46
صموئيل وشاول وداود

صموئيل الأول 1-16
ومزامير 8،23

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، رأينا كيف كانت الحقبة الزمنية التي تلت النبي يشوع، حقبةً مظلمةً وفاسدة، في تاريخ شعب إسرائيل. ولكن حتى في هذه الحقبة المظلمة، شاهدنا نور أمانة الله. فالرب لم ينسَ ما وعد به إبراهيم ونسله، فيما يختص بالمخلِّص الذي كان سيأتي من شعب إسرائيل.

وهكذا، رأينا كيف كان الله يعمل في حياة امرأة تدعى ‘‘راعوث’’. لم تكن راعوث امراةً إسرائيلية، ولكنها آمنت بإله إسرائيل من كل قلبها. وفيما تحول الكثيرون من شعب إسرائيل عن الله ليتبعوا ديانات الأمم المحيطة بهم، اختارت راعوث أن تتحول عن ديانة أبيها لتتبع إله إسرائيل. ورحلت راعوث إلى أرض إسرائيل، واستقرت في مدينة بيت لحم، حيث تزوجت من رجلٍ إسرائيليٍّ يدعى ‘‘بوعز’’. وأنجب بوعز وراعوث ابناً أسمياه ‘‘عوبيد’’، وأنجب عوبيد ‘‘يسَّى’’، الذي صار فيما بعد أباً للنبي ‘‘داود’’. وهكذا، كانت خطة الله ليخلِّص نسل آدم من خطاياهم، تتقدم للأمام. لأنه من نسل داود، كان ينبغي أن يأتي الفادي المخلِّص إلى العالم. وفي بيت لحم، مدينة داود، كان الفادي سيولد. وفي الدروس المقبلة، سنرى كيف تنبأ أنبياء الله عن كل هذه الأمور، وكيف تمَّم الفادي هذه النبوات بعد ذلك بمئات السنين. فلا يمكن أن يفعل ذلك إلا الله نفسه!
إن النبي داود، هو نبيٌ بارز جداً في الكتاب المقدس. واسمه يُذكَر فيها أكثر من ألف مرة. فما الذي تعرفه عن النبي داود؟ ربما تعرف أن داود هو الشاب الصغير الذي هزم جليات العملاق، بمقلاع وحجر. وربما تعرف أيضاً أن داود كان ملكاً عظيماً في إسرائيل. وهو النبي الذي كتب معظم سفر المزامير (أي الزابور). فإن كنت تعرف هذه الأمور، فهذا عظيم، إلا أن معرفتنا بداود ينبغي ألا تنتهي عند هذا الحد. وإن كنت تعرف أن داود كان ملكاً عظيماً، لكنك لا تعرف ما الذي جعله عظيماً، فما هو نفع مثل هذه المعرفة؟ وإن كنت تعرف أن داود هو من كتب كلمة الله في المزامير، ولكنك لا تعرف ما كتبه، فما هو نفع ذلك لك؟

أصدقائي المستمعين ..
لو أردتم أن تستزيدوا معرفة عن النبي داود، وتقرأوا بعضاً من كلماته الرائعة والقوية التي كتبها في المزامير، ندعوكم أن تشاركونا في دراستنا اليوم والحلقات الخمس القادمة.

أصدقائي المستمعين ..
هل تعرفون اسم نبي الله الذي جاء قبل النبي داود؟ إنه النبي ‘‘صموئيل’’. لقد اختار الله صموئيل كيما يرد شعب إسرائيل إلى الله إلههم، لأن قلوبهم كانت مبتعدة عن الله بعيداً جداً. واليوم، سنقرأ من سفر صموئيل. وهذا السفر المقدس هو سفر مهم من أسفار كتابات الأنبياء، لأنه يحتوي على قصص قيِّمة من حياة النبي صموئيل، وأول ثلاثة ملوك لإسرائيل: شاول، وداود، وسليمان. وكما رأينا مسبقاً، أن الله أعطى شعب إسرائيل قادة مثل موسى ويشوع وصموئيل، ليرشدوهم ويقضوا لهم. إلا أن الرب الإله الذي خلَّصهم من العبودية في مصر، كان هو ‘‘ملكهم الشرعي’’. إن الله، الذي أمر بني إسرائيل أن يصنعوا له خيمةً خاصةً كيما يستطيع أن يسكن بمجده في وسطهم، أراد أن يكون حاكمهم. وكان عليهم أن يطيعوه ويتبعوه وحده. إلا أن معظم شعب إسرائيل لم يكن راضياً أن يتَّخذوا الله وحسب مَلِكاً لهم. لقد أرادوا أن يكونوا مثل جميع أمم العالم، فيكون لهم ابناً لآدم ليحكمهم كملك!

وفي الأصحاح الثامن من صموئيل الأول، يقول الكتاب:
‘‘فاجتمع كل شيوخ إسرائيل، وجاءُوا إلى صموئيلَ إلى الرامةِ. وقالوا له: هو ذا أنت قد شِخت، وابناك لم يسيرا في طريقك. فالآن اجعل لنا مَلِكاً يقضي لنا كسائر الشُّعوب. فساءَ الأمر في عيني صموئيل، إذ قالوا أعطنا مَلِكاً يقضي لنا. وصلَّى صموئيل إلى الرب. فقال الرب لصموئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك. لأنَّهم لم يرفضوك أنت، بل إيَّاي رفضوا، حتَّى لا أملك عليهِم. حسب كل أعمالهم الَّتي عملوا من يوم أصعدتهم من مصر إلى هذا اليوم وتركوني وعبدوا آلهةً أخرى، هكذا هم عاملون بك أيضاً. فالآن اسمع لصوتهم. ولكن أشهِدَنَّ عليهم، وأخبرهم بقضاءِ المَلِك الذي يملِكُ عليهم.’’ (1صم 4:8-9)

وهكذا، أمر الله صموئيل أن يعطي الشعب ما أراد، وأن يعيِّن له ملكاً. ولم يكن الرب يرغب أن يكون هناك ملكاً آخر بجانبه، ولكن حيث كان الشعب يرفض مُلْك الله عليه، لم يكن الله ليقبل أن يملك على الشعب بالقوة. وفي الأصحاح التالي، نرى كيف عيَّن صموئيل لشعب إسرائيل رجلاً يدعى ‘‘شاول’’، كملك. ويقول الكتاب:
‘‘فأخذ صموئيل قنينة الدهن، وصب على رأس شاول.’’ (1صم 1:10)
وهذا هو ما كان بنو إسرائيل يفعلونه كلما عيَّنوا أحداً في منصب. فقد كانوا يصبُّون زيتاً على رأس النبي أو الكاهن أو الملك، ليعينوه. وبعد أن صب صموئيل الزيت على رأس شاول، قال لكل الشعب: ‘‘أرأيتم الذي اختاره الرب؟ إنَّه ليس مثله في جميع الشعب. فهتف كل الشعبَ وقالوا: ليحيَ الملك.’’ (1صم 24:10)

وفي أول الأمر، فرح الشعب فرحاً عظيماً بملكهم شاول. فلقد كان شاول قوياً شجاعاً، وشاباً وسيماً، وأطول من جميع أبناء شعب إسرائيل. ومن حيث المظهر الخارجي، كان من المفروض أن يكون شاول ملكاً ممتازاً. إلا أن الله لا يقيِّم الأمور كما يفعل الإنسان. فالإنسان ينظر إلى المظهر الخارجي، أما الرب فينظر إلى القلب. لقد بدأ شاول بداية جيدة، ولكن، مع مرور الوقت، أصبح متكبراً ومغروراً وحسوداً. لقد كان شاول يكرم الله بشفتيه، أما قلبه فكان بعيداً عن الله. فلم يكن شاول يحترم كلمة الله، ولا يطيعها. لقد كان يفعل ما يريده هو، لا ما يريده الله منه.

وهكذا، يخبرنا الكتاب أن بعد ما عُيِّن شاول ملكاً بعدة سنوات:
‘‘كان كلام الربِّ إلى صموئيل قائلاً: نَدِمتُ على أنّي قد جعلت شاول ملكاً، لأنه رجع من ورائي ولم يُقِم كلامي. فاغتاظ صموئيل، وصرخ إلى الرب الليل كلَّه. فبكَّر صموئيل للقاء شاول صباحاً .. ولما جاء صموئيل إلى شاول، قال له شاول: مُباركٌ أنت للرب؛ قد أقمتُ كلام الرب. .. فقال صموئيل: هل مسرَّةُ الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هو ذا الاستماع أفضل من الذبيحةِ، والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد كخطَّيةِ العرافةِ، والعناد كالوثنِ والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب، رَفَضَكَ من المُلكِ.’’ (1صم 10:15-23)

وهكذا، أخبر صموئيل شاول أن المملكة ستؤخذ منه، وتعطَى لآخر. وفي الأصحاح التالي، يقول الكتاب:
‘‘فقال الرب لصموئيل: حتى متى تنوحُ على شاول، وأنا قد رفضتُهُ عن أن يملك على إسرائيل. املأ قرنك دهناً، وتعال أرسلك إلى يسَّى البيتلحميِّ، لأنّي قد رأيت لي في بنيه مَلِكاً. فقال صموئيل: كيف أذهب؛ إن سمع شاول، يقتلني. فقال الرب: خذ بيدك عِجلةً من البقر، وقل: قد جئت لأذبح للرَّبِّ. وادعُ يسَّى إلى الذبيحة، وأنا أُعلِّمك ماذا تصنع، وامسح لي الذي أقولُ لك عنه. ففعل صموئيل كما تكلَّمَ الرب، وجاء إلى بيت لحمٍ. فارتعد شيوخ المدينةٍ عند استقباله، وقالوا: أسلامٌ مجيئُكَ؟ فقال: سلامٌ. قد جئت لأذبح للرب. تقدسوا وتعالوا معي إلى الذبيحةِ. وقدَّس يسَّى وبنيه، ودعاهم إلى الذبيحةِ. وكان لما جاءُوا، أنَّه رأى أليآب، فقال إن أمام الرب مسيحَهُ. فقال الرب لصموئيل: لا تنظر إلى منظره وطول قامته، لأنّي قد رفضتُهُ. لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأنَّ الإنسان ينظرُ إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظرُ إلى القلب. فدعا يسَّى أبيناداب، وعبَّره أمام صموئيل. فقال: وهذا أيضاً لم يختره الرب. وعبَّر يسَّى شمَّه. فقال: وهذا أيضاً لم يختره الرب. وعبَّر يسَّى بنيه السبعةَ أمام صموئيل. فقال ليسَّى: الرب لم يختر هؤلاءِ. وقال صموئيل ليسَّى: هل كملوا الغلمان؟ فقال: بقي بعد الصغيرُ، وهوذا يرعى الغنم. فقال صموئيل ليسَّى: أرسل وأتِ به. لأننا لا نجلس حتى يأتي إلى ههنا. فأرسل وأتى به. وكان أشقر مع حلاوةِ العينين وحسن المنظر. فقال الرب: قم امسحهُ لأنَّ هذا هو. فأخذ صموئيل قرن الدهن، ومسحهُ في وسط إخوتهِ. وحل روحُ الرب على داود من ذلك اليوم فصاعداً.’’ (1صم 1:16-13)

وهكذا، نرى كيف عين الله داود ليكون ملكاً على إسرائيل، بعد شاول. ولكن ينبغي أن نفهم أن داود لم يصبح ملكاً على إسرائيل في ذلك اليوم. إذ لم كان داود إلا شاباً، ولم يكن قد جاء بعد الوقت المحدد من الله، ليملك داود على الشعب. ففي الواقع، كان على داود أن ينتظر عشر سنوات كيما يعتلي عرش مملكة إسرائيل.

ومن ثمَّ، عاد داود إلى الحقول المحيطة ببيت لحم، ليرعى غنم أبيه ويحرسه. وكان داود راعياً صالحاً وأميناً. ولم يكن يخاف شيئاً، لانه كان يثق في الرب. وعلى سبيل المثال، عندما كان داود يرعى غنم أبيه في يوم، خطف أسدٌ واحداً من الخراف. فذهب داود وراء الأسد، وضربه وأنقذ الخروف من فمه. وعندما حاول الأسد الهجوم عليه، أمسكه داود من شعره، وضربه وقتله. (1صم 35:17)

ولم يكن داود راعياً ممتازاً وحسب، بل وكان يجيد العزف على القيثارة، والغناء أيضاً. لقد ألهم روح الله داود أن يؤلف العديد من الترانيم، وأن يكتبها في كتاب المزامير (الزابور). آه، كم أحب داود الرب وكلمته!

ونود أن نختم برنامجنا اليوم ببعض المقتطفات من مزامير داود. دعونا نحاول أن نتخيل داود وهو بين الغنم في الحقول الخضراء اليانعة، يعزف قيثارته، ويسبح الله بتسابيح الشكر التي ألهمها إياه روح الله. اسمعوا معي ما يقول:
‘‘أيها الرّب سيدُّنا، ما أمجد اسمك في كلِّ الأرض! .. إذ أرى سمواتك عمل أصابعكَ القمرَ والنُّجوم الَّتي كونتها. فمن الإنسان حتى تذكرهُ، وابن آدم حتى تفتقدهُ، وتنقصه قليلاً عن الملائكةِ، وبمجدٍ وبهاءٍ تكلّلُهُ؟ .. أيها الرب سيدنا، ما أمجد اسمك في كلِّ الأرض.’’ (مز 1:8 ،3-5،9)
‘‘سراجُ لرِجلي كلامُك ونورٌ لسبلي. خبأت كلامك في قلبي، لكيلا أُخطئَ إليكَ!’’ (مز 105:119، 11)
‘‘ناموس الرب كاملُ، يردُّ النَّفس. شهادات الرب صادقةٌ، تُصَيّرُ الجاهلَ حكيماً. وصايا الرب مستقيمةٌ، تُفَرِّحُ القلبَ. أمر الرب طاهرٌ، ينير العينين. خوفُ الرب نقيٌّ، ثابت إلى الأبد. أحكام الرب حقٌ، عادلةٌ كلُّها. أشهى من الذهب والإبريزِ الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشِّهادِ. أيضاً عبدك يُحذَّرُ بها، وفي حفظِها ثوابٌ عظيمٌ.’’ (مز 7:19-11)
‘‘الرب راعيَّ فلا يعوزني شيءٌ. في مراعٍ خضرٍ يربضني. إلى مياه الراحةِ يورِدُني. يرُدُّ تفسي. يهديني إلى سُبُل البر من أجل اسمه. أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شراً، لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يعزيانني. ترتب قدامي مائدةً تجاهَ مضايقيَّ. مسحت بالدهن رأسي، كأسي ريا. إنما خيرٌ ورحمةٌ يتبعانني كل أيام حياتي، وأسكن في بيت الرَّبِّ إلى مدى الأيام.’’ (مز23) آمين!

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. في حلقتنا القادمة بإذن الله، ننوي أن نكمل معكم قصة داود، ونرى كيف كان الله معه عندما واجه جليات العملاق ..

فليبارككم الله وأنتم تتأملون فيما قاله الله لصموئيل:
‘‘لأنَّ الإنسان ينظرُ إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظرُ إلى القلب.’’ (1صم7:16)

ــــــــــــ

 

 الدرس السابع والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية