وبذورها. ويا لها من أنواع لذيذة
من الطعام، تلك التي خلقها الله، فقد خلق لنا: المانجو، والموز، وجوز الهند،
والبطيخ، والطماطم، والكرنب، والجزر، والأرز، والفول السوداني .. وغيرها وغيرها ..
آلاف من أنواع الطعام! وقال الله عن كل ما خلقه ‘‘أنه حسن!’’ فكل ما يصنعه ويعمله
الله هو حسنٌ ومدهشٌ وكامل! وقد رأينا آنفاً أن هناك شيئاً واحداً لا يستطيع الله
عمله. الله لا يستطيع أن يفعل ما هو سيئ أو رديء، وذلك لأن الله صالح!
ربما يسأل البعض قائلين:
..‘‘إن كان الله صالحاً حقاً، فلماذا نرى العالم مليئاً بالشر والحروب؟
.. أو لماذا لم يُنتج حقلي إنتاجاً وفيراً هذه السنة؟
.. أو لماذا ابني مريض؟
.. وإن كان الله صالحاً فعلاً، لماذا يخرج الشر من الإنسان؟’’
حقاً، إن كل هذه الأسئلة هامةٌ فعلاً، والكتاب المقدس يعطينا إجاباتٍ مقنعةً لها.
وهو الشيء الذي سنتعرض له في الدروس القادمة بإذن الله. أما بالنسبة لدرس اليوم،
فدعونا نضع في أذهاننا هذه الحقيقة الهامة:
أن الله صالح، وكنتيجة لذلك، كل شيء خلقه الله هو أيضاً صالح.
أصدقائي.. دعونا نتأمل للحظة في صلاح الله.
لقد سمعنا للتو كيف خلق الله الأشجار في اليوم الثالث. فهل تعرف لماذا خلق الله
الأشجار بكل ثمارها؟ وهل كان الله يحتاج إليها؟ وهل خلقها الله مليئة بثمارها
الجميلة ليشبع بها جوعه مثلاً؟ لا طبعاً! فالله الخالق لا يجوع أبداً، ولا يحتاج
إلى أي شيء! فلماذا إذاً خلق الله الشجر؟
يوضِّح لنا الكتاب المقدس أن الله في صلاحه خلق كل شيء من أجل الإنسان، الذي كان
يخطط لخلقه في اليوم السادس.
.. فهل تدرك صلاح الله؟
.. هل تستطيع أن تتذوق ثمرة من المانجو بنكهتها الجميلة، أو تشم زهرة برائحتها
الذكية، دون أن تدرك صلاح الله؟
.. هل تستطيع أن ترى شجرة، ولا تشكر ذاك الذي خلقها من أجلك؟
إن الحياة بلا شجر تصبح فظيعة! فلولا الشجر لما كان لدينا خشب للتدفئة، ولا خشب
لصناعة القوارب أو بناء البيوت. بدون الأشجار لما كان لدينا ظلٌّ نستريح فيه من
وطأة حرارة النهار، أو أوراق للشاي أو الدواء. بدون الأشجار لأصبحت الحياة مستحيلة.
وما الأشجار التي خلقها الله إلا واحدة من آلاف الأشياء الصالحة التي صنعها الله من
أجل سعادتنا. إن الله يريدنا أن ندرك صلاحه. هذا هو ما كتبه النبي داود في المزامير
قائلاً :
.. ‘‘ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب’’ (مز 8:34).
وفي اليوم الرابع، قال الله:
‘‘لتكن أنوار في جَلَد السماء لتفصل بين النهار والليل. وتكونُ لآياتٍ وأوقاتٍ
وأيامٍ
وسنينٍ’’ (تك14:1).
ولم يفعل الله أكثر من أنه أعطى أمره ، فوجدت الشمس والقمر والنجوم في السماء. وقال
الله كلمة أخرى، وبعدها بدأت الأرض في الدوران حول الشمس. وقال الله كلمة ثالثة،
وبعدها بدأ القمر يدور حول الأرض.
ما الذي استخدمه الله ليخلق كل شيء في العالم؟ ما الذي يقوله الكتاب؟ يقول الكتاب:
‘‘إن العالمين أُتقِنَت (أي كُوِّنَت أو خُلِقَت) بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يُرى
مما هو ظاهر.’’ (عب 4:11) ويقول أيضاً: ‘‘في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند
الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن
شيء مما كان.’’ (يو 1:1ـ3)
لقد قرأنا سابقاً أن كل ما فعله الله في اليوم الأول هو أنه تكلم ببساطة، وقال:
‘‘ليكن نور’’، وكان نور. وفي اليوم الثاني، تكلم الله وقال: ‘‘ليكن جَلَد’’، فكان
جَلَد. وفي اليوم الثالث ، تكلم الله مرةً أخرى ، وما قاله أتى إلى الوجود ..
وهكذا!
وبالتالي الآن، ما الذي استخدمه الله ليخلق كل ما في العالم؟ الإجابة هي: لم يستخدم
الله أي شيء إلا .. كلمته ! كل ما فعله هو أنه .. تكلم ، وما تكلمه حدث ، ودخل إلى
حيِّز الوجود. لقد خلق الله كل شيء بكلمته.
ويعلمنا الكتاب أن الله لم يخلق فقط كل شيء بكلمته، بل أنه أيضاً يصون ما خلقه
ويحميه ويبقيه في نظامه وطبيعته بكلمة قدرته (أي كلمته القادرة القوية). فإنه بكلمة
الله القوية يبقى القمر والنجوم في أماكنهم المعيَّنة في السماء. وبأمر الله تشرق
الشمس وتغرب في مواقيتها. فقط، تخيل كيف تكون حياتنا صعبة إذا كنا لا نستطيع أن
نعرف هل ستشرق الشمس غداً أم لا! يقول الكتاب: ‘‘الله أمين’’ (1كو 9:1)، ويمكن
الاتكال والاعتماد عليه. فهو لا يرجع في كلمته، ولا ينقضها. ‘‘كلمة الرب تثبت إلى
الأبد.’’ ((ابط 25:1)
وفي اليوم الخامس، خلق الله الآلاف والآلاف من أنواع الأسماك والطيور. يقول الكتاب:
‘‘ وقال الله لتفِض المياه زحافات ذات نفسٍ حية، وليطر طيرٌ فوق الأرض على وجه
جَلَد السماء. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحيَّة الدبَّابة التي
فاضت بها المياه كأجناسها، وكل طائر ذي جناح كجنسه. ورأى الله ذلك أنه حسن. وباركها
الله قائلاً: ‘‘أثمري واكثري واملإي المياه في البحار، وليكثر الطير على الأرض.
وكان مساءٌ، وكان صباحٌ يوماً خامساً’’ (تك 20:1ـ23).
أما عن اليوم السادس، فيخبرنا الكتاب المقدَّس أن الله خلق فيه الحيوانات والإنسان.
ويؤسفنا أنه ليس لدينا وقتٌ اليوم لنشرح فيه هذا الحدث الهام. ولكن في الحلقة
القادمة، إن شاء الله، سنبحث بدقَّة ما قاله الكتاب المقدَّس عن كيفية خلق الله
للإنسان الأول، ولماذا خلقه.
عزيزي المستمع ..
تأملنا اليوم في صلاح الله، وقرأنا ما كتبه نبي الله داود قائلاً: ‘‘ذوقوا وانظروا
ما أطيب الرب !’’ فهل ذقت حقاً صلاح الله ؟ فكل يوم، نذوق ونأكل أطعمة مختلفة مما
خلقه الله لنا، ولكن هل ذقنا حقاً صلاح الله وأدركناه؟ إن كنت تريد حقاً أن تذوق
صلاح الله فعليك أن تنصت إلى كلمة الله وتصدِّقها.
يقول الكتاب المقدَّس:
‘‘ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.’’ (متى 4:4)
في درسنا القادم، سنكتشف أن الإنسان ليس مجرَّد جسد، بل له أيضاً نفس. ولابد
لنفوسنا أن تتغذَّى على كلمات الله. إن كلمة الله صالحة جداً وعجيبة، ولا تقارن
بغيرها ، ولكن ينبغي أن يكون لدينا جوعٌ لها. هل تجوع نفسك لمعرفة الله وكلمته
الأبدية، كجوع معدتك إلى الطعام؟ إن كنت تجوع إلى كلمة الله بهذه الصورة، فستكتشف
الحق الذي يمكنه أن يعطيك السلام الكامل مع الله هنا على الأرض، ويعطيك ميراثاً لا
يفسد في السماء! نحن نعلم أن هذا حقيقي، لأن الله نفسه يعد به، عندما يقول:
‘‘طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم سيُشبَعون’’ (مت 6:5) ..آمين.
أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على حسن استماعكم. ونشجعكم أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة كي ما نرى كيف
خلق الله أول إنسان، والأهم هو أن نرى لماذا خلقه ..
فليباركم الله ، ويجعلكم تتذكرون دائماً دعوته العجيبة لكم ..
.. ‘‘ذوقوا وانظروا .. ما أطيب الرب’’ (مز 8:34).
ــــــــــــــ
الدرس الخامس | فهرس دراسات
طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية |