26

تمجيد يوسـف

تكوين 40-42

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقتنا السابقة، بدأنا نتعلم عن يوسف، الابن الحادي عشر من أبناء يعقوب الإثنى عشر. وقرأنا كيف حلم يوسف أن أخوته سيسجدون له يوماً ما. أما أخوته، فلم يصدقوه. ولكن اليوم، سنرى كيف حقَّق الله حلم يوسف، وجعل أخوته يأتون ويسجدون أمامه.

وكما علمنا، فإن أخوة يوسف كرهوه، واضطهدوه بسبب أحلامه. وفي غضبهم وغيرتهم، تمادوا إلى حد جعلهم يبيعوه كعبد، لتجَّار من نسل إسماعيل. وأخذ الإسماعيليون يوسف إلى مصر، وباعوه إلى واحد من موظفي فرعون. أما يوسف، فكان خادماً مخلصاً وأميناً في عمله، لأنه كان يسير مع الله. وكان يوسف أيضاً حسن المظهر، مما جعل زوجة سيده تشتهيه، وترغب في الاضطجاع معه. أما يوسف، فرفض وقال لها: ‘‘كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله’’. وعندما رفض يوسف أن يزني معها، تكلمت ضده، وتسببت في سجنه. إلا أن يوسف فضَّل السجن عن الاستمتاع الوقتي بلذة الخطية؛ إذ وضع الله أولاً في حياته. وظل يوسف في السجن لمدة عامين؛ ولكن الله لم ينساه.

والآن، دعونا نستمر في قراءة التوراة، لنرى كيف غير الله ظروف يوسف. تقول كلمة الله في الأصحاح الحادي والأربعين من سفر التكوين:
‘‘وحدث بعد سنتين من الزمان أن فرعون رأى حلماً. وإذا هو واقفٌ عند النهر. وهو ذا سبع بقراتٍ طالعةٍ من النهر حسنةُ المنظر وسمينة اللحم. فارتعت في روضةٍ. ثم سبع بقراتٍ أخرى طالعةٍ وراءها من النهر قبيحة المنظر ورقيقة اللحم. فوقفت بجانب البقرات الأولى على شاطئ النهر. فأكلت البقرات القبيحة المنظر والرقيقة اللحم البقرات السبع الحسنة المنظر والسمينة. واستيقظ فرعون.
‘‘ ثم نام فحلم ثانية. وهو ذا سبع سنابل طالعةٌ في ساقٍ واحدٍ سمينة وحسنة. وهو ذا سبع سنابل رقيقةٍ وملفوحةٍ بالريح الشرقية نابتةٍ وراءها. فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السبع السمينة الممتلئة. واستيقظ فرعون وإذا هو حلمٌ. وكان في الصباح إن نفسه انزعجت. فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها، وقص عليهم فرعون حلمه. فلم يكن من يعبِّره لفرعون.
‘‘ثم كلم رئيس السقاةِ فرعون قائلاً: أنا أتذكر اليوم خطاياي. فرعون سخط على عبديه، فجعلني في حبس بيت رئيس الشرط أنا ورئيس الخبازين. فحلمنا حلماً في ليلةٍ واحدةٍ، أنا وهو. حلمنا كل واحد بحسب تعبير حلمه. وكان هناك معنا غلامٌ عبرانيٌ عبد لرئيس الشُّرَط، فقصصنا عليه. فعبَّر لنا حلمينا. عبَّر لكل واحد بحسب حلمه. وكما عبَّر لنا، هكذا حدث. ردَّني أنا إلى مقامي؛ وأما هو فعلَّقهُ.
‘‘فأرسل فرعون، ودعا يوسف. فأسرعوا به من السجن. فحلق وأبدل ثيابه، ودخل على فرعون. فقال فرعون ليوسف: حلمت حلماً وليس من يعبِّره. وأنا سمعت عنك قولاً إنك تسمع أحلاماً لتعبِّرها. فأجاب يوسف فرعون قائلاً: ليس لي. الله يجيب بسلامةٍ فرعون. (تك 1:41-16)

فقصَّ فرعون حلمه ليوسف. ثم قال له بعد ذلك:
‘‘فقلت للسحرة، ولم يكن من يخبرني. فقال يوسف لفرعون: حلمُ فرعون واحدٌ. قد أخبر الله فرعون بما هو صانعٌ. البقرات السبع الحسنةُ سبع سنين. والسنابل السبع الحسنة هي سبع سنين. هو حلمٌ واحدٌ. والبقرات السبع الرقيقة القبيحة التي طلعت وراءها، هي سبع سنين. والسنابل السبع الفارغةُ الملفوحةُ بالريح الشرقية تكون سبع سنين جوعاً. هو الأمر الذي كلمت به فرعون.
‘‘قد أظهر الله لفرعون ما هو صانعٌ. هو ذا سبع سنين قادمةٌ شبعاً عظيماً في كل أرض مصر. ثم تقوم بعدها سبع سنين جوعاً. فيُنسى كل الشبع في أرض مصر ويتلف الجوع الأرض. ولا يُعرَف الشبع في الأرض من أجل ذلك الجوع بعده؛ لأنه يكون شديداً جداً.
‘‘وأما عن تكرار الحلم على فرعون مرتين؛ فلأن الأمر مقررٌ من قبل الله، والله مسرعٌ ليصنعه.
‘‘فالآن لينظر فرعون رجلاً بصيراً وحكيماً، ويجعله على أرض مصر. يفعل فرعون، فيوكِّل نظاراً على الأرض، ويأخذ خمس غلةِ أرض مصر في سبع سني الشبع. فيجمعون جميع طعام هذه السنين الجيدة القادمة، ويخزنون قمحاً تحت يد فرعون، طعاماً في المدن، ويحفظونه. فيكون الطعام ذخيرةً للأرض لسبع سني الجوع التي تكون في أرض مصر. فلا تنقرض الأرض بالجوع.
‘‘فحسن الكلام في عيني فرعون، وفي عيون جميع عبيده. فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا، رجلاً فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف: بعدما أعلَمَكَ الله كل هذا، ليس بصيرٌ وحكيمٌ مثلك. أنت تكون على بيتي، وعلى فمك يُقَبِّلَ جميع شعبي. إلا أن الكرسي أكون فيه أعظم منك. ثم قال فرعون ليوسف: أنظر. جعلتك على كل أرض مصر. وخلع فرعون خاتمه، وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوصٍ، ووضع طوق ذهبٍ في عُنُقِهِ. وأركبه في مركبته الثانية، ونادوا أمامه: اركعوا. وجعله على كل أرض مصر. وقال فرعون ليوسف: أنا فرعون. فبدونك لا يرفع إنسانٌ يده ولا رِجله في كل أرض مصر. ودعا فرعون اسم يوسف "صفنات فعنيح" (الذي يعني حافظ الحياة) .. فخرج يوسف في كل أرض مصر. وكان يوسف ابن ثلاثين سنة لما وقف قدَّام فرعون ملك مصر. فخرج يوسف من لدن فرعون، واجتاز في كل أرض مصر.
‘‘وأثمرت الأرض في سبع سني الشبع بحُزَمٍ. فجمع يوسف كل طعام السبع سنين التي كانت في أرض مصر، وجعل طعاماً في المدن. طعام حقل المدينة الذي حواليها جعله فيها. وخزن يوسف قمحاً كرمل البحر كثيراً جداً، حتى ترك العدد، إذ لم يكن له عدد..
‘‘ثم كملت سبع سني الشبع الذي كان في أرض مصر. وابتدأت سبع سني الجوع تأتي كما قال يوسف. فكان جوع في جميع البلدان. وأما جميع أرض مصر فكان فيها خبزٌ. ولما جاعت جميع أرض مصر، وصرخ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز، قال فرعون لكل المصريين: أذهبوا إلى يوسف. والذي يقول لكم، افعلوا. وكان الجوع على كل وجهِ الأرض. وفتح يوسف جميع ما فيه طعام، وباع للمصريين. واشتد الجوع في أرض مصر. وجاءت كل الأرض إلى مصر إلى يوسف لتشتري قمحاً. لأن الجوع كان شديداً في كل الأرض.’’ (تك 1:41-57)
‘‘فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمحٌ في مصر، قال يعقوب لبنيه: لماذا تنظرون بعضكم إلى بعضٍ. قد سمعت أنه يوجد قمحٌ في مصر. انزلوا إلى هناك، واشتروا لنا من هناك لنحيا ولانموت. فنزل عشرةٌ من إخوة يوسف ليشتروا قمحاً من مصر. وأما بنيامين أخو يوسف، فلم يرسله يعقوب مع إخوته. لأنه قال لعله تصيبه أذية. فأتى بنو إسرائيل ليشتروا بين الذين أتوا. لأن الجوع كان في أرض كنعان.
‘‘وكان يوسف هو المتسلط على الأرض، وهو البائع لكل شعب الأرض. فأتى إخوة يوسف، وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض. ولما نظر يوسف إخوته، عرفهم. فتنكَّر لهم، وتكلَّم معهم بجفاءٍ، وقال لهم: من أين جئتم؟. فقالوا: من أرض كنعان لنشتري طعاماً. وعرف يوسف إخوته. وأما هم فلم يعرفوه. وتذكر يوسف الأحلام التي حلم عنهم ..’’ (تك 1:42-9).

عزيزي المستمع ..
هل تدرك ما حدث؟ إننا نرى أخوة يوسف الآن، وهم يسجدون أمام أخيهم الأصغر، تماماً كما حلم يوسف من زمان بعيد. فيوسف الذي كرهوه، وأنكروه، وأرادوا أن يقتلوه، يسجدون أمامه في النهاية الآن. لقد عرف يوسف أخوته، وأما هم فلم يعرفوه؛ لأنهم لم يروه منذ أكثر من عشرين عاماً. وفي حلقتنا المقبلة بإذن الله، سنكمل قصة يوسف، ونرى كيف أظهر نفسه لأخوته.

ولكن ماذا عن درسنا اليوم؟ ماذا يريد الله أن يعلمنا إياه من خلال قصة يوسف وأخوته؟ إن الله يريد أن يكشف لنا أن ما حدث بين يوسف وأخوته، إنما هو توضيح لما سيحدث بين مخلِّص العالم ونسل آدم.

أصدقائي المسمتعين ..
إذا كنا سنتعلم شيئاً واحداً من هذا الدرس، فليكن هذا الشيء: أن يوسف كان صورةً أو ظلاً للمخلِّص، الذي وعد الله أن يرسله إلى العالم. ففي قصة يوسف، نجد على الأقل مئة عنصر وحدث ووجه للمقارنة تصوِّر جميعها قصة المخلص الموعود وتجسدها؛ المخلِّص الذي أتى إلى العالم بعد حوالي ألف وثمانمئة عام من هذه الأحداث. ومن الواضح، أنه ليس لدينا الوقت في برنامجنا، لنذكر المئة نقطة هذه، ولكننا سنذكر ثلاثاً منها:
1- أولاً: رأينا كيف رفض أخوة يوسف إياه، وأحلامه. فلقد كرهوه، وأهانوه، حتى أنهم باعوه. وهذا عينه، هو ما حدث للمخلِّص الذي أرسله الله إلى العالم. فقد رفضه أناس العالم، ورفضوا كلمته، وأهانوه، واضطهدوه، وباعوه، بل وحتى سمَّروه على الصليب.
2- والصورة الثانية هي: أنه في البداية، احتقر الناس يوسف، وأهملوه، وأساءوا معاملته، وسجنوه. ولكن في وقت الله المعين، عينه ملك مصر كالحاكم الأعلى الذي يسود على كل الأرض، معلناً لكل الذين يريدون أن يخلصوا من الجوع والموت، قائلاً: ‘‘اذهبوا إلى يوسف حافظ الحياة’’. وبنفس الطريقة، يوجِّه الله نظرنا إلى مخلِّص العالم الذي أرسله، قائلا: ‘‘إذهبوا إلى المخلِّص الذي قد عينته؛ فهو حافظ الحياة؛ وهو مصدرها!’’ فلو سلَّمت نفسك في يديه، فلن تشعر عمرك بالجوع في حياتك، وستحيا نفسك إلى الأبد.
3- والوجه الثالث للمقارنة هو وجهٌ جليلٌ ومهوبْ. ففي النهاية، خضع إخوة يوسف لسلطانه. فلم يكن لديهم أي اختيار، عدا أن يسجدوا أمام الشخص ذاته الذي أنكروه، وأهانوه! وبنفس الطريقة، تعلن كلمة الله لنا أن المخلِّص، الذي سيرفضه ويهينه ويحتقره الكثيرين جداً حتى هذا اليوم، سوف يعود في يومٍ، ليدين المسكونة بالبر. وفي هذا اليوم، سيسجد له كل أناس العالم. فالجميع سيعلمون أنه هو الذي عيَّنه الله، كالمخلِّص والديان لكل العالم.

ولكن ماذا عنك أنت .. صديقي المستمع ؟
هل أخضعت نفسك للمخلص الذي عيَّنه الله ليحفظك من الدينونة الأبدية. أم ستظل تنتظر حتى يتأخر الوقت، ويأتي يوم الدينونة، حين تُجبَر على السجود أمامه؟

أصدقائي المستمعين ..
سنضطر للتوقف اليوم عند هذه النقطة، إلا أن هذا لا يعني أن تتوقفوا عن التأمل والتفكير في درس اليوم.

فليبارككم الله، ويعطيكم أن تتأملوا في كل ما سمعتموه اليوم. إذ تقول كلمة الله:
‘‘وعندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت؛ التي تفعلون حسناً إن أنتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلمٍ، حتى ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم.’’ (2بط 19:1).
.. آميــن.

ــــــــــ
 

الدرس السابع والعشرون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية