س: كيف طبّق الرب يسوع قوله لا تظنُّوا أني جئْت لأنَقض الناموس أو الأَنبِياء. ما جئت لأنقض بل لأكّمِل.
ج: الحقيقة إن الرب يسوع طبّق هذا القول في عدة أمور نأخذ منها أمراً واحداً على
سبيل المثال في هذه الحلقة وهو القتل. قال المسيح في
إنجيل متى "قد سمعتم أنهُ قيل للقُدَماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحُكم. وأما
أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيهِ باطلاً يكون مستوجب الحُكم. ومن قال لأخيهِ
رَقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنَّم."
وهنا يكمّل المسيح الوصية السادسة من الوصايا العشر التي أعطاها الرب لموسى في
التوراة، وهذه الوصية تقول "لا تقتل." وقد أكمل المسيح هذه الوصية في الإنجيل
بتسليط الضوء على أمرين: الأمر الأول هو الغضب الباطل والأمر الثاني هو الإهانة
والتقبيح، فبالنسبة للأمر الأول قال المسيح "إن كل من يغضب على أخيهِ باطلاً يكون
مستوجب الحُكم." والغضب الباطل هو الغضب الذي ينشئه ويقوده الشيطان وهو غضب ملئ
بالخطأ وعدم ضبط النفس ويؤدي إلى الخصام والنزاع والانقسام..إلخ ومن كلمة الله نعلم
أن المسيح يسوع قد أذن لنا بالغضب لكن بشروط تحكم هذا الغضب لكي لا يكون غضباً
باطلاً بل غضباً بنّاءاً هادفاً.
فمكتوب "اغضبوا ولا تخطِئُوا. لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا ابليس مكاناً."
وذات المعنى ورد أيضاً في سفر المزامير إذ يقول الوحي "ارتعدوا -أو اغضبوا- ولا
تخطئُوا. تكلَّموا في قلوبكم على مضاجعكم واسكتوا." وهنا نجد أربعة أمور أوصى بها
الكتاب عند الغضب.
أولاً: لا تخطئوا، أي أنك حينما تغضب لأمرٍ ما يستدعي الغضب يجب ألا تخطئ وبالأولى
جداً أن لا تخرج عن طوعك وتفقد ضبطك لنفسك "البطيءُ الغضب خيرٌ من الجبار ومالك
روحهِ خيرٌ ممّن يأخذ مدينة."
ثانياً: "تكلموا في قلوبكم على مضاجعكم" أي اذهب بهذا الغضب إلى الله وتكلم معه
وتحاجج معه. "أدخل إلى مخدعك واغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء." واطرح
الأمر أمامه بكل اتضاع وانكسار، وتذلل له في تشفع وطلب لرحمة الله عليك وعلى أخيك،
طالباً لمشورة الله لكي يقودك الرب إلى ما يريدك أن تفعل. فإما أن يفصح لك الرب عن
الأمر ويريحك وينقي داخلك من جهة أخيك وينتهي الغضب أو ربما يقودك إلى الذهاب إليه
للمعاتبة والمصالحة والتصفية أو ربما يقودك إلى أمر آخر لصناعة السلام بين الأخوة.
ثالثاً: "واسكتوا" أو "لا تغرب الشمس على غيظكم" أي أننا إذ نلجأ إلى الله بالقلب
المنكسر والمنسحق، يقودنا المسيح ويرشدنا الروح القدس وينتهي الغضب فنسكت ولا تغرب
الشمس على الغيظ. أي لا ينام الإنسان وهو مغتاظ من أخيه بل ينام في ستر العلي وفي
ظل القدير يبيت..
رابعاً: "ولا تعطوا ابليس مكاناً" فابليس يشتهي أن يأخذ مكاناً في نفس وفكر وقلب
أولاد الله وهو يستغل الغضب لكي يجد له مكاناً منه يستطيع أن يهدم عمل الله في
الإنسان وفي الكنيسة، وبالإلتجاء إلى الله في وقت الغضب نحصن أنفسنا بقدرة الله فلا
نعطي إبليس مكاناً.
لذلك فالغضب الباطل هو الغضب الذي يقود إلى الخطأ سواء بالاحتداد والصياح أو
بالخمير والرياء وهكذا يتولد الخصام والبغضة، ومكتوب "كل مَن يبغض أخاهُ فهو قاتل
نفس. وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس لهُ حياة أبدية ثابتةٌ فيهِ." فطبيعة الله
ترفض القتل والبغضة على حدٍ سواء لأن الله محبة لذلك قرن الله البغضة والكراهية
بالقتل تماماً.. والكتاب المقدس يعلمنا أن هذا هو الفارق بين أولاد الله وأولاد
العالم قائلاً "لا تتعجَّبوا يا أخوتي إن كان العالم يبغضكم. نحن نعلم أننا قد
انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب ُّالأخوة. مَنْ لا يحب أخاهُ يبقَ في
الموت."
أما بالنسبة للأمر الثاني الذي هو الإهانة والتقبيح فقد قال المسيح "ومن قال لأخيه
رَقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنَّم." وللإيضاح فكلمة
"رقا" هي كلمة آرامية متداولة بين اليهود في ذلك الوقت وتعني فارغ أو باطل، والمجمع
هو المحكمة الدينية المعروفة لليهود.
أما تفسير قول المسيح فهو أن من يهين أخيه بفعلٍ أو قول ويحزنه وربما يعثّره أو
يسقطه في الفشل إنما هو يقتل هذه النفس ..
فالله وحده هو "فاحص القلوب والكلى" وهو وحده القادر والذي له الحق، والمستحق أن
يحكم على الإنسان إذا ما كان فارغاً أم لا أو إذا ما كان عمل الإنسان باطلاً أم لا
وهو الإله المحب والآب القدوس القادر أن يعالج ضعف الإنسان ويكمل نقصه. وفي النهاية
"ستمتحن النار عمل كل واحدٍ ما هو. إن بقي عمل أحدٍ قد بناهُ عليهِ - أي على الأساس
الذي هو المسيح - فسيأخذ أجرة. إن احترق عمل أحدٍ فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما
بنار."
أما الإنسان فلا يعرف ولا يقدر أن يعرف، ولا يقدر أن يمتحن لأنه إنما ينظر إلى
الوجه لا إلى القلب فكم بالحري جداً لا يحق للإنسان أن يحكم أو يدين.. مكتوب "ولا
تدينوا فلا تُدانوا. لا تقضوا على أحدٍ فلا يُقضَى عليكم. اغفروا يُغفَر لكم." وعلى
هذا الأساس يقول الكتاب "إن كل كلمةٍ بطَّالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها
حساباً يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرَّر وبكلامك تُدان" وقد أوصانا الله "لا تخرج
كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة
للسامعين." آمين