20
إبراهيم وإسماعيل
تكوين
16،17
أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ،
وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون
معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.
بدأنا في الحلقتين السابقتين في دراسة قصة النبي إبراهيم. وعرفنا أن إبراهيم كان
يدعى أبرام. وفي هذه الحلقة، سنعرف لماذا غير الله أبرام إلى إبراهيم.
والجزء الأول من حلقتنا اليوم، هو عبارة عن قصة حزينة، تكشف لنا شيئاً فعله أبرام،
ولم يكن هذا الشيء مرضياً لله. والبعض يظن أن أنبياء الله لم يخطئوا البتة في
حياتهم. إلا أن كلمة الله تعلنها صراحة، إذ تقول:
‘‘أنه لا فرق. إذ أن الجميع أخطأوا، وأعوزهم مجد الله.’’ (رومية 22:3
،23) وتقول
أيضاً: ‘‘إن قلنا إننا لم نخطئ، نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا.’’(1يو 10:1)
ولقد عرفنا آنفاً أن خطية آدم أمتدت إلى جميع الناس، الصغار منهم والكبار، والرجال
منهم والنساء، وإلى الوثنيين والأنبياء. إلا أن هناك شخصاً واحداً لم يصطبغ
بالخطية، ألا وهو المخلِّص القدوس، الذي أرسله الله إلى العالم ليفدي الخطاة. فهو
لم يصطبغ بالخطية، لأنه جاء من الأعالي، من محضر الله القدوس.
ورأينا في الحلقتين السابقتين، كيف وعد الله أنه سيجعل من أبرام أباً لأمة عظيمة،
يأتي منها المخلِّص. وبالرغم من أن أبرام وزوجته كانا متقدمين في العمر، ولم يكن
لديهما أولاد؛ إلا أن ذلك لم يجعل أبرام يشك في كلمة الله.
إلا أننا سنرى اليوم، أنه بعد عشر سنوات من وعد الله الأول لإبرام بأنه سيعطيه
نسلاً، يحاول أبرام ‘‘مساعدة’’ الله في تتميم وعده. ولكن، ما فعله أبرام في عدم
صبره، جلب مشاكل كثيرة.
دعونا الآن نكمل قراءة التوراة، لنرى كيف أن أبرام وساراي رتبا شيئاً، كمحاولة
منهما للحصول على الابن الذي وعد به الله. ففي الأصحاح السادس عشر من سفر التكوين،
يقول الكتاب:
‘‘وأما ساراي امرأة أبرام فلم تلد له. وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر. فقالت
ساراي لأبرام: ‘هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة. ادخل على جاريتي، لعلي أُرزق منها
ببنين.’ فسمع أبرام لقول ساراي. فأخذت ساراي امرأةُ ابرام هاجر المصرية جاريتها من
بعد عشرِ سنين لإقامة أبرام في أرض كنعان، وأعطتها لأبرام رَجُلها زوجةً لهُ. فدخل
أبرام على هاجر، فحَبِلَت. ولما رأت هاجر أنها حَبِلَت، صَغُرَت مولاتها في عينيها.
فقالت ساراي لأبرام: ‘ظُلمي عليكَ. أنا دفعت جاريتي إلى حضنك. فلما رأت أنها
حَبِلَت، صَغُرتُ في عينيها. ليقضي الرب بيني وبينك.’ فقال أبرام لساراي: ‘هوذا
جاريتك في يديك. افعلي بها ما يَحسُنُ في عينيك.’ فأذلتها ساراي. فهربت هاجر من
وجهها.’’ (تك 1:16-6)
وهكذا نرى، كيف أنشات خطية أبرام المرارة والنزاع في بيته. فاغتاظت ساراي لأن هاجر
حَبِلت، وغضبت هاجر لأن ساراي أساءت معاملتها. وهكذا، هربت هاجر من ساراي. ثم يقول
الكتاب بعد ذلك:
‘‘فوجدها ملاك الرب (أي وجد هاجر) على عين الماء في البرية. على العين التي في طريق
شور. وقال: ‘ياهاجر جارية ساراي، من أين أتيت؟ وإلى أين تذهبين؟’ فقالت: ‘أنا هاربة
من وجه مولاتي ساراي.’ فقال لها ملاك الرب: ‘ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها.’
وقال لها ملاك الرب: ‘تكثيراً أكثر نسلك قلا يُعَد من الكثرةِ.’ وقال لها ملاك
الرب: ‘ها أنت حُبلى، فتلدين ابناً، وتدعين أسمه إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك.
وإنه يكون إنساناً وحشياً. يده على كل واحدٍ، ويد كل واحدٍ عليه. وأمام جميع إخوته
يسكن.’ ’’ (تك 7:16-12)
وهكذا رجعت هاجر إلى مولاتها، كما قال لها ملاك الرب. ‘‘فولدت هاجر لأبرام أبناً.
ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر، ‘‘إسماعيل’’. وكان أبرام ابن ستٍ وثمانين سنة
لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام.’’ (تك 15:16،
16) وهكذا، وُلِد إسماعيل، الذي هو أبو
العرب.
وكما سنرى، إهتم الله بإسماعيل، وكان لديه خطة له، ولكن إسماعيل لم يكن الابن الذي
وعد به الله أبرام. ولم تتغير خطة الله في أن يجعل من أبرام أمة عظيمة. فلم يكن
الله في عجلة مثل أبرام؛ فالله يفعل دائماً ما قد وعد به، حتى وإن بدا ذلك لنا
بطيئاً. وتخبرنا كلمة الله، أن الله ظل صامتاً لمدة ثلاثة عشر عاماً بعد ميلاد
إسماعيل؛ ولم يقل خلالها أي شيء لأبرام. وفي يوم، تكلم الله لأبرام.
فدعونا نقرأ من الأصحاح السابع عشر، ونسمع ما قاله الله لأبرام، بعد ثلاث عشرة سنة
من الصمت. وما سنقرأه، إنما هو شئ مدهش للغاية. تقول كلمة الله:
‘‘ولما كان أبرام ابن تسعٍ وتسعين سنةً، ظهر الرب لأبرام وقال له: أنا الله القدير.
سِر أمامي وكن كاملاَ. فأجعل عهدي بيني وبينك وأُكَثِّرَكَ كثيراً جداً.’ فسقط
أبرام على وجهه. وتكلم الله معه قائلاً: ‘أما أنا فهوذا عهدي معك، وتكون أباً
لجمهورٍ من الأمم. فلا يُدعى اسمك بعد أبرام، بل يكون اسمك إبراهيم. لأني أجعلك
أباً لجمهور من الأمم. وأكثِّرك كثيراً جداً، وأجعلك أمماً، وملوكٌ منك يخرجون.
وأقيم عهدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك في أجيالهم، عهداً أبدياً. لأكون إلهاً
لك ولنسلك من بعدك. وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرضَ غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً
أبدياً. وأكون إلههم.
‘‘وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي. أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. هذا هو
عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يُختنُ منكم كل ذكرٍ، فيكون
علامة عهدٍ بيني وبينكم. ابن ثمانية أيامٍ، يُختن منكم كل ذكرٍ في أجيالكم.
‘‘وقال الله لإبراهيم: ساراي امرأتك، لا تدعو اسمها ساراي بل سارة. وأُباركُها،
وأعطيك أيضاً منها أبناً. أباركها فتكون أمماً، وملوكُ شعوبٍ منها يكونون. فسقط
إبراهيم على وجهِهِ، وضحك. وقال في قلبه هل يولد لابن مئة سنةٍ، وهل تَلِدُ سارة
وهي بنتُ تسعين سنةً.
‘‘وقال إبراهيم لله: ليت إسماعيل يعيش أمامك. فقال الله: بل سارةُ امرأتك تَلِدُ لك
ابناً وتدعو اسمه إسحق. وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده. وأما إسماعيل
فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثِّرُهُ كثيراً جداً. اثنى عشر رئيساً
يَلِدُ، وأجعله أمةً كبيرةً. ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تَلِده لك سارة في هذا
الوقت في السنة الآتية.’’
(تك 1:17-21)
وهذا هو حيثما ينبغي أن نتوقف اليوم في قراءتنا للكتاب. ولقد رأينا كيف استمع أبرام
لمشورة زوجته، ودخل علي هاجر جاريتها. فما فعله ابرام كان شيئاً خاطئا. فلم يكن
إسماعيل، الذي وُلِد من أبرام وهاجر، جزءاً من خطة الله لخلق أمة جديدة، تكون سبب
البركة لجميع أمم العالم. فعدم أمانة الإنسان لا تستطيع أن تعوق أمانة الله. وكما
قرأنا، كان أبرام يبلغ تسعة وتسعين عاماً عندما ظهر له الله مرة ثانية، ليؤكد له
الوعد الذي أعطاه إياه منذ زمن بعيد. وتكلم الله معه قائلاً: ‘‘ أما أنا فهوذا عهدي
معك وتكون أباً لجمهورٍ من الأمم. فلا يُدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم.
لأني اجعلك أباً لجمهور من الأمم.’’ وتماشياً مع خطته الكاملة، غيَّر الله اسم
أبرام إلى ‘‘إبراهيم’’ الذي يعني ‘‘أباً لكثيرين’’. وغير الله أيضاً اسم ساراي إلى
‘‘سارة’’ الذي يعني ‘‘أميرة’’.
وهنا نرى شيئاً عجيباً. فنحن لا يمكننا أن نرى في أبرام وساراي إلا اثنين طاعنين في
السن، لم يكن لهما طفلاً من ذاتهما أبداً. إلا أن الله الآن، يعطيهما اسمين جديدين،
معلناً بمعنييهما ما سيحدث. فسمَّى الله أبرام ‘‘إبراهيم’’ أي ‘‘ أباً لكثيرين’’،
وسمى ساراي ‘‘سارة’’ أي ‘‘أميرة’’. فقد كان الله مزمعاً أن يعطي سارة وإبراهيم
ابناً، ويصنع منه أمة عظيمة. ومن هذا النسل سيأتي ملوكاً وأنبياء كثيرون، وفي
النهاية، سيأتي مخلص العالم. حقاً، إن الله عظيم، ومستحق كل تسبيح إلى الأبد. فلم
ينسى الله ما وعد به إبراهيم منذ زمن بعيد.
ولكن، ماذا فعل إبراهيم بعدما أكد الله وعده أنه سيعطيه ابناً في ذلك العمر؟
تقول كلمة الله: ‘‘فسقط إبراهيم على وجهِهِ وضحك. وقال في قلبه: ‘‘هل يولد لابن مئة
سنةٍ، وهل تَلِدُ سارة وهي بنتُ تسعين سنةً.’’ لقد ضحك إبراهيم، ولكنه لم يضحك عن
عدم إيمان، بل ضحك من السعادة.
إذ تقول كلمة الله: ‘‘وإذ لم يكن إبراهيم ضعيفاً في الإيمان، لم يعتبر جسده، وهو قد
صار مماتاً إذ كان ابن نحو مئة سنةٍ، ولا مماتيةَ مُستَودَعِ سارة. ولا بعدم إيمان
ارتاب في وعد الله، بل تَقَوى بالإيمان معطياً مجداً لله. وتَيَقَّن أن ما وعد به،
هو قادرٌ أن يفعله أيضاً.’’
(رومية 18:4-21)
ومع ذلك، أراد إبراهيم أن يعرف ما سيحدث لإسماعيل ابن هاجر الجارية. فأجاب الله
عليه وقال: ‘‘وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثٍرُهُ كثيراً
جداً. اثنى عشر رئيساً يَلِدُ واجعله أمةً كبيرةً. ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي
تَلِده لك سارة .. وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده.’’ (تك 20:17-21
،19)
وهكذا أكد الله غرضه في أنه سيبعث الأنبياء من نسل إسحق، وفي النهاية، يبعث
المخلِّص نفسه من نسله أيضاً. وفي حلقتنا المقبلة بإذن الله، سنرى كيف أعطى الله
لإبراهيم وسارة، إسحق .. ابن الموعد.
حقاً، إن الله أمين. فالله يفعل كل ما قد وعد به، ولا يصعب عليه أمر. فلنسمع لتلك
الكلمات الجميلة من الإنجيل:
‘‘يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطُرُقه عن الاستقصاء.
لأن من عرَفَ فكر الرب أو من صار له مشيراً. أو من سبق فأعطاه فيُكَافَأَ. لأن منه
وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين.’’ (رومية 33:11-36)
أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم .. وليبارككم الله وأنتم تتأملون في معنى الآية التي في
كلمته المقدسة:
‘‘إن كنَّا غير أمناء، فهو يبقى أميناً، لن يقدر أن ينكر نفسه.’’ (2تي 13:2)
ـــــــــــــ
الدرس الحادي والعشرون | فهرس
دراسات طريق البرِّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية