36
جبل سـيناء المشتعل
 

خروج 19-20
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقتنا السابقة، كيف اعتنى الله بأسباط اسرائيل في البرية الجرداء، وأعطاهم طعاماً من السماء، كيما لا يموتون جوعاً. ورأينا أيضاً، كيف أغضب بنو إسرائيل الله مرةً بعد الأخرى، بسبب عدم إيمانهم وعدم أمانتهم.

واليوم، سنرى كيف ظهر الله لشعب إسرائيل في البرية، وأعطاهم ناموسه المقدس. ومازلنا نقرأ اليوم من التوراة، من سفر الخروج، والأصحاح التاسع عشر. ويبدأ الأصحاح هكذا: ‘‘في الشهر الثالث بعد خروج بني إسرائيل من أرض مصر، في ذلك اليوم، جاءوا إلى برية سيناء.’’ (خر 1:19)

أين كان موسى والشعب في هذه اللحظة من رحلتهم في البرية؟ لقد كانوا قد أتوا إلى جبل سيناء. فهل تتذكر أين كان موسى عندما دعاه الله أول مرة، وكلمه من العليقة المشتعلة التي لا تحترق؟ لقد كان ذلك على نفس الجبل، جبل سيناء. هل تتذكر هذه القصة؟ لقد سمعنا معاً كيف تكلم الله مع موسى على جبل سيناء قائلاً:
‘‘إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم .. فنزلت لأنقذهم .. فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون .. إني أكون معك. وهذه تكون لك العلامة أنّي أرسلتك. حينما تُخرِجُ الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل.’’ (خر 7:3 ،8 ،10 ،12)
فهل نفَّذ الله ما وعد به موسى؟ نعم بكل تأكيد! أين نرى موسى في قراءتنا في التوراة اليوم؟ إننا نرى موسى مع جموع شعب إسرائيل عند سفح جبل سيناء، تماماً كما وعد الله موسى منذ أربعين سنة مضت، عندما تكلم الله معه من العليقة المشتعلة قائلاً: ‘‘حينما تُخرِجُ الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل.’’

والآن، دعونا نستمر في قراءتنا، لنرى كيف ظهر الله لموسى مرةً ثانية، وتكلم مع كل شعب إسرائيل عند جبل سيناء. تقول كلمة الله:
‘‘وأما موسى فصعد إلى الله. فناداه الرب من الجبل قائلاً: هكذا تقول لبيت يعقوب، وتُخبر بني إسرائيل. أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين. وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليَّ. فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي، تكونون لي خاصةً من بين جميع الشعوب. فإن لي كلَّ الأرض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنةٍ وأمةً مقدسةً. هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل. فجاء موسى، ودعا شيوخ الشعب، ووضع قدامهم كل هذه الكلمات التي أوصاه بها الرب. فأجاب جميع الشعب معاً وقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل.’’ (خر 3:19-8)

هل سمعت كيف أجاب الشعب الله؟ لقد قالوا: ‘‘كل ما تكلم به الرب نفعل.’’ فهل كان ما قالوه حقيقياً. هل استطاعوا أن يحفظوا كل وصايا الله؟ لقد عرف الله جيداً أنهم لن يستطيعوا أن يحفظوا كل ما أوصاهم به. فما أراده الله في الحقيقة هو أن يدركوا عدم قدرتهم على إرضاء الله، ويعترفوا بطبيعتهم الخاطئة أمامه، ويؤمنوا بالخبر السار عن الفادي الذي سيأتي إلى العالم ليفدي الخطاة. لقد غفر الله خطية آبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب، بناءً على إيمانهم بوعوده. لقد أراد الله أن يغفر خطية شعب إسرائيل بناءً على إيمانهم وحده أيضاً. إن طريقة الله للخلاص كانت دائماً من خلال الإيمان وحده: الإيمان بالله وبخطته للخلاص. يقول الكتاب:‘‘ولكن أن ليس أحدٌ يتبرر بالناموس عند الله فظاهرٌ، لأن البار بالإيمان يحيا.’’ (غل 11:3)

إلا أنه حتى هذه النقطة كان شعب إسرائيل يأملون في أن يصلوا إلى حالة البر في نظر الله عن طريق أعمالهم. وكم كانوا ينقصهم الحكمة في اعتقادهم هذا! فلقد نسوا كم مرة أهانوا الله! ولم يدركوا حتى هذه النقطة كم عظيمة كانت خطيتهم أمام الله. فلم تكن خطيتهم في اعتقادهم بالشيء الكبير، ولكن في نظر الله الذي لابد وأن يدينهم، كانت خطيتهم أمراً رهيباً. إن الله قدوس وكامل، ولا يستطيع أن يرضى بأي عمل أقل من كامل! إلا أن حتى هذه النقطة، لم يكن شعب إسرائيل قد أدرك هذا المفهوم عن الله. ولهذا قالوا افتراضاً: ‘‘كل ما تكلم به الرب نفعل’’. والآن دعونا نكمل قراءة الكتاب، لنرى كيف نزل الله على جبل سيناء، وأظهر مجده وقداسته، وأعطى وصاياه العشر لشعب إسرائيل.

تقول كلمة الله:
‘‘فقال الرب لموسى: اذهب إلى الشعب وقدسهم .. ويكونون مستعدين لليوم الثالث. لأنه في اليوم الثالث، ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء. وتقيم للشعب حدوداً من كل ناحيةٍ قائلاً: احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه. كل من يمس الجبل يقتل قتلاً. لا تمسه يدٌ، بل يُرجم رجماً أو يُرمى رمياً. بهيمةً كانت أم إنساناً لايعيش.’’ (خر 10:19-13)
‘‘وحدث في اليوم الثالث، لما كان الصباح، أنه صارت رعودٌ وبروقٌ وسحابٌ ثقيلٌ على الجبل، وصوت بوقٍ شديدٌ جداً. وأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله. فوقفوا في أسفل الجبل. وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار. وصعد دخانه كدخان الأتون، وارتجف كل الجبل جداً. فكان صوت البوق يزداد اشتداداً جداً .. ونزل الرب على جبل سيناء.’’ (خر 16:19-20)
‘‘ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلاً: أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية.’’ (خر 1:20-2)
1-‘‘لايكن لك آلهةٌ أخرى أمامي.’’ (خر 3:20)
2-‘‘لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً .. لأني أنا الرب إلهك.’’ (خر 4:20-5)
3-‘‘لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً. لأن الربَّ لا يبرئُ من نطق باسمه باطلاً.’’
(خر 7:20).
4-‘‘اذكر يوم السبت لتقدّسه.’’ (خر 8:20)
5-‘‘أكرم أباك وأمك.’’ (خر 12:20)
6-‘‘لا تقتل’’ (خر 13:20)
7-‘‘لاتزن’’ (خر 14:20)
8-‘‘لا تسرق.’’ (خر 15:20)
9-‘‘لا تشهد على قريبك شهادة زور.’’ (خر 16:20)
10-‘‘لاتشته امرأةً قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولاشيئاً مما
لقريبك.’’ (خر 17:20).
‘‘وكان جميع الشعب يرون الرُّعود والبروق وصوت البوق، والجبل يدخن. ولما رأى الشعب، ارتعدوا ووقفوا من بعيدٍ. وقالوا لموسى: تكلم أنت معنا، فنسمع. ولا يتكلم معنا الله، لئلا نموت. فقال موسى للشعب: لاتخافوا. لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم، ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا. فوقف الشعب من بعيدٍ.’’ (خر 18:20-21)

وهنا سنتوقف عن قراءة الكتاب اليوم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سوف ندرس معاً كل وصية من الوصايا العشر، التي أعطاها الله لبني إسرائيل على جبل سيناء. ولكن قبل أن نودعكم اليوم، هناك شيء يريد الله أن يعلمه إيانا من خلال ما قرأناه للتو. وما ينبغي علينا أن ندركه هو: إن الله قدوس، ولا يمكننا أن نقترب إليه عن طريق أعمالنا الخاصة. فالكتاب يعلمنا أن ‘‘كل جسدٍ كعشب.’’ (1بط 24:1)، ويعلمنا أيضاً أن ‘‘إلهنا نارٌ آكلةٌ.’’ (عب 29:12) وكلنا يدرك تماماً ما يحدث للعشب إذا ما وقع في مسار حريقٍ مشتعل.

في بداية حلقتنا اليوم، سمعنا كيف قال الشعب لموسى: ‘‘كل ما تكلم به الرب نفعل.’’ ولقد قالوا هذا لأنهم لم يدركوا قداسة الله. وبطريقة ما، اعتقدوا أنهم يستطيعون أن يرضوا الله بأعمالهم. إلا أن بعد أن ظهر لهم الله على جبل سيناء، تغيرت أفكارهم تغييراً كاملاً. فعندما شاهدوا الرعود والبروق والجبل يدخن، وسمعوا صوت الرب يدوي في مسامعهم بالوصايا العشر، ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى: ‘‘تكلم أنت معنا، فنسمع. ولا يتكلم معنا الله، لئلا نموت’’.

وهكذا، بدأ الشعب يدرك قداسة الله المطلقة، وعجزهم الكامل على الاقتراب منه. وفي سفح جبل سيناء، أصبحوا مدركين لحق الكتاب عندما يقول: ‘‘كل جسدٍ كعشب.’’ و‘‘إلهنا نارٌ آكلةٌ.’’ (1بط 24:1) (عب 29:12) ففي محضر الله القدوس هذا، هل تعتقد أن الشعب كان يستطيع فعلاً أن يقول بأمانة: ‘‘أنه ليس هناك مشكلة، وأن كل ما يقوله الرب نفعل’’؟ بالطبع لا. فقد أدرك الشعب الآن أن لديه مشكلة كبيرة! فقد أحسوا بقداسة الله وصرامة وصاياه، وأحسوا بنجاستهم وعدم قدرتهم على حفظ وصايا الله الكاملة. لقد أحسوا بأنهم مثل العشب في مسار النار الآكلة.

ولكن ماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
هل تدرك قداسة الله؟ هل ترى أن الله وناموسه هما باران وكاملان؟ هل تدرك أن قلبك وكل أعمالك هي أشياء نجسة وغير كاملة أمام الله؟ أم أنك مثل شعب إسرائيل، الذين ظنوا أنه ليس هناك أي مشكلة، وأنهم يمكنهم أن يفعلوا كل ما يأمر به الله، ويقتربوا إليه بأعمالهم الصالحة؟
حقاً، إن هذه الأفكار لا تتفق مطلقاً مع فكر الله. فهل يمكن لهؤلاء النجسين الملطخين بالخطية أن يسكنوا مع ذاك القدوس البار؟ بالطبع لا!
هل يستطيع الرب أن يرضى بما هو نصفه صالح ونصفه شرير؟ بالطبع لا، فهو لا يستطيع، ولن يستطيع!
إن الله قدوس، ولا يستطيع أن يتحمل ما هوغير قدوس! فهو يطلب الكمال. هل تدرك هذا؟ أم أنك تأمل أنه في يوم الدينونة، سوف تمحو أعمالك الصالحة بكيفية ما، أعمالك الشريرة؟ لو أن هذه هي الحالة، لكان الله قاضياً غير بارٍ. وللتوضيح، ماذا تقول عن قاضٍ يقول لقاتل: ‘‘أنت مدان بجريمة القتل، ولكن بسبب أعمالك الحسنة في الماضي، فلن أحكم عليك. يمكنك أن تذهب. أنت حر.’’ ماذا تقول عن قاضٍ يقول مثل ذلك. لابد وأنك ستقول: ‘‘إنه قاضٍ غير عادل، وغير بار’’.

أصدقائي المستمعين ..
إن الله هو قاضٍ عادلٌ وبار! وهو لا يستطيع أن يتغاضى عن الخطية. والرب الإله الذي يجب أن يدين العالم، لا يستطيع أن يفعل إلا كل ما هو بار. إن بر الله يتطلب دفع ثمن الخطية. وهذا الثمن هو الموت، والانفصال الأبدي عن الله. وكل الأعمال الصالحة التي نقوم بها، لا تستطيع أن توفي دين خطيتنا. وفيما يخص أعمالنا الصالحة، يقول الكتاب: ‘‘وقد صرنا كلنا كنجسٍ، وكثوب عدةٍ كل أعمال برنا. (أي كثوب قذر مهلهل كل أعمال برنا)’’ (أش6:64) إن الله هو كنار آكلة، وأعمال الإنسان إنما هي كعشب جاف. ومن ثم، فإننا بأعمال برنا لا نستطيع أن نقف أمام نار دينونة الله العادلة.

فهل جرؤ شعب إسرائيل أن يقتربوا من نار الله التي نزلت على جبل سيناء؟ هل حاولوا أن يتسلقوا الجبل حيث كان الله؟ هل كانوا من الشجاعة بما يكفي أن يقتربوا من الجبل الذي اهتز وارتعد بالرعود والبروق؛ الجبل الذي صعد منه دخان كدخان الآتون؟ بالطبع لا؛ بل وقفوا بعيداً، وارتجفوا من الخوف. لم يجرؤ واحدٌ منهم على الاقتراب من الجبل، بسبب الخوف الذي شعروا به أمام قداسة الرب الإله وقوته الرهيبة. إلا أن هذا الخوف كان في صالحهم، لأن كلمة الله تقول: ‘‘مخافة الربّ رأس الحكمة.’’ (أم7:1)


أصدقائي المستمعين ..
نأتي بذلك إلى ختام حلقتنا اليوم. إلا إننا نشجعكم أن تتذكروا ما قد سمعناه ورأيناه للتو:
إن الله قدوس، وإنه لابد أن يدين الناس بحسب معايير قداستهم.
إن الله قدوس، ولا يستطيع التغاضي عن الخطية.
إن الله قدوس، ولا يمكننا أن نقترب إليه باستحقاق أعمالنا.

وفي حلقتنا القادمة بإذن الله، سنقوم معاً بدراسة وتفسير الوصايا العشر التي أعطاها الله لشعب إسرائيل على جبل سيناء.

نشكركم على حسن استماعكم. وليباركم الله ويعلمكم، وأنتم تتأملون في هذا الحق الأساسي في كلمته القائلة: ‘‘مخافةُ الربِّ رأسُ الحكمة.’’ (أم7:1)
ـــــــــــــــــ
 

 الدرس السابع والثلاثون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية