44
يشوع وأرض كنعان

سفر يشوع

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، انتهينا من دراستنا في توراة موسى، الذي هو أول كتاب في كتب الأنبياء. وفي التوراة المقدس، تعلمنا كيف دخلت الخطية العالم، وأحضرت معها لعنة. إلا أننا رأينا أيضاً كيف وعد الله، في خطته الرائعة، أن يرسل إلى العالم مخلِّصاً، يفدي نسل آدم من اللعنة التي أحضرتها الخطية. ولكي يتقدم الله في تنفيذ خطته الخاصة بإرسال مخلِّص إلى العالم، دعا الله إبراهيم ليترك بيت أبيه وموطنه، ويرحل إلى أرض كنعان البعيدة. لقد خطط الله أن يجعل من إبراهيم أمة جديدة يأتي من نسلها المخلِّص. وبعد وصول إبراهيم إلى أرض كنعان، ظهر الله له مرة ثانية، ووعده قائلاً: ‘‘وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً!’’ (تك8:17) واليوم، سنرى كيف تمَّم الله ما وعد به إبراهيم منذ زمن بعيد، وسلَّم أرض كنعان في يد نسل إبراهيم، أي بني إسرائيل. وكنعان، هي الأرض التي تدعى اليوم ‘‘إسرائيل’’.

وفي الحلقة السابقة، سمعنا في الأصحاح الأخير من التوراة، كيف مات موسى فوق الجبل المطل على أرض كنعان. وبعد ما مات موسى، أصبح مساعده ‘‘يشوع’’ القائد الجديد، أو بمعنى آخر: ‘‘ورث منه كل حِمْل القيادة’’. لقد عيَّن الله يشوع ليحل محل موسى. ولقد رأينا يشوع عدة مرات من قبل. والميزة الرئيسية في يشوع، هي أنه صدَّق كل ما وعد به الله، حتى عندما لم يصدِّق معظم بني إسرائيل ذلك. كان يشوع واحداً من الجاسوسين اللذين صدقا الله عند وصول بني إسرائيل عند حدود أرض كنعان في المرة الأولى. وكان بنو إسرائيل على استعداد أن يرجموه بالحجارة ويقتلوه، لمجرد أنه شجعهم أن يصدقوا الرب ويمتلكوا أرض كنعان. واليوم، سنرى أن يشوع هذا نفسه، الذي رفضه بنو إسرائيل من أربعين سنة مضت، كان هو نفس الشخص بالتحديد، الذي اختاره الله، ليكون القائد الذي يدخلهم أرض كنعان!

إن سفر يشوع الذي نقرأه اليوم، نجده في الكتاب المقدس بين التوراة والمزامير (أي الزابور). ويحكي لنا سفر يشوع مرة أخرى، كيف تمم الله ما كان قد وعد به إبراهيم منذ زمن بعيد، عندما قال: ‘‘وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً!’’ (تك8:17)

وعند هذه النقطة من دراستنا التاريخية، لم يكن لبني إسرائيل أرضاً ملكهم. كانوا لا يزالوا يتجولون في البرية. والأكثر من ذلك، هو أن أرض كنعان التي كانوا سيعيشون فيها، كانت مليئة بالعمالقة الذين كانوا محاربين جبابرة. إلا أن الله الجبار خطط أن يطرد سكان كنعان ويبيدهم، بسبب خطاياهم الكثيرة المنفِّرة، ويعهد بهذه الأرض الغنية لشعب إسرائيل.

والآن، دعونا نرى كيف دخل يشوع وبنو إسرائيل الأرض، وفتحوها وامتلكوها. يقول الأصحاح الأول من سفر يشوع:
‘‘وكان بعد موت موسى، عبد الرب، أنَّ الرَّبَّ كلَّم يشوع بن نونٍ خادم موسى قائلاً: موسى عبدي قد مات. فالآن، قم اعبر هذا الأردن، أنت وكلُّ هذا الشعب، إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل. كل موضعٍ تدوسه بطون أقدامكم، لكم أعطيته، كما كلمت موسى. من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير .. يكون تخمكمْ. لا يقف إنسانٌ في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى، أكون معك. لا أهملك ولا أتركك. تشدَّد وتشجَّع. لأنك أنت تقسِّم لهذا الشَّعب الأرض التي حَلَفتُ لآبائهم أن أعطيهم.’’ (يش1:1-6)
‘‘أما أمرتُك؟ تشدَّد وتشجَّع. لاترهب ولاترتعب، لأن إلهك معك حيثما تذهب. فأمر يشوع عُرَفاء الشعب قائلاً: جوزوا في وسط المحلة وأمُروا الشعب قائلين: هيّئوا لأنفسكم زاداً، لأنكم بعد ثلاثة أيام تعبرون الأرض هذه، لكي تدخلوا فتمتلكوا الأرض التي يعطيكم الرّب إلهكم لتمتلكوها.’’ (يش9:1-11)


وبعد ذلك، يحكي لنا الكتاب كيف أرسل يشوع جاسوسين، قائلاً لهما: ‘‘اذهبا انظرا الأرض وأريحا’’. وذهب الجاسوسان، وتفحصا مدينة أريحا وأسوارها الحصينة المرتفعة التي كانت تحيط بها. وفي الليل، اختبأ الجاسوسان في أريحا، واضطجعا في بيت امرأة زانية اسمها ‘‘راحاب’’. إلا أن بعضاً من أهل أريحا شاهدوا الجاسوسين الإسرائيليين يدخلان بيت راحاب. فأخبرا الملك على الفور، قائلين له: ‘‘هوذا قد دخل رجلان من بني إسرائيل إلى المدينة لكي يتجسسا الأرض’’. فأرسل الملك جنوداً إلى بيت راحاب ليقبض عليهما، لكن راحاب خبأتهما على السطح.

وبعد أن غادر الجنود البيت، نادت راحاب على الجاسوسين، وقالت لهما: ‘‘أعلم أن الرب إلهكم هو الإله الحقيقي. وأعلم أيضاً أن إلهكم سيدفع في أيديكم مدينتي وكل أرض كنعان. كل أهل الأرض خائفون منكم خوفاً عظيماً، لأنهم سمعوا كيف شق الله البحر الأحمر أمامكم، وكيف أباد كل أعداءكم. إني أؤمن أن الرب إلهكم هو الإله الحقيقي! ولهذا، أطلب منكم أنكم عندما تأتون وتفتحون مدينتنا، أن تحمونني وبيتي، وتخلصوننا من الموت!’’ فأجابها الجاسوسان قائلين: ‘‘عندما يدفع الله مدينتكم في أيدينا سنحميكِ وكل من معكِ في بيتك’’.

وفي الأصحاح الثالث، يقص الكتاب مرة أخرى كيف احتاج بنو إسرائيل أن يعبروا نهر الأردن ليدخلوا أرض كنعان، لكن النهر كان عميقاً وواسعاً. فكيف يمكن لشعب، يصل تعداده إلى المليونين أو الثلاثة ملايين، أن يعبر هذا النهر الواسع؟ إن هذا السؤال لمن السهل الإجابة عليه، لأن الرب الإله القدير الذي فتح لهم طريقاً في البحر الأحمر، لم يتغير! لقد فتح الله مرة أخرى طريقاً لشعب إسرائيل، ولكنه كان في هذه المرة، عبر نهر الأردن. وهكذا، عبروا في وسط المياه على أرض جافة. لقد عبر كل بني إسرائيل النهر، ووصلوا بذلك أمام مدينة أريحا العظيمة. وكان أهل أريحا قد أغلقوا أبواب المدينة. فلا أحد كان يمكنه أن يدخل المدينة، أو يخرج منها.

وفي الأصحاح الخامس، يخبرنا الكتاب أنه عندما كان يشوع بالقرب من أريحا، رفع عينيه، فرأى رجلاً واقفاً أمامه وسيفه مسلولٌ بيده. فسأله يشوع قائلاً: ‘‘هل لنا أنت، أو لأعدائنا؟’’ فأجابه الرجل: ‘‘كلا، بل أنا رئيس جند الرب!’’ فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض. فقال رئيس جند الرب ليشوع: ‘‘اخلع نعلك من رجلك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه، هو مقدسٌ’’. ففعل يشوع كذلك.
أصدقائي المستمعين ..
هل تعلمون من هو الذي كان يتحدث إلى يشوع؟ لقد كان الرب نفسه هو الذي يتكلم، في ظهور خاطف! ولقد رأينا مسبقاً، كيف ظهر الله لإبراهيم كرجل، وتكلم معه. وكيف ظهر لموسى في لهيب عليقة مشتعلة. والآن نراه يظهر ليشوع كرئيس جندٍ يحمل سيفاً!

وهكذا، قال الرب ليشوع:
‘‘انظر. قد دفعت بيدك أريحا ومَلِكَهَا جبابرةَ البأس. تدورون مع جميع رجال الحرب حول المدينة مرَّةً واحدةً. هكذا تفعلون ستة أيام. وسبعةُ كهنةٍ يحملون أبواق الهتاف السبعةَ، أمام التابوت. وفي اليوم السابع، تدورون حول المدينة سبع مراتٍ، والكهنةُ يضربون بالأبواق. ويكون عند امتداد صوت قرن الهتاف، عند استماعكم صوت البوق، أن جميع الشعب يهتف هتافاً عظيماً، فيسقط سور المدينة في مكانه، ويصعد الشعب، كل رجلٍ مع وجهه (أي في اتجاهه)’’ (يش2:6-5)

وأنهى الرب كلامه مع يشوع، واختفى.

وذهب يشوع على الفور إلى بني إسرائيل وأخبرهم بكل ما أمره به الرب. ثم أمرهم يشوع أن يأخذوا تابوت العهد، ويدوروا به حول المدينة مرة واحدة. ولكنه أمرهم قائلاً: ‘‘لا تنطقوا بكلمة واحدة حتى اليوم الذي أعطيكم فيه الأمر أن تهتفوا. وعندئذ يمكنكم الهتاف’’. وبعد ما داروا حول المدينة مرةً واحدةْ، عادوا إلى المخيم، وقضوا الليل هناك. وفي اليوم الثاني، داروا حول المدينة مرةً واحدةْ، ثم عادوا إلى المخيم. وهذا هو ما ظلوا يفعلوه في الستة الأيام الأولى.

ولكن في فجر اليوم السابع، نهضوا وداروا حول المدينة سبع مرات. وبعد ما أكملوا الدورة السابعة، ضرب الكهنة بالأبواق. وعندئذٍ، أمر يشوع الشعب قائلاً: ‘‘اهتفوا، لأن الرب قد أعطاكم المدينة!’’ (يش 16:6)

وكان أنه عندما سمع الشعب صوت الأبواق، أنهم هتفوا هتافاً عظيماً، فسقطت الأسوار التي كانت تحيط بأريحا! فصعد الشعب، ودخل الرجال المدينة، كل رجل في اتجاهه. وهكذا نرى، كيف فتح يشوع والشعب أول مدينة في أرض كنعان. وفي ذلك اليوم، هلك كل أهل أريحا، فيما عدا راحاب وبيتها، تماماً كما وعدها الجاسوسين. فلم ينهار بيت راحاب، لأنها رجعت عن الأوثان، ووضعت كل ثقتها في إله إسرائيل.

ولكن، لماذا استطاع يشوع والشعب أن يفتحوا تلك المدينة الشديدة التحصين، ويدخلوا الأرض التي وعدهم بها الله؟ لقد استطاعوا أن يفتحوا تلك المدينة لأنهم صدقوا كلمة الله. فالله مع هؤلاء الذين يصدقون كلمته.
ولماذا لم تهلك راحاب مع أهل أريحا، عندما سقطت المدينة؟ لقد عاشت راحاب ولم تهلك، لأنها لم تتوقف عند مجرد التعجب من قوة الله، ولكنها صدقت الله لدرجة الوقوف في صف شعب الله. ذلك هو ما يعلنه الكتاب المقدس عندما يقول:
‘‘بالإيمان سقطت أسوار أريحا، بعد ما طِيفَ حولها سبعةَ أيامٍ. بالإيمان راحاب الزانية لم تهلِك مع العصاةِ، إذ قبلت الجاسوسين بسلامٍ .. ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجودٌ، وأنه يجازي الذين يطلبونهُ.’’ (يش30:11 ،31 ،6)

ولَكَمْ نتمنى أن نشارك معكم المزيد من قصص سفر يشوع، إلا أن الوقت لا يسعنا أن نفعل ذلك. ولكن باختصار، علينا أن نعرف أن هذا الكتاب يصف بالتفصيل كيف كان الله مع يشوع وشعب إسرائيل، وكيف دفع في أيديهم أرض كنعان، مدينةً بمدينة، تماماً كما وعد. وهكذا، يقول الكتاب في الأصحاح الواحد والعشرين:
‘‘أعطى الرّب إسرائيل جميع الأرض! .. أراحهم الرّب من حواليهم! .. دفع الرّب جميع أعدائهم بأيديهم!’’ (يش43:21 ،44)

أصدقائي المستمعين ..
هل تمم الله ما وعد به إبراهيم ونسله منذ زمن بعيد؟ هل أعطى الله أرض كنعان لشعب إسرائيل كما قال؟ نعم، لقد فعل! إن الله أمين، ويحفظ وعوده! كل ما يعد به، يفعله؛ حتى وإن ظن الإنسان أنه بطيء في ذلك. لقد كان الله يشتاق أن يكون منعماً وكريماً مع بني إسرائيل، ويعطيهم أرض كنعان الغنية، ولكنه كان ينتظرهم أن يثقوا به. وكما رأينا، لقد أضاع شعب إسرائيل سنيناً عديدة قبل أن يبدأوا في تصديق ما وعد به الله. فلم يرث آباؤهم بركات أرض كنعان، لأنهم لم يصدقوا وعود الله.

فماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
هل تصدق الله؟ ونحن لا نسألك هنا إن كنت تؤمن بوجود الله أو وحدانيته. فالشيطان نفسه يؤمن أن الله موجود، وأنه واحد!
فالسؤال الذي ينبغي أن تجيب عليه اليوم هو:
.. هل تصدق الله نفسه؟
.. هل تحبه؟
.. هل تثق في كلمته من كل قلبك؟
.. هل تعلم ما أعدّه الله من أجل كل من يصدقوه؟
.. هل تمتلك الحياة الأبدية والروح القدس اللذين يعطيهما الله لكل من يصدق خبره السار؟
إن معظم نسل آدم يؤمن أن الله موجود. إلا أنه للأسف، قليلون هم من يعرفون ويؤمنون بوعود الله العظيمة والثمينة.

أصدقائي المستمعين ..
إن الله يحبكم، ويريد أن يبارككم أكثر مما تتخيلون. ولكن، لابد عليكم من أن تعرفوا كلمته، وتصدقوها وتقبلوها! الشيء الذي بخصوصه يعلن الكتاب قائلاً:
‘‘ما لم تر عينٌ، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بال إنسانٍ، ما أعدُّه الله للذين يحبُّونهُ’’ (1كو9:2) ويقول أيضاً: ‘‘ لا تكونوا متباطئين، بل متمثلين بالذين بالإيمان والأناة، يرثون المواعيد.’’ (عب12:6)

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وليبارككم الله وأنتم تتأملون في كلمة الله التي تنصحنا قائلة:
‘‘ لا تكونوا متباطئين، بل متمثلين بالذين بالإيمان والأناة، يرثون المواعيد.’’ (عب12:6)
ــــــــــــــ
 

 الدرس الخامس والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية